الملخص
یقصد بالنطاق الموضوعی للالتزام بالسر المصرفی ، محل الالتزام الذی یقع على عاتق المصرف ومقتضاه المحافظة على البیانات والمعلومات والاسماء وغیرها من الوقائع الخاصة بالعمیل تعد سراً بمجرد التعامل مع المصرف .
ویلاحظ ان المشرع فی اغلب القوانین قد نص على محل الالتزام بصیغ مختلفة فقد جاء فی المادة (49) من قانون المصارف العراقی لسنة 2003 ما یلی (یحافظ المصرف على السریة فیما یتعلق بجمیع حسابات العملاء وودائعهم واماناتهم والصنادیق التی یودعون فیها مقتنیاتهم
الكلمات الرئيسة
الموضوعات
أصل المقالة
النطاق الموضوعی للالتزام بالسر المصرفی (*)
The substantive scope of commitment to banking secrecy
نسیبة إبراهیم حمو زینة غانم الصفار کلیة القانون/ جامعة الموصل کلیة القانون/ جامعة الموصل Nesibeh Ibrahim Hamo Zina Ghanem Al-Saffar College of law / University of Mosul College of law / University of Mosul Correspondence: Nesibeh Ibrahim Hamo E-mail: |
(*) بحث مستل من أطروحة الدکتوراه الموسومة (الأسرار المصرفیة – دراسة قانونیة مقارنة) ، مقدمة إلى کلیة القانون ، جامعة الموصل ، 2005 .
أستلم البحث فی 18/5/2006 *** قبل للنشر فی 14/11/2006.
(*) Received on 18/5/2006 *** accepted for publishing on 14/11/2006.
Doi: 10.33899/alaw.2007.160509
© Authors, 2007, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
مقدمة
یقصد بالنطاق الموضوعی للالتزام بالسر المصرفی ، محل الالتزام الذی یقع على عاتق المصرف ومقتضاه المحافظة على البیانات والمعلومات والاسماء وغیرها من الوقائع الخاصة بالعمیل تعد سراً بمجرد التعامل مع المصرف .
ویلاحظ ان المشرع فی اغلب القوانین قد نص على محل الالتزام بصیغ مختلفة فقد جاء فی المادة (49) من قانون المصارف العراقی لسنة 2003 ما یلی (یحافظ المصرف على السریة فیما یتعلق بجمیع حسابات العملاء وودائعهم واماناتهم والصنادیق التی یودعون فیها مقتنیاتهم ..) .
وجاء موقف المشرع المصری مقارباً للعراقی ، غیر انه اضاف الى الالتزام (المعاملات المتعلقة بها) وذلک فی المادة (97) من قانون البنک المرکزی المصری والجهاز المصرفی والنقد المرقم 88 لسنة 2003 اذ جاء فیها (تکون جمیع حسابات العملاء وودائعهم واماناتهم وخزائنهم فی البنوک وکذلک المعاملات المتعلقة بها سریة..) وقد کان موقف المشرع السوری فی قانون السریة المصرفیة المرقم 29 لسنة 2001 اکثر شمولیة لانه نص فی المادة (3) منه على ما یلی : (ان العاملین فی المصارف المشار الیها فی المادة الاولى من هذا القانون وکل من کان على اطلاع بحکم صفته او وظیفته بأیة طریقة کانت على قیود الدفاتر والسجلات والمعاملات والمراسلات وشهادات الاستثمار ملزمون ..) .
والأمر یبدو مختلفاً فی القانون الفرنسی لسنة 1984 حیث ان المادة (57) منه لم تتضمن تحدیداً للنطاق الموضوعی للالتزام بالسر المصرفی أی لم تذکر تعداداً للبیانات والمعلومات والعملیات التی تدخل فی نطاق السریة ، بل انه اکتفى بوضع (اطار عام) للالتزام بالسر المصرفی الذی یقع على عاتق المصارف دون ان یرسم الحدود الدقیقة لهذا الالتزام، ویمکن القول ان موقف المشرع الفرنسی جدیر بالتأیید لکونه لا یورد تعداداً حصریاً للاعمال التی یباشرها المصرف فیکون ملتزماً بالسریة المصرفیة فیها فکان النص مرناً یتسع لکل العملیات وخاصةً ما قد یستجد من عملیات مصرفیة فی المستقبل بسبب التطور التقنی على الرغم من ان ذلک سیقود لا محالة الى تحمیل القضاء عبءاً لتحدید هذا النطاق .
وقد جاءت الصیاغة فی المادة (57) من القانون المذکورة آنفاً على النحو الاتی (کل عضو فی مجلس الادارة وفی مجلس الرقابة وجمیع الاشخاص الذین یشارکون على أی وجه فی توجیه او فی ادارة مؤسسة ائتمان او الذین یعملون فی هذه المؤسسة یلتزمون بسر المهنة بالشروط وتحت العقاب المقرر بموجب المادة (226) من قانون العقوبات الفرنسی) .
وعلیه فان المشرع الفرنسی اثر ان تستمد سریة المعلومات والبیانات الخاصة
بالعمیل من طبیعة المعلومة ذاتها ومدى تعلقها بالحق فی الخصوصیة، على اعتبار ان السر المصرفی هو وجه من وجوه الاسرار المهنیة المعاقب على افشائها فی المادة (226) من قانون العقوبات ، وتحدیداً لنطاق الالتزام من الناحیة الموضوعیة ، فقد ذهب جانب من الفقه الى ان الالتزام بالسر المصرفی یشمل کل الوقائع التی لا یتاح للجمهور معرفتها ، سواء اکانت تلک المعلومات قد وصلت الى المصرف من العمیل نفسه او من أی شخص اخر ویتوصل الیها المصرف من التقاریر التی یعدها اثناء مباشرته لنشاطه المصرفی، وهذا ما أکده قرار للهیئة التجاریة فی محکمة النقض الفرنسیة فی 10/12/2003 فی الدعوى المقامة بین المصرف الصناعی والتجاری (BICS) وعمیله .
فوفقاً للقانون الفرنسی فان الاسرار المصرفیة لا تشمل الا المعلومات التی تتمتع بطابع الخصوصیة مثل مقدار الرصید ورقمه وحرکته .
وعلى العکس فلا یمکن اسباغ صفة السریة على المعلومات والبیانات التی تصطبغ بالطابع العام مثل ، شخص متعثر فی السداد وصکوک غیر مدفوعة ، وعلیه یمکن للمصرف ان یکشفها .
واستناداً الى هذا القول ، فان ثمة تمییز بین الالتزام بالسر المصرفی وبین العادة المصرفیة التی لا تتمتع – بصفة الالزام – والتی یسمح للمصرف اعطاء بعض المعلومات عن العملاء وعلیه ذهب جانب من الفقه الى ان الالتزام بالسر المصرفی یقتصر على مضمون العلاقة بین المصرف والعمیل وما تحتویه من تفاصیل ومداخلات اما وجود هذه العلاقة فانه یخرج من نطاق السریة الا اذا اتجهت ارادة العمیل الى خلاف ذلک .
وعلیه لابد من النظر الى المعلومات التی تغطیها السریة المصرفیة بمنظور واسع کی تشمل کل المعلومات والبیانات المتعلقة بعمیل المصرف .
وهذا ما تبناه القضاء الفرنسی فی قرار جاء فیه (یحظر على مؤسسة الائتمان (المسحوب علیه) الصک ان تزود الساحب بصورة من ظهر الصک الذی اصدره اذا کانت توجد على ظهر هذا الصک بیانات ومعلومات توضیح اسم المصرف الذی یوجد فیه حساب المستفید ورقم حسابه) .
ویناقض هذا الموقف قرار اخر صادر عن القضاء الفرنسی اید الاعتراف
لساحب الصک لحامله بالحق فی معرفة اسم المستفید الذی قبض قیمته من المصرف المسحوب علیه، وذلک لان الذین یقبلون المساهمة فی تداول الصک لحامله لهم الحق فی معرفة المعلومات المتعلقة بالمستفید منه ، والقول بغیر ذلک یعد تطبیقاً خاطئاً لمفهوم السر المصرفی.
ومن الجدیر بالذکر ، ان القانون السویسری الخاص بالمصارف وصنادیق الادخار الصادر فی 8/11/1934 المعدل ، لم تتطرق المادة (47) منه الى المعلومات والبیانات التی تدخل فی نطاق السر المصرفی اذ یتحدد الالتزام بکتمان السر المصرفی من خلال اعتراف القانون ان السر المصرفی هو ضرب من ضروب الاسرار الشخصیة وان کان یحمل طابعاً مادیاً وحمایة هذه الاسرار لا تقتصر على نص المادة (47) من القانون الفیدرالی السویسری بل یشمل ایضاً الحمایة القانونیة الواردة فی نص المادة (28) من القانون المدنی السویسری والمادتین (41 ، 42) من قانون الالتزامات السویسری .
وذهب جانب من الفقه الى انه لابد من توافر شروط معینة فی الواقعة التی تصل إلى علم المصرف المتعلقة بالعمیل والتی یتعین علیه کتمانها وهی :
1. ان تکون الواقعة مرتبطة بعلاقات الاعمال ما بین المصرف والعمیل وذلک من خلال العملیات والخدمات المصرفیة التی یقدمها المصرف .
2. ان تصل الواقعة الى علم المصرف بمناسبة مباشرته لمهنته بمعنى اخر ان الوقائع التی یحصل علیها المصرف او احد العاملین فیه خارج نطاق المصرف أی فی مکان عام مثلاً لا تعد من الوقائع التی یلتزم المصرف بکتمانها .
3. ان تتجه ارادة العمیل الى اخفاء المعلومات والبیانات وکل الوقائع التی تتعلق بنشاطه مع المصرف .
والنصوص القانونیة المذکورة آنفاً قد تباینت فی تحدید المقصود بالسر تحدیداً دقیقاً، فیبدو ان المشرع قد سلک مسلکاً مطلقاً استهدف من خلاله حمایة مصلحة العمیل بالدرجة الاساس بحیث یلتزم العاملون فی المصرف بالامتناع عن افشاء اسماء العملاء والاعمال والمعاملات والارقام والودائع والحسابات بصورة مطلقة وهذا هو (التفسیر الضیق للنص) اذ انه یلزم المصرف بعدم افشاء اسماء العملاء وکشف ارقام حساباتهم والعملیات الجاریة مع المصرف ، لان الکشف عن اسم العمیل مثلاً دون ذکر العملیات المصرفیة المتعلقة به قد یقود فی بعض الاحیان الى اطلاع شخص ثالث – تربطه معرفة بالعمیل مثلاً – على العملیات الخاصة بالاخیر ، وما یتبع ذلک من شک وفضول یدفع هذا الشخص بالاطلاع على اسرار العمیل المالیة وبالتالی القاء الحجز على امواله مثلاً وقد یؤدی ذلک ایضاً الى دفع السلطات العامة إلى اتخاذ تدابیر اکثر تشدداً للحیلولة دون هروب رؤوس الاموال الوطنیة الى الخارج او لضمان اطلاع دائرة الضرائب على العملیات الخاصة بهذا العمیل .
وعلى العکس من ذلک ، فان (التفسیر الواسع للنص) المتعلق بالسر المصرفی یعنی ان القانون یمنع افشاء اسم العمیل ومقدار ودائعه وحساباته ومعاملاته ولکن کشف هذه العملیات دون ذکر لاسم العمیل صاحب العلاقة مع المصرف او دون ان یکون هناک ما یتیح التوصل الى هذا الاسم فانه لا یشکل مخالفة للقانون بل على العکس ، فهو یوفر میزات مهمة ولاسیما التی تتعلق بالاموال غیر النظیفة وکذلک تیسر مهمة دائرة الضرائب لمباشرة وظیفتها، فعلى سبیل المثال یجوز للمصرف استقطاع مبلغ الضرائب المترتب على العمیل لحساب الدائرة المعنیة من فوائد حساباته الجاریة دون ان یؤثر ذلک فی مصلحة العمیل لان اسمه وهویته ستبقى طی الکتمان .
ویؤید الفقه الفرنسی هذا الاتجاه على اعتبار ان السر المصرفی لا یشمل سوى المعلومات الدقیقة والواضحة کرقم حساب العمیل ومقدار رصیده وبالمقابل یجوز للمصرف الافصاح عن بعض المعلومات التی لا تتسم بطابع السریة وبامکانه نشر المعلومات التی تتضمن مواعید الاستحقاق لدیون صعبة التحصیل او تقدیرات اجمالیة لمقدار الارباح التی حصل علیها المصرف نتیجة لتعامله مع شرکة ما .
ویمکن القول ، ان التفسیر الواسع لمضمون السر المصرفی یجانب الصواب لان الحکمة من التشریع انما تقتضی المحافظة على السر المصرفی والتشدد فی حمایته على الرغم من ایراد المشرع العدید من الاستثناءات التی تسمح للمصرف بالتحلل من التزامه بالکتمان ومن ثم افصاحه عن هذه الاسرار .
وقد جاء موقف القضاء الفرنسی مؤیداً لهذا الرأی (التفسیر الواسع للسر المصرفی)، وذلک فی نزاع عرض على محکمة (کاربنترا) الابتدائیة الفرنسیة وتتلخص وقائعه (ان احد جوابی شرکة التأمین قام بتزویر طلبات تعویض بعض العملاء المؤمن لهم لدى تلک الشرکة وصرف قیمة تلک التعویضات واودعها فی حسابات منحتها باسمه فی عدة مصارف وفوجئت الشرکة بطلبات تعویض من عملائها فلجأت الى رئیس محکمة (کاربنترا) بوصفه قاضیاً للامور المستعجلة وطلبت منه التصریح لاحد الخبراء بالاطلاع على حسابات الجواب لمعرفة اسماء من تم صرف التعویضات لهم من العملاء فأصدرت المحکمة المذکورة امراً مستعجلاً فی 24/9/1997 قضى فیه بأنه اذا کان یجوز للمصرف التمسک بالسر المصرفی بعدم افشاء سریة المعلومات ذات الطابع الخاص المتعلقة بالعمیل فأنه لا یجوز له ذلک بالنسبة للمعلومات التی لیس لها هذه الصفة وتعتبر مجرد (معلومات واقعیة) أی ان المحکمة اعتبرت اسماء العملاء من قبیل المعلومات ذات الصفة الواقعیة التی لا یشملها الالتزام بالسر المصرفی .
وقد ذهب الفقه الالمانی الى ضرورة ایراد قائمة تتناول تعداداً – على سبیل الحصر – للوقائع والبیانات التی تعد سراً فیلتزم المصرف بالمحافظة علیها ، وان هذا الاسلوب وان بدى للوهلة الاولى اکثر وضوحاً الا انه فی الوقت ذاته لا یعد کافیاً فیصعب التنبؤ بالعملیات المصرفیة التی تتصل بعلاقة العمیل بالمصرف التی تستجد فی المستقبل .
ومما تقدم یتضح ان هناک معیارین لتحدید الوقائع محل الالتزام بالکتمان احدهما (معیار مادی) والاخر (معیار شخصی) .
1. المعیار المادی (الموضوعی) : استناداً الى هذا المعیار تعتبر سراً الوقائع التی تنبع من نطاق التعامل المصرفی ما بین العمیل والمصرف وترتبط مباشرةً بالمهنة المصرفیة .
وهذا یعنی ان الواقعة التی تعد سراً قد وصلت إلى علم المصرف بسبب مباشرته للمهنة وقد نشأت عن روابط الاعمال التی تربط الطرفین وعلیه لا یعد سراً الوقائع المعروفة او الظاهرة للجمیع ، وکذلک الوقائع التی حصل علیها المصرف خارج دائرة التعامل مع العمیل کأن تصل الواقعة الى علم الموظف بسبب علاقة قرابة او صداقة تربطه بالعمیل .
2. المعیار الشخصی : وفقاً لهذا المعیار ، یستلزم لتحدید الوقائع التی تعد سراً البحث عنها فی ارادة العمیل ذاته لانها اتجهت الى کتمان بعض المعلومات والوقائع ویفترض وجود هذه الارادة حتى قبل ابرام الاتفاق مع المصرف على اعتبار ان الکتمان مبدأ مفترض یلتزم به المصرف ابتداءاً وهذا یعنی ان العمیل هو السید الوحید لسره ، أی هو صاحب الحق فی التصرف فیه فلا عبرة بطبیعة الوقائع محل الالتزام سواء اکانت تحمل الطابع المالی ام لا، فقد تتجه ارادة العمیل الى کتمان بعض الوقائع ذات الابعاد الاجتماعیة وان کانت مالیة فی حقیقتها کتخصیص العمیل مرتباً شهریاً لاحد الاشخاص غیر المرغوب به من قبل عائلته .
ویمکن القول انه لا یمکن تغلیب احد المعیارین على الاخر بل لابد من الجمع بینهما لتحدید الوقائع التی تعد محلاً للکتمان فیجب ان تکون هذه الوقائع والمعلومات قد وصلت الى علم المصرف بواسطة العمیل مباشرة واتجهت ارادته الى اخفائها ، فضلاً عن ان هذه الوقائع وصلت الى علم المصرف بسبب ممارسته لمهنته وبوصفه امیناً على السر .
وقد الزم المشرع العراقی المصرف فی المادة (49) من قانون المصارف لسنة 2003 الالتزام بالسریة فیما یتعلق بجمیع حسابات العملاء وودائعهم واماناتهم والصنادیق التی یودعون بها ، وأضاف الیها المشرع المصری فی المادة (97) من قانون البنک المرکزی رقم 88 لسنة 2003 (المعاملات المتعلقة بها) .
ووفقاً لهذه النصوص فقد اضفى المشرع صفة السریة على العملیات المصرفیة بشکل مطلق والمعاملات المتعلقة بحسابات العملاء وودائعهم واماناتهم وخزائنهم فضلاً عن المعلومات المتعلقة بالعمیل ذاته .
وتجدر الاشارة الى ان المشرع فی بعض الدول قد اجاز للمصارف فتح حسابات مرقمة أی تحمل رموزاً سریة دون ذکر اسم العمیل کالقانون اللبنانی والسوری وهو ما یعرف بـ (الحسابات السریة) .
ولما تقدم فسنقسم هذا البحث الى مطلبین ، یتضمن المطلب الاول العملیات المصرفیة والمعاملات المتعلقة بها ، اما المطلب الثانی فسنتکلم فیه عن الحسابات المصرفیة السریة .
المطلب الأول
العملیات المصرفیة والمعاملات المتعلقة بها
یلجأ الاشخاص للمصرف کمؤسسة مالیة لمباشرة عدد من العملیات المصرفیة یتمخض عنها علاقة قانونیة ما بین الطرفین تحکمها القوانین الوضعیة والاعراف المصرفیة مدعومة بالثقة والاطمئنان الیه .
ومن الواضح ان المشرع فی القوانین الوضعیة التی نصت على السریة المصرفیة قد تبنى موقفاً مطلقاً من جمیع العملیات المصرفیة ذلک انه جعل جمیع حسابات العملاء سریة بمختلف انواعها وکلمة (جمیع) مطلقة فتشمل العملیات التی تربط بین المصرف والعمیل کافةً فضلاً عن الودائع والامانات ، والخزائن الحدیدیة التی ورد ذکرها صراحةً فی النصوص القانونیة سواء اکانت هذه العملیات المصرفیة معروفة ویجری التعامل بها فی الوقت الحاضر او ما یبتکره الفن المصرفی فی المستقبل وذلک تلبیة لرغبة اصحاب المشاریع وزیادة فی اقبالهم على الخدمات التی یقدمها المصرف .
وثمة فرق بین العملیات المصرفیة الائتمانیة والخدمات المصرفیة ومعیار التفرقة بینهما، اذا ما کان المصرف یتقاضى فائدة او عمولة ، فالمصرف یتقاضى عند اداء العملیة المصرفیة (فائدة) مقابل التسهیل الائتمانی الذی یمنحه للعمیل ، اما فی الخدمة المصرفیة فالمصرف یتقاضى (عمولة) فقط لقاء اداء الخدمة للعمیل فضلاً عن عنصر المخاطرة التی یتعرض لها المصرف ففی العملیات المصرفیة الائتمانیة یدور الامر بین الربح والخسارة بینما فی الخدمات المصرفیة فالأمر یکاد یکون خالیاً من المخاطرة لانه یتقاضى اجراً او (عمولة مسبقة) اداء الخدمة .
ومن العملیات المصرفیة الائتمانیة ، فتح الحسابات المصرفیة ، وودیعة النقود، والاعتماد المستندی والبسیط وخطاب الضمان والخصم ، اما العملیات المصرفیة الخدمیة فتشمل اجارة الخزانة الحدیدیة والنقل المصرفی .
وعلیه سنتناول العملیات المصرفیة وما یتعلق بها من معاملات والبیانات المتعلقة بالعملاء فی مقصدین مستقلین .
المقصد الأول
العملیات المصرفیة الائتمانیة
تضطلع المصارف بدور اساس فی نطاق الائتمان المصرفی المتمثل بعدد من العملیات المصرفیة یکاد یکون الهدف فیها جمیعاً هو تمکین عمیل المصرف من الحصول على السیولة النقدیة التی یحتاجها لمواجهة التزاماته المختلفة لذلک فان الائتمان المصرفی ما هو الا عملیة یقوم بمقتضاها المصرف بتقدیم ادوات للوفاء لشخص معین على هیئة رؤوس اموال نقدیة مقابل فائدة معینة .
وعلیه ، سنتناول فی هذا المقصد العملیات المصرفیة الائتمانیة والمعاملات والبیانات المتعلقة بها وبالعملاء وما تنطوی علیها من اسرار مصرفیة .
1. فتح الحسابات المصرفیة :
یتم تنفیذ العقود فی المصارف عادةً بواسطة حسابات مختلفة یسهل من خلالها اجراء المقاصة للدیون الناشئة ما بین المصرف وعمیله بدلاً من اتباع القواعد المعروفة فی قانون التنفیذ ، الا ان حسابات المصرف مع عمیله لا تعد مجرد عملیات حسابیة مادیة لکنها اتفاقات خاصة یقید بموجبها فی حساب العمیل المبالغ التی یصبح المصرف مدیناً بها لعمیله او دائناً.
واعتبر المشرع جمیع حسابات العملاء لدى المصرف سریة لذلک فان هذه الحسابات تشمل الحسابات البسیطة وحسابات الودائع والحاسبات الجاریة ، وعلى الرغم من وضوح النص وصراحته فانه یصعب الاخذ بعمومیة النص واعتبار الواقعة التی تتضمن فتح کل الحسابات المصرفیة سریة وبالتالی یحظر على المصرف الافصاح عنها ، الا ان ثمة ضرورة تقتضیها قواعد المنطق وطبیعة التعامل مع المصارف لتوضیح الفرق بین تلک الحسابات ، وبمعنى اخر لابد من التفرقة بین واقعة فتح الحساب فی ذاتها (وجود حساب للعمیل لدى المصرف) (ومضمون هذا الحساب ومحتویاته) .
ففیما یتعلق بوجود حساب للعمیل لدى المصرف ، لابد من التمییز بین ما اذا کان العمیل یتعامل مع حسابه باصدار صکوک للغیر من عدمه فاذا کان العمیل یصدر صکوکاً على هذا الحساب ففی هذه الحالة لا یمکن تصور وجود واقعة سریة یلتزم المصرف بکتمانها لان الصک لا محال سوف یحمل اسم المصرف (المسحوب علیه) واسم العمیل (الساحب) واسم (المستفید) ورقم حسابه وذلک استناداً إلى النصوص الخاصة بانشاء الورقة التجاریة عموماً والصک خصوصاً .
وهنا سیعلم المستفید من الصک ان الساحب لدیه حساب لدى المصرف المذکور فی الصک ، وبالتالی تنتفی السریة عن هذه الواقعة ، اما اذا لم یکن العمیل یتعامل مع حسابه بالصکوک ، ولکن للسحب من الحساب لحسابه الخاص ، فهذه الواقعة لا محالة تتمتع بالسریة فیلتزم المصرف بکتمانها شأنه فی ذلک الشأن التزامه بکتمان مضمون الحساب ومحتویاته أی مقدار الرصید وهل هو حساب دائن ام مدین .
ولقد انفرد المشرع المصری فی قانون التجارة النافذ رقم 17 لسنة 1999 بحکم خاص بسریة (الحساب الجاری) اذ نصت المادة (377) منه على انه (اذا کان الحساب الجاری مفتوحاً لدى بنک فلا یجوز للبنک اعطاء بیانات او معلومات عن رقم الحساب او حرکته او رصیده الا لصاحب الحساب او وکیله الخاص او لورثته او الموصى لهم بعد وفاته او وفقاً لاحکام القانون رقم 205 لسنة 1990 فی شأن سریة الحسابات) .
ویفترض الحساب الجاری وجود عملیات متصلة متوالیة بین طرفین (شخصین) یکون احدهما فی الغالب مؤسسة مصرفیة فیتفقان على تسویة تلک العملیات الناشئة بینهما بعد مدة معینة وتصبح نتیجة التسویة وهی (الرصید) دیناً مستحقاً للطرف الذی ظهر هذا الرصید لمصلحته .
والحساب الجاری من العقود التجاریة الخاصة بالتجار اذ یفتح عادة لاغراض تجاریة فیمکن العمیل (التاجر) من الحصول على ائتمان من المصرف .
وقد ارتأى المشرع فی هذا النص الحفاظ على سریة المعلومات المقدمة او التی تصل الى علم المصرف بسبب مباشرته للمهنة .
الا ان النص السابق یثیر عدة ملاحظات یمکن تلخیصها فی النقاط التالیة :
1. ان المشرع اعتبر فتح حساب جار لدى المصرف واقعة سریة وبالتالی یحظر علیه افشاؤها الا ان هذا الحکم قد ورد اصلاً فی مضمون نص المادة (97) من قانون البنک المرکزی المصری رقم 88 لسنة 2003 اذ جاء فیها (تکون جمیع حسابات العملاء وودائعهم..).
وهذا النص جاء مطلقاً لیشمل کل انواع الحسابات بما فیها الحساب الجاری، وعلیه فان اعادة النص فی قانون التجارة یمثل تکراراً لا جدوى منه وکان الاجدر بالمشرع ان یتجنبه.
2. اعتبر المشرع فی المادة (377) ان مضمون الحساب الجاری ، وحرکته ورصیده یعد من الاسرار المصرفیة فلا یجوز کشفها وهذا اصلاً ورد فی المادة (97) المذکورة آنفاً.
3. اجاز المشرع فی المادة (377) للمصرف کشف البیانات والمعلومات المتعلقة بالحساب الجاری لوکیل العمیل الخاص ولورثته والموصى لهم واضاف الى عجز النص (او وفقاً لاحکام القرار ..) .
فاستخدام اداة (او) یدل على التخییر بین نوعین من الاحکام فی حین ان الامر هنا لا یتعلق بالتمییز والعبارة المذکورة تعنی سریان الاستثناءات الواردة على الالتزام بالسر المصرفی المذکورة فی القرار المرقم 205 لسنة 1990 أی ان نص المادة اضاف تلک الاستثناءات الى الاستثناءات الخاصة بالوکیل الخاص والورثة والموصى لهم ، لذا کان الاولى ان یستخدم (واو) العطف .. بدلاً من(او) لان المادة (377) المذکورة لم تأتِ بالجدید فی شأن الاستثناءات لانها اصلاً واردة فی المادة (97) من القانون فلا حاجة الى مثل هذا التکرار .
وفی اعتقادی ، کان الاولى بالمشرع المصری ان یستغنی عن نص المادة (377) من قانون التجارة منعا للبس واثارة الخلاف ، والاکتفاء بما ورد بالنصوص القانونیة الخاصة بالسریة المصرفیة .
2. ودیعة النقود :
یبرم العمیل مع المصرف عقد ودیعة النقود او عقد ودیعة الصکوک ، اما الودیعة المصرفیة النقدیة فهی النقود التی یعهد بها الافراد او الهیئات الى المصرف على ان یتعهد الاخیر (المصرف) بردها لدى الطلب بالشروط المتفق علیها .
اما ودیعة الصکوک فهو عقد یبرم ما بین المصرف والعمیل بمقتضاه یقوم العمیل بتسلیم الصکوک المطلوب ایداعها الى المصرف الذی یلتزم بدوره بحفظ هذه الصکوک وبان یردها عیناً .
کما یسری وصف الودیعة المصرفیة على کل ما یودع لدى المصرف او یتلقاها بای سبب کان کشهادات الاستثمار او شهادات الایداع او غیرها من الشهـــادات المماثلة .
فواقعة وجود عقد الودیعة النقدیة ومقدار تلک الودیعة ونوعها تعد من الاسرار المصرفیة وبالتالی یحظر على المصرف افشاؤها مع الاخذ بعین الاعتبار التفرقة التی اجریناها سلفاً بین ما اذا کان العمیل یفتح حساباً لتلک الودیعة ویتعامل به بموجب صکوک من عدمه .
اما عن عقد ودیعة الصکوک ، فاعتبار واقعة وجودها سراً ام لا یتوقف على نوع الصک محل العقد ، فاذا کان الصک ینتج ارباحاً یلتزم المصرف بموجب العقد بقبضها ، او قبض قیمة الصک عند الاستحقاق ، فهذه الوقائع لا تعد من الاسرار المصرفیة لان قیام المصرف بهذه الواجبات من شأنه اعلام الغیر الذی یتعامل معه بخصوص هذا الصک بوجود هذا العقد ، اما الحساب الذی فتحه العمیل المودع لدى المصرف کی یقید فیه المبالغ المستحصلة من الصکوک المذکورة فی اعتبار هذه الواقعة سریة ام لا ، فانها تخضع للتفرقة التی اشرنا الیها سلفاً .
اما بالنسبة للصکوک المودعة لدى المصرف والتی یودعها صاحبها بهدف الحفاظ علیها مادیاً فانها تعد بمثابة (امانات) وعلیه یعتبر عقد الایداع المتعلق بها وانواعها من قبیل الاسرار المصرفیة التی یلتزم المصرف بالحفاظ علیها .
ومن امثلة ذلک ایضاً ، مستندات ملکیة العقار او المنقول او اصول لعقود متعلقة بعملیات تجاریة یخشى العمیل من اطلاع الغیر علیها .
وتجدر الاشارة الى ان الامانات تختلف عن الودائع النقدیة لان الغرض منها هو الحفظ دون الاستثمار ، اما الودائع فالغرض منها هو الحفظ والاستثمار فی آن واحد، بمعنى اخر ان الامانات تشمل المنقولات المادیة غیر النقدیة ، مثل الاوراق المالیة والاوراق التجاریة والبضائع التی تودع کامانة فی مخازن المصارف ، کما تشتمل الامانات المنقولات المعنویة وذلک فی اطار الخدمات المتعلقة بالحفظ وادارة الاعمال کان یؤجر المصرف حاسبات الیة لکی یضع علیها المهندسون ومصممو المشاریع الرسوم والتصمیمات ویحتفظون بها امانة لدى المصرف لیتولى حفظها .
3. الخصم : *
الخصم عقد یتعهد المصرف بمقتضاه بان یدفع مقدماً قیمة ورقة تجاریة او أی مستند اخر قابل للتداول الى المستفید مقابل نقل ملکیته الى المصرف مع التزام المستفید برد القیمة الى المصرف اذا لم یدفعها (المدین الأصلی) .
ویعد الخصم صورة من صور الائتمان لان المصرف یجعل فیه مالاً حالاً نظیر مال غیر حال ثقة منه فی استرداد حقه او استرجاع ما علیه عند الاجل المتفق علیه ، الا ان الخصم یتمیز عن باقی صور الائتمان حیث ان الأصل هو ان تقوم ثقة المصرف فی شخصیة العمیل ویساره ، اما فی الخصم فان ثقة المصرف تنبسط على شخصیة عمیله وعلى شخصیة الموقعین على الورقة التجاریة التی یقدمها العمیل الى المصرف لخصمها ، لان الاصل هو ان یتم وفاء قیمة الورقة التجاریة للمصرف المسحوب علیه وهی التسویة الطبیعیة لعملیة الائتمان بالخصم ، لکن هذه النهایة لیست حتمیة دائماً فقد یتخلف المسحوب علیه عن الدفع فیکون للمصرف الرجوع على الموقعین طبقاً لاحکام القانون والرجوع على عمیله الذی قدم الورقة الیه ، لذلک یمکن القول ان الخصم عملیة مصرفیة ولیست خدمة مصرفیة لان المصرف یقوم بها بقصد تحقیق الربح وان تعرض لبعض المخاطر .
ویمکن القول ، فی مجال السریة المصرفیة ان واقعة خصم الورقة التجاریة من المصرف وقبض قیمتها مقدماً لا تعد بذاتها امراً سریاً ذلک لان الشخص المستفید من الورقة التجاریة (الحوالة ، السند لأمر) معروفاً بموجب الشروط القانونیة اللازمة لانشاء الورقة وتاریخ الوفاء بها وغیرها من البیانات الالزامیة الا ان السریة المصرفیة تکمن فی حالات اخرى منها ان یکون الساحب (المدین بالورقة التجاریة) عمیلاً للمصرف نفسه وتأخر فی سداد قیمة الورقة عند الاستحقاق ورصیده غیر کافٍ نتیجة بعض الازمات المالیة التی یمر بها فی نشاطه التجاری ویطلب فترة زمنیة لامهاله کی یستجمع امواله من مدینیه الاخرین فهنا یحظر على المصرف افشاء هذه المعلومات الخاصة بالعمیل ووضعه المالی فقد تخل بالثقة بوصف عمیل المصرف تاجراً یتمتع بسمعة وثقة فی الوسط التجاری .
4. خطاب الضمان : *
هو تعهد کتابی صادر من احد المصارف بان یدفع نیابة عن احد عملائه الى طرف ثالث مبلغاً لا یتجاوز قدراً معیناً وذلک خلال فترة زمنیة تحدد عادة فی الخطاب ذاته ، وقد جرى التعامل عند فتح المشاریع ان یشترط صاحب المشروع على المتعهد بتنفیذه تقدیم تأمین لضمان التنفیذ وفقاً لشروط العقد وفی المدة المتفق علیها ، والأصل ان التأمین (الکفالة) یقدم نقداً بید ان التأمین النقدی کثیراً ما یکون مرهقاً للمتعاقد ، وغالباً ما یکون المتعهد (مقاول) ، اذ قد یعجز عن تدبیر مبلغ التأمین فتذهب فرصة تنفیذ المشروع منه ، فهنا یتولى المصرف ضمان هؤلاء الاشخاص ویفرغ المصرف ضمانه للمتعاقد فی خطاب ویرسله – بناء على طلب من عمیله – الى صاحب المشروع فیبلغه انه یتعهد بدفع مبلغ التأمین متى طلبه خلال مدة معینة ویطلق على هذا الخطاب اسم (خطاب الضمان) ، ویتقاضى المصرف عمولة تمثل مقابلاً لما قد یتحمله من مخاطر نتیجة المساعدة التی یقدمها لعمیله ، کما لا یتحمل خسارة تذکر لانه یحتفظ مقدماً بغطاء یتمثل بتعهد کافٍ من العمیل لضمان سداد المبلغ .
وبما ان خطاب الضمان هو تعهد کتابی یصدر من المصرف یذکر فیه اسم الشخص الآمر وکذلک اسم المستفید ومبلغ الضمان والمدة المحددة لذلک والغرض من هذا الضمان ، فهنا الامر یکاد یکون امراً یسهل الاطلاع علیه وبالتالی لا ینطوی على السریة المصرفیة بشیء یذکر ومع ذلک فان المعاملات المتعلقة باطراف التعهد وعدد الخطابات التی حصل علیها الشخص کمقاول معروف مثلاً ، واسماء المشاریع التی تولى تنفیذها والجهات المستفیدة من التعهد یحظر على المصرف کشفها بوصفها من الاسرار المصرفیة التی یلتزم المصرف بکتمانها .
5. الاعتمادات المصرفیة :
أ . الاعتماد للسحب على المکشوف او (الاعتماد البسیط) :
هو عقد یضع المصرف بمقتضاه تحت تصرف المستفید وسائل للدفع فی حدود مبلغ معین لمدة معینة او غیر معینة بحیث یکون لهذا الاخیر حق سحبه دفعة واحدة او على دفعات متوالیة بالطریقة المتفق علیها سواء اکان ذلک عن طریق قیام العمیل بقبض المبلغ نقداً او بسحب اوراق تجاریة على المصرف او باصدار اوامر للنقل المصرفی .
ب. الاعتماد المستندی هو عقد یتعهد المصرف بمقتضاه بفتح اعتماد بناءً على طلب احد عملائه ویسمى الامر بفتح الاعتماد لمصلحة شخص اخر یسمى المستفید بضمان مستندات تمثل بضاعة منقولة او معدة للنقل .
ویعد الاعتماد المستندی الاداة المهمة لتنفیذ عملیات التجارة الدولیة .
وبذلک ینطوی مبدأ السریة على کل ما یتعلق بالاعتماد البسیط والاعتماد المستندی من اسم العمیل واسم المستفید من الاعتماد ومبلغه والعملیات المتعلقة به ونوع البضاعة المنقولة او المعدة للنقل ، ونوع العملیات التجاریة التی یباشرها عمیل المصرف والجهة المتعامل معها والدولة التی یستورد منها وغیرها من الامور .
6. المعاملات المتعلقة بحسابات العملاء وودائعهم واماناتهم وخزائنهم :
انفرد المشرع السوری والمصری عن التشریعات المقارنة ، وذلک باعتبار (المعاملات المتعلقة بحسابات العملاء وودائعهم ..) من الاسرار المصرفیة التی یلتزم المصرف بکتمانها .
ومع ذلک لا یمکن الاخذ بهذه النصوص بشکل مطلق على الرغم من وضوح النص ، والسبب هو ان طبیعة تلک العملیات تقتضی التفرقة بین الحسابات والودائع والامانات من جهة والخزائن من جهة اخرى .
فالحسابات المصرفیة والودائع یمکن ان تکون محلاً للسریة حیث تجری على الحسابات والودائع عملیات سحب وایداع ونقل مصرفی وغیرها ، کما یمکن ان تکون ودائع الصکوک والامانات محلاً للرهن من قبل العمیل المودع کمدین راهن .
اذن کل هذه المعاملات تعد من الاسرار المصرفیة ، اما فیما یتعلق باجارة الخزائن فلا مجال للحدیث عن معاملات تتعلق بها وخاصةً ان الهدف من استئجار الخزانة هو ایداع الاشیاء النفیسة حفاظاً علیها من الضیاع او السرقة او التلف ، ولا یختلف الامر فیما اذا قرر العمیل المستأجر رهن موجودات الخزانة لاحد دائنیه فلا علاقة للمصرف بهذا الرهن لانه لا یعد حائزاً ولا مودعاً لهذه الاشیاء فهو لا یعلم شیئاً عنها وعن التعامل الوارد علیها .
ولذلک ذهب جانب من الفقه الى انه لا مجال لاعتبار المعاملات المتعلقة بالخزائن من قبیل الاسرار المصرفیة التی یلتزم المصرف بالحفاظ علیها ، وبالتالی یتعین عدم النص علیها فی القانون .
الا اننی اعتقد انه لا مناص من ضرورة ادراج الخزائن الحدیدیة والمعاملات المتعلقة بها ضمن قائمة الاسرار المصرفیة التی یلتزم المصرف بکتمانها ، وکان الاولى بالمشرع العراقی ان یضیف عبارة (والمعاملات المتعلقة بها) الى نص المادة (49) من قانون المصارف لسنة 2003 اسوةً بالمشرع المصری والسوری ، حتى یعطی المصرف صورة واضحة وصریحة عن ابعاد التزامه بالسر المصرفی ، واقترح تعدیل النص الخاص بالمادة (49) لیصبح کالاتی :
(یلتزم جمیع العاملین فی المصارف العاملة فی العراق وفروع المصارف الاجنبیة بکتمان کل ما یتعلق بحسابات العمیل وودائعه واماناته وخزائنه وکافة المعاملات المتعلقة بها..) .
ومع ذلک ، یصعب وضع قائمة محددة تشمل کل البیانات والمعلومات التی تتمتع بالخصوصیة وبالتالی یلتزم المصرف بحفظها الا ان نص المشرع جاء مطلقاً لیشمل (کل) المعلومات والبیانات والمعلومات المتعلقة بها بغض النظر عن الطبیعة الذاتیة لهذه المعلومات وأهمیتها بالنسبة لصاحبها (العمیل) ، وعلیه لا یمکن قصر السریة على المعلومات التی لا تعتبر امراً معروفاً او ظاهراً للجمیع ولا یکون من شأن اطلاع الغیر علیها اعطاء المطلع تأکیداً لم یکن له من قبل کما لا یمکن تحدید السریة بالبیانات المحددة کرقم الرصید والاعتماد ومواعید استحقاق الدیون .
والامر اذا تعلق بمعاملات کانت محلاً للنشر فی الصحف والمجلات الاقتصادیة فلا تعتبر سراً ولا یلتزم بکتمانها . الا ان السریة تشمل کل المعلومات والبیانات التی تتعلق بحسابات العملاء واماناتهم وخزائنهم لدى المصرف .
ویؤکد جانب من الفقه ان السریة تشمل المعلومات کافة حتى لو کانت شائعة لان تکرار الافضاء بها لا ینزع عن الخبر صفة السریة بل یبقى افشاؤه معاقباً مهماً تکرر ، الا اذا کان فی امکان کل من یهمه الامر الاطلاع علیه ولاسیما ان الافضاء اکثر من مرة یعد تأکیداً للمعلومة الشائعة وزیادة الالمام بها ، خاصة اذا کانت الشائعة صادرة من مصرف العمیل.
ویمکن القول ان الفیصل فی تحدید المعلومات والبیانات السریة من عدمها سیرجع حتماً الى تقدیر قاضی الموضوع ، وعلیه فقد حکمت محکمة استئناف (Nimes) فی 9/12/1999 فی الدعوى التی اقامتها السیدة (Montaurier) ضد الشرکة (المدعى علیها) بان المعلومات المثبتة فی (اعقاب الصک) تستثنى من السریة المصرفیة لانها تتعلق بالغیر (الساحب) .
7. البیانات والمعلومات المتعلقة بالعملاء :
تقضی المادة (49) من قانون المصارف العراقی لسنة 2003 بما یلی :
(یحافظ المصرف على السریة فیما یتعلق بجمیع حسابات العملاء وودائعهم واماناتهم والصنادیق التی یودعون فیها مقتضیاتهم (الصنادیق) لدیه ویحظر اعطاء أی بیانات عما سلف ذکره بطریق مباشر او غیر مباشر ..) .
والملاحظ ان هذا النص قد أضاف فئة اخرى لمحل الالتزام بالسر المصرفی الا وهو (البیانات والمعلومات المتعلقة بالعملاء) .
وهذه الاضافة ستعطی بلا شک بعداً مهماً لنطاق الالتزام بالسر المصرفی لانه سیشمل اسرار الحیاة الخاصة بالعمیل ولا یقتصر على اسراره المالیة ، ویبدو واضحاً ان الصنف الاخیر من الاسرار یتمثل بالمعلومات والبیانات المتعلقة بحسابات العمیل وودائعه والمعاملات الخاصة بها . الا ان حکمة المشرع فی هذا النص انه فضلاً عن الاسرار ذات الطابع المالی، فیتعین على المصرف عدم افشاء البیانات والمعلومات التی تعد من قبیل الاسرار الخاصة بالعمیل والتی یمکن للمصرف الاطلاع علیها من خلال ما یدلی به العمیل الیه من تصریحات وکذلک مراقبة حرکة حساباته لدیه، ومثال هذه الاسرار زواج العمیل بامرأة اخرى او تمویله لاحدى الجماعات السیاسیة او اعالته لاشخاص لا یرغب بالافصاح عنهم .
المقصد الثانی
العملیات المصرفیة الخدمیة
وهی الخدمات التی تقدمها المصارف لعملائها لقاء عمولة او مبلغ نقدی وتشمل اجارة الخزائن الحدیدیة والنقل المصرفی .
1. اجارة الخزائن : *
من أهم الخدمات التی یقدمها المصرف لعمیله هی اجارة الخزانة حیث لا تقتصر الاعمال المصرفیة على ایداع النقود وتقدیم القروض فحسب فقد یلجأ المودع الى ایداع مقتنیاته وخاصةً الثمینة منها ، کالمجوهرات والمستندات السریة والاوراق الخاصة وسندات الملکیة والمذکرات الشخصیة وغیرها بهدف المحافظة علیها من التلف او السرقة او انه ینشد بقاءها بعیدة عن اطلاع ذویه علیها .
وغالباً ما تقوم المصارف وخاصةً الکبیرة منها باعداد خزائن تؤجرها لعملائها وهی عملیة مفیدة للمصرف والعمیل فی آن واحد ، لانها لا تکلف المصرف الکثیر ، حیث توجد الخزانة فی غرفة محصنة وغالباً ما تکون تحت مبنى المصرف ، وتأجیرها للعمیل قد یدفعه للدخول مع المصرف فی عملیات مصرفیة اخرى .
وتکمن الفائدة بالنسبة للعمیل بضآلة الاجر الذی یدفعه فضلاً عن ان العقد سیمکنه من استعمال الخزانة بسریة تامة فیضع ویستخرج منها ما یرید دون رقابة علیه، وهذه سمة جیدة قد لا تتحقق للعمیل فی أی صورة اخرى من صورة الایداع .
وقد نظم المشرع عقد تأجیر الخزانة لما لهذا التعاقد من خصوصیة وما اثاره من مشکلات قانونیة اهمها تحدید الطبیعة القانونیة لهذا العقد .
ونظراً لما توفره المصارف من مواطن للثقة والامان والسریة فتعد هذه الامور دافعاً رئیسیاً لاستئمانها على ما هو ثمین فالشخص الذی یطلب خدمة تأجیر الخزانة لا یشکو ضیق سعة فی بیته ولکنه ینشد مکاناً آمناً توفره له المصارف دون غیرها ، کما ان مبدأ السریة المتغلغل فی العملیات والخدمات المصرفیة کافة سیحیط هذه الخدمة (اجارة الخزانة الحدیدیة) برعایته وان کان یأخذ مساراً اخر یجعل من السریة التی تقوم لمصلحة العمیل تمکنه من مواجهة المصرف ذاته اذ لا یفترض علم الاخیر بما یقوم به العمیل من ایداع وسحب وما یوجد داخل الخزانة .
والقانون اعتبر واقعة استئجار الخزانة لدى احد المصارف فی ذاتها سریة ، بالرغم من ان المصرف یجهل کلیاً محتویات هذه الخزینة ، علماً ان هذه الاحکام وان بدت للوهلة الاولى قواعد عرفیة مصدرها جملة من العقود المصرفیة ثم ما لبثت ان تطورت بشکل طبیعی مع تطور التعامل المصرفی واستقرت بعدئذٍ فی قواعد قانونیة .
ولاسیما ان المشرع قد أکد هذا الأمر فی قانون التجارة المصری رقم 17 لسنة 1999 اذ الزمت المادة (321) المصرف فی حالة الحجز على الخزانة بالتقریر عما اذا کان العمیل (المحجوز علیه) یؤجر خزانة لدیه ام لا .
فهذا التقریر یمثل استثناءاً على التزام المصرف بعدم افشاء واقعة تأجیر الخزانة لاحد عملائه .
اذن للعمیل الحق فی بقاء محتویات الخزانة (سراً) فلا یجوز لاحد بما فیهم المصرف ان یحاول معرفتها الا ان المصرف له الحق فی مراقبة الاشیاء المراد وضعها فیها من حیث نوعها بمجرد الشک فی ذلک وهو حق مقرر ولو لم ینص علیه فی العقد اذ یفرضه التزام المصرف بالمحافظة على سلامة الخزانة .
فلا یجوز للمستأجر ان یضع فی الخزانة اشیاء تهدد سلامتها او سلامة المکان الذی توجد فیه (المصرف) اما اذا اصبحت الخزانة مهددة بخطر او تبین انها تحوی على اشیاء خطرة وجب على المصرف ان یخطر المستأجر فوراً بالحضور لتفریغها او لسحب الاشیاء الخطرة واذا لم یحضر فی المیعاد المحدد جاز للمصرف فتحها بعد الحصول على اذن المحکمة .
2. النقل المصرفی :
یقصد بالنقل المصرفی عملیة تتم بین حسابین لشخصین مختلفین او لشخص واحد بحیث یقتصر الامر فی هذه العملیة على نقل مبلغ من المال من حساب الاول المدین الى حساب الثانی الدائن .
ولما کان النقل المصرفی عملیة مصرفیة تتضمن نقل مبلغ من النقود (تحویل) من الجانب المدین من (حساب الامر بالنقل) الى الجانب الدائن (المستفید) فانه یتطلب وجود حساب لکل من المدین والدائن لدى المصرف ذاته او فی مصرفین مختلفین او قد یتطلب النقل المصرفی نقل مبلغ معین من حساب الى اخر کلاهما مفتوح باسم الامر بالنقل لدى المصرف ذاته او مصرفین مختلفین بموجب الاتفاق المبرم بینهما ، وان مجرد معرفة شخص ما بوجود حساب لشخص آخر او معرفة رقم حسابه یعتبر خرقاً لمبدأ السریة المصرفیة، ذلک ان نصوص القانون المتعلقة بالسریة قد حظرت على المصرف اعطاء أی معلومات او بیانات عن العملاء أی (اسم العمیل ، مهنته ، محل سکنه) وغیرها من الامور .
وعلیه فان نظام السریة یلزم المصرف بعدم افشاء المعلومات او البیانات المتعلقة بوجود حساب شخص ما ولو کان هذا الحساب مفتوحاً باسم صاحب العلاقة ولیس برقم معین، وقد یحدث ان یتصل شخص هاتفیاً بمصرف ویدعی انه یرید نقل مبلغ کبیر الى (فلان من الناس) فیسأل هل له حساب لدى المصرف فالمصرف اذا اجاب بـ (نعم) عن وجود الحساب نظراً لرغبته فی استقبال الودائع فانه یخالف الالتزام بالسریة المصرفیة اذ یلقى واجب على عاتق المصرف فی هذه الحالة مقتضاه التحقق اولاً من عمیله اذا کان الشخص المتصل هو ممن یتعامل معهم او بالاحرى ممن یسمح لهم بمعرفة وجود حساب له ام لا وبامکان المصرف ایضاً ان یحیل الشخص المتصل الى العمیل نفسه لمعرفة ذلک .
وفی بعض الاحیان ، قد یعمد شخص ما بنقل مبلغ نقدی الى حساب شخص معین کی یتأکد من وجود حساب لدیه للمستفید ، فاذا جاء الاشعار بتسجیل المبلغ لدى مصرف المستفید فهنا سیتأکد الامر له بوجود حساب للمستفید وقد یستخدم الشخص هذه المعلومات فی امور اخرى لابتزازه او الضغط على ارادته لسحب امواله من المصرف کما فی حالات التهدید التی قد یتعرض لها اصحاب الاموال ، ففی هذه الحالة فان مصرف المستفید (العمیل) یکون قد الحق الضرر بنفسه وبعمیله فی آن واحد ، لذلک فان مجرد علم الامر بالنقل بوجود حساب للمستفید لدى المصرف هو بذاته کشف للسر المصرفی .
ولما کان النقل المصرفی یجری ما بین اشخاص تربطهم علاقات تجاریة على الاغلب ومصالح اخرى ، فان مجرد السماح للمصرف باستقبال التحویل (النقل المصرفی للمبلغ) هو موافقة مبدئیة على کشف السر المتضمن وجود رصید لهذا الشخص لدى المصرف الفلانی الا فی حالة واحدة ، وهی ان یشترط عمیل المصرف عدم قبول اوامر بالنقل الا من اشخاص یعینهم عند فتح الحساب او کلما اقتضت الضرورة ذلک .
واذا حدث ان خالف المصرف هذا الاتفاق فسیکون مسؤولاً عن افشاء أی معلومة تتعلق بعمیله ، فلا یستطیع المصرف اعفاء نفسه من المسؤولیة الا فی حالة واحدة اذا ما قام عمیله بکشف رقم حسابه الى تاجر یتعامل معه لاجراء النقل او سمح هذا العمیل للمصرف بکشف رقم حسابه لاشخاص معینین وعاد هؤلاء فسربوا ذلک الى الآخرین .
المطلب الثانی
الحسابات المصرفیة السریة
یعد نظام الحسابات السریة من النظم الحدیثة التی انتجها الفن المصرفی ولاسیما فی الدول الرأسمالیة لتحقیق التراکم الرأسمالی وجذب رؤوس الاموال الاجنبیة وتوظیفها فی المصارف ، اما باقراضها للمؤسسات المالیة الضخمة مقابل فائدة او استثمارها فی مشاریع اقتصادیة .
وعقد فتح الحساب السری : هو عقد یبرم بین طالب فتح الحساب وبین المصرف یتضمن الاتفاق لبیان بدء مدته ونهایتها ، وامکانیة التنازل عنه او الایصاء به وتحدید سریان الفائدة علیه . کما یتم الاتفاق على تعیین رقم او رمز محدد یدل على اسم صاحب الحساب السری لا یعرفه الا مدیر المصرف او من یخوله فی هذا الشأن ، ولم ینظم المشرع العراقی هذا النوع من العقود اسوةً بالعملیات المصرفیة الاخرى لعدم تبنیه هذا النظام ، وبالتالی یعد من العقود غیر المسماة التی لم یخصها باسم معین اما لقلة شیوعها فی التعامل او لم یرى ضرورة لتفصیل احکامها على اعتبار ان الارادة حرة تستطیع انشاء ما تراه من العقود طالما لم تخالف احکام النظام العام والاداب العامة .
ولقد تبنى المشرع اللبنانی وشاطره المشرع السوری هذا النظام فی القوانین الخاصة بالسریة المصرفیة .
فقد نصت المادة (3) من قانون سریة المصارف اللبنانی لسنة 1956 على ما
یأتی : (یحق للمصارف المشار الیها فی المادة الاولى ان تفتح لزبائنها حسابات ودائع مرقمة لا یعرف اصحابها غیر المدیر القائم على ادارة المصرف او وکیله) .
کما نصت المادة (2) من قانون السریة المصرفیة السوری رقم 29 لسنة 2001 على ما یأتی : (یحق للمصارف ان تفتح للمتعاقدین معها حسابات ودائع مرقمة لا یعرف اصحابها غیر المدیر القائم على ادارة المصرف ومن یقوم مقامه اصولاً کما یحق لهذه المصارف ان تؤجر للمودعین خزائن حدیدیة خاصة) .
وتخضع الحسابات السریة لذات القواعد التی تخضع لها الحسابات المصرفیة التقلیدیة اذ یتم فتح کل منها بنفس الشروط والاجراءات وینتجان الاثار ذاتها ، الا ان ثمة اختلاف یمکن ملاحظته بینهما :
1. لا یعرف شخصیة صاحب الحساب السری المرقم الا مدیر المصرف او وکیله بینما فی الحسابات المصرفیة الاخرى ، یستطیع موظفو المصرف معرفة هذا الشخص اثناء الاجراءات التی یتطلبها فتح الحساب .
2. یتطلب فتح الحساب السری وجود رابطة قائمة على الثقة والاطمئنان ما بین طرفی العقد (المصرف والعمیل) وهذا یتطلب من المصرف بذل عنایة والتعامل بحرص شدید عند تنفیذ الاوامر الصادرة على الحساب السری .
وفضلاً عن التباین الواضح بین الحساب السری والحساب المصرفی التقلیدی یوجد اختلاف بین الحساب السری وسریة الحسابات یمکن ملاحظته فی النقاط الاتیة :
1. من الناحیة الموضوعیة یلاحظ ان النصوص الخاصة بالحسابات السریة (المرقمة) تحمی اصحاب هذه الحسابات والودائع من خلال النص على عدم جواز معرفة اصحاب هذه الحسابات والودائع الامن قبل المسؤولین فی المصرف وبقرار من مجلس ادارته وذلک لان الغرض من الحسابات السریة (الرقمیة) هو اضافة المزید من السریة على حسابات العمیل ومن ثم الحد من الاشخاص المطلعین على تفاصیل تلک الحسابات .
اما بالنسبة لسریة الحسابات فنطاقها اوسع لان المشرع نص صراحة على انه (یحافظ المصرف على السریة فیما یتعلق بجمیع حسابات العملاء وودائعهم واماناتهم..) ، وهنا السریة تشمل کل انواع الحسابات والعملیات المتعلقة بها .
2. من الناحیة الشخصیة : الحساب السری هو الحساب الذی لا یعرف اصحابه الا مدیر المصرف ووکیله ، وعلیه فان الالتزام بالکتمان لا یقع الا على عاتق هؤلاء الاشخاص دون سواهم ، اما سریة الحسابات فیتسع نطاق الالتزام بها لتشمل (مدیر المصرف واعضاء مجلس الادارة والعاملین ..) .
وقد ارتأى المشرع من هذا النوع من السریة المصرفیة حمایة مصلحة عمیل المصرف فضلاً عن المصلحة العامة المتمثلة بحمایة الائتمان وتعزیز الثقة بالجهاز المصرفی.
ویبرر جانب من الفقه هذا النوع من الحسابات (السریة) بانه قد لا یوفر التشریع الوضعی المتعلق بالسر المصرفی حمایة کافیة للعمیل اذ یحتمل ان یقع احد موظفی المصرف فی الاغراءات التی تقدمها له جهة ذات مصلحة للحصول على بعض المعلومات المتعلقة بودائع بعض الاشخاص کالسیاسیین او قد یستعمل الموظف هذه المعلومات لابتزاز بعض العملاء ولا محالة فان وضع الرقم السری للعمیل بدلاً من اسمه یعطی ضماناً اکبر للحفاظ على السریة المصرفیة کما انه سیحصر عدد الموظفین الذین یعرفون هویة صاحب هذا الحساب .
ولتلافی النتائج الوخیمة الناجمة عن افشاء هویة صاحب الحساب السری یستطیع العمیل ان یطلب من المصرف حفظ جمیع مراسلاته لدیه ولا یسلمها الا له شخصیاً او لوکیل یخوله بذلک ویمکنه ان یشترط دفع مبلغ هذا الحساب له شخصیاً دون غیره او ان یطلب اضافة رمز او اشارة الى جانب توقیعه .
وفی سویسرا یعد فتح الحسابات السریة (المرقمة) تقلیداً مهنیاً راسخاً اذ خلت القوانین المنظمة للمصارف من الاشارة الیه ، ویبلغ معدل الحسابات السریة فی المصارف الکبرى فی سویسرا الى 8% من مجموع حسابات المصارف الا ان انتشار هذا النوع من الحسابات ادى الى تغلغل اموال نتجت عن عملیات غیر مشروعة أی (أموال غیر نظیفة) تحققت عن تجارة المخدرات والاسلحة وغیرها .
وبعد سلسلة طویلة من الفضائح التی تورط بها رجال السیاسة ورجال الاعمال، قامت سویسرا فی 1/6/ 1991 بالغاء هذا النوع من الحسابات السریة المعروف باسم الحساب (B) بحیث اصبحت کل الاموال المودعة فی المصارف السویسریة تعلن عن شخصیة اصحابها امام المصارف السویسریة ، وهذا القرار جاء استجابة للجهود التی بذلتها الولایات المتحدة الامیرکیة لاقناع السلطات السویسریة بضرورة الغاء هذا النظام للوصول الى ما تصبو الیه الخطة الامریکیة لمکافحة تجارة المخدرات والجریمة المنظمة .
ویستلزم فتح الحساب السری توافر شروط بعضها یتعلق بالعمیل والاخرى تتعلق بموافقة المصرف على فتح الحساب السری .
1. الشروط الواجب توافرها فی العمیل :
لما کان الحساب السری عقداً بین صاحب الحساب سواء اکان شخصاً طبیعیاً ام معنویاً ، وبین المصرف ، فان هذا العقد یستلزم بالضرورة توافر الاهلیة اللازمة لفتح الحساب وذلک وفقاً لقانون الدولة التی یتم فیها فتح الحساب ویقع فیها المرکز الرئیسی او فرع المصرف، وعلى المصرف التحقق من اهلیة العمیل وذلک لان احکام الاهلیة تعد من النظام العام وبالتالی لا یجوز مخالفتها او الاتفاق على استبعادها .
وعلیه لابد ان یکون العمیل بالغاً سن الرشد ویتمتع باهلیة التصرف ویتأکد الموظف المختص من اهلیة طالب فتح الحساب السری بطریقة محفوفة بوسائل الحمایة والسریة تماشیاً مع طبیعة هذا الحساب .
وتکمن الصعوبة فیما یتعلق بالاهلیة فی حالة فتح حساب باسم شخص مستعار، فیقدم معلومات للمصرف باسم اخر غیر اسمه الحقیقی وتعد هذه الطریقة من اهم الوسائل المباشرة للسریة واحکامها ولا یستطیع هنا المصرف ان یدعی انه تعاقد مع شخص باسمه ولا یلتزم ایضاً امام شخص اخر ، لان شخصیة العمیل معروفة للمصرف باعتبار انه تعاقد مع شخص بذاته ، ویستطیع العمیل ان یثبت اسمه الحقیقی الذی یدل على شخصیته .
ویبرر الفقه هذا الموقف بأنه لما اجاز للشخص الاشتراط لمصلحة الغیر فیجوز له ان یشترط لمصلحة نفسه تحت اسم اخر .
وقد یحدث ان یلجأ شخص فیستعین بمحام او معتمد لفتح الحساب السری، وهنا لا تظهر شخصیة العمیل الاصیل بل یکون الحساب باسم المحامی او المعتمد اللذین یجب ان تتوافر فیهما الاهلیة اللازمة وفی هذا الفرض یتعذر على المصرف معرفة اسم العمیل الحقیقی لانه لا یرتبط بایة رابطة مباشرة وتخضع العلاقة ما بین الشخص الحقیقی والمحامی لاحکام عقد الوکالة .
ولا یقتصر فتح الحساب السری على الشخص الطبیعی بل یتعداه ایضاً الى الشخص المعنوی سواء اکان هذا الشخص المعنوی یهدف الى تحقیق الربح المادی کالشرکات مثلاً او لا یهدف الى ذلک کالجمعیات ، وهنا یقع على عاتق المصرف التحقق من الوجود القانونی للشخص المعنوی وذلک بتقدیم صورة من عقد انشاء الشرکة او نسخة من قرار النشر فی الصحف .
اما بالنسبة للجماعات التی لا تتمتع بالشخصیة المعنویة کالشرکة غیر المشهرة، فیجوز لها ان تفتح حسابات سریة بواسطة الاشخاص القائمین علیها قبل اشهارها وهنا یکون الشخص الطبیعی هو المسؤول عن الحساب وتشغیله وهو مالک لرأس المال المودع دون الشخص المعنوی الذی یمثله .
والشرکة المساهمة تحت التأسیس یمکن ان تفتح لها حسابات من هذا النوع لتودع بها المبالغ الخاصة بالشرکة المزمع قیامها ولا یجوز سحبها الا بعد قید الشرکة فی السجل التجاری لان هذه الشرکة لا تکتسب الشخصیة المعنویة الا بعد صدور شهادة التأسیس .
ومن الجدیر بالذکر ، ان المصارف السویسریة تعد من اولى المصارف فی العالم التی تبنت نظام الحسابات السریة ولاسیما للشرکات الکبرى التی تقوم بعملیاتها عبر البحار ، کما انها قامت بفتح الحسابات السریة لشرکات صغیرة تنشأ بین افراد العائلة الواحدة تهدف الى حمایة اموال العائلة من الضرائب وغسیل الاموال اذا کانت ملوثة المصدر وهی وسائل غیر مباشرة للسریة فلا یظهر اسم العمیل وطبیعة معاملاته ومصادر امواله محتمیاً بالسریة المطلقة المعمول بها فی المصارف السویسریة ، وقاعدة الحسابات السریة رسخت فی سویسرا متأثرة بالظروف التاریخیة التی مرت بها هذه الدولة التی تقع فی قلب القارة الاوربیة وکانت بنظامها السیاسی المحاید ملاذاً للمضطهدین دینیاً او سیاسیاً وفی الوقت نفسه کانت ملجأ آمناً لحمایة اموال الاشخاص من الملاحقات .
وهناک العدید من الامثلة حول اخفاء شخصیة عملاء المصرف وحقیقة مصدر اموالهم وراء السریة المصرفیة واهم هذه الامثلة قضیة الحساب السری المرقم (BP-510) وهذه الاموال (حصیلة تبرعات قام بها الوطنیین فی العالم العربی من اجل المساهمة فی کفاح الجزائر لنیل استقلالها عن فرنسا) ، التی تعود الى جبهة التحریر الجزائریة قبل استقلال الجزائر فی 19/3/1962 .
وبعد الاستقلال اصبح (X) هو السکرتیر العام للمکتب السیاسی وهو المسؤول عن ادارة اموال الجبهة ، وعندها فتح (X) حساباً باسمه فی البنک التجاری العربـی (B. C. A) فی جنیف بسویسرا وکان الحساب مقسماً الى حسابات فرعیة بالدولار والجنیه الاسترلینی والفرنک السویسری ووقع اتفاقاً مع المصرف ان العلاقة ما بین طرفی العقد یحکمها القانون السویسری ، ثم اودع (C) العضو المشهور فی جبهة التحریر مبلغاً اضافیاً بملایین الدولارات لدى نفس المصرف ثم استقال (X) من منصبه کسکرتیر عام للجبهة ولکنه ظل عضواً فی المکتب السیاسی مع احتفاظه بالمسؤولیات المالیة ، وعند تنفیذ الدستور الجزائری فی 10/9/1963 تحولت اموال جبهة التحریر الى الحکومة الجزائریة ، غیّر (X) الحساب المفتوح باسمه الى حساب مرقم وان یتم تشغیله تحت رمز (B. P - 510) وقام بسحب مبلغ یعادل (99.56%) من الحساب وفتح اربعة حسابات مرقمة فی ذات المصرف بواسطة اکثر من شخص من العملاء غیر المعروفین ، وعندها نشأ نزاع قضائی متعدد الاطراف بین
(C, X ومدیر المصرف) وتحول النزاع المدنی الى جزائی بتهمة الفساد فی ادارة الحسابات المصرفیة للتغطیة على جریمة سرقة اموال جبهة التحریر وبعد اجراءات قضائیة مختلفة وطویلة الامد دامت من سنة 1964 الى سنة 1974 تقریباً ، حیث صدر فی سنة 1/7/1974 قرار المحکمة الفدرالیة السویسریة برفض طلب الحکومة الجزائریة بالزام المصرف بالدفع وهنا ضاعت اموال جبهة التحریر الجزائریة وتبخرت قانوناً وواقعاً بصدور قرار المحکمة ولاسیما ان تلک الاموال تمثل ثروة قومیة للجزائر وهی حصیلة تبرعات المتعاطفین من الدول واعضاء جبهة التحریر وهذه الدعوى کانت اختباراً حقیقیاً للحسابات السریة التی ساعدت المصرف التجاری العربی على التخفی خلفها وعدم تقدیم المستندات الحقیقیة لاثبات الوقائع الصحیحة .
2. موافقة المصرف على فتح الحساب السری :
ان موافقة المصرف على فتح الحساب السری لشخص ما هی مجرد موافقة شکلیة لان الحساب السری (المرقم) یقوم على الاعتبار الشخصی ومن ثم الثقة بالشخص طالب فتح الحساب وبالتالی للمصرف کامل الحریة فی قبول او رفض هذا الطلب .
بمعنى آخر ان المصرف لا یلزم على فتح الحساب السری فی حالة وجود شبهة وعدم قناعة فی الشخص المتقدم بالطلب ولا یجبر فی الوقت نفسه على تبریر اسباب الرفض، ویبرر ذلک ان عمل المصرف یعد من الاعمال التجاریة بطبیعتها التی تخضع للمبدأ العام المعروف (حریة التجار فی اختیار العملاء) .
کما ان فتح الحساب السری للعمیل قد ینتج عنه نشوء نوع من الخلافات والضجة وبالتالی تتحقق مسؤولیة المصرف عند قیام المصرف بالبوح باسم صاحب الحساب السری مثلاً ، وفضلاً عن ان الحساب السری اساسه الاعتبار الشخصی للعمیل الذی یستند الى الثقة به وهذه احدى الدعائم الاساسیة فی عملیات المصارف .
وغالباً تحدد المصارف التی تتبنى نظام الحسابات السریة الشروط اللازمة لفتح الحسابات من حیث الحد الادنى لفتح الحساب السری ونوع العملة على اعتبار ان هذا العمل یدخل ضمن نطاق اللوائح والتعلیمات الاداریة التی تصدرها ادارات المصارف.
والملاحظ ان قانون السریة المصرفیة السوری المرقم 29 لسنة 2001 وقانون سریة المصارف اللبنانی لسنة 1956 لم تتضمن احکامها نصوصاً قانونیة خاصة بالحد الادنى للحساب السری ونوع العملة التی تودع فی هذا الحساب ، ولعل المشرع فی هذه القوانین قد ترک الامر الى حریة المصرف لتعیین نوع العملة والحد الادنى للایداع .
وقد کان قانون سریة الحسابات فی مصر رقم 205 لسنة 1990 الملغی قد اشترط فی المادة الثانیة منه فتح الحساب السری (المرقم) بالعملة الاجنبیة اذ جاء فیها (ان للبنوک ان تفتح لعملائها حسابات مرقمة بالنقد الاجنبی او ربط ودائع منها او قبول ودائع مرقمة بالنقد المذکور) ، الا ان هذا القانون لم یحدد ایضاً الحد الأدنى اللازم لفتح الحساب السری .
الا ان القانون السویسری الخاص بالمصارف الصادر فی 8/11/1934 المعدل فی سنة 1971 و 1994 و 1999 ، تبنى موقفاً واضحاً ترک فیه تحدید الحد الأدنى ونوع العملة اللازم لفتح الحساب السری لحریة المصرف .
الا ان موقف المشرع السویسری تراجع فی السنوات الاخیرة نتیجة لجوء کمیات کبیرة من الاموال غیر المشروعة والمجهولة المصدر الى المصارف السویسریة وایداعها فی حسابات مرقمة ، فلجأت المصارف الى التوقیع على (اتفاقیة الشرف) لعام 1977 ذلک الاتفاق الذی فرض على المصارف السویسریة الزاماً یقضی بالتخفیف من السریة المطلقة وبالتالی اصبح على العمیل الذی یروم فتح حساب له فی المصارف السویسریة الافصاح عن هویته وحق المصارف التأکد من مشروعیة استثماراته .
ومع ذلک فان لجنة الرقابة على المصارف السویسریة قد أصدرت امراً بایقاف العمل بالعقد (B) الخاص بالحسابات السریة وذلک فی 1/7/1991 .
وقد دأبت المصارف على استخدام وسائل فنیة حدیثة واستحداث طرق لتنفیذ قاعدة السریة واخفاء الودائع الکبیرة واصحابها المودعین الذین هم فی الغالب من رجال الحکومة الذین یقومون باعمال نهب مشینة مستخدمین ما منحهم ایاه القانون من سلطات فی تحقیق اهداف شخصیة دنیئة .
ففی مصر مثلاً ، کشفت الاحداث التی وقعت فی سنة 1971 عن قیام کبار رجال الحکومة بتهریب الاموال الى المصارف السویسریة وغیرها من البلاد الاوربیة .
اما وسائل تشغیل الحسابات فهی :
1. الحسابات الرقمیة : یتم تشغیل الحساب السری بواسطة احلال رقم معین بدلاً من الاسم الشخصی للعمیل فیبقى اسم العمیل طی الکتمان ویتم التعامل مع رصیده ومعاملاته بواسطة رقمه السری .
2. الحسابات بالحروف : یتم استخدام الحروف الابجدیة بدلاً من الرقم فیحل الحرف محل اسم صاحب الحساب .
3. الحساب تحت اسم مستعار : وفقاً لهذا النظام یتم فتح الحساب تحت اسم شخص اخر غیر موجود (اسم مستعار) والفائدة من هذا النظام عدم معرفة صاحب الحساب الحقیقی وتکمن خطورة هذا النظام اذا ما علم شخص قریب من صاحب الحساب بالاسم المستعار ویقوم بنقل جزء من امواله لحسابه الخاص ، کما انه فی حالة عدم اخبار المصرف بالاسم الحقیقی لصاحب الحساب السری فاذا توفی هذا الشخص فلا یتمکن الورثة من ایلولة هذه الاموال الیهم عن طریق الترکة الخاصة بمورثهم .
وتأسیساً على ما تقدم ، یمکن تقییم نظام الحسابات السریة (المرقمة) بوصفه نظاماً یمثل تطور الاصول الفنیة للعمل المصرفی ، اذ بواسطته تستطیع المصارف استقطاب اموال ضخمة من المودعین وحفظها بارقام معینة لا یطلع علیها الا عدد محدود من الاشخاص لان کثیراً من اصحاب الاموال یبتغون حفظ اموالهم بعیداً عن اطلاع الغیر علیها لاسباب قد تکون اقتصادیة او سیاسیة او حتى اجتماعیة بل ان البعض یخفی هذه الاموال عن اشخاص قد ینتمون لاسرته او من اقرب الناس الیه .
ومع ذلک فان نظام الحسابات السریة یُقّیم بانه (سیف ذو حدین) فمن جهة یساعد على اجتذاب رؤوس اموال ضخمة تساهم فی تمویل المصارف وبالتالی اتساع نشاطها الاستثماری لهذه الاموال الا انها فی الوقت ذاته تعد وسیلة من وسائل تهریب الاموال غیر النظیفة أی (غیر المشروعة المصدر) التی تمکن اصحابها من البحث عن ملاذ امن لها بعیداً عن رقابة السلطات العامة وایداعها فی مرافئ عدیدة یتعذر عندها معرفة حقیقة مصدرها .
وعلیه نقترح ادراج نظام الحسابات السریة (المرقمة) فی قانون المصارف العراقی لسنة 2003 ضمن باب السریة الا ان ثمة اجراءات وقائیة تستطیع المصارف اتخاذها لمجابهة الاموال غیر النظیفة ، ومن هذه الاجراءات :
1. من المعلوم ان العلاقة بین المصرف والعمیل قائمة على اساس الثقة ولجوء العمیل الى مصرف معین یأتی نتیجة اطمئنانه له لما یمتاز به من سرعة الاجراءات والمحافظة على سریة المعاملات فیها ، فهنا یستطیع المصرف استناداً الى هذه الثقة استدراج العمیل لمعرفة مصدر هذه الاموال للتأکد من مشروعیتها ولاسیما ان فتح هذا الحساب یجری بین اشخاص محدودی العدد وبالتالی ستنحصر کل الوقائع الخاصة بالعمیل فیما بینهم .
ویستطیع المصرف تلافیاً للسلبیات الناجمة عن هذا النظام التأکد عن طریق عملیات التحری وجمع المعلومات ، عن ماضی الشخص ومرکزه المالی فی الحیاة التجاریة او الاجتماعیة ، وبالتالی یحظر على المصرف فتح هذا الحساب لکل من هب ودب ، ونؤکد فی هذا الخصوص وللاستفادة من الماضی ولتجنب تکرار الاخطاء التی وقعت فیها الدول نتیجة تحکم الساسة بمقدرات الشعب المالیة الناجمة عن استغلال السلطات الممنوحة لهم والامثلة على ذلک کثیرة ، منها الضجة التی اثیرت بشأن حق الفیلیبین باسترداد اموال الدکتاتور السابق (فردیناند مارکوس) التی وضعت فی حسابات سریة فی سویسرا الامر الذی اضطر سویسرا الى تجمید تلک الحسابات والودائع .
کما ادى نظام الحسابات السریة (المرقمة) الى صعوبة البحث عن الاموال المودعة فی المصارف السویسریة العائدة للحکومة العراقیة فی الفترة السابقة على احداث نیسان / 2003 اذ ودعت هذه الاموال باسماء مستعارة وبحسابات مرقمة فی مصارف عالمیة مختلفة.
الا انه بعد احتلال العراق من قبل القوات الامریکیة والبریطانیة مارست هذه الدول ضغوطاً واضحة على مجلس الامن الدولی بغیة استصدار قرار یسمح بالکشف عن حقیقة هذه الاموال وعائدیتها وتجمیدها الى حین البت فی أمرها من قبل حکومة عراقیة منتخبة ومعترف بها دولیاً ، وبالفعل فقد أصدر مجلس الامن الدولی قراره المرقم (1483) فی 22/5/2003 فی جلسته المرقمة (4761) حیث نصت الفقرة (23) منه على ما یأتی : (23- یقرر ان تقوم جمیع الدول الاعضاء التی یوجد بها : أ . اموال او اصول مالیة اخرى او موارد اقتصادیة ملک لحکومة العراق السابقة او الهیئات الحکومیة او المؤسسات او الوکالات التابعة لها الموجودة خارج العراق فی تاریخ اتخاذ هذا القرار او ب. اموال او اصول مالیة اخرى او موارد اقتصادیة اخرجت من العراق ....... بما ذلک الکیانات التی یمتلکها او یسیطر علیها بصورة مباشرة او غیر مباشرة هؤلاء الاشخاص او اشخاص یتصرفون بالنیابة عنهم او بتوجیه منهم، (بتجمید) تلک الاموال او الاصول المالیة الاخرى او الموارد الاقتصادیة دون ابطاء وان تعمل على الفور على نقلها الى صندوق التنمیة للعراق ما لم تکن الاموال او الاصول المالیة الاخرى او الموارد الاقتصادیة هی ذاتها موضوع حجز او قرار قضائی او اداری او تحکیمی) .
وهکذا قامت المصارف السویسریة المودع لدیها اموال تعود إلى هؤلاء الاشخاص واقاربهم بتجمیدها الى حین البت فی امرها لکونها ارقاماً خیالیة ومودعة باسماء وارقام سریة تدیرها مؤسسات مالیة معقدة وضخمة ، وهذا ما اکدته سکرتاریة الدولة لشؤون الاقتصاد السویسریة بان قیمة هذه المبالغ (کبیرة جداً) بینما أکد احد المشتکین من اقارب مسؤول فی الحکومة السابقة بأنها مبالغ متواضعة نسبیاً ، فأجرى محادثات مع (برن) للتوصل الى الافراج عن جزء من هذه الاموال المجمدة فی سویسرا بواسطة محامیه (مارک هنزلین) فی جنیف، الذی لم یوضح صراحة قیمة هذه المبالغ ، وبحسب (اوتمار فاییس) من دائرة التجارة العالمیة فی السکرتاریة فان المبلغ المطلوب یقدر بعشرات الاف الفرنکات السویسریة ، وان المبلغ کبیر قیاساً الى النفقات العادیة لعائلة المشتکی ، وقد دفع المحامی بان السکرتاریة اتخذت قراراً (سیاسیاً محضاً) والدافع القانونی لذلک غیر موجود وبذلک لجأ الى وزارة الاقتصاد الفیدرالیة المسؤولیة عن السکرتاریة معلناً أسفه عن امتثال سویسرا لقرارات مجلس الامن الدولی الذی طلب تجمید الاموال العراقیة واعتبر انه بامکان (برن) ان تتصرف بشکل مختلف عبر استخدام الاستثناءات الواردة فی مرسوم الحکومة السویسریة الذی أدى الى تجمید اموال المسؤولین العراقیین السابقین فی الحکومة العراقیة .
ومن هنا نوجه انتباه المصارف ومنها العراقیة الى هذه المسألة ولکی تتجنب الاثار السلبیة لعقد فتح الحساب السری (المرقم) علیها ان تلتزم بموجب قانون او تعلیمات داخلیة تقضی بحظر فتح حسابات سریة لکل شخص یعمل فی منصب حکومی بدرجة معینة یتم ایرادها على سبیل الحصر کی لا یستغل الوظائف المکلفین بادارتها ومن ثم الاغتناء على حساب الاموال العامة المملوکة للدولة والشعب حصراً ، التی لا یجوز التصرف بها من قبل أی کان ، بصرف النظر عن الدوافع التی تبعث هؤلاء على فتح الحساب السری .
2. تحدید الحد الأدنى لمقدار المبلغ الذی سیفتح الحساب السری بموجبه فضلاً عن السماح بفتح الحساب بعملة اجنبیة او بالعملة الوطنیة ، لاجتذاب رؤوس اموال کبیرة یمکن استغلالها فی مشاریع التنمیة ، اما الغایة من حصر فتح الحساب السری لحد معین مقتضاه ان فتح هذا النوع من الحسابات یحتاج الى درجة عالیة من الدقة والتعامل بشفافیة مع اصحابها وبذل جهود من قبل المصرف للتحری وجمع المعلومات ، فمن غیر المعقول ان تنشغل المصارف بفتح حساب سری لای شخص کان وبمبالغ تبدو بسیطة لذا یفضل تحدید الحد الادنى لفتح الحساب السری ویترک تقدیر هذا الحد الى اللوائح والتنظیمات الداخلیة الخاصة بکل مصرف حسب نوع نشاطه من جهة ، وضخامة رؤوس الاموال التی یتعامل بها من جهة اخرى .
3. ومن الوسائل المهمة ایضاً التشدید على مسؤولیة المصرف عند فتح الحساب السری لعمیل ما ، أی ان لا یکون هناک تعسف فی استعمال الحق ، فعلى الرغم من ان المصرف مخیر فی قبول او رفض عمیل ما ، الا انه فی الوقت نفسه یجب ان یستند رفضه إلى اسباب موضوعیة ومعقولة توضح المرکز المالی للشخص ومشروعیة الاموال التی یروم ایداعها فی هذه الحسابات وعدم ترک الامر لقناعة المصرف الذاتیة ، بل ثمة وسائل یمکن اللجوء الیها للاحاطة بالظروف المالیة للعمیل .
الخاتمة :
1. النطاق الموضوعی للالتزام بالسر المصرفی هو محل الالتزام الذی یقع على عاتق المصرف فی المحافظة علیه فیشمل کل العملیات المصرفیة والمعاملات المتعلقة بها، سواء اکانت عملیات مصرفیة ائتمانیة او خدمیة یقدمها المصرف لقاء عمولة معینة فضلاً عن ذلک فان بعض القوانین کالقانون اللبنانی والسوری قد اجازت للمصارف فتح حسابات سریة (المرقمة) تخضع لذات القواعد التی تحکم الحسابات المصرفیة التقلیدیة مع فارق مقتضاه ان صاحب الحساب السری لا یعرف شخصیته الا مدیر المصرف او وکیله الامر الذی یتطلب حذراً وحیطة شدیدین فی التعامل عند تنفیذ الاوامر الصادرة على هذا النوع من الحسابات .
2. فیما یتعلق بالنطاق الموضوعی للالتزام بالسر المصرفی جاء فی المادة (49) من القانون ما یأتی (یحافظ المصرف على السریة فیما یتعلق بجمیع حسابات العملاء وودائعهم واماناتهم والصنادیق التی یودعون فیها مقتنایتهم...) ونقترح ان یضیف عبارة (والمعاملات والبیانات المتعلقة بها) اسوةً بالمشرع المصری وذلک فی المادة (97) من قانون البنک المرکزی المصری المرقم (88) لسنة 2003 ، لما فی ذلک من تأکید اهمیة السریة المصرفیة وکل ما یتعلق بالعمیل ومعاملاته .
3. قد لا یوفر التشریع الوضعی الخاص بالسریة المصرفیة حمایة کافیة للعمیل لاحتمال ان یقع موظف المصرف باغراءات تقدم له مقابل الحصول على معلومات تتعلق بحسابات عمیل ما او ودائعه ، لذا نقترح على المشرع العراقی ان یأخذ بنظام (الحسابات السریة او المرقمة) وذلک بتبنی النص التالی (أ . یحق للمصارف ان تفتح لعملائها حسابات سریة (المرقمة) بالنقد العراقی او الاجنبی ، ولا یجوز ان یعرف اسماء اصحابها الا مدیر المصرف او من یحدده بقرار یصدر من مجلس ادارته .. ب. یتخذ المصرف الاجراءات
الکفیلة بالتحری وجمع المعلومات عن العمیل صاحب الحساب المرقم ومصدر هذه
الاموال .. ج. یجب ان لا یقل مقدار المبلغ الذی سیفتح الحساب السری بموجبه عن خمسة ملایین دینار .. د. یقوم البنک المرکزی العراقی باعداد التعلیمات والتوجیهات الکفیلة بتطبیق هذا النظام بالمصارف العراقیة بما یضمن حسن تنفیذها وینسجم مع مقتضیات ومصلحة الاقتصاد الوطنی العراقی).
The Authors declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English)
Sources :
1. Mounir Mohammed Al-Janabihi and Mamdouh Mohammed Al-Janabihi Banking Business, University Thought House, Alexandria, 2000.
2. Dr. Akram Yamalki, d. Basem Mohammed Saleh, Commercial Law, First Section, Baghdad University Press, 1982.
3. Dr. Abdul Qadir Al-Atair, The Secret of the Banking Profession in Jordanian Legislation, 1, Dar Al-Thaqafa Publishing House, Amman, 1996.
4. Dr. Elias Nassif, Complete in Trade Law, Banking Operations, C3, I2, Uydat Publications, 1997.
5. Dr. Hussein Al-Nouri, Bank Confidentiality, Its Origins and Philosophy, Publications of the Union of Arab Banks, Beirut, 1975.
6. Tawfiq Shambur, Legal Issues Concerning Electronic Commerce, Electronic Commerce, Banking and Financial Services, The Union of Arab Banks, 2000.
7. Dr. Samiha Al-Qalioubi, The Legal Basis of Banking Operations, Ain Shams Library, Cairo, 1992.
8. Dr. Abdulrahman Al-Sayed Qarman, Scope of Commitment to Banking, Dar al-Nahda al-Arabiya, Cairo, 1999.
9. Dr. Reza El Sayed Abdel Hamid, Bank Accountancy, Dar El-Nahda El Arabia, Cairo, 2002.
10. Dr. Majid Abdel Hamid Ammar, The Problem of Money Laundering and Bank Accountability in Comparative Law and Egyptian Law, Dar Al-Nahda Al-Arabiya, Cairo, 2002.
11. Dr. Hussein Al-Nouri, The Secret of the Banking Profession in Egyptian Law and Comparative Law, Publications of the Union of Arab Banks, Cairo, 1974.
12. Dr. Ahmed Kamel Salama, Criminal Protection of Secrets of Profession, Dar al-Nahda al-Arabiya, Cairo, 1988
13. Dr. Reza Obaid, Commercial Law, I 5, Al-Nasr Press, 1984.
14. Dr. Ibrahim Mamdouh Zaki, Legal Aspects of Banking Finance Contracts, 1998.
15. Dr. Salah al-Din Nahi, the mediator in explaining the Iraqi commercial law, C3, I 3, without a year printed.
16. Dr. Akram Munir Fahim, Commercial Law, Commercial Contracts and Banking Operations, Knowledge Establishment, Alexandria, 1982.
17. Rashad Al-Assar, Hisham Shahin, Banking and Financial Legislation, 1, Dar Al-Baraka Publishing and Distribution, 2001.
18. Dr. Ali Al-Baroudi, Contracts and Operations of Commercial Banks, Knowledge Establishment, Alexandria, 1968.
19. Hamza Faiq Al-Zubaidi, Deposit of Money, Study in Iraqi Law, Master's Thesis, Introduction to the Faculty of Law, University of Baghdad, 1984
20. Nada Zuhair El-Fil, The Opponent, Comparative Legal Study, PhD thesis presented to the Faculty of Law, University of Mosul, 2004.
21. Dr. Mohammed Hassan Al Jabr, Commercial Contracts and Banking Operations in Saudi Arabia, Riyadh.
22. Lotfi Yousef Abdel Halim, The Bank's Commitment to Safeguarding the Confidentiality of Accounts, Law Review, issued by the Bar Association of the Arab Republic of Egypt, No. 37, August 1995.
23. a. Dr.. Hussain Salloum, Banking Services, Iron Safes, Research published in the Conference of Banking Operations between Theory and Practice, Faculty of Law, Yarmouk University, Jordan, 2002.
24. Dr. Habib Khalifa Jaboora, the responsibility of the bank in holding private safes, research published in the conference of banking operations between theory and practice, Faculty of Law, Yarmouk University, Jordan, 2002.
25. a. Dr.. Abdullah Farahat, banking liability for safe deposit box, professional liability group.
26. Dr. Salman Bou Diab, Banking Transfer, University House, Beirut, 1985.
27. Dr. Mohieddin Ismail Alamuddin, Explanation of the law of the secrecy of bank accounts and problems arising from its application, Book of Economics, No. 45, 1991.
28. Dr. Abdul Mawalli Ali Metwally, The Legal System of Secret Accounts, Comparative Study, II, Dar Al-Nahda Al-Arabiya, Cairo, 2003.
29. Emad Al-Sherbini, The New Commercial Law of 1999, The Second Book, Dar Abu Al-Majd, 2000.