الملخص
یتصف قانون المرافعات المدنیة بسمات عدة .. ومن بین تلک السمات او الخصائص السمة الشکلیة , بمعنى ان تباشر الاجراءات على وفق سیاق محدد بنص القانون والا کانت عدیمة الجدوى , فالشکلیة بهذا المعنى اذن تعد حجر الزاویة فی قوانین المرافعات, ومسألة لایمکن الاستغناء عنها فهی – فی نظر التشریعات المقارنة – تحمل من المزایا ما یجعلها من المرتکزات الاساسیة فی قوانین المرافعات , الا ان تلک التشریعات لم تنکر الجانب السلبی لها , الأمر الذی دفعها الى عدم التفریط فی الالتجاء إلیها لکی لاتأتی بنتائج عکسیة على مجمل العملیة القضائیة
الكلمات الرئيسة
الموضوعات
أصل المقالة
الأوراق الإجرائیة فی قانون المرافعات المدنیة ( دراسة مقارنة )
Procedural papers in Civil Procedure Law
فارس علی عمر الجرجری کلیة الحقوق/ جامعة الموصل Fares Ali Omar Al-Jarjari College of law / University of Mosul Correspondence: Fares Ali Omar Al-Jarjari E-mail: |
(*) أستلم البحث فی 30/6/2006 *** قبل للنشر فی 16/8/2006.
(*) Received on 30/6/2006 *** accepted for publishing on 16/8/2006.
Doi: 10.33899/alaw.2007.160510
© Authors, 2007, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
مقدمة:
الحمد لله رب العالمین .. والصلاة والسلام على سید المرسلین .. وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهدیه الى یوم الدین .. وبعد ..
یتصف قانون المرافعات المدنیة بسمات عدة .. ومن بین تلک السمات او الخصائص السمة الشکلیة , بمعنى ان تباشر الاجراءات على وفق سیاق محدد بنص القانون والا کانت عدیمة الجدوى , فالشکلیة بهذا المعنى اذن تعد حجر الزاویة فی قوانین المرافعات, ومسألة لایمکن الاستغناء عنها فهی – فی نظر التشریعات المقارنة – تحمل من المزایا ما یجعلها من المرتکزات الاساسیة فی قوانین المرافعات , الا ان تلک التشریعات لم تنکر الجانب السلبی لها , الأمر الذی دفعها الى عدم التفریط فی الالتجاء إلیها لکی لاتأتی بنتائج عکسیة على مجمل العملیة القضائیة .
فالشکلیة وان کانت واضحة فی معظم الاجراءات القضائیة , سواء کانت على الاوراق القضائیة او المواعید , او حتى على الجزاءات الاجرائیة , الا انها لیست من الصرامة والشدة ما یجعلها عبئاً على کاهل المتقاضین , بل هی فی حقیقة الامر مسألة تنظیمیة تکفل للقضاء استقراره , وفی نفس الوقت تحفظ للخصوم حقوقهم . فضلاً عما تقدم , فأن من مقتضیات حسن سیر القضاء ضرورة وضع قواعد محددة وموحدة ینبغی على الأشخاص مراعاتها عند القیام بإجراءات الخصومة , کما یتحتم على القضاة اتباعها عند الفصل فی الخصومة , وتختلف هذه القواعد بإختلاف الغایة منها , فمن هذه القواعد ما تکون عامة بحیث تخضع لها جمیع الاجراءات , منها على سبیل المثال الاوراق الاجرائیة , ومنها ما یکون خاص بنوع معین من الاجراءات , وسیقتصر البحث على النوع الأول دون الأخر .
ان الاجراءات القضائیة وان تعددت مسمیاتها واختلفت مراحل إثارتها , لابد ان تتجسد فی نهایة المطاف على هیئة شکلیة معینة الا وهی الکتابة على الاوراق , فهذه الاوراق اذن تحدد طبیعة کل اجراء من خلال مایحتویه من اجراءات قضائیة , فعلى سبیل المثال , ورقة التبلیغ هی لیست محاضر الجلسات , کما ان تقاریر الخبراء لا تشابه الأحکام القضائیة وهکذا , اذن الاجراءات متنوعة ,الا ان کیفیة تحریرها والشکلیة المحددة لها تکاد تکون موحدة .
لقد حددت التشریعات المقارنة البیانات التی یقتضی توافرها فی الاوراق الاجرائیة, حیث تأخذ هذه البیانات على عاتقها مهمة بیان معالم الورقة الاجرائیة , اذ لاتکون هذه الاوراق صحیحة ما لم تحو على البیانات المحددة قانوناً , وهذا الامر بطبیعة الحال تجسید لفکرة الشکلیة فی قانون المرافعات المدنیة , وتختلف البیانات فی الورقة باختلاف طبیعة کل ورقة وبما یتناسب مع کل اجراء قضائی .
ان معظم الاوراق الاجرائیة فضلا عن اتصافها بالسمة الشکلیة , فانها تمتاز بصفة اخرى الا وهی الصفة الرسمیة , ومعنى هذه الصفة ان الاوراق صادرة عن جهة رسمیة, الامر الذی یعنی إمکانیة الطعن بفحوى تلک الاوراق عن طریق الطعن الذی حددته التشریعات الا وهی الطعن بالتزویر فقط , مع مراعاة القواعد العامة عند اللجوء الى هذا الطعن من حیث مدى صدورها عن الموظف المختص ضمن حدود اختصاصه , او حالة اقتصار دور الموظف القضائی على تدوین مضمون الورقة على مسؤولیة ذوی الشأن .
ویتنوع تحریر الاوراق الاجرائیة بتنوع الموظفین القضائیین و الأشخاص المکلفین بها فمنها ما تکون صادرة عن القضاة کالأحکام القضائیة , وتمثل اهم تلک الاوراق من حیث ما تحویه من اهم الاجراءات القضائیة , الا وهی الاحکام التی تحسم بموجبها الدعاوى. وقد تکون الورقة الاجرائیة صادرة عن الموظفین القضائیین العمومیین , حیث تکلف هذه الفئة بتحریرها , منها على سبیل المثال , ورقة التبلیغات القضائیة التی تمثل مرحلة مهمة من مراحل حسم الدعاوى المدنیة , وقد یکلف الخصوم أنفسهم بتحریر بعض الاوراق , وهی فی کل الاحوال لأتقل أهمیة عن باقی الاوراق کونها تمثل بدایة النظر فی الاجراءات القضائیة اللاحقة کالعرائض او اللوائح .
مهما یکن من امر فأن التشریعات المقارنة تحدد جزاءات صارمة فی حال عدم مراعاة الاوضاع القانونیة المقررة فی الاوراق الاجرائیة , حیث حددت جزاءات متعددة الغرض منها اضفاء طابع الجدیة علیها والحیلولة دون استهانة الخصوم والموظفین بها , ولعل من بین اهم تلک الجزاءات الاجرائیة بهذا الصدد هو جزاء البطلان , حیث یکون هذا الجزاء نتیجة طبیعیة لمخالفة الاوضاع للنموذج المحدد له قانوناً , فضلاً عما یحمله هذا الجراء من اثار متعلقة به.
ومن اجل القاء الضوء على کل هذه الفقرات , رأینا تقسیم خطة البحث على النحـو الاتی :
المبحث الاول :- ماهیة الاوراق الاجرائیة .
المبحث الثانی :- صور الاوراق الاجرائیة .
المبحث الثالث :- الاثر المترتب على مخالفة الاوراق للأوضاع الاجرائیة .
المبحث الأول
ماهیة الأوراق الإجرائیة
یقتضی البحث فی ماهیة الاوراق ضرورة الوقوف عند ادق التعاریف التی قیلت بشأنها لتتسنى لنا معرفة هذا النوع من الاوراق ولتمییزه عن باقی الاوراق القضائیة – من جهة اخرى – حیث تتنوع الاوراق مع تنوع الجهات المکلفة بتحریرها , وفی کل الاحوال تتباین اهمیة کل ورقة وذلک بحسب الاجراء القضائی الذی تتعامل معه .
کما ان من مقتضیات الورقة الاجرائیة , وجوب اشتمالها على جملة بیانات وهو ما یعکس الجانب الشکلی لها , بحیث ان تخلف بعض البیانات الاساسیة یعنی ان خللاً قد اصاب تلک الورقة , الامر الذی یدعو الى ضرورة معالجتها .
وسنبحث هذه المسائل خلال هذا المبحث إذ قسمناه الى المطلبین الاتیین :-
المطلب الاول :- التعریف بالاوراق الإجرائیة .
المطلب الثانی :- ممیزات الاوراق الاجرائیة .
المطلب الأول
التعریف بالأوراق الإجرائیة
لقد تعرض فقهاء القانون الاجرائی لموضوع الاوراق الاجرائیة ابتداءاً من ایجاد تعریف لها و انتهاءاً ببیان الاثر المترتب على عدم صحتها , ولعل من بین ابرز تلک التعاریف بهذا الصدد , ان الاوراق الاجرائیة هی تلک الاوراق المثبتة لإجراءات الخصومة إذ یستلزم المشرع کتابتها , سواء کانت الاجراءات صادرة عن الأشخاص وممثلیهم , او کانت صادرة عن القضاة او کانت صادرة عن اعوان القضاة ومساعدیهم .
ان هذا التعریف یجسد الفکرة القائلة ان الاجراء القضائی المکتوب یندمج فی الورقة التی تحتویه بحیث ان دراسة هذا الاجراء ینتهی الى دراسة الورقة ذاتها فی کیفیة تحریرها واستعمالها .
والکتابة وان کان لها دوراً مهماً فی الاجراءات القضائیة فی الوقت الحاضر على وجه العموم , الا ان اهمیتها فی الاجراءات القضائیة القولیة تختلف عما هو علیه فی الاجراءات القضائیة الفعلیة , فبینما یندمج الاجراء فی الورقة او تندمج الورقة فی الاجراء فی حالة الاجراء القولی المکتوب , وبخاصة اذا کانت الکتابة اجباریة , لاتعتبر الورقة بالنسبة للأجراء الفعلی سوى (( سجل )) له ,ویترتب على ذلک ان صحة الاجراء او بطلانه فی الحالة الاولى یمکن ان تستفاد وتنسب الى الورقة ذاتها , بینما لا تلازم بین صحة الاجراء او بطلانه وصحة (( السجل )) او بطلانه فی الحالة الثانیة .وعلى ایة حال فإن الاجراءات القضائیة تتعدد مسمیاتها بحیث تستمد عادة من الغرض المقصود منه , ویطلق هذا الاسم على الاجراء وعلى الورقة جمیعاً , فکل من الورقة والاجراء القضائی یشکلان کتلة واحدة لایمکن الفصل بینهما .
الجدیر بالذکر هنا , ان الاجراءات القضائیة , التی اصطلح على تسمیتها بالاجراءات الشفویة او الفعلیة , لا بد ان تأتی فی نهایة المطاف على هیئة اوراق مکتوبة اذ لا تقبل الاجراءات غیر المدونة , حیث یکون من المتعذر التعرف على مدى صحتها من قبل محاکم الدرجة الثانیة , الامر الذی یعنی ان المحکمة قد ارتکبت خطأ قانونیاً, فالمحکمة وان کان لها مباشرة أی اجراء تراه مناسباً للوصول الى الحقیقة , کما لها الحق العدول عنها , الا انها فی الوقت نفسه ملزمة ببیان الاسباب التی دعتها لذلک , حیث لا یجوز ان تعدل المحکمة شفاهاً عن أی اجراء بحضور الخصوم , مالم تحرر ذلک فی محضر الجلسة او الحکم .
وتبدو اهمیة الاوراق الاجرائیة من کونها تنظم الاجراءات القضائیة المختلفة والتی تتم داخل دعوى مرفوعة الى القضاء , ولما کانت الخصومه شکلاً عاماً للحصول على حمایة القضاء فکان طبیعیا ان یتولى المشرع بنفسه تحدید وسیلة القیام بالعمل الاجرائی, بحیث یلتزم القائم بالعمل مباشرته بالشکل الذی حدده القانون لا بالشکل الذی یراه , بمعنى ان المشرع یرى فی الاوراق الاجرائیة خیر وسیلة لتحقیق وظیفة القضاء , فلا مجال اذن للالتفاف علیه.
اما بخصوص الطبیعة القانونیة للأوراق الاجرائیة , فالملاحظ ان الفقه الاجرائی متفق على انها أعمال قانونیة , هذا الوصف الذی قد لایشمل کافة الاوراق وان بدا علیها الملامح الاجرائیة . فمما لاشک فیه ان الدعوى تتألف فی مجموعها من جملة اجراءات قانونیة متتابعة تتابعاً زمنیاً , بحیث تبدأ من اقامة الدعوى وتنتهی بصدور الحکم الذی یکتسب درجة البتات ویعد کل اجراء من هذه الاجراءات المحصورة بین هاتین الفترتین اجراءات قائمة بذاتها ومستقلة عن الاجراء الذی یلیه الذی یسبقه وفی نهایة المطاف یرتب القانون على کل من هذه الاجراءات اثاراً قانونیة خاصة ویرتب الجزاء على مخالفتها .
وفی ضوء ما تقدم فان الاوراق التی تتعامل مع الاجراءات الممهدة للأعمال القضائیة, لا تعد اعمالاً قانونیة لأنها لیست من قبیل الاجراءات القضائیة , فهی سابقة للعمل القضائی , فالاعذار – مثلاً – وهی ورقة تتضمن دعوة الدائن لمدینه بضرورة تنفیذ التزامه مع تحمیله المسؤولیة کاملة فی حالة التأخیر فی التنفیذ وما یترتب علیه من اضرار قد تلحق بالدائن لا تعد من قبیل الاوراق المنظمة للاجراءات القضائیة لأنها لاتعد جزءاً من الدعوى القائمة , بل هی ضمن الاوراق الممهدة للدعوى .
من جانب اخر فالاوراق الاجرائیة تتصف – کما سیأتی بیانه – بخاصیتی الرسمیة والشکلیة بمعنى انها صادرة عن جهة رسمیة بحیث لایجوز الطعن فیها الا بالتزویر وکونها شکلیة , یعنی وجوب اشتمالها على جملة بیانات واجبة الاتباع , فی حین نجد ان الاعذار بدلالة المادة ( 257 ) من القانون المدنی العراقی , قد بینت صوراً متعددة لاجراء الاعذار , وترکت للأفراد حریة اختیار طریقة الاعذار , حتى لو کانت بطریقة الاخطار الشفوی وغیرها اذا تم الاتفاق على ذلک , بمعنى انها لاتکون دائماً صادرة عن جهة رسمیة , فضلاً انه لیس هناک شکلیة محددة توجب على الافراد اتباعها .
یتضح مما تقدم , ان للأوراق الإجرائیة خصوصیة معینة قد لا تتصف بها باقی الاوراق , من حیث قوتها وتعاملها مع الاجراءات المتنوعة حتى ان هذه الاوراق نفسها قد تختلف عن بعضها من حیث البیانات التی تحویها وکیفیة تبلیغها .
المطلب الثانی
ممیزات الأوراق الإجرائیة
تتصف الأوراق الإجرائیة عموماً بخاصیتین رئیسیتین , قد تمثلان فی الوقت نفسه المستلزمات الضروریة لصحة تلک الاوراق بحیث ان تحریرها على نحو مغایر لما قرره المشرع وصدورها من غیر الجهات المحددة , یجعلها غیر مؤهلة لاکتساب صفة الاوراق الاجرائیة , وتتمثل هاتان المیزتان , بموجب اشتمال الورقة على جملة بیانات فضلاً عن تحریرها على هیئة محددة , وتسمى هذه المیزة بالشکلیة , إذ تشکل حجر الزاویة فی قانون المرافعات عموماً , اما المیزة الثانیة فهی الرسمیة , بمعنى ان اغلب هذه الاوراق صادرة عن الجهات الرسمیة متمثلة بالجهات القضائیة .
وسنتناول ممیزات الاوراق الاجرائیة من خلال الفرعین الاتیین :-
الفرع الاول :- شکلیة الاوراق الاجرائیة .
الفرع الثانی :- رسمیة الاوراق الاجرائیة .
الفرع الأول
شکلیة الأوراق الإجرائیة
تمثل الشکلیة احد ابرز معالم الاوراق الاجرائیة , بحیث تکاد لا تخلو ایة ورقة من الشکلیة المقررة ، لما لها من المردودات الایجابیة على مجمل العملیة القضائیة . ولعل من اهم الجوانب الایجابیة لهذه الشکلیة , کونها الوسیلة الضروریة لأشاعة الطمأنینة والثقة فی القضاء اذ لاتترک للقائم بالاجراء حریة اختیار الوسیلة التی یراها , بل علیه اتباع الوسیلة والاسلوب فی تحریر الورقة وفقاً للطریقة التی رسمها المشرع للوصول الى العدالة .
تجدر الاشارة الى ان المواقف تتباین ما بین التشدد فی الشکلیة وما بین التخفیف منها , بحیث لاتکون مجرد عراقیل تحول دون حسم الدعوى . حیث اتجهت محکمة التمییز الفرنسیة نحو التفسیر المتشدد بخصوص قواعد قانون المرافعات المدنیة وذلک فیما یتعلق ببیانات الورقة , حیث رتب البطلان عند عدم مراعاة تلک الشکلیات , حیث عدها الوسیلة الکفیلة ضد تعسف القضاة والخصوم على حد سواء الا ان للفقه الاجرائی الفرنسی وسائل معینة لتخفیف الشکلیة المفرطة , وذلک عن طریق الاعتماد على نظام عقوبات خاصة عند مخالفة الاجراءات للأوضاع القانونیة .
ان الشکلیة فی الاوراق الاجرائیة – رغم الانتقادات الموجهة لها – تتصف بعدة خصائص یمکن ان تخفف نوعاً ما من التخوف الذی تبدیه بعض الاتجاهات الفقهیة حیالها , بحیث لاتعکس الشکلیة الصورة الخاطئة وغیر الدقیقة , بما یتعارض مع وظیفتها الاساسیة . من هذه الخصائص ان الشکلیة فی هذه الاوراق هی ذات وظیفة خارجیة فهی تختلف عن الشکلیة فی القانون الرومانی حیث کان یکتفى القیام بالشکل وحده لکی یترتب الاثر القانونی للأجراء فی حین ان الشکلیة الحدیثة هی ذات وظیفة خارجیة أی انها تضاف الى العناصر الموضوعیة للأجراء من وجود الارادة والمحل والسبب ... الخ . کما تتصف الشکلیة ایضاً انها ذات طبیعة مرنة فهی لیست شکلیة جامدة بحیث یترتب البطلان على أی نقص فی الشکل وان کان ذا اهمیة ضئیلة وانما یجوز تکملة ما نقص فی بیان معین فی الورقة ببیان اخر من ذات الورقة , وهو ما اصطلح فی الفقه الاجرائی على تسمیته بمبدأ (( تکافؤ البیانات )) .
فضلاً عما تقدم فإن الاشکال فی الاوراق الاجرائیة تمتاز بطابع وسیلی ومعنى هذه المیزة ان الاوراق لاتبطل بمجرد وجود عیب شکلی فیه , اذا کانت الغایة التی یتوخاها القانون من الشکل قد تحققت , فالشکل مجرد وسیلة لتحقیق ضمانات معینة , فمتى ما حققت الاوراق هذه الضمانات , فلا یجوز التمسک ببطلانها لعدم احترام الشکل .
اما بخصوص مظاهر الشکلیة فی الاوراق الاجرائیة , فالملاحظ ان هناک عدة مظاهر لها , إذ تشکل فی الوقت نفسه وسائل اساسیة فی العمل القضائی , بحیث ان عدم مراعاة تلک المظاهر یعنی امکانیة الحکم على تلک الاجراءات بالبطلان .
من هذه المظاهر هی الکتابة , فما من شک ان للکتابة الدور المهم فی الاوراق القضائیة حتى انه اصبح من المألوف تسمیة هذه الاوراق باوراق المرافعات , کنایة عن کونها اجراءات تتخذ کتابة بل ان مبدأ (( شفویة المرافعات )) یعنی شفویة (( الاجراءات )) من المبادئ التی کانت تعد (( اصولاً )) فی التقاضی لم یعد یذکر الا بتحفظ شدید , ولا یکاد یعد سائداً الا بالنسبة للمرافعة دون معظم الاجراءات , وحتى فی مجال المرافعة , تطغى المذکرات المکتوبة تدریجیاً على المرافعة الشفویة .
واذ کانت الکتابة تمثل عنصراً فی المظاهر الشکلیة للأوراق الاجرائیة , الا ان هذه المظاهر تأخذ منحنى آخر فیما یتعلق بمکان وزمان تحریر هذه الاوراق , اذ لا یمکن تحریرها ومن ثم التمسک بها الا فی اوقات ومواضع حددها المشرع , فالشکلیة اذن تتجسد فی الاوراق کظرف یتوجب مراعاتها والا کان مصیرها البطلان , وهو ما سنبحثه تباعاً :-
اولاً :- الشکلیة فی الاوراق الاجرائیة کظرف الزمان :-
لا تکون بعض الاوراق المتضمنة للأجراءات القضائیة صحیحة مالم تتم فی وقت معین حددها المشرع , حیث لاتکون تلک الاوراق منتجة للأثار القانونیة , وبالتالی تکون عرضة للبطلان , فتحریر الاوراق ومن ثم التعامل بالإجراءات التی تتضمنها قد یتم تقییدها بشکلیة ظرف زمان , الامر الذی یستلزم مراعاتها .
والامثلة على تقیید الاوراق الاجرائیة بمواعید محددة عدیدة , منها ما أوجبه المشرع العراقی من ان الدفع ببطلان تبلیغ عریضة الدعوى او الاوراق الاخرى , یتوجب ابداؤه قبل أی دفع او طلب اخر والا سقط الحق فیه .
فالورقة المتضمنة لدفع شکلی لاتکون ذا فائدة , اذا لم تباشر فی الفترة التی حددها المشرع , حیث یجب اثارتها قبل أی دفع اخر.
ومن الامثلة الاخرى بهذا الصدد , ما نص علیه المشرع المصری من عدم جواز اجراء أی اعلان ( تبلیغ ) او تنفیذ قبل الساعة السابعة صباحاً ولابعد الساعة الثامنة مساءاً ولا فی ایام العطل الرسمیة , الا فی حالات الضرورة وبإذن کتابی من قاضی الامور الوقتیة .
ثانیاً :- الشکلیة فی الاوراق الاجرائیة کظرف مکان :-
قد تتقید الورقة الاجرائیة بمکان تجب مباشرة الاجراء فیه حیث یکون المکان ظرفاً شکلیاً فی العمل . ومن الامثلة على ذلک مانص علیه المشرع العراقی من ان منطوق الحکم – وهی الورقة المتضمنة للحکم – یتلى علناً بعد تحریر مسودته وکتابة اسبابه الموجبة فی الجلسة المحددة لذلک . حیث لایجوز تلاوة منطوق الحکم فی مکان اخر غیر الجلسة فی قاعة المحکمة , فهذه الشکلیة من المسائل التی حرصت اغلب التشریعات على التأکید علیها , لما لها من ضمانات مهمة فی العمل القضائی .
الفرع الثانی
رسمیة الأوراق الإجرائیة
تتصف معظم الاوراق الاجرائیة بخاصیة اخرى , الا وهی الصفة الرسمیة , بمعنى انها صادرة عن جهات رسمیة مما یحتم على الخصوم سلوک الطعن بالتزویر عند عدم التسلیم بها جاء فیها من بیانات امام الجهات المختصة , فهذه الاوراق تعد اذن من قبیل السندات الرسمیة .
والسند الرسمی , هو ما یثبت فیه موظف عام او شخص مکلف بخدمة عامة وذلک طبقاً للأوضاع القانونیة , وفی حدود اختصاصه ماتم على یدیه او ما ادلى به ذوو الشأن فی حضوره . ان کل ماجاء فی الورقة الاجرائیة من بیانات وامور اخرى تعد حجة على الجمیع , فلا یجوز تکذیبها الا بالادعاء بالتزویر , علیه فإن سلوک الخصم بطرق اخرى غیر التزویر یعد غیر منتج , ومن ثم غیر قادر على دحض البیانات الواردة فی الورقة .
وتطبیقاً لذلک جاء فی قرار لمحکمة النقض المصریة ((لما کان المقرر ان ما یثبته المحضر بورقة الاعلان من اجراءات قام بها بنفسه او وقعت تحت بصره تکتسب صفة الرسمیة , فلا یجوز اثبات عکسها إلا بالطعن علیها بالتزویر , وکانت الطاعنة قد اکتفت فی اثبات عدم صحة ما دونه المحضر من بیانات بورقة اعلانها بالدخول فی طاعة المطعون ضده على طلبها ضم التحقیقات التی اجریت مع المحضر الذی قام بالاعلان ولم تتخذ طریق الطعن بالتزویر على ذلک الاعلان , فأن هذا الادعاء لایکفی بذاته للنیل من صحة وحجیة الاجراءات التی اثبت المحضر فی اصل الاعلان قیامه بها)) .
ومن اجل ان تکون الورقة الإجرائیة من قبیل السندات او الاوراق الرسمیة , ومن ثم تکون حجة على الجمیع , یتحتم ان لاتکون مظهرها الخارجی یبعث على الشک والریبة , کوجود محو فی البیانات او تحشیه او کشط وغیرها من العیوب المادیة , وفی حال وجود شیء من هذا القبیل فی الورقة , عندها یحق للمحکمة استدعاء الموظف الذی حرر تلک الورقة للاستیضاح عن کل تلک المسائل و الملابسات فیها . تجدر الاشارة الى وجوب التفرقة مابین افتراضین :
الاول : هی فرضیة صدور الورقة عن الموظف العام فی حدود اختصاصه او وقعت من ذی الشأن فی حضوره .
اما الفرضیة الثانیة , فتتمثل بقیام الموظف بتدوین البیانات والمعلومات فی الورقة تحت مسؤولیة ذوی الشأن .
ففیما یتعلق بالفرضیة الاولى , لایجوز اثبات عکس ما جاء فی الورقة بالشهادة او بالقرائن وغیرها من الطرق , بل یجب سلوک الطعن بالتزویر , لکون البیانات الموجودة فی الورقة محررة من قبل الموظف نفسه وفی حدود سلطته واختصاصه .
اما بخصوص الفرضیة الثانیة , وهی حالة اقتصار دور الموظف على تدوین البیانات فی الورقة تحت مسؤولیة ذوی الشأن أی یقوم بتدوین تلک البیانات معتقداً بصحتها, بناءاً على ما تروى له , ففی هذه الحالة لایلزم تکذیب تلک البیانات والامور والادعاء بالتزویر , بل یجوز اثبات عکسها بطرق الاثبات کافة .
المبحث الثانی
صور الأوراق الإجرائیة
تتنوع الاوراق بتنوع الاجراءات القضائیة , حیث تتعدد الجهات او الاشخاص المکلفة بتحریر تلک الاوراق , وهی ان اختلفت فی آلیة تحریرها , الا ان القاسم المشترک بینها کونها اوراقاً ذات طبیعة اجرائیة .
من هذه الاوراق ما یقوم القضاة بتحریره , وهذا النوع بلا شک یمثل اهم تلک الاوراق, کونها صادرة عن جهة تأخذ على عاتقها مهمة حمایة الاجراءات ومتابعة مدى احترام الخصوم لتلک الاجراءات المقررة فی کل النواحی , ومن أهمها الاوراق الاجرائیة, ولعل من بین اهم تلک الاوراق التی یحررها القضاة هی الاحکام , حیث تشکل مرحلة اصدار الاحکام من اهم مراحل نظر الدعوى . کما قد یکلف اعوان القضاة بتحریر انواع معینة من الاوراق , وهی ضروریة فی مساعدة القاضی عند نظره للدعوى , الى جانب بعض الاوراق التی یکلف الخصوم بتحریرها , لتشکل فی نهایة المطاف سلسلة مترابطة من الاوراق التی تهدف الى حسم الدعوى .
ومن اجل الاحاطة بما تقدم , لابد من تقسیم هذا المبحث الى المطالب الاتیة :-
المطلب الاول :- الاوراق الصادرة عن القضاة .
المطلب الثانی :- الاوراق الصادرة عن اعوان القضاة .
المطلب الثالث :- الاوراق الصادرة عن الخصوم .
المطلب الأول
الأوراق الصادرة عن القضاة
الاوراق الصادرة عن القضاة عدیدة , حیث یتطلب الامر تحریر العدید من الاوراق اثناء نظر الدعوى وفی مراحلها النهائیة من اجل الوصول الى حسم الدعوى . ولعل من بین ابرز تلک الاوراق المتضمنة للأحکام القضائیة وتمثل حصیلة او نتاج رؤیة القاضی لمجمل الدعوى المدنیة .
علیه وللأهمیة البالغة التی تحتلها نظریة الاحکام ، سیقتصر بحثنا على تناول الاحکام بوصفها اهم الاوراق الصادرة عن القضاة والخاتمة الطبیعیة لأجراءات الخصومة.
لقد قیلت تعاریف عدة بخصوص تحدید المقصود بالاحکام القضائیة , ومن هذه التعاریف انها القرارات الصادرة من جهات قضائیة للفصل فی المنازعات , وفقاً لأجراءات وضمانات معینة .
فی حین یعرفها اتجاه اخر بأنه ذلک القرار الصادر عن محکمة مشکلة تشکیلاً قضائیاً فی خصومة رفعت الیها وفق قواعد المرافعات , سواء کان صادراً فی موضوع الخصومة او فی شق منه او فی مسالة متفرعة عنه .
تجدر الاشارة هنا الى ان التعاریف مهما تعددت او اختلفت فی صیاغتها , الا ان الاحکام فی المحصلة تختلف عن الاوامر والقرارات التی تدخل فی وظیفة القاضی الولائیة, حیث ان ما یمیز الحکم عن غیره من قرارات القضاء لیس مضمونة , وانما هو شکله , فالحکم اجراء من اجراءات الخصومة , یتم فی شکل قانونی معین یوفر له ضمانات لا تتوفر فی غیره من قرارات القضاء . ینبغی اذن مراعاة الاجراءات المقررة عند اصدار الاحکام , ولا یعنی هذا الامر ان الحکم یعبر عن طبیعة السلطة التی یباشرها القضاء , وانما یعبر عن الصورة الاجرائیة التی یباشر بها القضاء سلطته , وهو ان یصدر عن المحکمة فی خصومه , وبالشکل الذی یحدده القانون للأحکام .
ویتجسد الطابع الاجرائی فی الورقة المتضمنة للحکم القضائی بجملة ضوابط یتوجب مراعاتها عند اصدار تلک الاحکام , والا کانت مشوبة بعیب یوجب البطلان .
أول هذه الضوابط او الاجراءات هی ضرورة صدور الحکم من جهة قضائیة , فإذا صدر القرار فاصلاً فی منازعة معینة بین شخصین , لکنه صدر عن غیر جهة قضائیة فانه لایکون حکماً کما ینبغی ان یصدر الحکم وفقاً لأوضاع واجراءات معینة , حیث بینت التشریعات المقارنة الاجراءات اللازمة لإصدار الحکم , وتتلخص فی ان المحکمة یجوز لها بعد ما تصبح الدعوى مهیأة لاصدار الحکم ان تقرر ختام المرافعة , ثم النطق بالحکم فی الجلسة او ان تؤجل اصداره الى جلسة اخرى قریبة تحددها .
وبعد ان تقرر المحکمة ختام المرافعة , تدخل الدعوى مرحلة المداولة , وتعنی التشاور فی الحکم بین اعضاء المحکمة اذا کانت مؤلفة من اکثر من قاضٍ واحد , والتفکیر فی الحکم وتکوین الرأی فیه اذا کان القاضی منفرداً . وتجدر الاشارة الى ان المداولة محصورة بالقضاة الذین سمعوا المرافعة واختتمت بحضورهم , فلا یجوز لغیر القضاة اعضاء هیئة المحکمة الاشتراک فی المداولة , والا تعرض الحکم للبطلان , ذلک ان الحکم هو خلاصة الرأی الذی کونه القضاة من سماعهم للمرافعة , وعلیه یجب ان لا یصدر الحکم الا ممن سمع المرافعة وشارک فی اصداره .
وتصدر الاحکام بالاتفاق او بأکثریة الاراء , فإن تشعبت الاراء وجب على العضو الاقل درجة الانضمام الى احدى الاراء لتکوین الاکثریة .
ولعل من ابرز معالم الطابع الاجرائی فی ورقة الحکم , بیان الاسباب التی بنی علیها الحکم , او ما یسمى بتسبیب الاحکام .
لقد أوجبت التشریعات المقارنة على المحاکم ضرورة اشتمال الاحکام على الاسباب التی بنیت علیها , وان یستند الى احدى اسباب الحکم المبینة فی القانون , وفی کل الاحوال یتحتم على المحکمة ذکر الاوجه التی حملتها على قبول او رد الادعاءات والدفوع التی اوردها الخصوم والمواد القانونیة التی استندت الیها .
والعلة من تسبیب الاحکام هی ضمان عدم تحیز القضاة والحفاظ على حیادهم والتأکد من عنایتهم واهتمامهم فی تقدیر ما یطرحه الخصوم فی الدعوى من ادعاءات ودفوع , کما ان للتسبیب فوائد اخرى فهی وسیلة من الوسائل التی تؤدی الى قناعة الخصوم بالحکم, وکذلک لتمکینهم عند عدم الاقتناع الطعن بالحکم .
وبعد النطق بالحکم ینظم خلال مدة خمسة عشر یوماً إعلامٌ یبین اهم البیانات التی یتضمنها الحکم القضائی .
لقد بینت التشریعات المقارنة اهم البیانات التی یجب ان یتضمنها أی حکم قضائی , والتی تعکس الجانب الشکلی فیها , بوصفها احدى ممیزات الاوراق الاجرائیة , وتتمثل هذه البیانات بوجوب بیان اسم المحکمة التی اصدرت الحکم وتاریخ اصداره واسماء القضاة الذین اصدروه واسماء الخصوم واسماء وکلائهم واثبات الحضور والغیاب وخلاصة الدعوى وموجز ادعاءات الخصوم ودفوعهم وما استندوا الیه من وقائع وحجج قانونیة و القرارات التی سبق صدورها فیها ومنطوق الحکم وما بنی علیه من علل واسباب والمواد القانونیة التی استند الیها , ویوقع من قبل القاضی او رئیس الهیئة ویختم بختم المحکمة .
بعدها یوقع القاضی او رئیس الهیئة على نسخ من الحکم بقدر ما تدعو الیه حاجة کل دعوى ثم تختم کل نسخة بختم المحکمة , وتحفظ فی اضبارة الدعوى , وتعطى منها صورة رسمیة لمن یطلبها من الطرفین بعد دفع الرسم المستحق .
مما تقدم یتضح , مدى حرص التشریعات التأکید على مرحلة اصدار الاحکام من خلال ما أشارت إلیه من قیود وإجراءات صارمة لئلا یعتری تلک الاحکام أیة شائبة ولئلا تکون هناک فرصة للمناورة والالتفاف على قدسیة حقوق الاطراف , ولکون تلک الحقوق مرهونة بهذه الفترة بالتحدید , فکان لا بد من احاطة هذه المرحلة بضوابط محددة , یمثل العامل الاجرائی فیها محور عمل القضاة ونقطة الارتکاز فیها .
المطلب الثانی
الأوراق الصادرة عن أعوان القضاة
یأخذ اعوان القضاة على عاتقهم مهمة تحریر جملة اوراق , الهدف منها خدمة عملیة حسم الدعوى من خلال مساعدة القاضی عند نظره للدعاوى , حیث تشکل هذه الاوراق سلسلة مترابطة من الاوراق الاجرائیة فی العمل القضائی , ویختلف مضمون کل ورقة عن الاخرى الا ان ما یجمعها هو طابعها الاجرائی .
واذا کان هناک اختلاف فی مسمیات هذه الاوراق وذلک باختلاف کل اجراء قضائی, فان هناک تنوعاً کذلک فی الجهات التی تتولى تحریرها , اذ یقف الى جانب القاضی طاقم من الموظفین القضائیین , وهو ما اصطلح على تسمیتهم بـ (اعوان القضاة) یعملون على توفیر کل ما من شأن تسهیل مهمة القاضی , والقیام بشتى الاعمال اللازمة لخدمة عملیة نظر الدعاوى من قبل القاضی .
وسیقتصر بحثنا فی هذا المطلب على فئة لا یختلف اثنان على أهمیته من بین کل اعوان القضاة , الا وهی فئة القائمین بالتبلیغ , لکون الاوراق التی تحررها هذه الفئة من بین اهم الاوراق الاجرائیة , متمثلة بورقة التبلیغ .
یقصد بورقة التبلیغ القضائی , الورقة الرسمیة التی تنظم من قبل المحکمة بنسختین او اکثر , والتی یوقع الشخص المطلوب تبلیغه على النسخة الاصلیة منها , وتعاد الى المحکمة مؤیداً اطلاعه على محتویاتها وبتسلمه النسخة الاخرى , وذلک بان تعلم المحکمة من صحة تبلیغ الشخص المطلوب تبلیغه .
ان التبلیغات القضائیة شأنها فی ذلک شأن أی اجراء قضائی یهدف الى تحقیق غایة معینة ، تتمثل هذه الغایة فی اعمال مبدأ المواجهة بین الخصوم فی الدعوى المعروضة ، هذا المبدأ الذی یحتل حیزا کبیرا من الاهمیة فی قانون المرافعات ، وفی الوقت نفسه یشکل احدى الضمانات المهمة من ضمانات صحة التقاضی .
وورقة التبلیغ بوصفها احدى الاوراق الاجرائیة ، توجب على القائمین بتحریرها توخی اقصى درجات الدقة والحیطة ، لکون أی خلل فی عملیة تحریر هذه الورقة قد یعنی بطلانها ، ومن ثم بطلان الاجراءات القضائیة اللاحقة ، اذ یجب مراعاة الشکلیة فی ورقة التبلیغ متمثلة بالبیانات التی حددتها التشریعات فضلا عن اتباع الاجراءات المقررة عند اجراء التبلیغ لتکون فی نهایة الامر اجراءاً قضائیاً متکاملاً وکفیلاً بحسم الدعوى فی وقت قصیر نسبیا .
ان الاوضاع الاجرائیة التی یجب مراعاتها فی ورقة التبلیغ تتجسد بجملة البیانات التی اوجبتها التشریعات المقارنة ، اذ تحوی ورقة التبلیغ عدة بیانات تتفاوت فی اهمیتها ، الا انها فی المحصلة بیانات تجعل الشخص المطلوب تبلیغه على بینة من تدبر الامر الذی یراد تبلیغه فیه .
تجدر الاشارة ان اشتراط کتابة هذه البیانات لیس لمجرد ضمان ثبوتها ، وانما کتابتها شرط لوجود هذه الورقة بالفعل ، وهذا الذی یسوغ توضیح القاعدة التی تقضی بان الاجراء یندمج فی دلیله ، فالورقة المثبتة له تعد هی ذات الاجراء ، ودراستها دراسة له ، ولا یمکن اثباتها الا بتقدیم النسخة الاصلیة للورقة او الصورة ، علیه لایجوز اثبات وجود ورقة التبلیغ القضائی بشهادة الشهود او بالاقرار القضائی ، لان اتمام اجراءات هذه الورقة بالکتابة امر یوجبه النظام العام .
ان التشریعات المقارنة تکاد تکون متفقة على البیانات الواجب ادراجها فی ورقة التبلیغ ، الامر الذی تتشابه عندها الغایات والاهداف المتوخاة من وراء توجیه الورقة الى الشخص المطلوب تبلیغه .
وسیقتصر بحثنا على اهم تلک البیانات ، واولها البیان الخاص بوجوب اشتمال ورقة التبلیغ على رقم الدعوى وبیان الیوم والشهر والسنة التی حصل فیها التبلیغ ، فالفائدة المتوخاة منه واضحة ، متمثلة فی ان هذا البیان یسهل من معرفة طبیعة الدعوى فیما اذا کانت شرعیة او دعوى عمل او دعوى مدنیة … الخ ، کذلک یساعد على معرفة المحکمة ونوعها سواء کانت استئنافاً او بداءة .
کما یتطلب الامر بیان اسم طالب الاعلان ( التبلیغ ) ولقبه ومهنته او وظیفته وموطنه، والغرض من هذا البیان هو تعریف شخصیة طالب التبلیغ ، اذ لابد ان یتمکن الخصم من معرفة طالب التبلیغ ، وفی کل الاحوال لایؤثر النقص او الخطا فی هذا البیان فی صحة التبلیغ ، طالما انه لا یؤدی الى التجهیل بشخص الطالب ، فلا یؤثر مثلا اغفال اسم الطالب اذا ذکرت وظیفته وکانت قاطعة فی التعریف بشخصیته , بحیث لا تثیر الشک فی حقیقة ذاته .
من البیانات الجوهریة الاخرى التی یجب ان تحویها ورقة التبلیغ القضائی , هی ذکر اسم القائم بالتبلیغ وتوقیعه ,و الفائدة من هذا البیان هو التأکد من ان القائم بالتبلیغ له سلطة (صلاحیة) القیام بذلک , وانه قد قام به فی حدود اختصاصه المکانی
اما توقیع القائم بالتبلیغ فیحتل اهمیة بالغة , ویکاد یکون البیان الوحید الذی یحدد هویة ورقة التبلیغ وقیمتها الثبوتیة , و التوقیع على ورقة التبلیغ من قبل موظف عام ( القائم بالتبلیغ ) , یضفی الصفة الرسمیة على تلک الورقة , والتوقیع یغنی عن ذکر اسم من قام بالتبلیغ . وتطبیقا لما تقدم , جاء فی قرار لمحکمة التمییز العراقیة (( اذا خلا التبلیغ من توقیع القائم به ومن تاریخ اجرائه کان باطلاً )) والى الاتجاه نفسه ذهبت محکمة النقض المصریة عندما قضت بان (( اغفال البیان الخاص بتوقیع المحضر على صورة الاعلان یعدم ذاتیتها کورقة رسمیة , فیکون البطلان الناشئ عنه متعلقاً بالنظام العام , فلا یسقط بالحضور ولا بالنزول عنه , وانما یکون للخصم ان یحضر الجلسة وان یتمسک بها )) .
کما توجب ورقة التبلیغ ذکر اسم و صفة من سلمت الیه صورة الورقة , والغرض من هذا البیان , التحقق من ان الصورة قد سلمت لشخص یجوز تسلیم الصورة له , اذ لا یجوز تسلیمها الا لأشخاص محددین بنص القانون , وبشروط معینة . وفی ضوء ما تقدم جاء فی قرار لمحکمة التمییز العراقیة (( لا یجوز تبلیغ شقیقة المدعى علیها اذا کانت تسکن فی مدینة اخرى , ولو حلت المدعى علیها لدیها بصورة مؤقتة )) .
فضلاً عما تقدم , فإن توقیع المستلم على اصل ورقة التبلیغ من المسائل المهمة , لأن الغرض من ذلک هو اثبات واقعة تسلیم الصورة .
المطلب الثالث
الأوراق الصادرة عن الخصوم
من اجل ان تکون الاجراءات التی یباشرها الخصوم صحیحة , لا بد ان یکون هناک التزام بالشکلیات المقررة , فأی خلل یعتری الاجراءات , یعنی عدم صحتها وبالتالی بطلانها .
والامر ینطبق على کافة الاجراءات الصادرة عن الخصوم , ومنها الاوراق التی یکلف الخصوم بتحریرها , اذ یجب التقید بالکیفیة التی حددها المشرع لصحة الاوراق ابتداءأ من البیانات الواردة فیها , وانتهاءاً بکیفیة تقدیمها للقضاء وتبلیغها للخصوم . ولعل من ابرز الاوراق الصادرة عن الخصوم هی عریضة الدعوى , اذ تشکل نقطة انطلاق الخصومه المدنیة وبدایة النظر فی طلبات الخصوم , وهی اذ تحتل هذه الاهمیة فی العمل القضائی لا بد ان تحظى بأهمیة بالغة من لدن التشریعات المقارنة من خلال النص على کیفیة والیة تحریرها بما یحقق الهدف منها .
ویتجسد الطابع الاجرائی فی عریضة الدعوى من عدة نواح , من أهمها البیانات التی أوجبتها التشریعات المقارنة فی عریضة الدعوى , متمثلة بذکر اسم المحکمة التی تقام الدعوى امامها وتاریخ تحریر العریضة , فضلاً عن بیان اسم کل من المدعی والمدعى علیه مع بیان المحل المختار لغرض التبلیغ , کذلک تحریر وقائع الدعوى وادلتها وطلبات المدعی وأسانیدها مع توقیع المدعی على العریضة .
کما یجب على المدعی اتباع اجراء فی غایة الاهمیة عند انتهائه من تحریر عریضة الدعوى , حیث تقتضی الشکلیة المقررة أن یرفق المدعی مع عریضة دعواه نسخاً بقدر عدد المدعى علیهم وقائمة بالمستندات , کما یجب علیه التوقیع على کل ورقة مع اقراره بمطابقتها للأصل , لتتولى المحکمة تبلیغها للخصم .
وتجدر الاشارة الى انه فی حالة تجاهل المدعی لهذه الاجراءات عند تقدیم عریضة دعواه , فأن هناک جزاءات مقررة قد تصل الى حد عدم قبول عریضة الدعوى , لذا کان لزاماً على المدعی توخی الدقة عند مرحلة تحریر العریضة .
بعد ان تستکمل کل جوانب العریضة من قبل المدعی , عندها یتم تقدیمها للقضاء, حیث یؤشر القاضی علیها ویحدد موعداً لنظر الدعوى . بعد ان یستوفی المعاون القضائی الرسوم القضائیة ویتم تسجیلها فی نفس الیوم بالسجل الخاص , ویوضع علیها ختم المحکمة وتاریخ التسجیل , و یُعطى المدعی وصلاً موقعاً علیه من قبل المعاون القضائی بتسلم عریضة الدعوى مع مرفقاتها یبین فیه رقم الدعوى وتاریخ تسجیلها وتاریخ الجلسة ویوقع المدعی على عریضة الدعوى بما یفید تبلیغه بیوم المرافعة .
وعند تحدید الیوم المعین لنظر الدعوى واستیفاء کل الاجراءات المقررة , تبلغ صورة عریضة الدعوى ومستمسکاتها ولوائحها بوساطة المحکمة الى الخصم مع دعوته للمرافعة بورقة تبلیغ واحدة من نسختین یذکر فیها رقم الدعوى والاوراق المطلوب تبلیغها واسم کل من الطرفین وشهرته وصنعته ومحل اقامته واسم المحکمة والقاضی وتاریخ تحریر الورقة , بعدها تختم بختم المحکمة , وتسلم نسخة من ورقة التبلیغ الى الخصم .
وعلى الخصم الإجابة عن عریضة الدعوى بعد تبلغه بها وقبل حلول الجلسة المحددة لنظرها , وفی کل الاحوال یجوز للمحکمة ان تستخلص من عدم أجابته قرینة تساعدها على حسم الدعوى .
من کل ما تقدم یتضح مدى حرص التشریعات على مراعاة الاوضاع المقررة فی مختلف الاوراق الاجرائیة , بغض النظر عن الجهة التی تتولى تحریرها , هذا الحرص الذی لا یأتی من فراغ , بل لقناعتها ان تلک الاوضاع کفیلة لتحقیق الغایة فی العمل الاجرائی , بالشکل الذی یضمن المصلحة العامة ولا یؤدی فی الوقت نفسه الى التفریط بأصل الحـق المتنازع فیه .
المبحث الثالث
الأثر المترتب على مخالف الأوراق للأوضاع الإجرائیة
تسعى التشریعات المقارنة الى اضفاء طابع الجدیة على کل الاوضاع المقررة فی الاوراق الاجرائیة من اجل الحفاظ على استقرار العمل القضائی , وللحیلولة دون الاستهانة بتلک الاجراءات , فهی مقررة فی الغالب للمصلحة العامة , هذا الامر حدا بالتشریعات الى فرض جزاءات إجرائیة عند مخالفة الاوضاع المقررة فی تلک الاوراق .
ویأتی البطلان فی مقدمة تلک الجزاءات , بوصفها الوسیلة الناجحة فی نظر التشریعات للحد من مخالفة الاجراءات , والاسلوب الامثل لمعالجة الخلل فی الجوانب الاجرائیة للورقة , دون الاخلال بحق الخصوم فی إمکانیة تصحیح ذلک الخلل او النقص فیها . والبطلان اذ یختلف تأثیره من اجراء لأخر بحسب تعلقه بالنظام العام او الخاص فأنه فی الوقت نفسه یتباین فی تحدید المسؤول عنه وما یترتب على هذه المسؤولیة من نتائج تمنح المضـرور – وفقاً للقواعد العامة – حق المطالبة بالتعویض , ما لم یکن الاخلال فی الورقة سببه الخصم نفسه .
ولإلقاء الضوء على کل ما تقدم , قسمنا هذا المبحث الى المطلبین الاتیین :-
المطلب الاول : التعریف ببطلان الاوراق الاجرائیة .
المطلب الثانی : المسؤولیة عن بطلان الاوراق الاجرائیة
المطلب الأول
التعریف ببطلان الأوراق الإجرائیة
یعرف البطلان بشکل عام انه وصف یلحق العمل القانونی نتیجة مخالفته لنموذجه القانونی , ویؤدی الى عدم إنتاج الاثار التی یرتبها علیه القانون لو کان صحیحاً .
من هذا یمکن القول ان بطلان الورقة الاجرائیة یعنی تحریرها على نحو مغایر لما حدده القانون بالشکل الذی لا یحقق الغایة منها وبالتالی عدم انتاج الاثار المتوخاة منها ویشترط للحکم بالبطلان المنصوص علیه , ان تکون المخالفة مضیعه لحکمة الاجراء فی الورقة , کحصول تجهیل بما یجب التعریف به . الا انه لا یحکم بالبطلان اذا کان النقص فی تحریر ورقة إجرائیة مؤدیاً الى التجهیل فی موضوع التعریف متى ما امکن تعرف المقصود من بیانات أخرى واردة فی نفس الورقة , وهذا یعنی ان بیانات الورقة یکمل بعضها بعضاً .
ان بطلان الورقة منه مایکون متعلقاً بالمصلحة الخاصة ومنه ما یتعلق بالنظام العام, ویعد البطلان خاصاً اذا ما ترتب على مخالفة قاعدة مقررة لحمایة مصلحة خاصة لأحد الخصوم , حیث تکون غالبیة الاشکال فی قانون المرافعات مقررة للمصلحة الخاصة ، اما البطلان العام فیترتب على مخالفة قاعدة مقررة لحمایة المصلحة العامة ، أی متعلقة بالنظام العام . وللتمییز مابین البطلان الخاص والبطلان العام اهمیة واضحة ، من حیث ان البطلان الخاص لایجوز التمسک به الا الخصم الذی شرع البطلان لمصلحته , ففی ورقة التبلیغ اذا تخلف بیان من بیاناته او حالة عدم مراعاة القواعد المقررة فی التبلیغ ، وتعدد المدعى علیهم وکان الاعلان ( التبلیغ ) لأحدهم معیباً , فلا یجوز ان یتمسک بالبطلان الا المدعى علیه الذی کان اعلانه معیباً .
اما اذا کان البطلان عاماً , فیجوز ان یتمسک به أی طرف من اطراف الخصومة . فضلاً عما تقدم فإن المحکمة لا یجوز لها ان تقضی بالبطلان الخاص من تلقاء نفسها , بل یجوز ان یتم التمسک به أمامها على نحو صحیح ممن یجوز له هذا الحق , اما اذا کان البطلان عاماً فیجب على المحکمة ان تقضی به من تلقاء نفسها .
وتجدر الاشارة الى ان اساس الحکم ببطلان الورقة لعیب شکلی هو عدم تحقق الغایة من الاجراء بسبب ذلک العیب , فمتى ما تحققت الغایة , فلا مجال للحکم بالبطلان رغم النص علیه , اما اذا تخلفت هذه الغایة فیحکم بالبطلان رغم عدم النص علیه . ولم تأتِ معالجة قانون المرافعات العراقی لموضوع البطلان إلا من خلال النصوص الخاصة بالتبلیغات القضائیة , وبالتحدید فی المادة ( 27 ) والتی جاء فیها ((یعتبر التبلیغ باطلاً اذا شابه عیب او نقص جوهری یخل بصحته او یفوت الغایة منه)) .
فی حین نجد المشرع المصری قد جاء بنظریة عامة فی بطلان الاجراءات , إذ تصلح للتطبیق فی جمیع الاجراءات , إذ جاء فی المادة ( 20 ) من قانون المرافعات المدنیة والتجاریة المصری (( یکون الاجراء باطلاً اذا نص القانون صراحة على بطلانه او اذا شابه عیب لم تتحقق بسببه الغایة من الاجراء ولا یحکم بالبطلان رغم النص علیه اذا ثبت تحقق الغایة من الاجراء )) .
من هنا یبدو موقف المشرع المصری اکثر دقة فی التعاطی مع موضوع البطلان کونه یشکل من المسائل المهمة فی قانون المرافعات التی تحتاج الى وضع النصوص الخاصة والملائمة لاحتوائه , فضلا عن ان وضع نظریة عامة له من الامور الکفیلة لسد النقص التشریعی وبخاصة فی قانون المرافعات العراقی .
ان بطلان الورقة الاجرائیة تختلف مصادرها باختلاف الجهة القائمة بتحریرها , وهی فی نهایة المطاف عیب یعتری الورقة یتوجب تلافیه , لان استمرار بقاء العیب فیها یجعلها غیر ذات قیمة , وبالتالی عدم فعالیة الاجراء القضائی فیها .
ففیما یتعلق بالاوراق الصادرة عن القضاة – کالأحکام مثلاً – فإن إمکان بطلانها وارد , خصوصاً اذا لم یراع القاضی الاوضاع المقررة فی ورقة الحکم , فمثلاً تنص الفقرة ( 1 ) من المادة ( 159 ) من قانون المرافعات العراقی ((یجب ان تکون الاحکام مشتملة على الأسباب التی بنیت علیها وان تستند الى احد أسباب الحکم المبینة فی القانون)).
فهذه المادة تحدثت عن موضوع فی غایة الأهمیة , الا وهو تسبیب الاحکام , إذ یعنی ضرورة إیراد الأدلة الواقعیة والقانونیة التی استندت الیها المحکمة فی اصدار الحکم .
واذا کان التسبیب – کقاعدة عامة – قائم على اسباب واقعیة وقانونیة , إذ تعد من البیانات الشکلیة المهمة فی ورقة الحکم , الا ان الأسباب الواقعیة هی ذات طابع خاص, من حیث ان القصور فی اسباب الحکم الواقعیة یترتب علیه بطلان الحکم , على عکس الاسباب القانونیة إذ لایشکل القصور فیها عیباً على الحکم متى ما کانت النتیجة التی وصل الیها الحکم صحیحة قانوناً , اما اذا کانت النتیجة غیر موافقة للقانون کان الحکم معیباً بعیب مخالف للقانون .
ان التشدد فی الاسباب الواقعیة فی ورقة الحکم یکمن فی ان القصور فی هذا التسبیب یجعل من المتعذر التحقق من صحة النتیجة التی وصل الیها القاضی بالنسبة للوقائع , اذ ان هذا یقتضی مقارنتها بالحقیقة المطلقة , وهذه لیست فی حوزة الانسان , لذا فالقانون یتدخل فی طریقة تکوین رأی القاضی بالنسبة للواقع .
لقد کان المشرع المصری – على عکس المشرع العراقی صریحاً فی الاشارة الى هذه المسألة , بالشکل الذی لا یدعو الى الشک عندما اکد فی المادة ( 178 ) من قانون المرافعات (( .... والقصور فی اسباب الحکم الواقعیة , والنقص او الخطأ الجسیم فی اسماء الخصوم وصفاتهم وکذا عدم بیان اسماء القضاة الذین أصدروا الحکم یترتب علیه بطلان الحکم )) . من هنا یتضح ان بطلان الاجراء – الحکم – یکون نتیجة طبیعیة لعدم مراعاة الشکلیات المقررة فی ورقة الحکم من حیث إغفال القاضی لإحدى المرتکزات الرئیسیة فیها , الا وهی الاسباب الواقعیة للحکم .
وقد یکون الخلل فی الورقة الاجرائیة , ومن ثم الحکم ببطلانها , سببه أعوان القضاة أنفسهم , فی حال عدم تقیدهم بالأوضاع الخاصة عند تحریر الورقة , وهناک العدید من هذه الحالات , ولعل من ابرزها , ما تناوله فقهاء القانون الإجرائی فی مسألة العیب الإجرائی فی ورقة التبلیغ القضائی متمثلة باختلاف صورة الورقة عن أصلها , حیث یتطلب القانون جملة بیانات فی کل من اصل ورقة التبلیغ وصورتها , وهذا یعنی تطابق الصورة مع الأصل , والصورة هی التی تسلم عند التبلیغ , اما الأصل فیرجع مع المبلغ موقعاً علیه بما یفید التسلم .
ولکن قد یحدث فی حالات معینة , ان تختلف الصورة عن الاصل بأن تکون احداهما معیبة فی الوقت الذی لاتکون فیه الثانیة کذلک , فالتساؤل المطروح فی هذا الشأن هو حول اثر ذلک فی صحة التبلیغ ؟
ان الاجابة عن هذه التساؤلات , ومن ثم معرفة مصیر ورقة التبلیغ , یقتضی التمییز ما بین عدة احتمالات , اما الاحتمال الاول وهی حالة استیفاء البیانات فی الاصل والصورة على نحو صحیح , ففی هذه الفرضیة لا یؤثر فی صحة الاعلان (التبلیغ) مجرد الاختلاف الثانوی بینهما . اما الاحتمال الثانی فیتمثل بوجود عیب فی بیانات الصورة وحدها , فإذا کانت الصورة وحدها المعیبة , بینما کان الاصل مستوفیاً للبیانات على نحو صحیح , فانه یجوز للمعلن الیه ( المطلوب تبلیغه ) ان یحتج بهذا العیب لابطال الاعلان ( التبلیغ ) , وذلک لان الصورة تعد بالنسبة له اصلاً للأعلان (التبلیغ) .
وتجدر الاشارة الى ان هذه الفرضیة تمیز مابین حالتین , حالة اذا ما تسبب طالب التبلیغ نفسه فی التسبب بهذا الخطأ الذی ادى الى اختلاف الصورة عن الاصل , بأن قدم المعلومات خاطئة فی ورقة التبلیغ , حیث لا یجوز له هنا الاحتجاج ببطلان الصورة.
اما الحالة الاخرى – وهی مدار بحثنا – فهی تسبب الموظف فی قلم التبلیغات فی احداث الاختلاف ما بین اصل الورقة وصورتها , حیث یجوز للمطلوب تبلیغه الاحتجاج ببطلان الصورة , ومن ثم بطلان التبلیغ برمته , وما یترتب علیه من مسآلة ذلک الموظف وفقاً للقواعد العامة .
ومن الأمثلة على اختلاف بیانات صورة ورقة التبلیغ عن النسخة الأصلیة , ما قد یقوم به موظف قلم التبلیغات من ادراج اسم محکمة غیر تلک المختصة بنظر الدعوى , او الاختلاف فی تحدید الیوم المحدد للحضور امام المحکمة , او عدم تطابق اسم طالب التبلیغ ( الخصم ) فی الورقة وغیرها من البیانات المؤثرة فی ورقة التبلیغ .
اما الاحتمال الثالث من احتمالات اختلاف الصورة عن الاصل , فهی حالة العیب فی بیانات الاصل وحده , فاذا کان النقص او الخطأ فی بیانات اصل الاعلان ( التبلیغ ) بینما الصورة کاملة البیانات على نحو صحیح , فإنه لیس للمعلن الیه ( المطلوب تبلیغه ) ان یحتج بهذا العیب لأبطال الاعلان ( التبلیغ ) , وانما یجوز له ذلک اذا لم یقدم الصورة للمحکمة , اذ یفترض ان الصورة مطابقة للأصل , ولذا فان تعیب الاصل قرینة على تعیب الصورة .
ونعتقد ان تدخل المشرع العراقی فی وضع قواعد عامة لهذا الموضوع ( اختلاف صورة ورقة التبلیغ عن الاصل ) وحسم کل الاشکالات التی قد تنجم فی عدم معالجتها , لهو امر جدیر بالاهتمام خصوصاً ان لهذه المسائل علاقة وثیقة باحدى اهم الجزاءات الاجرائیة , الا وهی البطلان إذ یشکل وسیلة فعالة للحد من المخالفات الاجرائیة , کما یعد الإفراط فی إیقاعه هدراً للحقوق اذا ما استخدم بشکل غیر دقیق بعیداً عن الأهداف المتوخاة منه .
فضلاً عما تقدم فان الخصوم قد یتسببون أیضاً فی بطلان بعض الاوراق الاجرائیة التی کلفهم القانون بتحریرها , ولعل عریضة الدعوى خیر مثال على الاوراق الصادرة عن الخصوم .
ان هذه الورقة هی الأخرى لیست بمنأى عن جزاء البطلان متى ما لم تراع الاوضاع المقررة فی تحریرها . وما یدلل على ذلک ما جاء فی الفقرة ( 1 ) من المادة ( 50 ) من قانون المرافعات العراقی عندما اکدت على انه (( اذا وجد خطأ او نقص فی البیانات الواجب ذکرها فی عریضة الدعوى من شأنه ان یجهل المدعى به او المدعی او المدعى علیه او المحل المختار لغرض التبلیغ بحیث لایمکن اجراء التبلیغ یطلب من المدعی اصلاحه خلال مدة مناسبة والا تبطل العریضة بقرار من المحکمة )) .
من هذه المادة یتضح حرص المشرع العراقی على ضرورة ان تستوفی عریضة الدعوى کل البیانات اللازمة , التی من شأنها القضاء على حالة التجهیل والغموض وما یستتبع ذلک من ایقاع الخصوم فی حالة الخطأ الإجرائی للعمل القضائی .
واذا کانت القاعدة تقتضی ان البطلان هو جزاء تخلف البیانات الشکلیة للأجراء , الا انه یلاحظ ان صحیفة الدعوى (عریضة الدعوى) تخضع لمبدأ (( تکافؤ البیانات )) شأنها فی ذلک شأن أیة ورقة قضائیة , ومفادها ان تخلف أی بیان لایعنی نهوض جزاء البطلان , حیث تظل المطالبة صحیحة اذا ثبت تحقق الغایة من البیان رغم تخلفه , وبعبارة اخرى انه یلزم لبطلان صحیفة الدعوى عند تخلف احدى بیاناته , ان یثبت من یتمسک بالبطلان عدم تحقق الغایة من البیان , کأن تجهل الصحیفة بالمدعی او المدعى علیه او موضوع الدعوى .
المطلب الثانی
المسؤولیة عن بطلان الأوراق الإجرائیة
قد یلحق بطلان الورقة الاجرائیة ضرراً بمن کان المفروض ان یستفید من اتخاذه , على الاقل من حیث مشقة اعادة اتخاذه مصححاً , والمسؤولیة عن هذا الضرر یجب ان تقع على عاتق من تسبب بخطئه فی بطلان الورقة , وبالتالی فی حصول الضرر . ان المسؤولیة قد تتعدد من حیث کونها ذات طابع تأدیبی یطال اعوان القضاة من الموظفین العمومیین وفقاً للقوانین المرعیة , وقد تکون ذات طابع جزائی وذلک بفرض جزاءات معینة وفقاً للقوانین الجزائیة , الا ان ما یهمنا بهذا الصدد هو المسؤولیة المدنیة ما دمنا فی نطاق قانون المرافعات المدنیة , حیث تقرر هذه المسؤولیة تعریض الخصم المضرور نتیجة ما حصل من اهمال او خطأ فی الورقة التی ادت فی النهایة الى بطلان الاجراء .
مما لاشک فیه انه اذا کان البطلان راجعاً الى خطأ صاحب الاجراء (الخصم نفسه) فأنه یتحمل وحده تبعة هذا الخطأ ولیس له ان یرجع باللوم على احد فاذا اخطأ طالب الاعلان (طالب التبلیغ) مثلاً فی التعریف بالمعلن الیه ( المطلوب تبلیغه ) وترتب على ذلک بطلان ورقة التبلیغ , فإنه یتحمل وحده ذلک الضرر اما اذا کان بطلان الورقة ناجماً عن خطأ وتقصیر بعض اعوان القضاة , کالمبلغین مثلاً , وهم من الموظفین العمومیین فأنهم یتحملون المسؤولیة کاملة عن ذلک البطلان , واساس مسؤولیة هؤلاء هو الخطأ او الاهمال فی اداء الوظیفة , وبتحقق مسؤولیة هذه الفئة تنهض معها مسؤولیة الدولة وفقاً للقواعد العامة إذ تقضی بمسؤولیة التابع عن المتبوع وفقاً للمادة ( 219 ) من القانون المدنی العراقی . لقد منح المشرع العراقی المحکمة صلاحیة فرض الغرامة على القائم بالتبلیغ متى ما ثبت ان البطلان کان ناشئاً عن تقصیره وذلک بقرار غیر قابل للطعن . واذا کان للمحکمة فرض الغرامة المقررة على من ثبت تسببه ببطلان الاجراء الا ان هذا لا یمنع الخصم المتضرر بسبب هذا الخطأ من المطالبة بالتعویض عما اصابه من ضرر مادی او ادبی , وذلک وفقاً للقواعد العامة فی المسؤولیة المدنیة حیث له المطالبة عما لحقه من خسارة وما فاته من کسب .
اما بخصوص القضاة فأن مسؤولیتهم محددة بأحوال مخاصمتهم , فلا یسألون عن أخطائهم العادیة ولو ترتب علیها ضرر للخصوم , او کان الضرر نتیجة بطلان الورقة الاجرائیة تسبب فیه القاضی او المحکمة , وانما تقتصر مسؤولیتهم على احوال الغش او التدلیس او الخطأ المهنی الجسیم وأحوال الامتناع عن الحکم .
فإن کانت دعوى المخاصمة ( الشکوى او القضاة ) هی دعوى إبطال لعمل القاضی ومطالبته بتعویض , وهذا بالنسبة لمن یتضرر من عمل القاضی , اما بالنسبة لمن ابطل له الاجراء الذی کان مفروضاً ان یستفید منه , فلا یمکن ان یسأل القاضی عن هذا البطلان, لأنه لایمکن ان یکون له حق الاستفادة من غش القاضی او خطئه الجسیم .
من هنا نقترح على المشرع العراقی ضرورة وضع قواعد عامة فی تحدید المسؤولیة الناشئة عن بطلان الاوراق الاجرائیة خصوصاً وبطلان الاجراءات على وجه العموم , حتى لا یکون القاضی امام فراغ تشریعی قد یوقعه فی الکثیر من الإشکالات , فوضع مادة واحدة , وخاصة بالتبلیغات بخصوص تحدید مسؤولیة القائم بالتبلیغ غیر کافیة لمعالجة هذا الموضوع الذی یمتد اثره الى مختلف الاوراق الاجرائیة .
الخاتمة :
تعد الأوراق الإجرائیة إحدى الموضوعات المهمة فی قانون المرافعات , کونها تشکل الى جانب الجوانب الاجرائیة الاخرى سلسلة مترابطة فیما بینها , ابتداءاً من هذه الاوراق التی تعد نقطة انطلاق أی اجراء قضائی , مروراً بالمواعید المقررة , وانتهاءاً بفرض جزاءات اجرائیة عند عدم احترام کل تلک الاوضاع .
ومن خلال البحث فی الاوراق الاجرائیة تبین العدید من النتائج والتوصیات إذ یمکن اجمالها على النحو الاتی :-
اولاً :- النتائج :-
ثانیاً :- التوصیات :-
The Author declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English) and References (French)
Sources list:
First: Legal books:
1- Ibrahim Almashahdi - Legal Principles in the Court of Cassation - Civil Procedure Department - Al-Jahez Press - Baghdad - 1990.
2- Dr. Ahmed Muslim - The origins of the pleadings - Arab Thought House - Cairo - without publication year.
3- Dr. Adam Wahib al - Ndawi - civil pleadings - printed University of Baghdad - 1988.
4 - Amina Al-Nimr - The origins of civil trials - University House - Beirut - without a year of publication.
5 - Jamal Mouloud Deiban - controls the validity and fairness of the judicial ruling in the civil lawsuit - House of public cultural affairs - Baghdad - 1992.
6- Hassan Al-Fakahani - Golden Encyclopedia of the Legal Rules of the Egyptian Court of Cassation -
Arab House of Encyclopedias Cairo - without publication year.
7- Dr. Abbas Aboudi - Explanation of the provisions of the law of pleadings - printed University of Mosul - 2000
8- Dr. Abdul Majeed al-Hakim, Abdul Baqi al-Bakri, Mohammed Taha al-Bashir - Civil Law - the provisions of commitment - C 2 - printed University of Baghdad - 1980.
9- Dr. Abdel Basset Ghali - Principles of Procedure - Arab Thought House - Cairo - 1980.
10- Dr. Fathi Wali - mediator in the law of civil justice - Dar al-Nahda Arab - Cairo - 1987.
11- Dr. Fathi Wali - Theory of invalidity in the law of pleadings - I 1 - Cairo - 1959.
12- Dr. Mohamed Mahmoud Ibrahim - Al-Wajeez in the pleadings - Arab Thought House - Cairo - 1983.
13- Dr. Mahmoud Mohamed Hashem - Civil Judiciary Law - C 2 - Arab Thought House - Cairo - without a year of publication.
14- Dr. Nabil Ismail Omar - Judicial Papers Declaration - I - Knowledge Establishment - Alexandria - 1981.
15- Dr. Wagdy Ragheb - Principles of Civil Debate - I 1 - Arab Thought House - Cairo - 1978.
Second: University degrees:
1 - Fares Ali Omar Al - Jarjari - Judicial Notifications and their Role in the Settlement of Civil Cases - Comparative Study / PhD Thesis Submitted to the Faculty of Law - University of Mosul - 2004.
Third: - French sources:
1- Dr. valerie lasser - kiesow - linterpreation stricte par la cour se cassation des dispositions du nouveiu code de procedure civile imposant un formalisme des arguments opligatoires recueiel dalloz - 2001 - gorisprudence
Fourth: Laws:
1- Iraqi Evidence Law No. 107 of 1979.
2. Iraqi Civil Procedure Law No. 83 of 1969.
3- Egyptian Civil and Commercial Procedures Law No. 13 of 1968.