الملخص
یحتل الامن الدولی موقعا متمیزا بین میثاق الأمم المتحدة وحقوق الإنسان لینهض معه سؤال عن طبیعته هل هو غایة فی ذاته یراد إدراکها أم هو وسیلة لتحقیق نتیجة اخرى ام هو نتیجة یتم التوصل إلیها فی ضوء تحقق أهداف بعینها یسعى الیها المجتمع الدولی من خلال ما تبذله المنظمات الدولیة والدول بشکل فردی او جماعی سواء فی المجال السیاسی او التعاون الاقتصادی والاجتماعی والثقافی والصحی وبواسطة المعالجات التی تضعها للمشاکل التی تعانی منها الشعوب فی المجالات أعلاه
أصل المقالة
الأمن الدولی بین میثاق الأمم المتحدة ومفاهیم حمایة حقوق الإنسان
International security between the Charter of the United Nations and the concepts of the
protection of human rights
نغم إسحاق زیا کلیة القانون / جامعة دهوک Naghem Isaac Zia College of law / University of Duhok Correspondence: Naghem Isaac Zia E-mail: |
(*) أستلم البحث فی 29/4/2007 *** قبل للنشر فی 4/7/2007.
(*) Received on 29/7/2007 *** accepted for publishing on 4/7/2007.
Doi: 10.33899/alaw.2007.160499
© Authors, 2007, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
مقدمة
یحتل الامن الدولی موقعا متمیزا بین میثاق الأمم المتحدة وحقوق الإنسان لینهض معه سؤال عن طبیعته هل هو غایة فی ذاته یراد إدراکها أم هو وسیلة لتحقیق نتیجة اخرى ام هو نتیجة یتم التوصل إلیها فی ضوء تحقق أهداف بعینها یسعى الیها المجتمع الدولی من خلال ما تبذله المنظمات الدولیة والدول بشکل فردی او جماعی سواء فی المجال السیاسی او التعاون الاقتصادی والاجتماعی والثقافی والصحی وبواسطة المعالجات التی تضعها للمشاکل التی تعانی منها الشعوب فی المجالات أعلاه.
والبحث فی مسألة الأمن الدولی بین المیثاق ومفاهیم حمایة حقوق الإنسان سیبین أولا طبیعته وثانیا العقبات التی تواجهه وثالثا أثره وتأثره بحقوق الإنسان التی لها بعدان فی الحمایة دولی وداخلی.ولاجل بیان هذه الامور قسمنا البحث الى مبحثین, الاول :الامن الدولی فی میثاق الامم المتحدة والثانی مفاهیم حمایة حقوق الانسان والامن الدولی.
المبحث الأول
الأمن الدولی فی میثاق الأمم المتحدة
یأتی الأمن الدولی فی میثاق الأمم المتحدة مرتبطا بمسالة السلم الدولی والاثنین یشکلان معا هدفا أساسیا فی سلم الأهداف المنصوص علیها فی المیثاق .
وفیما یتعلق بالامن الدولی فهو امر لایمکن تحقیقه ما لم یکن السلم الدولی متحققا فی العلاقات الدولیة وهو ما توضحه ف(1) م/(1)من المیثاق عندما قدمت السلم الدولی على الامن الدولی باشارتها الى ان هدف الامم المتحدة حفظ السلم والامن الدولیین الذی یعنی ان أی تهدید او خرق للسلم یؤدی بنتجیته الى خرق الامن الدولی، وتستمر هذه الفقرة فی التاکید على ان السلم هو شرط اساسی لتحقق الامن الدولی عندما فرضت على الامم المتحدة واجب اتخاذ التدابیر المشترکة الفعالة لمنع الاسباب التی تهدد السلم ولازالتها ولقمع اعمال العدوان وغیرها من وجوه الاخلال بالسلم ……فاین هو الامن الدولی من هذه التدابیر واعمال القمع؟الجواب ان الترکیز على السلم وحفظه وازالة الاسباب التی تهدده یعنی وبشکل مباشر حمایة وحفظ الامن الدولی وذلک وفق تسلسل العبارات التی وردت فی الفقرة "هدف الامم المتحدة حفظ السلم والامن الدولیین وتحقیقا لهذه الغایة تتخذ التابیر المشترکة الفعالة……وتتذرع بالوسائل السلمیة وفقا لمبادى العدل والقانون الدولی لحل المنازعات التی تؤدی الى الاخلال بالسلم او لتسویتها0
ولذلک قیل فی السلم الدولی" بانه منع وقوع الحرب او اعادة السلم الى نصابه اذا مانشبت الحرب اما الامن الدولی فینصرف معناه الى السعی نحو الانعتاق من حالة الخوف وذلک بایجاد الظروف الملائمة المصحوبة بشعور عام بوجود حالة من السلم المستقر وان تسودحالة من الطمانینة التی لایعکر صفوها شبح الحرب" .
ولکن ینبغی الاشارة الى ان السلم الدولی الذی هو شرط اساسی لتحقیق الامن الدولی لا یقوم فقط من خلال ابعاد شبح الحرب او اعادته بعد وقوعها . لان ف(1) کانت واضحة فی اشارتها الى واجب الامم المتحدة (بمنع الاسباب) التی تؤدی الى تهدید السلم او خرقه دون قصر هذه الاسباب على حالة الحرب فالعبارة عامة وتشمل الحروب سواء کانت دولیة ام داخلیة والانتهاکات التی تقع على حقوق الانسان والمشاکل الاقتصادیة او الاجتماعیة التی تعانی منها الشعوب التی تؤثر فی استقرارها وبالتالی فی الامن الدولی .
فمبادئ الامم المتحدة فی حفظ السلم الدولی لاتقتصر على اقامة السلام الظاهری والشکلی بتجنب الحروب وتجنب استخدام العنف الدولی بل تتجاوزه الى ماهو ابعد مدى واعمق اثرا فهذه المبادئ ترمی الى معالجة العلل والاسباب المؤدیة الى هذه الاحوال ومایشبههامن مواقف الاضطراب الدولی لازالتها ومواجهة اثارها لاقامة حالة من الطمانینة والاستقرار المسماة بالامن الدولی فی المیثاق.
و یعتمد النظام الشامل للامن الدولی على مجموعة من المکونات الاساسیة فی المجالات العسکریةو السیاسیة والاجتماعیة والاقتصادیة ،فالتعاون الانسانی الذی تشکل حقوق الانسان اساسا له یعد احد المکونات الاساسیة له وحل المشکلات الانسانیة والتوفیر الکامل لهذه الحقوق والحریات الاساسیة یتوقف الى حد کبیر على طبیعة علاقات الدول فی المجالات العسکریة والسیاسیة والاقتصادیة،اما فی المجال العسکری وهو یرتبط بالمکون الاول ،فان نبذ الحرب من حیاة المجتمع الدولی وخاصة الحرب النوویة سیؤمن کما اعلنت الجمعیة العامة للامم المتحدة فی دورتها(35)لعام 1981 اولا الحق فی الحیاة وهو الحق الاساسی للافراد والشعوب فمهما کانت حقوق الانسان مهمة واساسیة الا انها فی حالة الحرب النوویة وفناء الحضارة لن یکون لها أی معنى.ولایتوقف الامر عند الحروب بل ان اسس النظام الشامل للامن یقتضی خفض الاسلحة وازالتها تدریجیا ، ازالة الاسلحة النوویة والکیمیائیة خفض القدرات العسکریة للدول وخفض میزانیتها العسکریة وعدم السماح بنقل سباق التسلح الى الفضاء الخارجی وبتحقیق ذلک لن تنبذ الحروب فقط بل ستخلق ظروفا موضوعیة وضمانات للحقوق والحریات للانسان خاصة اذا تحررت المصادر الهائلة التی تنفق على سباق التسلح فی العالم لمعالجة المشاکل الانسانیة کالقضاء على الجوع والفقر ومکافحة الاوبئة والامیة وتوفیر مستوى معیشی ملائم ومسکن لکل انسان.
ولاتقل مکونات الامن السیاسیة اهمیة فی توفیر وضمان حقوق الانسان والمکونات هی احترام حق الشعوب فی اختیار طرق واشکال تطورها اتباع الحل السلمی للازمات والمنازعات الدولیة والاقلیمیة وتدعیم الثقة بین الدول ومکافحة الارهاب ، وکل هذا یرتبط بحقوق الانسان وحریاته وبحق الشعوب فی تقریر مصیرها الذی یعد احد اهم مبادى القانون الدولی العام.
ویدخل فی بناء الامن الدولی اهمیة العوامل الاقتصادیة کالغاء اشکال التفرقة العنصریة الاقتصادیة والضغط الاقتصادی والبحث المشترک لطرق التسویة العادلة للدیون واقامة نظام اقتصادی موحد واعداد مبادئ الاستخدام لجزء من الموارد الناتجة عن خفض المیزانیات العسکریة لمصلحة المجتمع الدولی.
کما یدخل ضمن المکونات المهمة لتحقیق الامن الدولی القضاء على الانتهاکات الجماعیة للحقوق والحریات کاعمال الابادة الجماعیة والتمییز العنصری وغیرها من اعمال الاضطهاد العرقی والقومی والدینی والتفرقة بین الافراد على هذا الاساس.
وسیستند تنفیذ هذه المکونات بالدرجة الاساسیة على الاسالیب التی تنتهحها الامم المتحدة فی العمل المبینة فی المیثاق بما تواجهه من عقبات تتمثل فی موقف الدول الدائمة العضویة فی مجلس الامن من هذه المکونات.
المطلب الثانی
أسالیب تحقیق الأمن الدولی
فرض المیثاق التزامات على عاتق الامم المتحدة والدول الاعضاء فیها تنفیذها یصب فی تحقیق الامن الدولی ودعمه یأخذ جانباً من هذه الالتزامات ومن جهة الامم المتحدة الطابع الوقائی وجانب اخر منها الطابع العلاجی لینهض من خلالها وسائل وقائیة واخرى علاجیة للامم المتحدة فی تحقیق الامن الدولی ، ومن جهة الدول فان الالتزامات الواقعة علیهم موزعة بین التزامات ایجابیة واخرى سلبیة تفضی فی حال الالتزام بها تحقیق الامن ودعمه.
اولا / اسالیب الامم المتحدة فی تحقیق الامن الدولی:
اوضحت ف(1) م (1) من میثاق الامم المتحدة ان قیام الامم المتحدة بمهاها فی حفظ السلام والامن الدولیین یقتضی منها اتخاذ تدابیر مشترکة وفعالة لمنع الاسباب التی تهدد السلم وازالتها الذی یعنی ان على الامم المتحدة ان لا تنظر المنازعات او تحولها الى منازعات مسلحة لکی تتدخل بل علیها ان تقوم باتخاذ اجراءات وقائیة لازالة الاسباب التی تؤدی الى حدوث التوتر او الاحتکاک الدولی واذا ما اندلعت المنازعات فعلى الامم المتحدة ان تحلها بالطرق السلمیة.
اذن النوع الاول الاسالیب الوقائیة التی یتحقق من خلالها الامن الدولی هی:
وهو الامر الذی یحقق استقرار الشعوب وطمانینتها فی حال واجهتها مشاکل وازمات اقتصادیة او اجتماعیة فستجد من یعینها على تجاوزها وحلها او التخفیف منها. وقد سبق ادراج هذا الامرفی میثاق الامم المتحدة صدور العدید من البیانات والاعلانات والمقترحات ثبت فیها الارتباط بین حمایة حقوق الانسان والسلم والامن الدولیین کاعلان الرئیس الامریکی خلال مداولات میثاق الاطلسی فی 1941ومااتفق علیه فی اعلان الامم المتحدةفی 1942 وفی مؤتمر دمبارتن اوکس فی 1944 واخیرا فی مؤتمر سان فرانسیسکو فی 1945 .
والى جانب ذلک تمتلک الامم المتحدة نوعاً ثانیاً من الاسالیب ذات طابع علاجی تعتمده وبواسطة مجلس الامن عندما یقع تهدید للسلم الدولی او اخلال به او عندما تقوم دولة بعمل من اعمال العدوان العمل الذی ینتج عنه خرق الامن الدولی ایضا.
ویمتلک مجلس الامن وبموجب الفصل السابع من المیثاق سلطة تقدیریة فی تقریر وقوع التهدید او الاخلال بالسلم او عمل العدوان واذا قرر ان المسالة المطروحه امامه شکلت تهدیدا او خرقا للسلم او هی عمل عدائی فله عند ذلک مجموعة من الوسائل لعلاجها وهی:
- تدابیر مؤقتة وهی التی نصت علیها م /40 من میثاق الامم المتحدة کوقف اطلاق النار ،عقد هدنة ، سحب قوات الاطراف المتنازعة الى مواقعها الاصلیة.
- تدابیر لاتتضمن استخدام القوة المسلحة کقطع الصلات الاقتصادیة والمواصلات الحدیدیة والبحریة والجویة والبریدیة والبرقیة وغیرها من وسائل الاتصالات وقطع العلاقات الدبلوماسیة وقفا جزئیا او کلیا وللمجلس ان یطلب تنفیذ هذه الاجراءات من الدول وعلیها الالتزام بما قرره المجلس انطلاقا من واجبها فی الامتناع عن مساعدة ایة دولة تکون الامم المتحدة قد اتخذت ضدها عملا من اعمال القمع.
- تدابیر تتضمن استخدام القوة المسلحة لحفظ السلم والامن الدولیین او اعادتهما الى نصابهما بعد ان تم الاخلال بهما.
ویتخذ المجلس هذه التدابیر سواء کان الامر الذی هدد السلم او الامن الدولیین او اخل بهما دولیا ام داخلیا ویستمد المجلس سلطته فی ذلک أی فیما یتعلق بالشان الداخلی من العبارة العامة التی وردت فی م/39 من میثاق الامم الامتحدة ( ان یقرر ما اذا کان قد وقع تهدید او اخلال بالسلم ) حیث لم تحدد هذه المادة المسائل التی ینتج عنها التهدید او الاخلال .
وکذلک نص ف(7) م(2) من میثاق الامم المتحدة التی نصت على ((لیس فی هذا المیثاق ما یسوغ للامم المتحدة ان تتدخل فی الشؤون التی تکون من صمیم السلطان الداخلی لدولة ما ، ولیس فیه ما یقتضی الاعضاء ان یعرضو مثل هذه المسائل لان تحل بحکم المیثاق ، على ان هذا المبدا لا یخل بتطبیق تدابیر القمع الواردة فی الفصل السابع)) فعجز هذه الفقرة یشیر الى حق مجلس الامن فی فرض تدابیر القمع حتى وان کان الامر لا یتعلق بنزاع بین دولة واخرى بل یتعلق بامور داخلیة داخل اقالیم الدول،ولا یشترط ان یکون الامر الداخلی نزاعاً مسلحاً داخلیاً فغیاب الحرب او النزاع المسلح بین دولتین او داخل اقلیم دولة بعینها لا یعنی بالضرورة استقرار السلم والامن الدولیین بما یعنی جواز نشوء اوضاع تتعلق بانتهاکات جسیمة لحقوق الانسان قد ترقى الى مصاف تهدید الامن الاقلیمی او الدولی وتجعل من الضروری لمجلس الامن ان یتدخل لوقف تلک الانتهاکات والمحاسبة علیها ، وکانت هناک سوابق لهکذا تدخل ففی عام 1965 طلب مجلس الامن من بریطانیا وجمیع الدول بقطع علاقاتها الاقتصادیة والدبلوماسیة مع رودیسیا وان تفرض علیها حظرا فی تزویدها النفط والسلاح وفی عام 1968 فرض علیها عقوبات شملت حظر جمیع الصادرات والواردات وقرر فی 1975 ان الوضع هناک یشکل تهدیدا للسلم والامن الدولیین بسبب العنصریة والانتهاکات المستمرة لحقوق الانسان.
وقرر المجلس فی عام1976 مسالة اخرى تعلقت بجنوب افریقیا اتخاذ تدابیر القمع الواردة فی الفصل السابع ضدها بسبب سیاسة الفصل العنصری التی مثلت تهدیدا خطیرا للامن الدولی وما رافقها من ممارسات قتل وقمع واسعة فقرر المجلس حظر التعاون الحربی مع هذه الدولة ، وهاتان الحالتان شکلتا سابقتین لاتخاذ تدابیر قمع بسبب انتهاکات جسیمة لحقوق الانسان هددت السلم والامن الدولیین .
ثانیا/اسالیب الدول فی تحقیق الامن الدولی:
تلتزم من جانبها الدول بـ:
فالامن من کل ما استعرضناه هو غایة یعمل على تنفیذها الامم المتحدة والدول . ولکنه فی ذات الوقت وسیلة لتحقیق غایة اخرى وهی حمایة حقوق الانسان وضمانها فمواد المیثاق ترسی علاقة بین تحقیق الامن الدولی والسلم الدولی وبین تحقیق التنمیة الاقتصادیة والاجتماعیة وبین احترام حقوق الانسان ، والدلیل على رغبة الدول التی اعدت المیثاق فی الربط بین السلم والامن الدولیین بعدهما وسیلة لضمان حقوق الانسان کلمة مندوب اورجوای ((ان السلام لا یجب ان ینظر الیه کهدف فی ذاته وانما یعد نقطة البدایة ووسیلة او اداة یمکن بواسطتها التوصل الى تحسین الظروف الاقتصادیة والروحیة لحیاة الشعوب والانسان.
فالواقع الذی یعیشه المجتمع الدولی .یظهر عدم تطبیق کثیر من نصوص المیثاق من جانب الدول المؤثرة فی العلاقات الدولیة فالدول الکبرى فی مجلس الامن للامم المتحدة القت بظلها على فعالیة نصوص المیثاق وخرقت وبالطریقة التی تدیر فیها علاقاتها مع الغیر قواعد اساسیة فی المیثاق فسیاسة دولة واحدة کالولایات المتحدة الامریکیة قسمت العالم الى قسمین انطلاقا من عبارة (من لیس معنا فهو ضدنا) وتجاوزت على الاصل الذی على کل دولة ان تلتزم به وهو تسویة المنازعات بوسائل سلمیة ، الامتناع عن استخدام القوة ، تنفیذ الالتزامات بحسن نیة ، تقدیم العون الى الامم المتحدة فی الاعمال التی تقوم بها وفقا للمیثاق لتحقیق اهدافها فی تنمیة العلاقات الودیة الذی سیؤدی الى حفظ السلم والامن الدولیین .
فبعد احداث ایلول 2001 اعلنت الولایات المتحدة حربها على الارهاب ومضت فی انها تعد نفسها فی حالة حرب بسبب الاعتداء الذی وقع علیها وان لها بالرد دفاعا عن نفسها وشرعت بحربها الاولى على افغانستان ورفضت أی شکل من اشکال التفاوض المباشر وغیر المباشر واستمرت بتنفیذ عملیاتها العسکریة والتهدید بها فی اماکن اخرى من العالم دون الرجوع الى مجلس الامن مما یشکل تجاوزاً على نصوص میثاق الامم المتحدة ، وبعد الاعلان الذی اصدره الرئیس الامریکی جورج بوش عن سیاسة دولته اتضحت الکیفیة التی ستسیر بها ((العلاقات الودیة !! بین الدول )) فقد تضمن خطابه ان الولایات ستواصل تحقیق هدفین کبیرین بتؤدة ودون هوادة:
الاول –اغلاق معسکرات التدریب وافشال مخططات الارهابین وتقدیمهم الى العدالة .
الثانی –منع الارهابین والحکومات التی تحاول ان تتزود بالاسلحة الکیماویة والجرثومیة والنوویة من تهدید الولایات المتحدة والعالم .
واعلن ان قواته تمکنت من القضاء على معسکرات تدریب الارهابین ولکن هناک معسکرات اخرى ما تزال موجودة فی عشرة بلدان اخرى على الاقل .
وخص فی خطابه ایران ووصفها بالخانقة لحریة شعبها ومصدرة للارهاب والعراق الذی یعلن عداءه للولایات ویساند الارهاب . وهی کلها عبارات یفهم منها جنوح الولایات الى وسیلة القوة فی علاقتها الدولیة على عکس ما نص علیه المیثاق .
اما عن تنفیذها لمبدأ حسن نیة الدول فی تنفیذ التزاماتها المترتبة علیها بموجب المیثاق ، فیظهر من خلال الحجج التی قدمتها هی وحلیفتها بریطانیا باستمرار تملک العراق لاسلحة الدمار الشامل واستحالة تعاونه مع المجتمع الدولی لتدمیرها ومساندته للارهاب لدعم مشروع القرار الذی تقدت به بریطانیا الى مجلس الامن وتحدید 17 اذار اخر موعد لقیام العراق بالوفاء بالتزاماته المبینة فی قرار مجلس الامن . فهاتان الدولتان تتمسکان بالسلم والامن الدولی وبامتلاک العراق للاسلحة التی تهددهما وکانه الدولة الوحیدة التی تمتلک هذه الاسلحة وتشهر بها فی وجه الدول الاخرى علما انه الى حد الان لم یکشف عن وجود هذه الاسلحة ومکانها متغاضین النظر عن اکثر الدول التی تهدد السلم والامن الدولیین بما تمتلکه من اسلحة دمار شامل (اسرائیل).
فکیف یمکن للامم المتحدة ان تکبح سیاسة هذه الدول ؟ تشکیلة مجلس الامن الذی یتکون من خمس دول کبرى دائمة العضویة تمتلک استخدام حق الاعتراض (الفیتو)على القرارات التی تصدر عن مجلس الامن شکلت الضمانة التی تم فیها صد جهود الدولتین دائمتی العضویة فی شن عملیات عسکریة تحت مظلة مجلس الامن بعد انقضاء الموعد المشهور (17 اذار 2003)ویذکر هنا موقف الصین وفرنسا وروسیا الاتحادیة التی اتجهت الى منح العراق مدة إضافیة لاکمال عمل المفتشین عن اسلحة الدمار الشامل وتهدید بعضها لاستخدام الفیتو فی حال اصدار بریطانیا والولایات المتحدة الى استصدار قرار بضرب العراق من مجلس الامن.
وبالرغم من ذلک قامت الحرب والعملیات العسکریة استهدفت العراق دون صدور قرار من مجلس الامن یسمح بمباشرتها ، فما هو موقف الامم المتحدة من ذلک والاجراء الذی یمکن ان تتخذه ضد الدولتین اللتین ارتکبتا اعمال عدوان على دولة صاحبة سیادة.
والجواب هو عجز الامم المتحدة فی ضوء هذه السیاسة الجانحة للقوة غیر المشروعة عن اتخاذ اجراءات قمعیة ضد هاتین الدولتین بسبب الامتیاز الممنوح لها فی میثاق الامم المتحدة (العضویة الدائمة + حق الفیتو) الذی سیعدم أی مشروع قرار او محاولة لاتخاذ اجراءات دولیة ضدها.
ولعل تحلیل الحجج والمبررات التی ساقتها الولایات المتحدة الامریکیة فی الحرب على العراق یعطی صورة واضحة للتناقضات بین الاسباب التی تسیقها لضرب الدول و بین السیاسة التی تنتهجها وبین المطلوب منها بعّدها دولة عضواً فی الامم المتحدة .
- امتلاک العراق اسلحة الدمار الشامل یشکل تهدیداً للسلم والامن الدولیین وللدول المجاورة بما یخالف میثاق الامم المتحدة وتطبیق الفصل السابع من المیثاق لتدمیر تلک الاسلحة , ولکن امتلاکها هی للاسلحة وحروبها على الارهاب وتهدیدها للدول لایشکل خرقا للسلم والامن الدولیین.
- اعادة ترتیب اوضاع الشرق الاوسط باقامة انظمة حکم دیمقراطیة بما یحفظ امن المنطقة والعالم والمصالح الامریکیة ، وبذلک تنصب نفسها ضابطا لمنطقة الشرق ، وتضرب کل الاتحادات الاقلیمیة العاملة فی المنطقة ونظام الامم المتحدة فی حفظ السلم وامن المجتمع الدولی بما فیه المنطقة التی خصصتها الولایات المتحدة الامریکیة.
المبحث الثانی
مفاهیم حمایة حقوق الإنسان والأمن الدولی
لحقوق الانسان بعدان اساسیان فی الحمایة هما البعد الدولی فی الحمایة والبعد الداخلی . یتضمن کل منهما خصائص اساسیة فی طریقة الحمایة واسلوبها ,ویتضح من خلالها طبیعة علاقتها بالامن الدولی واثرها فیه وهل ان الامن الدولی فی جانب اخر نتیجة تتحقق فی حال الالتزام بحقوق الانسان واحترامها . وسنبین ذلک فی مطلبین الاول عن االبعد الدولی للحمایة والامن الدولی اما الثانی فسیکون عن البعد الداخلی للحمایة والامن الدولی .
المطلب الأول
البعد الدولی للحمایة والأمن الدولی
أخذت حقوق الانسان مکانتها فی الحمایة الدولیة منذ عام 1945 عندما تضمن میثاق الامم المتحدة نصوصا تشیر الى حقوق الانسان وحمایتها واحترامها ، اهمها نص م (55) من المیثاق الذی یحمل الامم المتحدة المسؤولیة عن اشاعة احترام حقوق الانسان وحریاته الاساسیة فی العالم دون تمییز قائم على اساس الجنس او اللغة او الدین ولاتفریق بین الرجال والنساء ومراعاة تلک الحقوق و الحریات فعلا ، ثم تبعتها نص م (56) الذی حدد واجبات تجاه الدول الاعضاء فی الامم المتحدة بان یتعهدوا بان یقوموا منفردین او مجتمعین بما یجب علیهم من عمل و التعاون مع الامم المتحدة لتنفیذ مضمون م(55) ولکن المیثاق خلا من الاشارة الى کیفیة الحمایة واصول التدخل للحمایة بشکل قانونی ومضمون الحقوق والحریات التی سیتم کفالتها وحمایتها ولکنه بین الاجهزة التی ستتولى تحدید هذه الحقوق وستعمل على بیان ادوات ووسائل نشرها وتعزیزها وحمایتها ، وهی الجمعیة العامة والمجلس الاقتصادی والاجتماعی من خلال السلطات الممنوحة لهما فی هذا الاطار.
فصدرت العدید من الاعلانات الدولیة والمواثیق والاتفاقیات الدولیة الخاصة بحقوق الانسان تضمنت معاییر الحمایة وسماتها وفی مقدمتها الاعلان العالمی لحقوق الانسان لعام 1948، الاتفاقیة الدولیة للقضاء على التمییز العنصری لعام 1965.
والعهد الدولی للحقوق الاقتصادیة والاجتماعیة والثقافیة لعام 1966 و العهد الدولی للحقوق المدنیة والسیاسیة لعام 1966 والبروتوکول الملحق به الخاص بتقدیم الشکاوی الفردیة لعام 1966 و البروتوکول الملحق به لعام 1989 والخاص بالغاء عقوبة الاعدام واتفاقیة القضاء على جمیع اشکال التمییز ضد المرأة لعام 1979 والبروتوکول الاختیاری المضاف الیها لعام 1999 الخاص بتقدیم الشکاوى الفردیة واتفاقیة مناهضة التعذیب لعام 1984 واتفاقیة حقوق الطفل لعام 1989 ، ووجد الى جانبها المواثیق والصکوک الاقلیمیة لحمایة حقوق الانسان فی اطار العمل الجماعی الاقلیمی لحمایة حقوق الانسان کالاتفاقیة الاوربیة لحقوق الانسان لعام 1950 والاتفاقیة الامریکیة لحقوق الانسان لعام1969 والمیثاق الافریقی لحقوق الانسان والشعوب لعام 1981 والمیثاق العربی لحقوق الانسان لعام 1994 .
واهم ما جاءت به هذه الاعلانات والمواثیق والاتفاقیات الدولیة التاکید على :
أ – ان على الدول اتخاذ التدابیر التشریعیة والتنفیذیة اللازمة لضمان حقوق الانسان ، فمثلا الاتفاقیات التی تمنع من ارتکاب جرائم محددة تتطلب من الدول لانفاذها القیام باصدار تشریعات جزائیة تمنع وتعاقب على الافعال التی تحددها هذه الاتفاقیات کجرائم دولیة وتحدد الجهات التی ستتولى اجراءات العقاب.
ب – ان تقوم الدول بتامین حق اللجوء الى القضاء الوطنی او ایة جهة قضائیة مختصة او اداریة او ایة جهة اخرى حسب تشریع الدول لانصاف الفرد من اعمال فیها اعتداء على حقوقه وحریاته المقررة له فی الاتفاقیة المعنیة .
- تقدیم الشکاوى والادعاءات
- ارسال التقاریر من جانب الدول عن حالة حقوق الانسان فیها
- التحقیق
ولکن ما علاقة کل ما سبق بالامن الدولی، اشارت م (55) من میثاق الامم المتحدة الى ان ((تهیئة دواعی الاستقرار والرفاهیة الظروریة لقیام علاقات سلمیة بین الامم مبنیة على احترام المبدأ الذی یقضی بالمساواة فی الحقوق بین الشعوب وبان یکون لکل منها تقریر مصیرها )) ولاجله ینبغی القیام بثلاث اجراءات اساسیة لتحقیق هذا الهدف الذی ینتهی عند مفهوم الامن الدولی الاستقرار والرفاهیة والطمأنینة بین الشعوب القائمة على اساس وجود علاقات سلمیة بینها . لکن کیف سیتحقق الاهتمام بالانسان؟ من خلال:
1- تحقیق مستوى اعلى للمعیشة وتوفیر الاستخدام المتصل لکل فرد والنهوض بعوامل التطور والتقدم الاقتصادی والاجتماعی .
2- تیسیر الحلول للمشاکل الدولیة الاقتصادیة والاجتماعیة والصحیة وما یتصل بها وتعزیز التعاون الدولی فی امور الثقافة و التعلیم .
3- اشاعة احترام حقوق الانسان والحریات الاساسیة للجمیع بلا تمییز … ومراعاة تلک الحقوق والحریات فعلا .
فاذا تحقق الثلاث تحقق الامن الدولی باستقرار المجتمع الدولی وقیام العلاقات الودیة بین أعضائه وفی تاکید اخر لهذه العلاقة بین حقوق الانسان وبین السلم والامن الدولیین اصدر مجلس الامن بیانا فی القمة التی عقدها فی 31/1/1992 قمة مجلس الامن وقضایا حقوق الانسان جاء فیه : یلاحظ اعضاء مجلس الامن بان مهام الامم المتحدة بشان السلام قد توسعت فی السنوات الاخیرة فان مراقبة الانتخابات والتحقیق من احترام حقوق الانسان وتوطین اللاجئین کانت ضمن تسویة الخلافات الاقلیمیة بطلب او موافقة الاطراف المعینة فانها اصبحت جزءا من عمل اکثر اتساعا لمجلس یستهدف حفظ السلم والامن الدولیین والامن وان اعضاء مجلس الامن یرحبون بهذا التطور وسوف نعود الى فقرة ان اعضاء مجلس الامن وهی بالطبع عبارة تشمل الدول الدائمة العضویة (الکبرى) وغیر الدائمة العضویة ترحب بذلک.
فالجهد فی تحقیق الامن الدولی مشترک بین الامم المتحدة من خلال اجهزتها الجمعیة العامة ، المجلس الاقتصادی و الاجتماعی ، مجلس الامن ومنضومة حقوق الانسان التی تأسست استنادا الى میثاق الامم المتحدة والاعلان العالمی لحقوق الانسان لعام 1984، ولا یمکن لطرف ان یحققه بمعزل عن جهود الثانی . وان کان العبء الاکبر فی تحقیقه یقع على الدول ، فاذا ما احترمت حقوق الانسان وکفلتها ادى ذلک الى تفعیل منظومة حقوق الانسان وامکن السیر نحو الامن الدولی ، الا ان هذا الجهد یواجه تحدیاً کبیراً یضع الامم المتحدة فی موقف حرج ویثیر قلق الدول فی امکانیة وسائل الامم المتحدة فی التصدی له.
ویتجسد هذا التحدی فی الانتهاکات التی ترتکبها دول کبرى من اعضاء الامم المتحدة وهی دول دائمة العضویة فی مجلس الامن ، ضد حقوق الانسان وحریاته وهی الولایات الامتحدة الامریکیة وابرز هذه الانتهاکات ، هی اعمال التعذیب والقتل والاعتقالات الواسعة التی لا تبررها الضرورات العسکریة التی ترتکب على ید افراد قواتها المسلحة فی العراق بعد احتلاله فی 9/4/2003 کاعمال التعذیب التی ارتکبت ضد المعتقلین فی سجن ابو غریب والتی نشرت صورها على شبکات الاعلام ، فی نیسان 2004 ، ومجزرة حدیثة التی وقعت فی تشرین الثانی 2005 وکشفت بواسطة وسائل الاعلام عندما نشرت مجلة (تایم ) فی اذار 2006 وقائع هذه المجزرة.
فکیف تصرفت وتتصرف الامم المتحدة تجاه هذه الانتهاکات ؟ وخاصة ان الامم المتحدة کانت قد اصدرت اعلانین بوساطة الجمعیة العامة فیها یتعلقان بمهام مجلس الامن فی حفظ السلم والامن الدولیین ساعدا المجلس فی توجهه نحو التدخل فی قضایا حقوق الانسان من منظور سیاسی واسع الامد ! اعلانها الصادر بقرار رقم 43/51/ بتاریخ 5/12/1988 المتعلق بمنع اتساع النزاعات والحالات التی یمکن ان تهدد السلم والامن الدولیین ودور الامم المتحدة فی هذا المجال والیة تدخل مجلس الامن فی النزاعات والحالات ، وبدور مجلس الامن فی ایفاد لجان تحقیق او مراقبین لمنع تدهور الحالة .
الثانی الاعلان الصادر بقرارها المرقم 46/59 بتاریخ 9/12/1991 الخاص بتقصی الحقائق من قبل الامم المتحدة فی مجال الحفاظ على السلم والامن الدولیین الذی اعطی فیه لمجلس الامن والجمعیة العامة والامین العام حق تکلیف بعثات تقصی حقائق لتدخل ضمن مسؤولیاتهم فی حفظ السلم والامن الدولیین ، واستخدم الاعلانان تعبیر حالة ونزاع بالشکل الذی ورد فی م/34 من میثاق الامم الامتحدة التی تعطی للمجلس التدخل والنظر فی أی موقف او حالة او نزاع أی انه لایشترط ان یکون هناک نزاع بین دولتین یمکن ان یهدد السلم وانما یکفی وجود حالة من انتهاک حقوق الانسان یمکن ان یعدها المجلس تهدیدا والمعیار هنا سیکون سیاسیاً وفیما یتعلق بقضایا انتهاکات الولایات المتحدة الامریکیة وبتطبیق الاعلانین ستظهر عدة اسئلة فیما یتعلق بالنهج الذی اتبعته الامم المتحدة مع قضایا هذه الانتهاکات وهل کان تصرفها بذات الاسلوب الذی تعاملت به عام 1991 المعروف بالحالة فی العراق عندما اصدر مجلس الامن قراره المرقم (688) رابطا فیه بین حالات الانتهاکات المرتکبة ضد حقوق الانسان فی العراق وحفظ السلم والامن الدولیین لتقرر على اثرها التدخل بموجب الفصل السابع.
ام ستتصرف بذات النهج مع حالات انتهاکات حقوق الانسان فی کل من یوغسلافیا السابقة ورواندا عندما قرر مجلس الامن تشکیل محاکم دولیة جنائیة خاصة بموجب الفصل السابع لمعاقبة مرتکبی الانتهاکات فی یوغسلافیا السابقة بموجب القرار رقم (808) لعام 1993 ورواندا بموجب القرار رقم (955) لعام 1994. او سیحیل مرتکبی هذه الانتهاکات الى المحکمة الدولیة الجنائیة الدائمة کما فعل فی القرار الذی اصدره لاحالة مرتکبی الانتهاکات الجسیمة فی دارفور بموجب القرار ذی الرقم 1593 المتخذ فی 2005.
ما یلاحظ فی هذه المسائل ان ما اتخذته الامم المتحدة کان ضئیلاً فعلى سبیل المثال بعد فضائح ابو غریب وفی اعقاب نشر الصور قدم فریق الامم المتحدة المعنی بالاعتقال التعسفی ومقررو الامم المتحدة المعنیون بالتعذیب واستقلال القضاة والمحامین والحق فی الصحة طلبا مشترکا فی 25/حزیران 2004 لزیارة اماکن احتجاز الاشخاص المشتبه فی تورطهم فی الارهاب فی العراق .
ولکن حتى لو خلص المقررون والمراقبون التابعون للامم الامتحدة الى تقاریر تتضمن وقائع بالتعذیب واساءة المعاملة والاحتجاز غیر المشروع للاشخاص فان المتورطین لن یحالوا الى المحاکم الدولیة الجنائیة لا من جانب الامم المتحدة بسبب العجز الذی یعانی منه مجلس الامن عندما یتم استخدام الفیتو من قبل احدى الدول الدائمة العضویة، وطالما ان الامر یتعلق بالولایات المتحدة الامریکیة فستکون هی وحلیفتها بریطانیا اول من یستخدم الفیتو لاعاقة الاحالة .ولا من قبل المحکمة الدولیة مباشرة بطلب الى الولایات المتحدة الامریکیة والسبب یعود الى عدم دخول هذه الدولة طرفا فی اتفاقیة روما المؤسسة للمحکمة الدولیة الجنائیة ، بل الاکثر من ذلک تسعى الولایات المتحدة الامریکیة ولاجل ضمان عدم تسلیم ومعاقبة مواطنیها وموظفیها من افراد قواتها المسلحة الموجودین فی اراضی دول اطراف فی المحکمة الدولیة الجنائیة الذین قد تطلبهم من هذه الدول الى ابرام اتفاقیات مع هذه الدول الاطراف فی المحکمة لتضمن ذلک ، وقد بادرت الى ابرام هذه الاتفاقیات فعلا بعد اصدار قانون حمایة افراد القوات الامریکیة فی 2003 الذی یقضی بتعلیق المساعدة العسکریة والاقتصادیة الى الدول الاعضاء فی المحکمة الدولیة الجنائیة اذا رفضت هذه الدول ابرام اتفاقیات مع الولایات المتحدة الامریکیة الا اذا تنازل الرئیس الامیریکی عن هذا الشرط ، ومضت باستخدام اسلوب الضغط والتهدید بقطع المساعدات عن الدول المعنیة لارغامها على الدخول فی هکذا اتفاقیات تتعارض فی حقیقتها مع التزاماتها بموجب نظام المحکمة الدولیة الجنائیة.
وبالعودة الى واقع الانتهاکات داخل العراق فالاجراء الوحید الذی تم اتخاذه فی مجزرة حدیثة على سبیل المثال هواجراء تحقیق داخلی تقوم به الولایات المتحدة الامریکیة حالیا دون ان یکون خاضعا لایة رقابة دولیة بسبب ما ذکرناه اعلاه .
ولعل الدور الاکبر فی کشف هذه الانتهاکات وتوثیقها یعود للمنضمات الدولیة غیر الحکومیة ووسائل الاعلام التی اطلعت المجتمع الدولی على واقع احترام الحقوق والحریات من جانب دولة عضو فی الامم المتحدة تنفیذا لالتزاماتها المترتبة علیها فی المیثاق وبحسن نیة الامر الذی یشکل مساهمة منها فی تحقیق التعاون الدولی لتعزیز احترام حقوق الانسان وحریاته الاساسیة الذی یشکل احد مکونات النظام الشامل للامن الدولی .
المطلب الثانی
البعد الداخلی للحمایة والأمن الدولی
تحدد الاتفاقیات والمواثیق الحقوق المحمیة دولیا وانواعها من مدنیة وسیاسیة واقتصادیة واجتماعیة وثقافیة ….الخ ولکن ادراج هذه الحقوق فی نصوص قانونیة دولیة لیس کافیا بذاته لکی یتمکن الفرد من التمتع بها مباشرة فمواثیق حقوق الانسان لاتمنح هذه الحقوق للافراد داخل الدول مباشرة بل تدخلها ضمن الوظائف المرکزیة للدول التی علیها ان تضمنها وتحمیها تنفیذا لالتزاماتها الدولیة وبالرجوع الى الدول فان تحدید سیاقات هذه الحقوق ومدایاتها وطبیعتها المبینة فی القانون الدولی لحقوق الانسان لن یکون على نمط واحد فی کل الدول بل سیکون مختلفا من دولة الى اخرى بحسب اختلاف انظمتها الاجتماعیة والاقتصادیة لذلک سیکون طبیعیا ان تختلف حدود هذه الحقوق والحریات داخل کل دولة .
والادلة على قیام الاختلاف کثیرة تم النص علیها مثلا فی م/ 2 من العهد الدولی للحقوق الاقتصادیة لعام 1966 التی تطلب الى الدول اتخاذ التدابیر التشریعیة لضمان التمتع بالحقوق المبینة فیه .
وبما ان العملیة التشریعیة فی کل دولة محکومة بظروفها وطبیعة النظام السیاسی فیما اذا کان دیمقراطیا او مستبدا وبدون ان نفصل عن هذا النظام واقعها الاجتماعی وامکانیتها الاقتصادیة فان کل ذلک سیعکس صورة التشریعات التی ستصدرها الدولة لضمان تلک الحقوق .
والدلیل الاخر م/2 من العهد الدولی للحقوق المدنیة والسیاسیة لعام 1966 التی تطلب الى الدول اتخاذ التدابیر التشریعیة وغیر التشریعیة وحسبما یکون ضروریا لاعمال الحقوق المبینة فیه . وتطبیقا لهذا النص ستقوم کل دولة باصدار القوانین واتخاذ الاجراءات الاداریة التی تراها ضروریة دون التقید بما یتم اتخاذه فی ایة دولة اخرى .
وبالربط ما بین الحکم العام الذی ورد فی العهد الدولی للحقوق الاقتصادیة والاجتماعیة وبین مدیات الحقوق المبینة فیه فان کل دولة ستحدد هذه الحقوق وفقا للقیود التی عبرت عنها الاتفاقیة بالرفاه العام والامن الوطنی والنظام العام وحمایة حقوق الغیر فقد نصت المادة الرابعة منه على أن (الدول الاطراف فی الاتفاقیة تقر بانه یجوز للدول فی مجال التمتع بالحقوق التی تؤمنها تماشیا مع الاتفاقیة الحالیة ان تخضع هذه الحقوق للقیود المقررة فی القانون فقط والى المدى الذی یتماشى وطبیعة هذه الحقوق فقط ولغایات تعزیز الرفاه العام فی مجتمع دیمقراطی ) والقید الوارد فی م/8 على سبیل المثال من هذا العهد إذ تنص على (حق کل فرد بتشکیل النقابات والانضمام الى ما یختار منها فی حدود ما تفرضه قواعد التنظیم المعنی وذلک من اجل تعزیز وحمایة مصالحها الاقتصادیة والاجتماعیة ولایجوز وضع القیود على ممارسة هذا الحق عدا ما ینص علیه القانون مما یکون ضروریا فی مجتمع دیمقراطی لصالح الامن الوطنی او النظام العام اومن اجل حمایة حقوق الاخرین وحریاتهم…) .
وهو حال العهد الدولی للحقوق المدنیة والسیاسیة حیث تشیر مواده الى القیود الخاصة بکل نوع من انواع الحقوق الواردة فیه فمثلا نصت ف /1 م/6 من العهد على ان (لکل انسان الحق فی الحیاة ولایجوز حرمانه منه تعسفا) بمعنى اذا جاء الحرمان تطبیقا لحکم قضائی صادر بالاعدام تنفیذا لبند وارد فی القانون الجنائی عن جریمة حددها هذا القانون فلن یکون الحرمان غیر مشروع والدول هنا لاتاخذ بمسلک موحد فی موقفها من عقوبة الاعدام فهناک من الدول الغت عقوبة الاعدام بینما لاتزال العدید منها تاخذ بها .
والمثال الاخر نص ف/1 م/12 التی تنص على ان لکل انسان حق التنقل داخل اقلیم الدولة وله الحریة فی اختیار محل اقامته ولکن بشرط ان یکون دخوله الى اقلیم الدولة قانونیا وتحدید ذلک انما یکون بحسب القوانین والانظمة المعمول بها داخل الدول ، وأضافت ف/3 ان هذاالحق لا یجوز تقییده الا بقیود منصوص علیها فی القانون وتکون ضروریة لحمایة الامن القومی او النظام العام او الصحة العامة او الاداب العامة او حقوق الاخرین وحریاتهم …وکل دولة من الدول یختلف منظورها لامنها القومی او نظامها العام وکیفیة حمایته وبالتالی تختلف التدابیر التی ستقررها لذلک .
ولکن ما هی الصلة التی ستربط بین تدابیر وتشریعات داخلیة تتخذها کل دولة تتعلق بحقوق الانسان وضمانها والقیود الواردة علیها تطبیقا لسیاستها فی حمایة امنها القومی او نظامها العام او الصحة العامة وبین الامن الدولی ؟
قد تحقق التشریعات والتدابیر التی یتم اتخاذها فائدة للدول التی اصدرتها ولکنها فی الوقت ذاته قد تخلق عداء ونفورا ما بین الشعوب وتشکل انتهاکا لحقوق الانسان الامر الذی سیخلق القلق الدائم عن مصیر هذه الحقوق من جراء ما تقوم به بعض الدول الاستقرار والطمانینة التی تسعى الیها الامم المتحدة تحت مسمى الامن الدولی خاصة اذا کانت هذه القوانین تشکل انتهاکا لحقوق بعض الافراد دون غیرهم على اساس التمییز القائم بسبب العرق او الجنس او الدیانة او الاصول او الانتماءات وبدوره یشکل انتهاکا للمبادئ والاهداف المعلنة فی الاتفاقیات والصکوک الدولیة لحقوق الانسان مثالها ما تقدمت به دیباجة العهد الدولی للحقوق الاقتصادیة والاجتماعیة ودیباجة العهد الدولی للحقوق المدنیة والسیاسیة فی ف/1 ان الاقرار بما لجمیع البشر من کرامة اصیلة فیهم ومن حقوق وحریات متساویة وثابتة یشکل اساسا للحریة والعدل والسلام فی العالم بما على الدول من واجب وبمقتضى میثاق الامم المتحدة بتعزیز الاحترام والمراعاة العالمیین لحقوق الانسان وحریاته .
وبمقارنة هذا النص مع واقع ما صدر عن الدول بعد احداث 11/ایلول/2001 من مواقف وتشریعات تحت مسمیات مکافحة الارهاب یظهر الانتهاک الصارخ لحقوق الانسان وحریاته منطلقة فی ذلک من مبررات حمایة امنها القومی وحقوق وحریات رعایاها من الاعتداءات والاعمال الارهابیة .
فقد تم تسجیل عدد من التراجعات ذات الطابع القانونی عن المبادئ الدولیة لحقوق الانسان برزت فی تشریعات اصدرتها بعض الدول من امثلتها القانون الأمریکی لمکافحة الارهاب الصادر فی تشرین الاول 2001 والقانون البریطانی لمکافحة الارهاب الصادر فی 2001 اللذین اشتهرا بالتمییز فی ملاحقة الاشخاص المشتبه بتورطهم فی اعمال ارهابیة فقد تم تطبیقهما على الافراد الاجانب وبالاخص من الجالیات العربیة والاسلامیة ،وهو ما یاتی مناقضا للقواعد التی تضمنتها الاتفاقیات الدولیة لحقوق الانسان وبشکل خاص قاعدة عدم التمییز القائم على اساس الدین او اللغة او الانتماءات او الاصل .
الخاتمة :
ان دراسة الامن الدولی بخصائصه الواردة فی المیثاق وعلاقته بحمایة حقوق الانسان خلصت الى تحدید طبیعته فهو فی المقام الاول غایة ثبتها المجتمع الدولی فی میثاق الامم المتحدة لاضفاء الالزام القانونی علیها ،تحقیقها لن یکون الااذا اتبعت الاسالیب المحددة فی میثاق الامم المتحدة لکل من الامم المتحدة والدول .وهو فی ذات الوقت وسیلة اساسیة لوضع حقوق الانسان المنصوص علیها فی المیثاق والاتفاقیات الدولیة موضع التنفیذ.
کما یشکل الامن الدولی نتیجة من نتائج التزام الدول بحقوق الانسان واحترامها وتعزیزها نظراً الى ان هذه الحقوق تشکل احد المکونات الجوهریة لنظام الامن الدولی الشامل الذی ینصرف معناه الى الاستقرار والطمانینة .
الا ان تحقیق الامن الدولی یتعرض لمخاطر حقیقیة تعود الى الخروقات التی ترتکبها الدول الدائمة العضویة فی مجلس الامن التابع للامم المتحدة وتشکل تحدیا قویا لجدوى المبادئ التی جاء بها المیثاق کمبدا حسن النیة فی تنفیذ الالتزامات وتسویة المنازعات بوسائل سلمیة والامتناع عن استخدام القوة و هدفها فی اقامة العلاقات الودیة بین الدول واحترام حقوق الانسان کرکیزة اساسیة للامن الدولی والتفاهم المتبادل بین الشعوب،والسبب فی خطورة هذه الخروقات یعود الى عدم قدرة الامم المتحدة فی اتخاذ اجراءات تجاه دولها العظمى نتیجة للامتیاز الممنوح لهذه الدول والمعروف بحق الاعتراض (الفیتو) الامر الذی یتطلب اعادة تفعیل مبادئ الامم المتحدة من حسن نیة فی تنفیذ الالتزامات وفض المنازعات بوسائل سلمیة وسریان مبدا المساواة بین الدول الاعضاء کافة فی الامم المتحدة فی الخضوع لاحکام المیثاق وبخاصة للتدابیر العلاجیة فی الاحوال التی تخالف فیها الدول احکام المیثاق سواء کانت دولة کبیرة ام دولة صغیرة وهو الامر الذی لن یتحقق ما لم یتم ادخال اصلاحات فی جذریة فی الامم المتحدة واهمها الغاء الفیتو الذی یعرقل کل محاولة لعرض مسالة تتعلق بالدول الکبرى او لاصدار قرار یتعارض مع مصالح الدول الکبرى وهو الحاصل فعلا الان فیما یتعلق بالانتهاکات التی ارتکبتها الولایات المتحدة الامریکیة وحلیفتها بریطانیا بمباشرتها الحرب دون ان تستند الى قرار دولی صادر عن الامم المتحدة ،زائدا العقبة التی خلقها المیثاق بسبب الفیتو فی تحقیق العدالة الجنائیة الذی سیمنع من اصدار أی قرار باحالة اشخاص یتبعون هاتین الدولتین الى المحاکم الدولیة الجنائیة الخاصة اوالدائمة .
The Author declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English) and References (English)
Arabic Books and Research:
1 - Dr. Ibrahim Ahmed Shalaby / International Organization / University House / Beirut / 1984.
2- Dr. Ahmed Abu Al-Wafa / Mediator in Qoun International Organizations / Arab Renaissance House / Cairo / 1986.
3- Dr. Amin Makki Madani / International Involvement and Security: Human Rights Between Terrorism and Forensic Defense / Research published in the Journal of the Arab Institute for Human Rights, No. 10/2003.
4 - Lawyer Bassil Yousef / Diploma of Human Rights: Legal reference and tools / House of Wisdom / Baghdad / 2002.
5- Dr. Hassan Al-Chalabi / Principles and organizational characteristics of the United Nations / Al-Jablawi Press / Cairo / 1970
6- Dr. Hassan Nafea and Dr. Mohamed Shawky Abdel-Aal / International Organization / Shorouk International Library / Cairo / 2002
7- Dr. Khalil Ismail al-Hadithi / mediator in the organization of the Wali / printed at the expense of the University of Baghdad / Baghdad /
8- Dr. Saad Hakki Tawfiq / Principles of International Relations / Dar Wael for Printing and Publishing / Amman / 1/2000.
9 - Professor Valdemir Kartashkin / Security and human rights and human rights / Translated by Dr. Ali Ghaleb / House of the new culture / Cairo / 1/1/1989.
10- Dr. Mohammed Amin field / the status of the individual and the future of international humanitarian law / research presented to the symposium on international humanitarian law and international relations / Publisher International Committee of the Red Cross / Damascus / Daoudi Press / 2003.
11- Dr. Mahmoud Sharif Bessouni / International Criminal Court / Rose El Youssef Press / Beirut / 2001.
12- Dr. Muntar Antebawi / Human Rights System at the United Nations: The organs, specialties, methods of work / human rights folder / Prepared. Mahmudshreef Bassiouni and Dr. Mohammed Al-Saeed Al-Dakkak. Abdel-Azim Wazir / Dar Al-Ilm for millions / Beirut / Volume 2/2/1998.
13- Professor Yahyaoui Noura Ben Ali / Protection of Human Rights in International Law and Internal Law / Dar Homa / Printing, Publishing and Distribution / 2004.
Articles and reports:
14- Diana Miklad's article, "Modern Hadith Massacre in the Media, Al-Sharq Al-Awsat Newspaper, Al-Arab Al-Dawliyya Newspaper, June 4, 2006, No. 10050, at www.aawsat.com/default.asp
15 - Article entitled (Bush promises to punish the perpetrators of Haditha massacre) published in the newspaper Dar Al-Hayat / Saudi edition on 13/6/2006 at: www.dara / hayat.com / hayat_ksa
16. Human Rights Watch's Global Report on the 2005 World Report on Iraq at www.hrw.org/english/meha/wr2005/iraq/htm
17. Human Rights Questions and Answers / UN Publications / New York / 1990.
18. International charters and resolutions
- The United Nations Charter 1945.
International Covenant on Economic, Social and Cultural Rights, 1966.
International Covenant on Civil and Political Rights 1966.
- Security Council Resolution No. (1593) of 31/3/2005 concerning the situation in Sudan.
Foreign Books:
19- Johan. B. brien, international law, cp, publishing, london, 2002.
20- Malcolm. N. Shaw, international law, s.c.d. lyon3. cambridg. UK. 5edition. 2003.
21. Websites: www.hrw.org/english/docs/2005/jordan12318_txt.htm