الملخص
تبدو اهمیة البحث من الناحیة العملیة ، فهو یبحث فی حالة واقعیة کثیرة الوقوع مسببة اضرارا مادیة لطرفی العقد ، الامر الذی قد یفضی الى نزاع بینهما ، لذا حاول هذا البحث اقتراح النص الکفیل بمعالجة هذا الموضوع وعلى نحو یضفی الشعور بالرضا والقناعة لانه اعتمد على الاراء الفقهیة المستندة الى أحادیث الرسول الکریم
الموضوعات
أصل المقالة
وضع الجائحه فی الثمار المبیعة بشرط القطع ( دراسة مقارنة )
The presence of pests in the sold fruits provided they are removed A Comparative Study
یسرى ولید إبراهیم کلیة الإدارة والاقتصاد / جامعة الموصل Yusra Walid Ibrahim College of law / University of Mosul Correspondence: Yusra Walid Ibrahim E-mail: |
(*) أستلم البحث فی 30/7/2006 *** قبل للنشر فی28/9/2006.
(*) Received on 30/7/2006 *** accepted for publishing on 28/9/2006.
Doi: 10.33899/alaw.2007.160506
© Authors, 2007, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
مقدمة:
اولا : اهمیة البحث
تبدو اهمیة البحث من الناحیة العملیة ، فهو یبحث فی حالة واقعیة کثیرة الوقوع مسببة اضرارا مادیة لطرفی العقد ، الامر الذی قد یفضی الى نزاع بینهما ، لذا حاول هذا البحث اقتراح النص الکفیل بمعالجة هذا الموضوع وعلى نحو یضفی الشعور بالرضا والقناعة لانه اعتمد على الاراء الفقهیة المستندة الى أحادیث الرسول الکریم (e).
ثانیا :هدف البحث :
یهدف الى تحقیق الاتی :
1-تسلیط الضوء على معالجة الفقه الاسلامی للاضرار التی تصیب الثمار وغیرها من النباتات الخارجة من الارض من جراء الجائحه سواء اجتیحت بافة سماویة ام بفعل مخلوق دون ان یکون لاحد المتعاقدین ید فی ذلک ، من اجل اعتمادها فیصیاغة نص قانونی بذلک .
2-اظهار حرص الفقه الاسلامی على اقامة التوازن بین طرفی العقد على نحو یحقق العدالة ویرفع الغبن عن المتضرر بسبب لا ید له فیه .
3-یجسد هذا البحث عمق اتصال الفقه الاسلامی بالواقع ومعایشته للحوادث التی تقع فیه ، وسعیه الى ایجاد الحلول الکفیلة لها .
ثالثا : مشکلة البحث
للتعرف على الجائحه وتحدید تبعتها على طرفی العقد والمحل الذی ترد علیه یقتضی الرجوع الى کتب الفقه الاسلامی بمذاهبه المختلفة للاستناد الیها عند اقتراح النص المناسب مع الاخذ بنظر الاعتبار شمولیته ومرونته لکی یمکن اعتماده .
رابعا : منهجیة البحث
اعتمد البحث ایضا على المنهج المقارن ، إذ قارن بین هذه المذاهب وخاصة القائلة بوضع الجائحه ، من اجل اجراء المفاضلة بینهما لاختیار الرای المناسب وصیاغته فی نص قانونی ، واعتمد البحث على المنهج التحلیلی ، بتحلیل اراء البعض من المذاهب الفقهیة ، فضلا عن الاستعانة برای اهل اللغة ، من اجل الوقوف على جوانب الموضوع المهمة .
سادسا : هیکلیة البحث
اتخذ البحث الشکل الاتی :
المبحث الاول : التعریف بالجائحه وادلتها الشرعیة .
المبحث الثانی : شروط وضع الجائحه واثرها .
المبحث الأول
التعریف بالجائحه وأدلتها الشرعیة
فی هذا المبحث سنتعرف على الجائحه وادلتها الشرعیة من خلال المطلبین الاتیین:
المطلب الاول / تعریف الجائحه .
المطلب الثانی / الادلة الشرعیة على وضع الجائحه .
المطلب الأول
تعریف الجائحه
لتسلیط الضوء على تعریف الجائحه فی اللغة والفقه الشرعی وفی القانون ، ینبغی توزیع هذا المطلب على الفروع الاتیة :
الفرع الأول
فی اللغة
اصل اسم الجائحه الفعل الثلاثی جوح ، والجوح والاجتیاح : یعنی الاستئصال ، یقال جاحتهم، استأصلت اموالهم .
والجائحه : الشدة النازلة العظیمة التی تجتاح المال من سنة او فتنة . وکل ما استاصله: فقد جاحه واجتاحه وجاح الله ماله واجاحه بمعنى اهکله بالجائحه : فهی المصیبة تحل بالرجل فی ماله فتجتاحه کله . قال احدهم : الجائحه تکون بالبرد یقع من السماء اذا اعظم حجمه فکثر ضرره ، وتکون بالبرد القارص او الحر المفرط حتى یبطل الثمن . وقال اخر الجائحه افة تجتاح الثمر سماویة ولا تکون الا فی الثمار ، واصلها السنة الشدیدة تجتاح الاموال . فیقال اجتاح العدو مال فلان اذا اتى علیه . وذکر اخر الجوح بانه الهلاک ، والجائح : الجراد . یلاحظ ان الجائحه فی اللغة یشمل جائحة المال او النفس ، مثلا یجتاح مرض معین منطقة ما فیحصد عدداً کبیراً من الارواح .
الفرع الثانی
فی الفقه الشرعی
تباین الفقه الشرعی فی تعریف الجائحه فکان على الاراء الاتیة :
الرای الاول : الحنفیة والحنابلة وبعض المالکیة . قالوا هی کل ما جاء من الله عز وجل کالجراد والنار والغرق والبرد والمطر والطین الغالب والدود وعفن الثمرة فی الشجر والسموم، فهی الافة السماویة التی لا صنع لای ادمی فیها ، واستندوا فی رایهم الى الحدیث الشریف الذی رواه انس بن مالک عن رسول الله (e) إذ قال (ان لم یثمرها الله، فبم یستحل احدکم مال اخیه) وقال ایضا (ان الرسول (e) نهى عن بیع الثمرة حتى تزهی ، قالوا : وماتزهی قال : تحمر . فقال : اذا منع الله الثمرة ، فبم تستعمل مال اخیک) .
وان تلف بفعل ادمی ، فالمشتری مخیر بین فسخ العقد ومطالبة البائع بالثمن وبین الابقاء على العقد ومطالبة الجانی بالقیمة .
الرای الثانی : بعض المالکیة : قال الجائحه امر غالب لا یمکن دفعه ولا یقدر على الاحتراس منه ، وبهذا تتنوع الجائحه بتنوع مصدرها وکالاتی :
الاول : امر مصدره الله عز وجل، وهذا جائحة لامحالة .
الثانی : امر مصدره مخلوق مکلف اذا کان غالبا ولا یمکن الاحتراس منه مثل الجیش یمر بنخیل فیدمر بعضا منه والسارق ایضا جائحة ، واختلف اخرون فی السارق والجیش، اذ اعتبره ابن القاسم جائحة لانه امر غالب لا یمکن الاحتراس منه ولا یستطاع دفعه ، وقال ابن الماجشون ومطرف لیس بجائحة لا مکانیة منع الجیش بامر السلطان والتحصن من السارق ، فهی امور غالبة حتى وان حدثت بغتة .
الثالث : امر بفعل الله عز وجل او بفعل مخلوق مکلف طالما کان غالبا ولا یمکن دفعه او الاحتراس منه .
الرای الثالث : احد المالکیة : قال الجائحه : کل ما جاء من الله تعالى او بفعل انسان مکلف لایمکن الاحتراس منه وبشرط ان لا یکون احد المتعاقدین ، فالجراد والریح والنار والغرق….الخ جائحة ، اما هلاک الثمر بسبب انقطاع ماء السماء او انقطاع عین السقی فلیس بجائحة لان سببه یرجع للبائع وهو بالمسؤول عن الهلاک مهما یبلغ قدره .
والراجح من الاراء المتقدمة هو الرای الثالث للاسباب الاتیة :
1-تعریف الجائحه تعریف مرن ومطلق لدى اصحاب هذا الرای ، فهی امر غیر متوقع ولا یمکن دفعه لتلافی نتائجه ، ویتنوع مصدرها فقد یکون الله عز وجل او انسان بما یمتلکه من اشیاء جامدة ام حیة والمهم ان لا یکون مصدرها احد المتعاقدین او کان له ید فی حدوثها .
2-یلاحظ على هذا الرای انه یفرق الجائحه عن المسؤولیة العقدیة ، فهلاک الثمر بامر الله تعالى ام بفعل انسان من غیر المتعاقدین جائحة ، فی حین هلاکها بفعل احد المتعاقدین کان ضامنا لها على اساس مسؤولیته عنها .
3-لم یفرق بین تعدد مصدر الجائحه ، فقد تقع بفعل شخص واحد او تقع بفعل جماعه .
واخیرا یلاحظ على ما تقدم ان مفهوم الجائحه فی الفقه الشرعی هو المصیبة المذهبة للمال فقط بخلاف ما ذکر فی اللغة ، اذ یتسع مفهومها لیشمل المال والنفس .
الفرع الثالث
فی القانون
لم ینظم القانون المدنی العراقی الجائحه ضمن نصوص عقد البیع ، ولم یرد ذکر لها فی القواعد العامة لهذا القانون ، وامام عدم التنظیم قد یبدو للقارى امکانیة تطبیق نظریة الظروف الطارئة المنظمة فی المادة (146/2) من هذا القانون باعتبارها القاعدة العامة التی یمکن الرجوع الیها لاستخلاص تعریف الجائحه واحکامها إذ جاء فیها (على انه اذا طرأت حوادث استثنائیة عامة لم یکن فی الوسع توقعها وترتب على حدوثها ان تنفیذ الالتزام التعاقدی وان لم یصبح مستحیلا صار مرهقا للمدین بحیث یهدده بخسارة فادحة جاز للمحکمة بعد الموازنة بین مصلحة الطرفین ان تنقص الالتزام المرهق الى الحد المعقول ان اقتضت العدالة ذلک ، ویقع باطلا کل اتفاق على خلاف ذلک) .
وذکر احد الباحثین قائلا (ان نظریة الظروف الطارئة تعتبر تطبیقا من تطبیقات مفهوم الجائحه على اعتبار ان الجائحه ظروف تجتاح المال فتهلکه کله او بعضه بسبب کونها امرا عارضا خارجا عن تدخل الانسان) .
وهذا الکلام لا یمکن اعتماده لتمیز الجائحه من الظرف الطارىء على الرغم من وجود شبه بینهما ، اذ تتفقان على کونهما حدثاً خارجیاً استثنائیاً خارجاً عن حدود المالوف یصیب محل العقد ، ویعجز الانسان عن دفعه من شانه ان یقلب اقتصادیات العقد ، لکن یفترقان من النواحی الاتیة :
1-من ناحیة صفة الحادث ، الحادث الذی یسبب الجائحه یکون خاصا بالمدین ، فی حین یکون فی الظرف الطارىء عاما .
2-من ناحیة الاثر المترتب على تحققهما (تحمل التبعة) ، فی الجائحه یتحمل البائع عبء الضرر المترتب على تحققها ، فی حین یزال الارهاق عن المدین بانقاص الالتزام المرهق الى الحد المعقول ، فتوزع تبعة الظرف الطارى على المتعاقدین . .
3-من ناحیة فعلیة الضرر (وقوع الضرر) ، فی الجائحه یجب ان یتضرر المدین لکی یحق له المطالبة بوضع الجائحه عنه ، فی حین یکفی ان یهدد تنفیذ الالتزام التعاقدی خساره فادحة للمدین لکی یطالب بتطبیق نظریة الظرف الطارى .
وعرف احد شراح القانون الجائحه بانها کارثه طبیعیة او هی نازلة او افة تصیب الثمار المبیعةوهی على رؤوس الشجر ، فیوضع عن المشتری من الثمن بقدر ما اصابته من جائحه.
یلاحظ على هذا الرای انه ینظر الى الجائحة الطبیعیة ، على أنها تقع بفعل الطبیعة ، ویغفل عن الجائحه التی تقع بفعل الانسان او بفعل ما یمتلکه من اشیاء حیة او جامدة ، لذا یمکن تعریف الجائحه على نطاق اوسع ، فیقال : هی حدث او امر طارى غیر متوقع ولا یمکن دفعه لتلافی نتائجه، تصیب الثمار المبیعة وهی على رؤوس اشجارها وقبل أوان جذها بضرر غیر مالوف فتوضع عن المشتری نسبة معینة من الثمن . وسیرد تفصیل ذلک لاحقا ضمن المبحث الثانی .
المطلب الثانی
الأدلة الشرعیة على وضع الجائحه
قبل ایراد الادلة الشرعیة على وضع الجائحه ، ینبغی القول اولا ان الفقه متباین فی امر وضع الجائحه والحکم بموجبها من عدمه ، فکانوا على الاراء الاتیة :
الرأی الاول : تحریم وضع الجائحه : القائل به هو ابو حنیفة و راى للشافعی واصحابهما، فذهبوا الى ان اجتیاح الثمر المبیع وتلفه بها لا یصلح سببا لوضع شی عن المشتری من ثمنها، واستندوا فی رایهم الى الحدیث الذی رواه ابو سعید الخدری فقال اصیب رجل فی عهد رسول الله (e) فی ثمار ابتاعها فکثر دینه ، فقال رسول الله (e): تصدقوا علیه فتصدق الناس علیه ، فلم یبلغ ذلک وفاء دینه ، فقال رسول الله (e) : خذوا ما وجدتم ولیس لکم الا ذلک .
واستندوا ایضا الى حدیث جابر بن عبد الله (t) فقال : (نهى النبی (e) عن بیع السنین(*) ووضع الجوائح) .وجاء فی حدیث اخر عن رسول الله (e) یدل على نهی وضع الجائحه روته عمرة بنت عبد الرحمن : فقالت ابتاع رجل ثمر حائط فی زمان رسول الله (e) : فعالجه وقام فیه حتى تبین له النقصان . فسأل رب الحائط ان یضع له او ان یقیله ، فحلف ان لا یفعل ، فذهبت ام المشتری الى رسول الله (e) فذکرت ذلک له فقال رسول الله (e) : تألى(*) ان لا یفعل خیرا ، فسمع بذلک رب الحائط ، فاتى رسول الله (e) : فقال یا رسول الله هو له .
وجاء فی قول الشافعی دلالة على نهی وضع الجائحه إذ قال : لم یثبت عندی امر بوضع الجوائح ، ولو ثبت عندی لم اعده ، والاصل المجتمع علیه ان کل من ابتاع ما یجوز بیع وقبضه کانت المصیبة منه .
الرأی الثانی : وجوب وضع الجائحه : القائل به هم جمهور المالکیة والحنابله .
استندوا فی رایهم الى الحدیث الشریف الذی رواه جابر بن عبد الله ، فقال: قال رسول الله (e) (من باع ثمرا فاصابته جائحة فلا یاخذ من اخیه شیئا ، على ما یاکل احدکم مال اخیه المسلم).وثبت بقول ابن وهب عن انس بن عیاض ، ان ابا اسحاق مقدما مولى ام الحکم بنت عبد الحکم حدثه ان عمر بن عبد العزیز قضى بوضع الجوائح .ویلاحظ ان سبب الزام البائع بتبعة الجائحه عند اصحاب هذا الرای یکمن فی ثبوت حق المشتری على البائع بالوفاء الکامل ، ویتحقق ذلک بقبض الاصول قبضا تاما ، ولکن المشتری لم یقبض الثمر قبضا کاملا بسبب الجائحه التی اصابته فبقی السقی على البائع (الذی یحتاج منها الى السقی) لهذا السبب تقع على البائع تبعة الجائحه التی اصابت الثمر .
وسبب اختلاف الرأیین الآنفین یرجع الى اختلافهم فی مفهوم قبض الثمار المبیعة وهی على رؤوس الشجر ، اذ یرى اصحاب الرای الاول ان قبض المبیع یکفی ان یحصل بالاذن للمشتری بالاستلام ، فاذا تلف المبیع بعد القبض فهو من مال المشتری ولاشیء على البائع ، فی حین یرى اصحاب الرای الثانی ان القبض فی الثمار المبیعة على رؤوس اشجارها لیس کاملا فهو کالقبض فی الاجارة ،ولان منافعها تحقق شیئا فشیئا ، فکذلک الثمرة توجد شیئا شیئا، وکما یضمن المؤجر منفعة الماجور ، فان البائع ضامن لسلامة الثمار ، لهذا یکون قبض الثمار المبیعة المجتاحة ناقص ولا یصح ان یترتب علیه حکم القبض الکامل .
الرأی الثالث : استحباب وضع الجائحه ویندب لها :
ذهب جمهور الحنفیة والشافعیة الى ان وضع الجائحه امر مستحب ومندوب له عن طریق المعروف والاحسان ولیس الحتم والالتزام ، واستندوا فی رایهم الى ما عرف عن رسول الله (e) فی الثمار المبیعة ، اذ عرف عنه ثبوت ملک المشتری للثمار فیصبح له حق بیعها او هبتها ، وقد نهى (e) عن ربح مالم یضمن ، فاذا یصح بیعها ثبت ضمانه لها ، ونهى ایضا عن بیع الثمرة قبل بدو صلاحها فقال ابن عمر ان الرسول الکریم (e) نهى عن بیع الثمر حتى یبدو صلاحها . نهى البائع والمبتاع . وقال فی حدیث اخر ان رسول الله (e) قال لاتبتاعوا الثمر حتى یبدو صلاحه وتذهب عنه الآفة، اذ نهى عن بیع الثمر حتى یزهى ، ولو وضعت الجائحه عن الثمار المبیعة بعد ظهور صلاحها (ضمانها على البائع) لم یکن لنهیه فائدة ، واستندوا ایضا الى حدیث رسول الله (e) عن التصدق بدل وضع الجائحة (*)، الذی یدل على الاستحباب بقرینة قوله : لایحل لک ، والتصدق یعنی الارشاد الى الوفاء بفرضین جبر البائع وتعریض المشتری لمکارم الاخلاق .
المبحث الثانی
شروط وضع الجائحه وأثرها
لتحدید شروط وضع الجائحه وبیان اثرها فی طرفی العقد ، ینبغی توزیع هذا المبحث على المطلبین الاتیین :
المطلب الاول / شروط وضع الجائحه .
المطلب الثانی / اثر وضع الجائحه .
المطلب الأول
شروط وضع الجائحة
لکی یثبت وضع الجائحه یجب ان یتوافر لها شروط معینة ، سیتم التعرف علیها فی الفقه الاسلامی والقانون من خلال الفرعین الاتیین :
الفرع الأول
شروط وضع الجائحه فی الفقه الإسلامی
اشترط الفقه الاسلامی شروطاً معینة لکی توضع الجائحه فی الثمار المبیعة وغیرها وهی :
اولا : من حیث زهو الثمر وجواز بیعه بشرط القطع : یجب ان یبدا الثمر بالزهو ویظهر طیبه ، فضلا عن ذلک صلاحیته لان یکون محلا للبیع ، فلا توضع الجائحه فی الثمار قبل ان تزهی ویظهر طیبها ، او کانت ثمار لا یجوز بیعها .
ثانیا : من حیث وقت وضع الجائحه : اشترط المالکیة اصابة الثمر بها فی الوقت الذی یتطلبه بقاء الثمر على الشجر دون قطف حتى یستوفی طیبه ، والسؤال هو : هل توضع الجائحه عن المشتری اذا انقضى وقت الجد . دون ان یقطع الثمر ، بل ابقاه لیبیعه على النضارة فاصابته هذه الجائحه بضرر غیر مالوف ؟
اختلف فقه المالکیة فی ذلک تبعا لاختلافهم فی اشتراط النضاره فی الشراء کالطبیب ، فمن اشترطها بالشراء اوجب وضع الجائحه المتحققة فیها ، ومن لم یشترطها فی الشراء لم یوجبها اذا تحققت فیها .
واشترط الحنابله وقت الاصابة بالجائحه هو الوقت الذی یتطلبه بقاء الثمر الى حین حلول اوان الجذ ، فاذا لم یجذها المشتری کان مسؤولا عنها ولا شی على البائع.
ثالثا : من حیث محل الجائحه : ذهب معظم المالکیة والحنابله الى الاکتفاء بجائحة الثمار فقط، ولکن اختلف البعض من المالکیة فی جائحة البقول ، اذ عرف عن مالک رأیان .
الاول : اجاز فی رای له وضع جائحة البقول تشبیها لها بجائحة الثمار واستند فی ذلک الى امر النبی (e) بوضع الجوائح بشکل عام دون قید فیشمل ذلک الجائحتین .
الثانی : قال مالک ، وعلى قوله سار بعض من اصحابه وهم سحنون وابن القاسم ، بعدم وضع جائحة البقول والخضروات وغیرها من النباتات التی تروى سقیا مثل الفجل واللفت وغیرهما من النباتات المغیبة فی الارض . والرای الاول هو الراجح مع وجود اختلاف فی اثر الجائحه تبعا لاختلاف محلها کما سیتضح تفصیل ذلک فی المطلب الثانی من هذا المبحث .
الفرع الثانی
شروط وضع الجائحه فی القانون
استناد ا لشروط وضع الجائحه فی الفقه الاسلامی ، یمکن استخلاص شروطها فی القانون وکالاتی :
اولا : وجود عقد بیع بشرط القطع صحیح ونافذ بین الطرفین ، ویشترط فیه خلوه من أی اتفاق یحمل بموجبه احد الطرفین تبعة تضرر محله بالجائحه .
ثانیا : یجب ان یرد محل عقد البیع على ثمار مبیعه او بقول او خضروات وغیرها من النباتات الخارجة من الارض التی تصاب بالجائحه .
ثالثا : تلف محل العقد بالجائحه فی المدة ما بین بدء صلاح الثمر وظهور طیبه (بدایة نضجه) الى بلوغ أوان جذه ، بشرط ان لایکون احد المتعاقدین مصدر هذا التلف .
المطلب الثانی
اثر وضع الجائحة
سیتم التعرف على اثر وضع الجائحه فی الفقه الاسلامی والقانون من خلال الفرعین الاتیین :
الفرع الأول
اثر وضع الجائحه فی الفقه الاسلامی
من طبیعة الثمار والبقول والخضروات وغیرها من النباتات الخارجة عن الارض، التی تباع بمجرد ان تزهو ویظهر طیبها ، ان تصاب بافات تقلل من کمیتها او قیمتها ، بل تصاب بها قبل ان یظهر طیبها ، فتتضرر على نحو خارج عما هو مألوف ومتوقع ، فمن یتحمل تبعة هذا الضرر البائع ام المشتری ؟
قبل الاجابة عن هذا السؤال لوحظ اختلاف الفقه الاسلامی فی تحمیل احد المتعاقدین تبعة تضرر الثمار المبیعة بالجائحه هذا من ناحیة ، ومن الناحیة الاخرى اختلفوا فی تحدید مقدار تضرر هذه الثمار وسیتضح تفصیل ذلک من خلال الفقرتین الاتیتین :
اولا : من یتحمل تبعة الجائحه
اختلف الفقه فی ترتیب تبعة الجائحه على طرفی عقد البیع ، تبعا لاختلافهم فی وضعها من عدمه ، فکما ذکر سابقا ان جمهور العلماء والفقه الاسلامی یستحبون وضعها ویندبان ذلک ، فاذا اجتیحت الثمار المبیعة بعد ظهور طیبها ، تحمل المشتری تبعتها اذا أذن البائع له بجذها ، فعند هؤلاء ترتبط تبعة الجائحه بمفهوم القبض عندهم ، والتخلیة تقوم مقام القبض ، فاذا تضررت هذه الثمار بالجائحه بعد ان اذن له بالتسلم ، فتبعتها علیه .
اما فی الفقهان المالکی والحنبلی اللذین یوجبان وضع الجائحه ، فیلزمان البائع بتبعتها ، فاذا اجتیحت الثمرة المبیعة القائمة على رؤوس اشجارها ، فلا یحق للبائع اخذ شی من مال المشتری اذ لم یقبضها بعد فلا یتحمل تبعتها .
ثانیا : تحدید مقدار وضع الجائحه
اختلف القائلون بوضع الجائحه فی مقدار ما یوضع منها ، بل اختلف اصحاب المذهب الواحد فی کیفیة احتساب الضرر ، وسیتضح تفصیل ذلک کالاتی :
أ- رای المالکیة :
فرق فی مقدار ما یوضع من جائحة الثمار المبیعة عن مقدار ما یوضع فی جائحة البقول وغیرها ، فاتفقوا على ان مقدار ما یوضع من جائحة الثمار هو الثلث فما فوق ولا توضع باقل منه ، وحجتهم فی ذلک هی :
1- امر رسول الله (e) بوضع الجوائح ، فتوضع فی حالة تلف الثمار کلها او معظمها.
2- توقع المشتری وقت ابرام العقد ، ان یحصل تلف یسیر فی البیع ، وانه لن یتسلمه کاملاً، فهذا ضرر مالوف ومتوقع بسبب اکل الطیر او نثر الریاح .
ان سبب اتخاذ نسبة تضرر ثلث الثمار المجتاحة لکی توضع عن المشتری ، هو ایراد ذکر الثلث فی ایات قرانیة عدیدة منها قوله تعالى ((یَاأَیُّهَا الْمُزَّمِّلُ(1)قُمْ اللَّیْلَ إِلَّا قَلِیلًا(2)نِصْفَهُ أَوْ انْقُصْ مِنْهُ قَلِیلًا(3))). وقوله تعالى ((إِنَّ رَبَّکَ یَعْلَمُ أَنَّکَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَی اللَّیْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ)) .
واختلفوا فی قیاس ثلث جائحه الثمار ، هل یقصد به ثلث وزن الثمار المتضررة بالجائحه ، ام یقصد به ثلث قیمتها ، فکان لهم رأیان هما :
1-ذهب اشهب الى احتساب ثلث قیمة الثمار المتضررة ، فیوضع عن المشتری ثلث ثمنها .
2-ذهب ابن القاسم الى احتساب ثلث وزن الثمار التالفة ، هذا اذا کانت نوعا واحدا ، فاذا اختلفت قیمة بطونها یتم احتساب ثلث قیمة الثمار المتضررة بالجائحه .
واختلف المالکیة فی مقدار ما یوضع من جائحة البقول ، فعرف عن مالک الاراء:
الاول : یوضع عن المشتری ثمن أی ضرر اصابها سواء کان قلیلاً ام کثیراً ما دام غیر مألوف ، اذ لا دخل للمشتری فی حدوثه ، ومن غیر المعتاد ان تتلف هذه البیوع ایضا .
الثانی : طبق علیها حکم الثمار المبیعة المجتاحة ذاته ، فیوضع عن المشتری ثلث ثمن البقول التالفة .
الثالث : رفض وضع الجائحه عنها اصلا .
والراجح من بین الاراء اعلاه هو الرای الثانی ، فیطبق على جائحة البقول حکم جائحه الثمار، کما یمکن تطبیقها على الخضراوات وغیرها من النباتات الخارجة من الارض.
ب- رای الحنابلة کان لهم رأیان :
الاول : وهو المشهور عندهم ، اذ ذهب الامام احمد بن حنبل واصحابه الى ان کل ما تضرر من الثمر بالجائحه فیوضع من ثمنها ، باستثناء الضرر الذی یتوقع حدوثه عادة، وحجتهم فی ذلک ان النبی (e) امر بوضع الجوائح بشکل عام دون ان یحدد نسبة معینة للضرر ، لکن اذا کان الضرر خارجاً عن المعتاد ، فیوضع عن المشتری ما یساویه من الثمن ، واذا تضرر الثمر بالکامل ، یبطل العقد ، ویحق للمشتری مطالبة البائع بما دفعه من الثمن .
الثانی : رای للحنابله ، ذهبوا الى ان تضرر ثلث قیمة الثمار بالجائحه ، یرتب حقا للمشتری فی المطالبة بوضع ثلث الثمن عنه .
الفرع الثانی
اثر وضع الجائحه فی القانون
بالاستناد الى رای الفقه المالکی فی تحدید اثر وضع الجائحه فی طرفی العقد ، یمکن القول انه اذا بلغت نسبة تضرر الثمار المبیعة بشرط القطع والبقول والخضراوات وغیرها من النباتات الخارجة من الارض ، الثلث فاکثر فیوضع عن المشتری ثلث الثمن، ویتم احتساب ثلث وزن هذه المبیعات ، لانها مکیلات وموزنات ویوجد ما یماثلها بالاسواق ، فیتم تحدیدها جائحتها بالاستناد الى الوزن اخذا برای ابن القاسم الذی هو احد تلامیذ انس بن مالک ، فاذا تنوعت واختلفت قیمة بطونها یتم وضع ثلث قیمة الثمار المجتاحة .
الخاتمة :
تحوی اهم النتائج والتوصیات وکالاتی :
اولا : نتائج البحث : یمکن تلخیص نتائجه بالنقاط الاتیة :
1-لوحظ من خلال التعریف اللغوی والشرعی والقانونی ، ان مفهوم وضع الجائحه فی الثمار المبیعة هو تضرر هذه الثمار التی بدأت تزهو ویظهر طیبها ، وهی على رؤوس اشجارها، بنازلة او مصیبة او آفة سماویة او بفعل مخلوق دون ان یکون لاحد المتعاقدین ید فی ذلک ، وهذا الضرر غیر مالوف ویخرج عن الحد المعتاد ، فیوضع عن المشتری نسبة من ثمنها ، لانه لا دخل له فی وقوع الجائحه ، فلا یحق للبائع اخذ ماله بغیر حق کما جاء ذلک فی الحدیث النبوی الشریف الذی اعتمد علیه الفقهان المالکی والحنبلی فی الاخذ بالجائحه على وجه الالزم . فی حین نهى ابو حنیفة والشافعی واصحابهما عن الاخذ بها استنادا الى نهی الرسول الکریم (e) عن الاخذ بالجائحه ، ووقف جمهور الفقهاء من غیر هؤلاء موقفا وسطا، فاجازوا وضع الجائحه على وجه الندب والمعروف .
2-لکی توضع الجائحه عن المشتری یجب ان تتوافر لها الشروط التی قررها جمهور الفقه المالکی ، وهی اجتیاح الثمر الذی بدأ یزهو ویظهر طیبة وهو قائم على رؤوس الشجر ، واشترط جمهور الفقه الحنبلی ظهور طیبة الى حین حلول اجل الجذاذ ، لکی توضع عنه الجائحه . واشترط القائلون بوضعها ، ان یکون محلها من الثمار والبقول وغیرها من النباتات الخارجة عن الارض . واختلفوا فی هذا المحل ، فاخذ البعض بجائحة البقول والخضروات وطبق علیها حکم جائحة الثمار ، فی حین خصها البعض الاخر بحکم خاص بها لتمیزها عن حکم جائحة الثمار .
واتفق هؤلاء الفقهاء على وضع جائحة الثمار المبیعة فتم اعتمادها لصیاغتها ضمن نص قانون مقترح .
3-اذا توافرت شروط وضع الجائحه کما قررها الفقه الاسلامی ، ترتب اثرها على طرفی عقد البیع ، فیحق للمشتری المطالبة بوضعها عنه ، وهنا اختلف القائلون بها ، فقرر الفقه المالکی وضع ثلث الثمن عن المشتری اذا بلغت الجائحه ثلث الثمـار التالفة ، ویتم اعتماد ثلث الوزن على رای احدهم او ثلث القیمة على رای اخر ، فی حین ذهب الفقه المالکی الى وضع الثمن الذی یقابل الضرر مهما بلغت نسبته ما دام خارجا عن الحد المالوف المعتاد ، فیوضع عن المشتری ثمن الثمار التالفة بالجائحه کله ما عدا الضرر المالوف المتوقع ، وفی القانون وبعد الاستناد الى رأی الفقه المالکی ، تم اقتراح النص القانونی الذی ینظم نظریة الجائحه ووضعها فی الثمار المبیعة وغیرها من النباتات کما موضح فی التوصیات .
ثانیا : التوصیات :
1-بخصوص تعریفها وشروطها :
بفضل النص على وضع الجائحه فی الثمار المبیعة والبقول والخضروات وغیرها من النباتات الخارجة من الارض ، ضمن نصوص عقد البیع ، وخاصة ضمن الفصل الخاص بـ (اثار عقد البیع) وبالصیغة الاتیة :
أ. اذا تضررت الثمار المبیعة او البقول او الخضروات وغیرها من النباتات الخارجة من الارض فی الفترة ما بین زهوها وظهور طیبها والى حین بلوغ اجل جذها ، بجائحة وهی المصیبة او النازلة غیر المتوقعة ولا یمکن تلافی نتائجها ودون ان یکون لاحد المتعاقدین ید فی حدوثها ، فللمشتری المطالبة بوضع الثمن عنه .
ب. بخصوص اثر الجائحه ، یفضل صیاغة النص القانونی المستند الى رأی الفقـه المالکی ، وبالصیغة الاتیة :
2-یتم وضع الجائحه عن المشتری ، اذا بلغ مقدارها ثلث وزن الثمار المتضررة ، هذا اذا کانت الثمار من نوع واحد ، فاذا تنوعت او اختلفت قیمة بطونها ، یوضع عن المشتری ثلث قیمة الثمار المجتاحة ، مع مراعاة تحقیق التوازن بین طرفی العقد .
The Author declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English)
Sources :
First: Language books and Hadith books:
1- Abu al-Husayn Muslim Ibn al-Hajjaj al-Qaysiri al-Nisaburi, Sahih Muslim, Dar al-Hayyat al-Kitab al-Arabiya, c3.
2 - Ibn Manzoor, Lanson Al Arab, C2, Dar Sader, Beirut.
3 - Abu Dawud Sulaiman ibn al-Ashath al-Sijistani Azadi, c 3, Dar al-Hadith, Cairo 1988.
4 - Sinan women explain Hafiz Jalal al-Din al-Suyuti and the footnote of the Imam al-Sindi, 7, Dar al-Bashaer Islamic, Lebanon 1988, I 3.
Second: Jurisprudence and Legal Books:
5 - Abu Mohammed bin Hazm, local Sharh al-Majali, C 9, Dar Al-Ahya Arab heritage, the Foundation of Arab History, Lebanon 1997, i.
6 - Abu Said Al-Baradhi, the abbreviation in the abbreviation of the Code, C3, Dar Al-Reshut for Islamic studies and revival of heritage, United Arab Emirates 2002, i.
7 - Abu Al-Walid bin Rashid Al-Qurtubi, Almqdahat Almqahdat, C2, Dar Al-Gharb Islamic, Lebanon 1988, I 1.
8 - Ahmed bin Mukhtar Janki Shankiti, talents of the Galilee evidence Hebron, Kg3, House of Islamic Heritage, Qatar 1986.
9 - Zine El Abidine son of Najim Hanafi, similarities and isotopes on the doctrine of Abu Hanifa Nu'man, Modern Library of Printing and Publishing, Lebanon 2003.
10- Mr. Saif, Fiqh of the Sunnah 3, Al-Rashed Library for Publishing and Distribution, Saudi Arabia 2001.
11. Saadi Abu Habib, Encyclopedia of Consensus in Islamic Jurisprudence, C1, Dar Al-Hayat Islamic Heritage, Qatar.
12 - Abdul Wahab Ali bin Saad Al-Roumi, impossibility and impact on the commitment to nodal comparative study in Islamic jurisprudence and positive law, Egypt 1994, i.
13- Abd al-Salam al-Turmani, Theory of Emergency Circuits, Dar al-Fikr, Damascus 1971.
14- Mohammed bin Abdullah al-Kharshi, a footnote to al-Kharashi on the master of Sidi Khalil, J6, Dar al-Kuttab al-Alami, Lebanon 1997, i.
15- Malek Ibn Anas, Al Mouta, C2, House of Revival of Arab Heritage, Lebanon.
16- Mohammed bin Rushd al-Qurtubi, beginning of al-Mujtahid and the end of the exclusive, c2, Dar al-Hiyya of Islamic heritage, Lebanon 1996, i.
17- Muhammad bin Ismail Al-Yamani, Sibal al-Salam, explaining the blog of Al-Maram from the collection of evidence evidence, c 3, Dar Al-Maarafa for Printing and Publishing, Lebanon 1995, I.
18 - Muwaffaq al-Din ibn Qadami and Mesa bin Qadamah al-Maqdisi, the singer and his great commentary, C4, Dar al-Kitab al-Arabi, Lebanon, 1972.
19 - Muwaffaq al-Din ibn Abdullah Ibn Qudamah al-Maqdisi, convincing in the jurisprudence of Imam Ahmad bin Hanbal, c 2, Salafi printing press and its library.