قاعدة نسبیة أثر العقد ومدى سریانها على العقد الإداری ( دراسة مقارنة )
الرافدین للحقوق,
2007, السنة 12, العدد 32, الصفحة 171-209
10.33899/alaw.2007.160505
الملخص
إذا کان العقد الإداری لا یختلف فی مفهومه العام عن العقد المدنی الذی یبرمه الأفراد فیما بینهم ، من حیث إن کلاً منهما یقوم على أساس توافر إرادتین بقصد القیام بالتزامات متقابلة . وعلى ذلک یلزم أن یتوافر فی العقد الإداری کالعقد المدنی الأرکان الأساسیة وهی الرضا – المحل والسبب إلا أنهما یختلفان من حیث النظام القانونی الذی یخضع له کل منهما ، ومرجع هذا الاختلاف أن الإدارة وهی تبرم العقد باعتبارها سلطة عامة تتمتع بحقوق وامتیازات لا تتوافر للمتعاقد معها بهدف تحقیق ضمان سیر مرافقها العامة بانتظام . وبالتالی فإنه فی العقد الإداری تکون کفتا المتعاقدین متکافئة حیث تغلب المصلحة العامة على المصلحة الفردیة ، خلافاً للعقد المدنی الذی یجب کقاعدة عامة أن تکون مصالح الطرفین متوازنة ومتساویة
قاعدة نسبیة أثر العقد ومدى سریانها على العقد الإداری ( دراسة مقارنة )
The relative effect of the contract and its validity on the administrative contract A Comparative Study
قیدار عبد القادر صالح کلیة القانون/ جامعة الموصل Keidar Abdel Qader Saleh College of law / University of Mosul Correspondence: Keidar Abdel Qader Saleh E-mail: |
(*) أستلم البحث فی 5/4/2007 *** قبل للنشر فی 23/5/2007.
(*) Received on 5/4/2007 *** accepted for publishing on 23/5/2007.
Doi: 10.33899/alaw.2007.160505
© Authors, 2007, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
مقدمة:
إذا کان العقد الإداری لا یختلف فی مفهومه العام عن العقد المدنی الذی یبرمه الأفراد فیما بینهم ، من حیث إن کلاً منهما یقوم على أساس توافر إرادتین بقصد القیام بالتزامات متقابلة . وعلى ذلک یلزم أن یتوافر فی العقد الإداری کالعقد المدنی الأرکان الأساسیة وهی الرضا – المحل والسبب إلا أنهما یختلفان من حیث النظام القانونی الذی یخضع له کل منهما ، ومرجع هذا الاختلاف أن الإدارة وهی تبرم العقد باعتبارها سلطة عامة تتمتع بحقوق وامتیازات لا تتوافر للمتعاقد معها بهدف تحقیق ضمان سیر مرافقها العامة بانتظام . وبالتالی فإنه فی العقد الإداری تکون کفتا المتعاقدین متکافئة حیث تغلب المصلحة العامة على المصلحة الفردیة ، خلافاً للعقد المدنی الذی یجب کقاعدة عامة أن تکون مصالح الطرفین متوازنة ومتساویة .
وإذا کان من المسلم أن العقد المدنی یخضع لقاعدة نسبیة العقد فی آثاره ، بمعنى أن العقد لا ینتج أثراً بالنسبة لغیر أطراف العقد إلا فی حالات محددة ، وبالتالی فإن هذا الأمر لا یثیر إشکالیة فی العقد المدنی ، إلا أن هذه الإشکالیة تتأثر بالنسبة للعقد الإداری نظراً لخصوصیته واختلافه عن العقد المدنی کما أشرنا سلفاً .
إزاء ذلک کله تبرز لنا مشکلة مدى إمکانیة تطبیق قاعدة أثر نسبیة العقد على العقد الإداری على غرار العقد المدنی من عدمه .
ومن هنا تبرز أهمیة موضوع البحث فی معالجة هذه المشکلة ولاسیما أن هناک اختلافاً بین فقهاء القانون الإداری تجاه تطبیق قاعدة نسبیة العقد وأثرها ومدى سریانها تجاه العقد الإداری .
وبغیة الوقوف على الحل الأمثل لهذه الإشکالیة وللأهمیة الکبرى لقاعدة نسبیة أثر العقد ومدى سریانها على العقد الإداری ، فقد أثرنا بحثه فی هذا البحث المتواضع آخذین بنظر الاعتبار الصعوبة التی تعتری الموضوع لعدم وجود نصوص قانونیة صریحة أو قرارات قضائیة کافیة تعالج موضوع البحث .
وإذا کان الأصل أن أثر العقد نسبی من حیث الأشخاص ، فضلاً عن أن المتعاقد لا یلزم بما لم یتضمنه العقد ویعبر عن ذلک بأن أثر العقد نسبی من حیث المضمون إلا أننا سنقتصر فی هذا المبحث على نسبیة أثر العقد تجاه الأشخاص بعیداً عن أثره تجاه مضمون ، نظراً لأهمیة الحالة الأولى تجاه العقد الإداری .
لذلک کان الهدف من دراسة البحث هو محاولة الوصول فیما إذا کان العقد الإداری یخضع لقاعدة نسبیة أثر العقد من حیث الأشخاص أسوةً بالعقد المدنی من عدمه .
وبغیة الوصول إلى النتائج المرجوة فی بحثنا فقد اعتمدنا على المنهج التحلیلی الذی یقوم على تحلیل آراء الفقهاء ومناقشتها للوصول إلى الهدف المنشود مع الأخذ بالمنهج المقارن فی بعض المواضیع التی تتطلب ذلک . کل ذلک فی هیکلیة شکلیة من خلال ثلاثة مباحث :
المبحث الأول : ماهیة قاعدة نسبیة أثر العقد .
المبحث الثانی : أثر العقد الإداری بالنسبة للغیر .
المبحث الثالث : مدى خضوع العقد الإداری لقاعدة نسبیة أثر العقد .
المبحث الأول
ماهیة قاعدة نسبیة أثر العقد
یقتضی البحث فی ماهیة قاعدة نسبیة أثر العقد تعریفه تمهیداً لبیان أثره بالنسبة لکل من الخلف العام والخلف الخاص .
لذا سنتناول ماهیة قاعدة نسبیة أثر العقد فی مطلبین . نسلط الضوء فی الأول على التعریف ، فی حین نخصص المطلب الثانی لبیان أثر العقد بالنسبة لکل من الخلف العام والخلف الخاص .
المطلب الأول
التعریف بقاعدة نسبیة أثر العقد
یعنی مبدأ نسبیة أثر العقد أن آثار العقد تنصرف إلى طرفیه ، دون أن تتعدى کقاعدة عامة للغیر وتسری بحقه . بعبارة أخرى أن القوة الملزمة للعقد لیس لها أثر إلا على المتعاقدین ومن یکون فی حکمهم .
إذن یترتب على الأخذ بهذا المبدأ بأن أثر العقد یقتصر على طرفیه ، وبالتالی فإن الالتزامات الناشئة عنه لا تنصرف إلا إلى المتعاقدین ، وأن الحقوق المتولدة عنه لا تنصرف کذلک إلا إلى طرفیه .
لکن إذا کان هذا المبدأ مطلقاً فی شقه الأول ونعنی بذلک الالتزامات ، فإنه یرد علیه استثناء فی شقه الثانی ونعنی بها الحقوق ، کون أنه لا یقصد بالمتعاقدین طرفا العقد وحدهما بحیث یقتصر أثر العقد علیهما ، لأن الفرد یتعاقد لنفسه ، فضلاً عن وارثه أو خلفه العام ، کون أن المعاملات لا تستقیم إذا انقضى أثر العقد ، حق أو التزام ، بوفاة الدائن أو المدین ، بل یجب أن ینتقل هذا الأثر إلى خلفه العام ، فضلاً عن ذلک فقد یتعلق العقد بشیء معین یملکه المتعاقد ، ولا یتصل بشخصه ، وتقضی طبیعته أن ینتقل أثر العقد مع الشیء الذی یتعلق به إلى الشخص الذی انتقل إلیه هذا الشیء ، وهو ما یعرف بالخلف الخاص .
فأثر العقد ینصرف إلى المتعاقدین ومن یمثلانه فی التعاقد ، والمتعاقد یمثل فی تعاقده خلفه العام ، وقد یمثل خلفه الخاص ، وبالتالی ینصرف أثر العقد إلى المتعاقدین وإلى الخلف العام ، وقد ینصرف أیضاً إلى الخلف الخاص .
وبالتالی یتوجب علینا أن نشیر إلى أثر العقد بالنسبة لکل من الخلف العام والخلف الخاص ، وهذا ما سیکون فی المطلب القادم .
المطلب الثانی
أثر العقد بالنسبة لکل من الخلف العام والخلف الخاص
إذا کان أثر العقد ینصرف إلى کل من الخلف العام والخلف الخاص ، کونهما لا یعدان من الغیر ، فالأمر یقتضی فی هذه الحالة تسلیط الضوء على سریان أثر العقد بالنسبة للخلف العام فی الفرع الأول ، بینما نبین فی الفرع الثانی أثره بالنسبة للخلف الخاص .
الفرع الأول
سریان أثر العقد بالنسبة للخلف العام
الخلف العام هو من یخلف غیره فی ذمته المالیة کلها أو فی جزء شائع منها ، کالثلث والربع والنصف ، وهذا یشمل الوارث والموصى له بجزء شائع کالثلث ، والخلف العام یخلف سلفه بمقتضى أحکام المیراث والوصیة ، وبالتالی یکون من الطبیعی أن یتأثر بالعقود التی أبرمها سلفه .
وقد نصت على ذلک المادة (142) الفقرة أولاً من القانون المدنی العراقی النافذ رقم (40) لسنة 1951 بالقول ( ینصرف أثر العقد إلى المتعاقدین والخلف العام دون إخلال بالقواعد المتعلقة بالمیراث ما لم یتبین من العقد أو من طبیعة التعامل أو من نص القانون أن هذا الأثر لا ینصرف إلى الخلف العام ) .
کما نصت المادة (145) من القانون المدنی المصری على أن ینصرف أثر العقد إلى المتعاقدین والخلف العام دون إخلال بالقواعد المتعلقة بالمیراث ، ما لم یتبین من العقد أو من طبیعة التعامل أو من نص القانون ، أن هذا الأثر لا ینصرف إلى الخلف العام .
کما تقضی المادة (206) من القانون المدنی الأردنی بأنه ( ینصرف أثر العقد إلى المتعاقدین والخلف العام دون إخلال بالقواعد المتعلقة بالمیراث ، ما لم یتبین من العقد أو من طبیعة التعامل أو من نص القانون أن هذا الأثر لا ینصرف إلى الخلف العام ) .
یتضح من النصوص المشار إلیها أن القاعدة العامة فیما یتعلق بالخلف العام أنه یخلف السلف فی ذمته المالیة أو فی حصة منها فی کل ما تتناوله هذه الذمة من حقوق والتزامات ولذا تنصرف إلیه آثار العقود التی عقدها السلف سواء فیما ترتبه من حقوق أو ما ینتج عنها من التزامات ، وتفسر هذه الظاهرة على اعتبار أن شخصیة الوارث ما هی إلا استمرار لشخصیة المورث ، وهذه هی القاعدة العامة فی القانون الفرنسی .
أما فی القانون العراقی والمصری والأردنی ولکون أن المبدأ المقرر فی الشریعة الإسلامیة فیما یتعلق بأحکام المیراث ( أن لا ترکة إلا بعد سداد الدین ) ، وبالتالی فإن التزامات المورث تبقى فی ترکته وتؤدى منها . بحیث لا ینتقل إلى الوارث إلا ما تبقى من حقوق الترکة بعد الوفاء بالدیون . فإذا مات البائع مثلاً وترک وارثاً ، انتقل إلى الوارث حق مورثه فی مطالبة المشتری بالثمن ، ولم ینتقل التزام البائع بنقل ملکیة المبیع إلى المشتری بل یبقى هذا الالتزام فی الترکة .
الاستثناءات الواردة على القاعدة العامة :
إذا ما فهمنا من النصوص التشریعیة السالفة الذکر أن القاعدة العامة هی انصراف أثر العقد إلى الخلف العام ، إلا أن هذه القاعدة لیست مطلقة بل یرد علیها استثناء هام وهو عدم انصراف أثر العقد إلى الخلف العام فی حالات معینة أشارت إلیها النصوص التشریعیة السالفة الذکر وهذه الحالات هی :
أولاً : إذا اتفق المتعاقدان على ذلک ، وبالتالی یجوز مثلاً أن یتفق المتبایعان على منح المشتری أجلاً لسداد الثمن دون أن ینتقل هذا الحق الى ورثته .
ثانیاً : إذا کانت طبیعة الحق الناشئ من العقد تأبى انتقاله إلى الخلف العام ، فإذا حصل شخص بموجب عقد على حق انتفاع فإن هذا الحق لا ینتقل إلى وارث المنتفع کون أن حق الانتفاع تقضی طبیعته أن ینتهی بموت صاحبه .
ثالثاً : إذا کان هناک نص فی القانون یقضی بعدم انتقال الحق إلى الوارث ، من ذلک ما قضت به المادة (646) من القانون المدنی العراقی من انقضاء الشرکة بموت أحد الشرکاء . وما قضت به المادة (946) من نفس القانون من أن الوکالة تنتهی بموت الموکل .
الحالات التی یکون فیها الخلف من الغیر :
هناک فرض لا ینصرف فیه أثر التصرف إلى الوارث ، لأن الوارث یعتبر من الغیر فی هذا التصرف ، فقد أبیح للمورث التصرف فی جمیع أمواله حال حیاته ، معاوضةً أو تبرعاً ، وبالتالی یسری هذا التصرف على الورثة ولو لم یبق لهم من مال مورثهــم شیء. إلا أنه إذا کان التصرف وصیة وهی عبارة عن هبة مضافة إلى ما بعد الموت لا تکلف الموصی حال حیاته شیئاً فقد یوصی الإنسان بجمیع أمواله لآخر ولا یضار من هذا التصرف غیر الوارث ، وبالتالی فقد قید المشرع هذا النوع من التصرف بما لا یزید عن ثلث ترکته ، فإن زاد عن هذا الحد اعتبر المشرع الخلف العام بالنسبة لهذا القدر الزاید ( من الغیر ) فلا تسری فی حقه هذه الزیادة .
الفرع الثانی
سریان أثر العقد بالنسبة للخلف الخاص
أولاً : تعریف الخلف الخاص :
الخلف الخاص هو من یتلقى من غیره ملکیة شیء معین بالذات أو حقاً عینیاً على هذا الشیء ، فالمشتری یعد خلفاً خاصاً للبائع والموهوب له یعتبر خلفاً خاصاً للواهب والمرتهن یعد خلفاً خاصاً للراهن وهکذا .
ثانیاً : متى ینصرف أثر العقد إلى الخلف الخاص :
تنص المادة (142) الفقرة ثانیاً من القانون المدنی العراقی ( إذ أنشأ العقد التزامات وحقوقاً شخصیة تتصل بشیء ، انتقل بعد ذلک إلى خلف خاص فی الوقت الذی ینتقل فیه الشیء إذا کانت من مستلزماته وکان الخلف الخاص یعلم بها وقت انتقال الشیء إلیه ) . یتضح من هذا النص وجوب توافر الشروط الثلاثة الآتیة :
- أن یکون تصرف السلف مرتبطاً بالشیء أو بالحق الذی تلقاه الخلف .
فإذا لم تکن للتصرف صلة ما بالشیء أو بالحق ، کما لو کان السلف قد عقد مشارطة تأمین على حیاته أو عقد قرضاً ثم باع منزلاً یملکه فلا شأن البتة للمشتری بعقد التأمین أو القرض .
- أن یکون الخلف الخاص قد علم بما ینتقل إلیه من حقوق والتزامات .
أما استطاعة العلم فلا تکفی فی هذا المجال لدقة الموضوع . وأهمیة هذا العلم تظهر بنوع خاص فی انتقال الالتزامات ، کونها قیوداً على ملکه فمن العدل أن یکون عالماً بها وقت انتقالها إلیه .
ویبرز التساؤل فی هذا الصدد عن وضع الدائنین ، فهل یعتبر الدئن خلفاً عاماً أم خاصاً للمدین ؟
فی الواقع نتفق مع الدکتور محمود جمال الدین زکی فی الإجابة عن هذا التساؤل ، وبالتالی یمکن القول إن الدائن لیس خلفاً عاماً ، کونه لا یتلقى مجموع حقوق مدنیة ، باعتبارها وحدة معنویة ، أو نسبة معینة منها ، ولیس خلفاً خاصاً لأنه لا یتلقى حقاً قائماً فی ذمة سلفه ، ومع ذلک یتأثر الدائن بالعقود التی یبرمها مدینة ، فإن ترتب علیها زیادة أمواله ، قوى ضمانة ، وإن نجم عنها نقص أحواله ضعف ضمانه .
وإذا کان الدائن یتأثر بتصرفات مدینة التی یترتب علیها نقص أمواله ، وبالتالی تنعکس علیه آثار هذه التصرفات ، حیث یضعف الضمان العام – فإن المشرع لم یترک الدائن بغیر حمایة إزاء التصرفات الضارة به ، متى کان المدین مهملاً فی الحصول على حقوقه ، أو سیء النیة فی إنقاص أمواله ، أو کانت تلک التصرفات صوریة ولیست حقیقیة ، حیث أجاز المشرع للدائن وبشروط معینة استعمال الدعوى غیر المباشرة والدعوى البولیصیة ودعوى الصوریة .
- أن یکون عقد السلف سابقاً على التصرف الذی انتقل به الحق إلى الخلف الخاص .
حیث یتعین أن یکون العقد الذی أبرمه السلف سابقاً فی إبرامه على التصرف الذی تحقق به الاستخلاف ، لکن إذا کان لاحقاً على هذا التصرف فإن الخلف الخاص یکون أجنبیاً تماماً عن هذا العقد ولا ینصرف أثره إلیه . بمعنى یتعین لنکون بصدد أسبقیة أن یکون عقد السلف ثابت التاریخ .
ویثار تساؤل آخر فی هذا الصدد یتعلق بالشرط الأول وهو متى یکون تصرف السلف مرتبطاً بالشیء أو بالحق حتى یسری فی حق الخلف الخاص له أو علیه ؟
فی الواقع وضع معیار یستعان به فی هذا الشأن ، وهو أن یکون ما ولده تصرف السلف من حقوق والتزامات من مستلزمات الشیء أو الحق الذی تلقاه الخلف الخاص، وبالتالی تعتبر الحقوق من مستلزمات الشیء إذا کانت مکملة له بمعنى أن من شأنه أن یقویه أو أن یدرأ عنه ضرراً أو أن یزید من قیمته ومنافعه ، من ذلک إذا اشترى شخص متجراً واشترط على البائع عدم فتح متجر آخر لمنافسته ثم باع المتجر فإن حقه فی عدم المنافسة ینتقل إلى المشتری الثانی ، لکون من شأن هذا الحق أن یدرأ ضرراً عن المتجر وأن یزید من قیمته ومنافعه .
کما أن الالتزامات تعد محددة للشیء إذا کان من شأنه
أن یلزم السلف باستعمال ملکه على نحو معین أو أن یغل یده عن استعمال بعض حقوق المالک ، من ذلک مثلاً إذا اشترى شخص قطعة أرض مقسمة إلى قطع لبناء الدور واشترط علیه البائع أن یکون البناء على نحوٍ معین ، أو أن لا یبنی نوعاً معیناً من البناء کمقهى أو ملهى ، ثم باع المشتری قطعة الأرض ، فالتزامه بالبناء على النحو المتفق علیه أو بعدم بناء مقهى أو ملهى ینتقل إلى المشتری .
أما إذا لم یکن الالتزام أو الحق من مستلزمات ما استخلف فیه الخلف الخاص من ذلک مثلاً إذا کان بائع الأرض قد تعاقد مع مقاول لیقیم بناء ، أو کان بائع سیارة قد استأجر لها ( جراجاً ) أو سائقاً أو کان قد أمن ضد الحوادث التی تصیب الغیر ، فإن الحقوق والالتزامات التی رتبها عقد السلف مع المقاول أو مؤجر ( الجراج ) أو سائق أو شرکة التأمین لا تنتقل إلى الخلف الخاص .
بشرط أن یراعى أن المسألة فی النهایة من مسائل الواقع التی یکشف عنها قاضی الموضوع ویقضی بها بلا رقیب . کما یراعى أن الالتزام أو الحق الذی تلحظ فیه شخصیة السلف لا ینتقل إلى الخلف الخاص ، لکون الاعتبار الشخصی مانعاً من أن ترتب الخلافة أثرها .
المبحث الثانی
أثر العقد الإداری بالنسبة للغیر
نسلط الضوء فی هذا المبحث على أثر العقد بالنسبة للغیر فی مجال العقود المدنیة ، ثم نتناول أثر العقد بالنسبة للغیر فی مجال العقود الإداریة.
المطلب الأول
أثر العقد بالنسبة للغیر فی العقود المدنیة
القاعدة العامة :إن الغیر الأجنبی لا یتأثر بعقد یبرمه غیره ولا تسری بحقه آثار من ذلک العقد ، فلا یتحمل من جرائه التزامات وقد لا یکسب من ورائه حقوق . وقد عبر المشرع العراقی فی القانون المدنی عن هذا المبدأ فی المادة ( 152 ) التی نصت على أنه ( أن العقد لا یمکن أن یرتب التزاماً فی ذمة الغیر ، ولکن یجوز أن یکسبه حقا ) .
من خلال نص المادة أعلاه یتبین أنها تتضمن البحث فی قاعدتین مختلفتین تعتمد الأولى على الجانب السلبی المتمثل بعدم سریان ما ینتج عن العقد من التزامات تجاه الغیر الذی لم یکن طرفاً فی العقد ، ویعد التعهد عن الغیر تطبیقاً منه لهذه الفکرة .
أما الجانب الآخر من القاعدة المتمثل بجواز اکتساب الغیر حقوقاً من العقد الذی لم یکن طرفاً فیه فیتمثل فی الاشتراط لمصلحة الغیر ، الذی یعد الاستثناء الحقیقی على قاعدة نسبیة أثر العقد ، بمعنى عدم انصرافه لغیر المتعاقدین .
ومن هذا المنطلق ولکون الاشتراط لمصلحة الغیر یشکل استثناءً حقیقیاً على قاعدة نسبیة أثر العقد من حیث الأشخاص ، لکون أن العقد یرتب حقاً مباشراً فی ذمة شخص ثالث لم یکن طرفاً فیه أو خلفاً عاماً أو خاصاً لأی من أطرافه .
لذلک سنسلط الضوء على هذا المفهوم فی هذا المطلب ، على النحو الآتی :
الفرع الأول
مفهوم الاشتراط لمصلحة الغیر
أولاً : تعریفه :
یعرف الاشتراط لمصلحة الغیر بأنه قیام شخص بالتعاقد باسمه الخاص على التزامات یشترطها لمصلحة الغیر الذی لم یکن طرفاً فی العقد ، وتکون له فی تنفیذ هذه الالتزامات مصلحة شخصیة سواء أکانت مادیة أم أدبیة .
فالاشتراط لمصلحة الغیر إذن هو تصرف قانونی یتم بین شخصین إلا أن تنفیذه یتعلق بثلاثة أشخاص هم العاقدان والشخص الثالث الذی یشترط له الحق ویقال له المنتفع ، أما المتعاقدان فأحدهما یقال له ( المشترط) وهو الذی اشترط الحق ، والآخر یقال (المتعهد) وهو الذی التزم بإعطاء الحق للمنتفع .
وخیر مثال على موضوع الاشتراط لمصلحة الغیر عقد التأمین ، فمثلاً قد یقوم الأب بالتأمین على حیاته لمصلحة أولاده فیکسبهم من هذا العقد حقاً قبل شرکة التأمین إذا توفی خلال المدة الساری فیها العقد .
الفرع الثانی
تمییز الاشتراط لمصلحة الغیر عن التعهد عن الغیر
أساس الاشتراط لمصلحة الغیر یختلف عن أساس التعهد عن الغیر ، أن الاشتراط لمصلحة الغیر لا یتضمن عقدین کالتعهد عن الغیر ، بل هو لا یشتمل إلا على عقد واحد تم بین المشترط والمتعهد ، والمنتفع إنما یکسب حقه من هذا العقد بالذات ، أی من عقد لم یکن طرفاً فیه .
الفرع الثالث
شروط تحقق قاعدة الاشتراط لمصلحة الغیر
حتى یتحقق الاشتراط لمصلحة الغیر ، یجب أن تتوافر شروط ثلاثة وهی على النحو الآتی :
الشرط الأول : المشترط یتعاقد باسمه لا باسم المنتفع :
هذا هو الذی یمیز الاشتراط لمصلحة الغیر عن النیابة ، فالنائب وکیلاً کان أو ولیاً أو فضولیاً ، یتعاقد باسم الأصیل ، أما المشترط فیتعاقد باسمه .
وبذلک یختلف المشترط عن الفضولی ، فالمشترط یتعاقد باسمه کما ذکرنا سلفاً ، فی حین أن الفضولی یتعاقد نیابةً عن رب العمل . ویترتب على التمییز بین المشترط والفضولی نتائج مهمة منها :
أولاً : یجب أن یکون للمشترط مصلحة شخصیة کونه یتعاقد باسمه ، أما الفضولی فهو على العکس من ذلک حیث یجب أن لا تکون له مصلحة شخصیة فی إدارة شؤون رب العمل .
ثانیاً : کل شخص یستطیع أن یشترط لمصلحة الغیر ما دامت له مصلحة شخصیة فی ذلک ولیس کل شخص یستطیع أن یدیر عمل الغیر عن طریق الفضالة إذ لابد من قیام ضرورة تقضی بذلک .
الشرط الثانی : أن یکون للمنتفع حق مباشر :
فی هذا الحق المباشر تتجلى الفکرة الأساسیة فی الاشتراط لمصلحة الغیر . إلا أنه لکی یکسب المنتفع حقاً مباشراً یجب أن تنصرف إرادة العاقدین إلى تخویله ذلک الحق شخصیاً .
أما إذا کان العقد یخول منافعه للعاقد ، فی ذات الوقت الذی یفید منه الأجنبی فلا نکون بصدد اشتراط ، کما إذا أمن صاحب السیارة ضد الحوادث ، فإنه یعقد عقداً لا اشتراط فیه لأنه إنما یشترط لمصلحته لا لمصلحة المصاب ، وإن أفاد هذا من مبلغ التعویض الذی یستولی علیه المؤمن له من شرکة التأمین والذی سیزاحمه فیه غیره من الدائنین .
الشرط الثالث : المشترط له مصلحة شخصیة فی الاشتراط للغیر :
حیث یجب أن یکون لمن اشترط لمصلحته مصلحة مادیة أو أدبیة من هذا الاشتراط، أما إذا لم تکن له مصلحة أو کانت له مصلحة غیر مشروعة من هذا الاشتراط فذلک غیر جائز . والمصلحة الشخصیة هی الفرق الجوهری ما بین الفضالة والاشتراط لمصلحة الغیر. واستناداً الى ذلک فإنه یصح التأمین لمصلحة الزوجة والأولاد وکذلک الاشتراط لمصلحة الفقراء أو العجزة أو لأی عمل آخر من أعمال البر لوجود المصلحة الأدبیة للمشترط ، إلا أنه لا یعتد بعاشقٍ یؤمن على حیاته لمصلحة عشیقته لعدم وجود المصلحة المشروعة ، ویفترض أن فی الاشتراط مصلحة مشروعة للمشترط حتى یثبت العکس .
یتضح مما تقدم أنه إذا توافرت الشروط المذکورة آنفاً صح الاشتراط أو العقد دون أن یشترط أن تقوم الأهلیة لدى المنتفع لأنه لیس طرفاً فی العقد ، والحق الذی یکتسبه من الاشتراط لا یتوقف على إرادته .
الفرع الرابع
أحکام الاشتراط لمصلحة الغیر
تتحدد أحکام الاشتراط لمصلحة الغیر فی علاقات ثلاث ، تنشأ بالاشتراط ، هی علاقة المشترط بالمتعهد ، وعلاقة المنتفع بالمشترط ، وعلاقة المنتفع بالمتعهد .
أولاً : علاقة المشترط بالمتعهد :
هذه العلاقة یحکمها عقد الاشتراط ، ومن حق کل منهم أن یطلب من الآخر الوفاء بالتزامه ، ففی عقد التأمین مثلاً یلتزم المشترط بأن یدفع للمتعهد ( شرکة التأمین ) أقساط التأمین فی مواعیدها وتلتزم شرکة التأمین بأن تقوم بما علیها من التزام کدفع قیمة مبلغ التأمین مثلاً . ولما کان للمشترط مصلحة شخصیة فی التزام المتعهد نحو المنتفع فإن له أن یراقب تنفیذ هذا الالتزام لأنه لیس أجنبیاً عنه ، کما أن له رفع دعوى باسمه لا باسم المنتفع .
ثانیاً : علاقة المشترط بالمنتفع :
وقد یکون المشترط باشتراطه لمصلحة المنتفع أراد أن یتبرع له ، وقد یکون أراد أن یعاوضه .
فإذا کان المشترط أراد التبرع للمنتفع ، کانت العلاقة بینهما هی علاقة الواهب بالموهوب له . إلا أن الهبة هنا لا یشترط فیها الشکل ، کونها هبة غیر مباشرة ، ولکن الأحکام الموضوعیة للهبة تسری ، فیجب توافر أهلیة التبرع فی المشترط ، وإذا صدر الاشتراط فی مرض موت المشترط أخذت الهبة حکم الوصیة ، کما یجوز الطعن فیها بالدعوى البولیصیة ولا یشترط فی ذلک سوء نیة المنتفع لأنه موهوب له .
أما إذا کان المشترط لا یرید التبرع ، فالعلاقة بینه وبین المنتفع یحددها موقف الأول من الثانی بحسب الأحوال ، فقد یکون المشترط مدیناً للمنتفع واشترط له وفاء لدینه ، وقد یکون أراد إقراض المنتفع عن طریق الاشتراط لمصلحته ، وبالتالی تطبق فی الحالة الأولى أحکام الوفاء ، وفی الحالة الثانیة أحکام القرض .
ثالثاً : علاقة المنتفع بالمتعهد :
تعد هذه العلاقة أهم ما فی الاشتراط لمصلحة الغیر لأنها هی التی تسبغ علیه طابعه الخاص کاستثناء من قاعدة نسبیة أثر العقود وعدم انصرافه إلى غیر المتعاقدین ، إذ ینشأ عن هذه العلاقة التی تقوم بین المنتفع وبین المشترط " حق مباشر " للمنتفع مصدره عقد الاشتراط ، وهنا یظهر خروج على قاعدة نسبیة أثر العقود ، فالمنتفع وهو لم یکن طرفاً فی عقد الاشتراط ومن الممکن أن یکون غیر موجود أصلاً وقت الاشتراط أی قد یکون شرطاً مستقبلاً أو جهة مستقبلیة وقد یکون شخصاً أو جهة لم تعین بالذات وقت العقد متى کان تعیینهما مستطاعاً عند إنتاج العقد أثره .
ویترتب على أن للمنتفع حقاً مباشراً تلقاه من عقد الاشتراط ولم ینتقل إلیه النتائج الآتیة :
أولاً : لیس لدائنی المشترط شأن بهذا الحق حال حیاته أو بعد وفاته بل ینفرد به المنتفع وحده ، فهذا الحق لا یدخل فی ذمة المشترط حال حیاته ، ولا یدخل أیضاً فی ترکته بعد وفاته .
ثانیاً : لا یجوز لدائنی المشترط ( حال حیاته ) التنفیذ على الحق الذی اشترطهم مدینهم للمنتفع ، ولا یجوز لهم أن یستعملوا حق مدینهم فی نقض الاشتراط لکون أن حق النقض هذا إرادة لا یملکها غیر المشترط وحده .
الفرع الخامس
الاشتراط لمصلحة الغیر والعقود الإداریة
السؤال الوارد فی هذا المجال هو : هل بالإمکان تطبیق نظریة الاشتراط لمصلحة الغیر فی مجال العقود الإداریة ؟
فی الواقع إن الاستناد الى هذه النظریة فی نطاق العقود الإداریة لا یمکن الأخذ به للأسباب الآتیة :
أولاً : یشترط لتطبیق نظریة الاشتراط لمصلحة الغیر أن یکون المستفید معیناً أو ممکن التعیین وهذا أمر متعذر فی العقود الإداریة . لأن الجهة الإداریة تستطیع فی کل وقت أن تتدخل فی عقود الامتیاز مثلاً وأن تعدل شروط الانتفاع فتدخل فیها طوائف جدیدة أو تنقص من الطوائف القدیمة .
ثانیاً : قد تکون النظریة صالحة فی بعض الحالات لتفسیر امتداد العقد للغیر ومنحه بعض المزایا ، إلا أنها لا تصلح للتی یرتب فیها العقد الإداری أعباءً على الغیر .
ثالثاً : یترتب على الأخذ بالنظریة أن المستفید یثبت حقه نهائیاً لمجرد التعاقد والاشتراط لمصلحته ، عکس العقود الإداریة التی تملک الإدارة أن تتدخل فی أحدها وهو عقد الامتیاز وأن تعدل من الرسوم التی یتقاضاها الملتزم من المنتفعین بالزیادة أو النقص ویسری هذا التعدیل على الجمیع .
رابعاً : یترتب على الأخذ بهذه النظریة أن یکون للغیر حق مباشر کما أسلفنا ، ویکون له الحق فی رفع الدعاوى المختلفة على المتعهد ، ولکن لا یکون له حق مقاضاة الطرف الآخر ، إلا أن بعض العقود الإداریة وخاصةً عقد الامتیاز یعطی للمستفید حقوقاً أکثر من ذلک ویسمح له برفع الدعاوى على الجهة الإداریة المتعاقدة .
لکننا نتفق مع الدکتور سلیمان الطماوی أنه لیس ثمة مانع یحول دون تطبیق هذه النظریة فی مجال العقود الإداریة بشرط مراعاة أحکامها التی أشرنا إلیها سلفاً فی القانون المدنی ، إلا أن هذه النظریة لا تصلح أساساً لتبریر امتداد آثار الغیر لا فی مجال عقود الامتیاز ، ولا فی الحالات التی لا تتوافر فیها الشروط الواردة فی المجموعة المدنیة .
المطلب الثانی
أثر العقد بالنسبة للغیر فی العقود الإداریة
قد یثأر تساؤل هل بالإمکان سریان القواعد المطبقة على الغیر فی القانون الخاص على معنى الغیر فی العقود الإداریة ؟ بمعنى هل ینطبق معنى الغیر فی مجال العقود المدنیة على العقود الإداریة ؟
وللخصوصیة التی تتمتع بها العقود الإداریة ، نرى أن معنى الغیر یختلف نوعاً ما عن ما تم الإشارة إلیه سلفاً تجاه الغیر فی مجال العقود المدنیة . وبالتالی توجد صعوبة فی تحدید الغیر کون أحد أطرافه تکون إحدى الجهات الإداریة . لذلک أثیر التساؤل عن ما هی الجهات الإداریة التی تعد من الغیر بالنسبة للعقود الإداریة ؟
وفی الواقع أن الغیر فی مجال العقود الإداریة قد یکونوا من أشخاص القانون الخاص، أو قد یکونوا من أشخاص القانون العام . لذلک سنسلط الضوء فی هذا المطلب على الغیر من أشخاص القانون الخاص فی الفرع الأول ، فی حین نتناول فی الفرع الثانی الغیر من أشخاص القانون العام .
الفرع الأول
الغیر من أشخاص القانون الخاص
یمکن تقسیم الأشخاص من حیث علاقتهم بالمرافق العامة إلى ثلاث طوائف :
الطائفة الأولى :
یشمل الأفراد الذین یتولون المرافق العامة والمشروعات العامة أو یعملون فی خدمتها، وهؤلاء هم الذین یطلق علیهم الیوم اصطلاح العاملون فی المرافق العامة والمشروعات العامة ، ویدخل فی عداد هذا القسم على وجه التحدید العاملون فی الوزارات والمصالح ووحدات الإدارة المحلیة والهیئات العامة والمؤسسات العامة وما یتبعها من شرکات عامة .
ولم یثر خلاف بشأن العاملین فی الوزارات والمصالح ووحدات الإدارة المحلیة والهیئات العامة سواء من حیث صفتهم العامة أو من حیث تکییف علاقتهم بالدولة فضلاً عن الأشخاص الإداریة العامة . وبالتالی یعدون باتفاق الفقه والقضاء موظفین عمومیین ، تربطهم بالدولة علاقة قانونیة تنظیمیة ویخضعون فیما یتعلق بتحدید حقوقهم والتزامهم لأحکام القوانین التی تنظم شؤونهم .
أما بالنسبة للعاملین فی المؤسسات العامة وما یتبعها من شرکات عامة فقد اختلف الرأی بخصوص تحدید صفتهم وطبیعة العلاقة التی تربطهم بالشرکة العامة أو المؤسسة العامة أو التی یعملون فی خدمتها .
الطائفة الثانیة :
یشمل الأشخاص الذین یعاونون فی تنفیذ المرافق العامة والمشروعات العامة سواء بالاشتراک فی العمل مع السلطات والهیئات القائمة على إدارة هذه المرافق والمشروعات أو بالانفراد بالقیام ببعض الأعمال لمصلحة المرافق العامة والمشروعات العامة .
من ذلک مثلاً الأشخاص الذین یتعهدون بتورید مواد وأدوات لازمة للمشروع العام ومتعهدو النقل الذین یعهد إلیهم بنقل الأدوات أو المهمات وغیرها من المنقولات لمصلحة المرفق العام أو المشروع العام .
ونتفق مع الدکتور فکری أحمد سنجر بأن هؤلاء الأشخاص وأمثالهم یعتبرون فی علاقتهم بالسلطة أو الشخص الإداری القائم على إدارة المرفق العام أو المشروع العام فی مرکز تعاقدی تنظم حقوقهم وواجباتهم وفقاً لشروط التعاقد وبالرجوع الى طبیعة العقد المبرم بینهم وبین المرفق أو المشروع وما إذا کان یعتبر عقداً مدنیاً أو عقداً إداریاً .
وبالتالی فإن من الطبیعی أن یستخدم ملتزم المرفق العام مجموعة من العاملین یساهمون بمساعدتهم فی تنفیذ واجباتهم تجاه الإدارة ، وبالتالی فإن أولئک الأشخاص یعدون من الغیر بالنسبة لعقد امتیاز المرفق العام . أما بخصوص الأشخاص الذین یستخدمهم الملتزم فی عقد المرفق العام فإن هناک اختلافاً بین الفقهاء تجاه مرکزهم القانونی .
حیث عدهم الفقیه الفرنسی ( دیجی ) موظفین عمومیین ولاسیما فی المرافق العامة الحیویة کمرفق السکک الحدید والنقل ، واستناداً إلى هذا الرأی فإن أولئک العاملین یخضعون للقوانین والأنظمة الخاصة بالموظفین .
فی حین رأى أغلب الفقهاء إلى اعتبار العاملین فی المرافق العامة المدارة بطریق الامتیاز عمالاً یخضعون لقانون العمل ویشغلون مرکزاً تعاقدیاً یخضع لأحکام القانون الخاص . وهذا هو الرأی الراجح ولاسیما أننا نکون فی مواجهة إرادتین الأمر الذی یعین کما رأینا أنهم یشغلون مرکزاً تعاقدیاً ، فی حین إن الموظفین یکونون فی مرکز تنظیمی تجاه الإدارة ، وبالتالی فمن الطبیعی أن یخضعوا للقوانین والأنظمة الخاصة بالموظفین ، وکما هو معلوم للجمیع أن تکییف علاقة الموظفین بالدولة هی علاقة تنظیمیة ، أی تحکمها القوانین والأنظمة ، حیث تحدد المرکز القانونی للموظف العام بما یتضمن من حقوق وواجبات بصرف النظر عن صفة شاغلی الوظیفة العامة وترتیباً على ذلک فإن قرار التعیین لا یخلق الوظیفة وإنما یتضمن إسناد الوظیفة للموظف المعنی فیباشر مسؤولیاتها وواجباتها وفقاً لما تقرره القوانین والأنظمة فی هذا الشأن .
الطائفة الثالثة :
تشمل هذه الطائفة الأفراد الذین یفیدون مما تحققه المرافق العامة والمشروعات العامة من نفع عام أو مما تقدمه من سلع وخدمات وهما قسمان :
القسم الأول :
یشمل الأفراد الذین یفیدون مما تحققه المرافق العامة والمشروعات العامة من مصلحة عامة لا یقصد منه إفادة فرد بذاته أو جماعة معینة من الناس بل یقصد منه إفادة المجتمع بصفة عامة دون تحدید أو تخصیص .
وبالتالی فإن المصلحة العامة التی تفید هذا القسم من الأشخاص لا یتحقق عن طریق تقدیم حاجة معینة لشخص بذاته أو أشخاص معینین بذواتهم بل یتحقق عن طریق ما یشیعه إنشاء المرافق العامة من نظام وعدل وتنمیة اقتصادیة وتقدم فی جمیع أنحاء الدولة، بحیث ینال کل شخص مقیم على أرض الدولة حصته منه بطریق غیر مباشر بحکم وجوده فی دولة متقدمة تحققت لها کل وسائل القوة والرخاء والتقدم الاقتصادی والاجتماعی والسیاسی .
وهذه المصلحة العامة نراها متحققة فی مرافق الضبط الإداری التی تقوم باتخاذ إجراءات یکون هدفها المحافظة على النظام العام ، وکذلک مرافق الصحة والدفاع والقضاء من عدالة ورخاء فی أنحاء الدولة کافة .
لذلک یطلق على أعضاء هذا القسم اسم ( المستفیدون ) تمییزاً عن غیرهم ممن یستفادون من الخدمات التی تقدمها المرافق العامة . أما بخصوص المرکز القانونی للمستفید فإننا نتفق مع ما ذهب إلیه البعض ، من أن المستفید فی مرکز تنظیمی یحکمه قانون المرفق ، فهو یخضع لهذا القانون خضوعاً تاماً وللجهة الإداریة مطلق الحریة فی تعدیل قانون المرفق ونظامه .
القسم الثانی :
یتضمن الأشخاص الذین یفیدون مما تقدمه المرافق العامة من سلع وخدمات ، فضلاً عن خدمات مادیة محددة کوسائل النقل والکهرباء ، إلى جانب السلع الاستهلاکیة التی تقدم من قبل تلک المرافق لأفراد المجتمع کافة .
لکن وضع أشخاص هذا القسم یختلف فی حالتین ، فهم قد یکونون قد استفادوا فعلاً من الخدمة التی یقدمها المرفق ، أو قد تقرر لهم فعلاً حتى الحصول على ما یقدمه المرفق العام من سلع وخدمات ، على غرار الأفراد الذین یکونون قد تعاقدوا فعلاً مع مرفق الکهرباء أو المیاه على تورید النور أو المیاه ، لذلک یطلق علیهم مصطلح (المنتفعون) .
ورغم الخلاف الحاصل حول تحدید المرکز القانونی للمنتفعین ، فإننا نرى أنهم فی مرکز قانونی شخصی وأن علاقتهم بالمرفق تعد علاقة عقدیة ینظمها ویحددها عقد من عقود القانون الخاص .
لکن قد یکونون مجرد مرشحین للحصول على السلعة ، وبالتالی فإن هؤلاء یطلق علیهم اصطلاح ( المرشحون للانتفاع ) . وبالنسبة للمرکز القانونی لهؤلاء الأشخاص فإنهم یکونون دائماً فی مرکز قانونی عام یخضع لتعلیمات المرفق العام .
لکن بخصوص المرافق التی تدار بطریق الامتیاز ورغم الخلاف الحاصل بین القضاة والفقه حول المرکز القانونی ( للمرشحین للانتفاع ) ، إلا أن القضاء الفرنسی قد حسم هذه المسألة وأقر بحق طالب المنفعة فی الحصول على المنفعة المقررة فی عقد الامتیاز على أساس نظریة الاشتراط لمصلحة الغیر .
رغم أن البعض یرى عدم إمکانیة تطبیق شروط هذه النظریة بالنسبة لآثار العقد الإداری تجاه الغیر ، الأمر الذی یعنی أن المرشحین للانتفاع هم فی مرکز تنظیمی على المستفیدین یحکمه قانون المرفق .
الفرع الثانی
الغیر من أشخاص القانون العام
لا یثیر تحدید فکرة الغیر ( La notion de tiers ) أی صعوبة فیما یتعلق بالأشخاص الذین یتعاقدون مع الإدارة أو غیرهم ممن یمسهم العقد .
وبالتالی لما کانت هناک صعوبة بخصوص تحدید جهات الإدارة التی تعد من قبیل الغیر بالنسبة إلى عقد إداری معین ، کون أن مجلس الدولة الفرنسی قد عَّد فی تاریخ متقدم أن المرافق العامة تعتبر من الغیر بالنسبة إلى العقود الإداریة التی یبرمها مرفق معین ، وذلک بصرف النظر عن تمتع تلک المرافق بالشخصیة المعنویة ، وبالتالی تعتبر الوزارات الأخرى ، من الغیر بالنسبة إلى العقود التی یبرمها وزیر معین فیما یتعلق بشؤون وزارته .
لکن هذا الاتجاه هجره القضاء الإداری الفرنسی منذ فترة لیست بالقصیرة ، وبالتالی أصبحت فکرة الغیر فی نطاق العقود الإداریة بصورة خاصة ، ونطاق التنظیم الإداری بصورة عامة مرتبطة بفکرة الشخصیة المعنویة .
وبالتالی فإن جهة إداریة معینة لا تعد من قبیل الغیر بالنسبة إلى جهة إداریة أخرى إلا إذا کانت کل جهة فیها تابعة لشخص معنوی مستقل . فالوزارات لا تعتبر من الغیر بالنسبة إلى الدولة ، کون أن کل وزارة لا تتمتع بشخصیة مستقلة عن شخصیة الدولة ، إلا أن المحافظات والمراکز والمدن والأحیاء والقرى والهیئات العامة تعد من الغیر بالنسبة إلى الدولة ، فضلاً عن العقود التی یبرمها کل شخص عام من هذه الأشخاص .
وبالتالی إذا کانت الجهة الإداریة المتمتعة بالشخصیة المعنویة تتمتع باستقلال نسبی لکنها ترتبط برابطة عضویة تدریجیة مع مؤسسات الدولة ، وقد تلتزم جهة إداریة تعد من قبیل الغیر بتصرفات جهة معینة نتیجة مخالفة قواعد الاختصاص الإداری أو تجاوزها حدود الاعتمادات المالیة المخصصة لها ، فضلاً عن نظریة عمل الأمیر القائمة على أساس المخاطر الإداریة ، حیث تظهر فکرة الغیر بصورة جلیة فی هذه الحالات :
الحالة الأولى : مخالفة قواعد الاختصاص :
یقصد بقواعد الاختصاص تلک القواعد التی تحدد الأشخاص أو الهیئات التی تمتلک إبرام التصرفات العامة ، وهی قواعد تحمی المصلحة العامة . ومخالفة الاختصاص من حیث الموضوع تکون بمباشرة الجهة الإداریة اختصاصات لیست من أعمال الإدارة ، فیکون حال الإدارة فی هذه الحالة شبیهاً بحالة المتعهد عن الغیر . لکن قواعد الاختصاص تعد من النظام الذی لا یجوز الإتفاق على مخالفته ، وبالتالی فإن الشخص المتعاقد مع الجهة الإداریة غیر المختصة لا یمکن أن یستفید من ذلک العقد ولا یمکن الاحتجاج به على الغیر ما لم یکن حسن النیة وقد تلتزم الجهة الرئاسیة للإدارة المتعاقدة ، وهی من قبیل الغیر بالنسبة للعقد ویبقى حقها ثابتاً فی محاسبة الموظفین .
الحالة الثانیة : حالة تجاوز الإدارة لحدود مخصصاتها المالیة :
فی هذه الحالة أو عندما تقوم الجهة الإداریة بصرف أموال لتغطیة عقد إداری خارج نطاق الأبواب المخصصة لها ، وانسجاماً مع المنطق القانونی السلیم یجب إبطال آثار العقد ، إلا أن من الصعوبة إعادة الحال إلى ما کانت علیه عند تنفیذ العقد ، ومن أجل الحفاظ على الأوضاع الظاهرة قد تقوم الجهة الإداریة وهی تعد من الغیر بتلافی هذا التجاوز بإضافة اعتمادات جدیدة لغرض تغطیة نفقات العقد ، فالواقع أعطى للجهة الإداریة مجالاً الأمر الذی جعل آثار العقد تنصرف إلى جهات لیست أطرافاً فی العقد .
ویثار تساؤل ألا یشکل تلافی التجاوز الحاصل من قبل إدارة الاعتمادات المالیة مخاطرة وهدراً لأموال الدولة ؟
نقول إن الحفاظ على الأوضاع الظاهرة کما أسلفنا یشکل مصالح إیجابیة أکثر مما لو أبطل العقد بسبب هذا التجاوز ، فضلاً عن أن هناک ضمانات وضوابط یجب أن تکون لغرض تلافی التجاوز الحاصل من قبل الإدارة على الاعتمادات المالیة وأولها حسن النیة وبخلاف ذلک یمکن أن یشکل الأمر مخاطرة على أموال الدولة ، ویقع على عاتق الرقابة الإداریة والقضائیة دور کبیر فی معالجة هکذا حالات .
الحالة الثالثة : نظریة عمل الأمیر :
یعنی عمل الأمیر تدخل السلطة العامة المتعاقدة تدخلاً غیر متوقع یؤدی إلى جعل تنفیذ العقد الإداری أکثر تکلفة بالنسبة للمتعاقد معها . حیث تظهر فکرة الغیر فی هذه النظریة بشکل جلی .
ویقتضی تطبیق هذه النظریة فی نطاق العقود الإداریة تغیر الظروف بسبب إصدار الإدارة المتعاقدة بعض الإجراءات الإداریة المشروعة أثناء تنفیذ العقد الإداری ، الأمر الذی یؤدی إلى إخلال بالتوازن المالی للعقد – إلى إقرار حق المتعاقد فی الحصول على التعویض الذی یمکنه من تنفیذ التزاماته التعاقدیة وإعادة التوازن المالی للعقد إلى حالته الأولى قبل حلول هذه الإجراءات ، وذلک رغم عدم ارتکاب الإدارة خطأ ما .
ونتفق مع البعض ، الذی ذهب إلى القول إن من أهم الأمور التی یمکن الاستدلال بها على کون هذه الجهة الإداریة أو تلک تعد من الغیر بالنسبة للعقود التی تبرمها جهة إداریة أخرى هو تمتعها بالشخصیة المعنویة ، فکل شخص معنوی عام إقلیمیاً کان أو مرفقیاً یکون من الغیر تجاه تصرفات شخص معنوی عام آخر وإن ارتبط مع بعضه بعضاً بروابط الهرم الإداری .
المبحث الثالث
مدى خضوع العقد الإداری لقاعدة نسبیة أثر العقد
رأینا سلفاً أن العقد المدنی یخضع لقاعدة نسبیة العقد فی آثاره ، بمعنى أن العقد لا ینتج أثراً بالنسبة لغیر أطراف العقد إلا فی حالات محددة على سبیل الحصر ، وهذه الحالات هی الخلف العام والخلف الخاص ، وبشروط خاصة تمت الإشارة إلیها سلفاً .
وقد أثیر التساؤل بالنسبة للعقد الإداری هل تطبق علیه قاعدة نسبیة أثر العقد کالعقد المدنی ، وبالتالی لا ینتج أثراً إلا بالنسبة لطرفیه فقط ؟ بمعنى هل تخضع العقود الإداریة لقاعدة نسبیة أثر العقد شأنها فی ذلک شأن العقود المدنیة ، وبالتالی لا ینتج العقد الإداری أثراً إلا بالنسبة إلى للطرفین المتعاقدین فقط ؟
فی الواقع اختلف الفقه فی هذا الصدد ، بین مؤید لخضوع العقد الإداری لقاعدة النسبیة فی آثاره ، وما بین رافض لهذا الخضوع ، فضلاً عن وجود رأی توفیقی فی هذا الشأن . لذلک سنتطرق إلى هذه الآراء فی ثلاثة مطالب نخصص الأول للرأی الرافض لخضوع العقد الإداری لقاعدة نسبیة أثر العقد . فی حین نتناول فی المطلب الثانی الرأی المؤید لخضوع العقد الإداری لهذه القاعدة ، وأخیراً نتطرق فی المطلب الثالث إلى الرأی التوفیقی .
المطلب الأول
الرأی الرافض لخضوع العقد الإداری لقاعدة أثر نسبیة العقد
ذهب أنصار هذا الرأی إلى القول بأن العقد الإداری لا یخضع لقاعدة نسبیة أثار العقد المقررة فی القانون المدنی وذلک نظراً لطبیعة العقد الإداری .
کون أن العقد الإداری یعد عقداً یخضع فی بعض أحکامه لأحکام العقد المدنی ، إلا أنه وبطبیعة اتصاله بالمرافق العامة ولعلاقته بالسلطة العامة فإن الأمر یقتضی أفراده ببعض القواعد الخاصة به یغایر بها العقد المدنی . حیث إن آثار هذه العقود من الناحیة العملیة- تمتد إلى غیر المتعاقدین الذی لم یکن طرفاً فی العقد ، فتفرض علیه بعض الأعباء أو تمنحه بعض الحقوق والمزایا .
وفی هذا الشأن یرى الفقیه الفرنسی بکینو ( peqaignot ) أنه من غیر الجائز التقید بالقاعدة المدنیة التی تقضی بقصر أثار العقود على أطرافها ، کما أنه من غیر المجدی فی نظره محاولة اکراه نظریة الاشتراط لمصلحة الغیر المدنیة ، وتحویر أحکامها بحیث تصلح سنداً قانونیاً لتبریر الأثار التی تولدها العقود الإداریة فی مواجهة الغیر .
کون أن من طبیعة العقود أن تولد أثاراً فی مواجهة الغیر . لأن هذه العقود لیست إلا وسیلة من وسائل الإدارة فی سبیل تحقیق المصلحة العامة . وسواء تصرفت الإدارة عن طریق العقود الإداریة أو عن طریق غیرها من الوسائل . فإنها إنما تستعمل اختصاصاً تستمده من القوانین والأنظمة ، وبالتالی فإن من شأن ممارسة هذه الاختصاصات أن تولد حقوقاً والتزامات فی مواجهة الأفراد .
کما یرى الدکتور سلیمان الطماوی ، عدم امکانیة خضوع العقد الإداری لقاعدة نسبیة أثار العقد بقوله إن العقد الإداری یرتب فی کثیر من الحالات حقوقاً والتزامات بالنسبة إلى غیر المتعاقدین .
المطلب الثانی
الرأی المؤید لخضوع العقد الإداری لقاعدة أثر نسبیة العقد
ذهب أنصار هذا الاتجاه إلى القول بخضوع العقود الإداریة لنفس المبدأ المقرر فی القانون الخاص ، بمعنى أن العقد الإداری کالعقد المدین یخضع لقاعدة نسبیة أثر العقد، وبالتالی لا تمتد آثاره لغیر الطرفین المتعاقدین .
ومن هذا الرأی الفقیه الفرنسی دی لوبادیر ، حیث یستند إلى أحکام مجلس الدولة الفرنسی فی هذا الصدد ، وبالتالی یرى أن مبدأ نسبیة أثار العقد یعد أحد المبادئ العامة للقانون العام فی مجال العقود الإداریة ، ومن ثم فإن العقود الإداریة تخضع له على غرار العقود المدنیة .
المطلب الثالث
الرأی التوفیقی
هناک اتجاه ثالث اعتمد موقفاً توفیقیاً ، على خلاف الرأی الأول الرافض لخضوع العقود الإداریة لقاعدة نسبیة آثار العقد ، والرأی الثانی المؤید لخضوع العقود الإداریة لتلک القاعدة .
هذا الرأی تزعمه الدکتور إبراهیم طه الفیاض حیث یرى أن القاعدة العامة هو أن العقود الإداریة تکون خاضعة لقاعدة نسبیة آثار العقد ، لکن هذا الخضوع لیس مطلقاً، إذ یتحدد فی جوانب معینة فی العقد الإداری ، فی حین یخرج فی جوانب أخرى عن الخضوع لهذه القاعدة .
ونحن نمیل إلى الاتجاه الأول الرافض لخضوع العقد الإداری لقاعدة أثر نسبیة العقد، وبالتالی فإن آثار العقد الإداری لا تقتصر على طرفیه فحسب ، بل قد تمتد إلى غیر المتعاقدین الذین لم یکونوا فی العقد ، حیث إن العقد الإداری یفرض بعض الالتزامات على بعض الأشخاص على الرغم من أنهم لیسوا طرفاً فی العقد ، کون العقد الإداری یتصل بخدمة مرفق عام والمتعاقد مع الإدارة یساهم بدون شک فی تسییر هذا المرفق ، والإدارة قد ترى منح المتعاقد ولاسیما ملتزم المرفق العام بعض السلطات التی تخوله فرض بعض الأعباء على الأفراد بالرغم من أنهم یعتبرون من الغیر بالنسبة للعقد الإداری ومن ثم فإن التمسک الصارم بالقواعد القانونیة سیؤدی حتماًَ إلى إلحاق الضرر بالغیر ، وهذا فی الواقع ینسجم مع المنطق القانونی المجرد کون إبطال التصرفات التی أبرمت على هذا الظاهر لفقدت الثقة واضطربت المعاملات وأحجم الأفراد عن التعامل مع الإدارة مستقبلاً .
الخاتمة :
مـن خلال البحث فی موضوع قاعدة نسبیة أثر العقد ومدى سریانه على العقد الإداری / دراسة مقارنة . اتضحت أهم الاستنتاجات والتوصیات کما یأتی :
أولاً : الاستنتاجات :
- اتضح لنا من خلال الدراسة ، أنه بخصوص خضوع کل من العقد الإداری المدنی والعقد الإداری إلى قاعدة نسبیة أثر العقد ، تبین أن العقد الإداری یتمیز عن العقد المدنی فی أنه قد یرتب للغیر حقاً أو یحمله بعض الأعباء أو الالتزامات ، بمعنى أن آثار العقد الإداری لا تقتصر على طرفیه فقط ، بل تمتد فی بعض الحالات إلى الغیر الذی لم یکن طرفاً فی العقد . أما العقد المدنی فقد خلصنا إلى أن القاعدة العامة أن أثاره تقتصر على طرفیه ولا یمتد إلى الغیر ، واستثناءً من هذه القاعدة العامة تنصرف أثار العقد المدنی إلى الغیر الذی لم یکن طرفاً فی العقد فی حالة واحدة فقط وهی حالة الاشتراط لمصلحة الغیر .
- تبین لنا أن معنى الغیر لا یثیر أی صعوبة فیما یخص الأشخاص الذین یتعاملون مع المرفق العام موضوع العقد أو غیرهم ممن یمسهم العقد ، لأنه یطبق فی هذه الحالة نفس مفهوم فکرة الغیر فی مجال العقود المدنیة مع الأخذ بنظر الاعتبار الأحکام الخاصة بالخلف العام والخلف الخاص . إلا أن الصعوبة یمکن أن تثأر فی تحدید معنى الغیر بالنسبة للجهات الإداریة التی تعد من قبیل الغیر تجاه عقد إداری معین ، وذلک بسبب اختلاف الفقهاء فی هذا الصدد ، إلا أننا نتفق مع الرأی الذی یرى أن فکرة الغیر فی مجال العقود الإداریة مرتبطة بفکرة الشخصیة المعنویة .
ثانیاً : التوصیات :
إن القوانین الإداریة ولاسیما فی مجال العقود الإداریة لم تتطرق إلى إیراد نصوص تعالج بصورة واضحة وشاملة مسألة نسبیة أثر العقد ومدى سریانها على العقد الإداری إلا فی حالات نادرة ، لذلک یضطر دارسو القانون الإداری الى العودة إلى القواعد العامة فی القانون المدنی لرؤیة مدى إمکانیة انطباق تلک القاعدة على العقود الإداریة ، ولاسیما فیما یتعلق بمدى خضوع العقد الإداری لقاعدة نسبیة أثر العقد لذلک نوصی بالآتی :
- ندعو المشرع الإداری إلى إیراد النصوص القانونیة الوافیة التی تعالج مدى خضوع العقد الإداری لقاعدة نسبیة أثر العقد ، نظراً للخصوصیة التی یتمتع بها العقد الإداری کما أسلفنا ، لغرض التقلیل من رجوع دارسی القانون الإداری إلى القواعد العامة فی هذا المجال .
- ضرورة دعم فکرة أن العقود الإداریة لا تخضع لقاعدة نسبیة أثر العقد المقررة فی القوانین المدنیة ، کون أن العقد الإداری کما أسلفنا یتصل بخدمة مرفق عام ، والمتعاقد مع الإدارة یساهم بدون شک فی تسییر هذا المرفق ، فضلاً عن النظام القانونی الذی یخضع له العقد الإداری المختلف تماماً عن العقد المدنی .
The Author declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English) and References (French)
Sources :
First: Dictionaries:
1. The son of the perspective of Jamal al-Din Muhammad ibn Makram, the tongue of the Arabs, Part VI, the Egyptian House of authorship and publication, without history.
Second: Legal and Public Books:
Dr. Ibrahim Taha Al-Fayadh, Administrative Law, No., Al-Falah Library, Kuwait.
Dr. Ibrahim Taha Al-Fayyad, Administrative Contracts, University of Mosul.
3. Dr. Ahmed Heshmat Abu Setit, Theory of Commitment in the New Civil Law, Sources of Commitment, First Book, Second Edition, Egypt Press, 1954.
4. Anas Jafar, Administrative Contracts, Third Edition, 2003.
5. Dr. Anwar Sultan, Sources of Commitment, Dar al-Nahda al-Arabiya, 1983.
6. Dr. Hassan Ali Al-Thunoon, Dr. Mohammed Saeed Al-Riho, Al-Wakiz in Commitment Theory, Sources of Obligation (Comparative Study of Islamic Jurisprudence), Part One, First Edition, Amman, Dar Wael Publishing, 2002.
7. Dr. Sa'ad Al-Sharqawi, Administrative Contracts, Dar al-Nahda al-Arabiya, 1999.
8. Dr. Suleiman Al-Tamawi, General Principles of Administrative Contracts, (Comparative Study), Fourth Edition, Ain Shams University Press, 1984.
9. Dr. Shaba Tuma Mansour, Administrative Law, Part I, University of Baghdad, 1970-1971.
10. Dr. Assem Ahmed Ajila, Dr. Mohammed Refaat Abdul Wahab, Yemeni Administrative Law, Third Edition, Sana'a University, 1988.
11. Dr. Abdul Razzaq Al-Sanhoury, Al-Wajeez in explaining the Civil Law, Dar al-Nahda al-Arabiya, 1966.
12. Dr. Abdul Razzaq Al-Sanhoury, Al-Waseet in Explaining Civil Law, Part I, Volume I, The Contract, Dar al-Nahda al-Arabiya, 1981.
13. Dr. Abdel-Alim Abdel-Magid Musharraf, Limits of the Effect of the Administrative Contract on Others, Cairo University, 2003.
14. Dr. Abdul Qader Al-Far, Sources of Commitment, (Sources of Personal Rights in Civil Law), Dar Al-Thaqafa Library for Publishing and Distribution, Amman 1998.
15. Dr. Abdul-Majeed Al-Hakim, Abdul Baqi al-Bakri, Mohamed Taha Al-Bashir Al-Wakiz in the theory of commitment in the Iraqi civil law, part I, 1980.
16. Omar Helmi et al., General Principles in Administrative Contracts, Dar al-Nahda al-Arabiya, 1997.
17. Dr. Fakri Ahmed Singer, Major General Facilities, Regional Printing Press, Marrakech, 1984.
18.Mahar Saleh Allawi, Principles of Administrative Law, (Comparative Study), University of Baghdad, 1996.
19. Dr. Mohamed Mounir Al-Witri, Administrative Contracts and their Application Patterns, Part I, University Press, 1979.
20. Dr. Mahmood Jamal al-Din Zaki, General Theory of Commitment, Publishing House and Publishing Year Not Listed.
21. Dr. Nawaf Al-Kanan, Administrative Law (Second Book), Faculty of Law, University of Jordan, 2001.
Third: Letters and University Notes:
1. Sami Hassan Najm Al-Hamdani, The Effect of Administrative Contract on Others, Master Thesis, Faculty of Law, Mosul University, 2005.
Fourth: Laws:
1. The Iraqi Civil Code No. (40) for the year 1951.
2. The Egyptian Civil Code No. 131 of 1948.
3. French Civil Code No. (1804) amended.
4. Jordanian Civil Law No. (43) for the year 1976.
5. Lebanese Civil Law No. (84) for the year 1969.
Fifth: encyclopedias and judicial decisions:
1. Encyclopedia of administrative decision in the jurisdiction of the Egyptian Council of State, Part I, 2001.
2. The set of legal principles decided by the Egyptian Supreme Administrative Court, the Technical Office.
Sixth: French sources:
1 - Louis Rolland, pieces droit administratif, 1926.
2. Marcel Hourio, précis de droit administratif et de droit puplic, 1933.
المصادر :
أولاً : المعاجم :
1. أبن منظور جمال الدین محمد بن مکرم ، لسان العرب ، الجزء السادس ، الدار المصریة للتألیف والنشر ، بلا تاریخ .
ثانیاً : الکتب القانونیة والعامة :
1. د.إبراهیم طه الفیاض ، القانون الإداری ، ط بلا ، مکتبة الفلاح ، الکویت .
2. د.إبراهیم طه الفیاض ، العقود الإداریة ، جامعة الموصل .
3. د.أحمد حشمت أبو ستیت ، نظریة الالتزام فی القانون المدنی الجدید ، مصادر الالتزام ، الکتاب الأول ، الطبعة الثانیة ، مطبعة مصر ، 1954 .
4. أنس جعفر ، العقود الإداریة ، الطبعة الثالثة ، 2003 .
5. د.أنور سلطان ، مصادر الالتزام ، دار النهضة العربیة ، 1983 .
6. د.حسن علی الذنون ، د.محمد سعید الرحو ، الوجیز فی نظریة الالتزام ، مصادر الالتزام ( دراسة مقارنة بالفقه الإسلامی ) ، الجزء الأول ، الطبعة الأولى ، عمان ، دار وائل للنشر ، 2002 .
7. د.سعاد الشرقاوی ، العقود الإداریة ، دار النهضة العربیة ، 1999 .
8. د.سلیمان الطماوی ، الأسس العامة للعقود الإداریة ، ( دراسة مقارنة ) ، الطبعة الرابعة ، مطبعة جامعة عین شمس ، 1984 .
9. د.شابا توما منصور ، القانون الإداری ، الجزء الأول ، جامعة بغداد ، 1970 – 1971 .
10. د.عاصم أحمد عجیلة ، د.محمد رفعت عبد الوهاب ، القانون الإداری الیمنی ، الطبعة الثالثة ، جامعة صنعاء ، 1988 .
11. د.عبد الرزاق السنهوری ، الوجیز فی شرح القانون المدنی ، دار النهضة العربیة ، 1966 .
12. د.عبد الرزاق السنهوری ، الوسیط فی شرح القانون المدنی ، الجزء الأول ، المجلد الأول ، العقد ، دار النهضة العربیة ، 1981 .
13. د.عبد العلیم عبد المجید مشرف ، حدود انصراف أثر العقد الإداری إلى الغیر ، جامعة القاهرة ، 2003 .
14. د.عبد القادر الفار ، مصادر الالتزام ، (مصادر الحق الشخصی فی القانون المدنی) ، مکتبة دار الثقافة للنشر والتوزیع ، عمان 1998 .
15. د.عبد المجید الحکیم ، عبد الباقی البکری ، محمد طه البشیر ن الوجیز فی نظریة الالتزام فی القانون المدنی العراقی ، الجزء الأول ، 1980 .
16. عمر حلمی وآخرون ، المبادئ العامة فی العقود الإداریة ، دار النهضة العربیة ، 1997 .
17. د.فکری أحمد سنجر ، المرافق العامة الکبرى ، المطبعة الإقلیمیة بمراکش ، 1984.
18. د.ماهر صالح علاوی ، مبادئ القانون الإداری ، ( دراسة مقارنة ) ، جامعة بغداد ، 1996 .
19. د.محمد منیر الوتری ، العقود الإداریة وأنماطها التطبیقیة ، الجزء الأول ، مطبعة الجامعة ، 1979 .
20. د.محمود جمال الدین زکی ، النظریة العامة للالتزام ، دار النشر وسنة النشر غیر مذکورتین .
21. د.نواف الکنعان ، القانون الإداری ( الکتاب الثانی ) ، کلیة الحقوق ، الجامعة الأردنیة ، 2001 .
ثالثاً : الرسائل والأطاریح الجامعیة :
1. سامی حسن نجم الحمدانی ، أثر العقد الإداری بالنسبة إلى الغیر ، رسالة ماجستیر ، کلیة القانون ، جامعة الموصل ، 2005 .
رابعاً : القوانین :
1. القانون المدنی العراقی المرقم (40) لسنة 1951 .
2. القانون المدنی المصری المرقم (131) لسنة 1948 .
3. القانون المدنی الفرنسی المرقم (1804) المعدل .
4. القانون المدنی الأردنی المرقم (43) لسنة 1976 .
5. القانون المدنی اللبنانی المرقم (84) لسنة 1969 .
خامساً : الموسوعات والقرارات القضائیة :
1. موسوعة القرار الإداری فی قضاء مجلس الدولة المصری ، الجزء الأول ، 2001 .
2. مجموعة المبادئ القانونیة التی قررتها المحکمة الإداریة العلیا المصریة ، المکتب الفنی.
سادساً : المصادر الفرنسیة :
1 - Louis Rolland , pieces droit administratif , 1926 .
2- Marcel Hourio , précis de droit administratif et de droit puplic , 1933.
- عدد الزيارات للمقالة: 330
- مرات تحميل الملف الأصلي للمقالة: 335