الملخص
کان الإنسان منذ القدم محور الدراسات القانونیة ، وأمنه وسعادته هی الغایة المنشودة من ذلک، وکانت حصیلة هذا الاهتمام تفاوت المجتمعات البشریة فی تحدید نطاق الحمایة المقررة له بتفاوت الزمان والمکان، ففی ظل الأنظمة القانونیة التی سادت فی المجتمعات البدائیة کانت السلامة الجسدیة للأفراد محلا لحق مالی یتم التعامل به بین الدائنین ، إلى أن استقر الحال فی العصور الوسطى على سیادة نظام الرق وعبودیة الإنسان للإنسان
الكلمات الرئيسة
الموضوعات
أصل المقالة
الحق فی سلامة الجسم ( دراسة تحلیلیة مقارنة )(*)
Right to body safety A Comparative analytic study
أکرم محمود حسین البدو بیرک فارس حسین کلیة القانون/ جامعة الموصل کلیة القانون/ جامعة تکریت Akram Mahmoud Hussein Al-Bedou Birk Fares Hussein College of law / University of Mosul College of law / University of Tikrit Correspondence: Akram Mahmoud Hussein Al-Bedou E-mail: |
(*) بحث مستل من رسالة الماجستیر الموسومة "حقوق الشخصیة وحمایتها المدنیة" ، مقدمة الى کلیة القانون ، جامعة الموصل ، 2004.
أستلم البحث فی 13/9/2006 *** قبل للنشر فی 6/8/2007.
(*) Received on 13/92006 *** accepted for publishing on 6/8/2007.
Doi: 10.33899/alaw.2007.160496
© Authors, 2007, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
مقدمة:
کان الإنسان منذ القدم محور الدراسات القانونیة ، وأمنه وسعادته هی الغایة المنشودة من ذلک، وکانت حصیلة هذا الاهتمام تفاوت المجتمعات البشریة فی تحدید نطاق الحمایة المقررة له بتفاوت الزمان والمکان، ففی ظل الأنظمة القانونیة التی سادت فی المجتمعات البدائیة کانت السلامة الجسدیة للأفراد محلا لحق مالی یتم التعامل به بین الدائنین ، إلى أن استقر الحال فی العصور الوسطى على سیادة نظام الرق وعبودیة الإنسان للإنسان.
وفی تلک الفترات مرت البشریة بأوقات عصیبة،أخذت فیها الحقوق المالیة للإنسان مکان الصدارة فی حمایة القانون متقدمة على الحقوق غیر المالیة ، الا أن التطور الذی طرأ فی العصر الحدیث کان بمثابة الصحوة التی أججت روح التفاؤل وأسهمت فی بث بذورها حرکات التحرر المطالبة بصیانة حقوق الانسان، إذ تنبهّت المجتمعات البشریة إلى ضرورة حمایة الفرد فی سلامة جسمه وضمان التمتع الهادئ به ، غیر أن الاتفاق على ذلک لم یمنع من الاختلاف فی تحدید أسلوب ونطاق حمایة القانون فکان أن تجاذب ذلک اتجاهان متضادان ، تیار لیبرالی یستمد أصوله من الفلسفة الفردیة واخر اجتماعی یستمد أصوله من الفلسفة الاشتراکیة ، بید أن تجارب الماضی ودروس الحاضر ألقت بظلالها على واقع خفف شدة التعارض بین التیارین فبات من المستقر علیه أهمیة السلامة الجسدیة بالنسبة للأفراد بصفتهم الشخصیة وبالنسبة للمجتمع بصفتهم أعضاء مکونین له، وبات من البدیهی الاهتمام القانونی بالحقوق غیر المالیة وخصوصاً حقوق الشخصیة بما فیها الحق فی سلامة الجسم، فهذه الحقوق أجدر بالرعایة والاهتمام من جانب القانون فصحة الإنسان وسلامة جسمه تعد مصلحة کبرى أما ما سواها من المصالح فهی أجزاء تتبع الکل ویفترض فیها أن تکون فی المرتبة اللاحقة من حیث الأهمیة ، فالإنسان أولاً والأموال ثانیا.
إن غالبیة الدراسات التی تناولت الحق فی سلامة الجسم بالبحث کانت تصب فی بودقة جرائم الإیذاء وشرح النصوص القانونیة التی ترد فی قوانین العقوبات دون البحث فی موقف
القانون المدنی ونطاق الحمایة التی یوفرها لهذا الحق. واستناداً إلى ما سبق فقد تم تقسیم البحث إلى ثلاثة مباحث الأول لبیان مفهوم الحق فی سلامة الجسم وطبیعته القانونیة أما الثانی فمخصص للوقوف على مضمون الحق فی سلامة الجسم ونطاقه فی حین أفردنا المبحث الثالث للوقوف على أحکام هذا الحق.
المبحث الأول
مفهوم الحق فی سلامة الجسم وطبیعته القانونیة
إن مضمون هذا المبحث یقتضی تقسیمه إلى مطلبین، الأول لبیان مفهوم الحق فی سلامة الجسم ، أما الثانی فهو للوقوف على الطبیعة القانونیة لهذا الحق.
المطلب الأول
مفهوم الحق فی سلامة الجسم
یتضمن هذا المطلب التعرف على مفهوم الحق من جهة ومفهوم الجسم من جهة أخرى وکل فی فرع مستقل.
الفرع الأول
مفهوم الحق
أولاً. الحق لغة:
اسم من أسماء الله تعالى "وهو الثابت بلا شک والحق هو النصیب الواجب للفرد والجماعة وحق الأمر حقاً وحقوقاً ثبت وصدق ویقال یحق علیک أن تفعل کذا "یجب" ویحق لک أن تفعل کذا "ویسوغ" و "حاقة" خاضمه وادعى کل منهما الحق لنفسه، المفرد "حق" وجمعه "حقوق" و "حقاق".
ثانیاً. الحق اصطلاحاً:
یعد الحق من اکثر المسائل التی شهدت جدلاً فقهیاً واسعاً فی تحدیدها. وذلک لتباین الآراء بشأنها واختلاف التوجهات فی دراستها. وباختصار فان الآراء التی طرحت لتعریف
الحق تتلخص فی الاتجاه الشخصی الذی یقیم الحق على أساس السلطة التی یخولها القانون لصاحب الحق وکذلک الاتجاه الموضوعی. الذی یقیم الحق على أساس المصلحة التی یقرها القانون لصاحب الحق ولما تعرض کل من الاتجاهین لسهام النقد،برز الاتجاه المختلط الذی حاول أن یمزج بین الاتجاهین السابقین ویقیم الحق على أساس السلطة والمصلحة معاً وعرف الحق بموجبه بانه مصلحة مشروعة تقوم على تحقیقها سلطة أو قدرة یقرها القانون. ورغم الترحیب الذی حظی به هذا الاتجاه فی تعریف الحق إلا أنه لم یسلم من الانتقاد. کما ظهر اتجاه حدیث فی تحلیل الحق وتحدید طبیعته وهو یقیم الحق على أربعة عناصر أولها رابطة الانتماء بین الشخص ومحل الحق وثانیها میزة السیطرة التی تنتج عن رابطة الانتماء أما ثالثها فهو حالة الاحترام التی یلزم بها الغیر نتیجة العنصرین السابقین فی حین یتمثل الرابع بحمایة القانون ، ویعرف الحق بموجب هذا الاتجاه بأنه میزة الاستئثار بمصلحة معینة یقرها القانون لشخص معین ویحدد طرق حمایتها.
الفرع الثانی
المفهوم القانونی والطبی لجسم الإنسان
أولا. المفهوم القانونی لجسم الإنسان
یعرف جسم الإنسان من الناحیة القانونیة بأنه "الکیان الذی یباشر وظائف الحیاة وهو محل الحق فی سلامة الجسم والموضوع الذی تنصب علیه أفعال الاعتداء على هذا الحق. ویمکن القول إن لفظ "الجسم" یتسع لیشمل -فضلاً عن الکیان المادی للإنسان- کیانه النفسی أو العقلی أیضاً ، مما یعنی أن الحمایة القانونیة لجسم الإنسان هی واحدة بغض النظر عن أهمیة الوظیفة التی یؤدیها العضو المعتدى علیه سواء کان العضو ظاهراً أو باطناً کما لا فرق بین الاعتداء الموجه ضد جزء من الجسم والاعتداء الذی یصیب أجزاء الجسم کافة، کما یدخل فی نطاق الحمایة القانونیة أعضاء جسم الإنسان العاجزة عن القیام بوظائفه بصورة کلیة أو جزئیة کالأعضاء المشلولة، کما یشمل المفهوم بجسم الإنسان وبالتالی شموله بالحمایة القانونیة ما یلزم نقله إلى الجسم من أعضاء بشریة لم تکن موجودة فیه منذ ولادته وإنما نقلت إلیه لاحقاً لمعالجة ما یقتضیه الوضع الصحی للجسم من نقص فی الأعضاء بسبب إصابتها أو توقفها عن أداء وظائفها الفسیولوجیة ، کما تتمتع الأعضاء الشاذة عما هو متعارف علیه بالحمایة القانونیة (کالإصبع السادس فی الید الواحدة) لان جسم الإنسان هو وحدة واحدة فلا یمکن إهدار الحمایة القانونیة للعضو وان کان زائداً عن الحد الطبیعی.
أما بالنسبة للحق فی سلامة الجسم فیعرف بأنه "مصلحة مشترکة للمجتمع والفرد فی المحافظة على سلامة جسم الإنسان فی تکامله وصحته وسکینته، یقرها القانون ویحدد وسائل حمایتها". یتبین من خلال هذا التعریف أن للحق فی سلامة الجسم جانبین الأول فردی والآخر اجتماعی یحددان نطاق هذا الحق. ومضمون کل جانب منهما یتمثل فی الحق فی التکامل الجسدی والحق فی الاحتفاظ بالمستوى الصحی للجسم فضلاً عن الحق فی التحرر من الآلام البدنیة والنفسیة (السکینة الجسدیة) وهذه العناصر الثلاثة تشکل مضمون الحق فی سلامة الجسم.
وفقد نص القانون المدنی العراقی رقم (40) لسنة 1951 المعدل على حمایة الحق فی سلامة الجسم وذلک فی المادة (202) إذ جاء فیها "کل فعل ضار بالنفس من قتل أو جرح أو ضرب أو أی نوع آخر من أنواع الإیذاء یلزم بالتعویضات من احدث الضرر" ولکن هذا النص قد جاء مرتبک الصیاغة فالمشرع العراقی على ما یبدو قد استمده من الفقه الإسلامی والذی تقسم فیه الأفعال الماسة بحیاة الإنسان وسلامة جسمه إلى ثلاثة أقسام الأول یشمل الأفعال الواقعة على النفس ویدخل فی ظلها الأفعال التی تهلک النفس أی القتل بمختلف أنواعه، ویتضمن القسم الثانی الأفعال الواقعة على ما دون النفس أی الأفعال الماسة بجسم الإنسان لا نفسه کالجرح والضرب أما القسم الأخیر فهو الأفعال الواقعة على الجنین ، إذ یعتبر نفساً لأنه آدمی ولا یعتبر کذلک لأنه لم ینفصل عن أمه" وبالرجوع إلى نص المادة (202) یلاحظ أن المشرع العراقی قد اعتبر الجرح والضرب أفعالاً واقعة على نفس الإنسان وهذا یتعارض مع التقسیم المذکور للأفعال الماسة بحیاة الإنسان وسلامة جسمه فی الفقه الإسلامی الذی یعتبر القتل، الفعل الوحید الواقع على النفس، ویبدو أن ما دعا المشرع العراقی الى غیر إیراد نص المادة (202) یعود إلى محاولته سد النقص التشریعی فی مواد القانون المدنی إذ نتج عن عدم إیراد نهی یعالج بمقتضاه جمیع حقوق الشخصیة وما یتعلق بها من اعتراف بها وحمایة لها. ولمعالجة هذا النص التشریعی نقترح إیراد النص الآتی فی الباب التمهیدی من القانون المدنی "لکل من وقع اعتداء على حق من حقوق شخصیته أن یطلب وقف الاعتداء مع التعویض إذا لحقه ضرر من ذلک".
کما نص القانون المدنی الفرنسی لسنة 1804 المعدل على حرمة جسم الإنسان وذلک بحمایته من الاعتداء الذی یقع علیه کما حظر أن یکون جسم الإنسان محلاً لحق مالی مما یعنی خروجه عن دائرة المعاملات المالیة والتصرفات القانونیة، فقد جاء فی الفقرة الاولى من المادة (16) منه "لکل شخص الحق أن یحظى باحترام جسده من قبل الغیر ، فلا یجوز المساس بحرمة الجسد البشری وأعضاءه التی لا یمکن بای حال من الأحوال أن تکون محلاً للحقوق المالیة".
وبالنسبة لموقف القانون المدنی المصری فیمکن القول إنه اعترف بالحق فی سلامة الجسم إسوة بحقوق الشخصیة الأخرى باعتباره أحد أهم هذه الحقوق وذلک فی المادة (50) إذ جاء فیها "لکل من وقع علیه اعتداء غیر مشروع فی حق من الحقوق الملازمة لشخصیته أن یطلب وقف هذا الاعتداء مع التعویض عما یکون قد لحقه من ضرر".
ثانیاً. المفهوم الطبی لجسم الإنسان
یراد بجسم الإنسان من الناحیة الطبیة، مجموعة الأعضاء التی تتکون من أنسجة متباینة قوامها خلایا نوعیة ممیزة لکل نسیج، والخلیة هی الوحدة الأساسیة فی تکوین جسم الإنسان وبتجمعها وارتباط بعضها مع البعض الآخر تتکون الأنسجة المختلفة، وتقوم هذه الأعضاء بأداء الوظائف الحیویة بالنسبة لبقاء الإنسان سواء کانت هذه الوظائف من النوع الفسیولوجی أو السیکولوجی.
المطلب الثانی
الطبیعة القانونیة للحق فی سلامة الجسم
یقتضی الوقوف على الطبیعة القانونیة للحق فی سلامة الجسم ، التعرف على خصائص هذا الحق ثم تمییزه عما یشتبه به من أوضاع وذلک فی الفرعین الآتیین:
الفرع الأول
خصائص الحق فی سلامة الجسم
یترتب على اعتبار الحق فی سلامة الجسم من حقوق الشخصیة تمتعه بذات الخصائص التی تتمیز بها هذه الحقوق المتمثلة بکونه حقاً مطلقاً تبعیاً ، غیر قابل للتصرف والانتقال إلى الورثة، لا یسقط بالتقادم ، غیر مالی وغیر قابل للانقسام وسنحاول دراسة هذه الخصائص تباعاً.
أولاً. الحق فی سلامة الجسم حق مطلق
ویقصد بذلک أن لکل فرد أن یحتج بحقه فی سلامة جسمه على الجمیع ویجب أن لا ینصرف الذهن إلى أن المراد بالحق المطلق حریة الفرد فیه حسبما یشاء ، فلهذا الحق قیود اجتماعیةکما سنلاحظ ذلک عند دراسة نطاق الحق ولکن للفرد إجراء التصرفات التی من شانها الحفاظ علیه إذا کانت مشروعة ولم یوجد ما یحرمها أو یجرمها " کما یفرض هذا الحق واجباً سلبیاً على الکافة فی عدم التعرض لهذا الحق أو القیام بکل ما یخل بمضمونه.
ثانیاً. الحق فی سلامة الجسم حق تبعی
إن الحقوق بشکل عام إما أن تکون تبعیة أو أصلیة، والحقوق التبعیة هی التی لا یمکن أن تنشا إلا متصلة بحق آخر. وهو حق اصلی وتکون مرتبطة به وجوداً أو عدماً فتنشأ بنشأة الحق الأصلی وتنتهی بانتهائه. ورابطة التبعیة هذه أسبابها عدیدة منها أن یکون أحد الحقین مصدراً لحمایة حق أفراد ولتحقیق أهدافه أو لتوسیعه.
وبالنسبة للحق فی سلامة الجسم فانه تابع لحق اصلی هو الحق فی الحیاة فالاخیر هو الاصل الذی یحتاج إلى اسناد وحمایة وتوسیع وهذا ما یقوم به الحق فی سلامة الجسم فهو یرتبط به وجوداً أو عدماً وبوجود الحق فی الحیاة یوجد الحق فی سلامة الجسم وبانتهاء الأول ینتهی الثانی.
ثالثاً. الحق فی سلامة الجسم حق غیر قابل للتصرف والانتقال إلى الورثة
یرتبط الحق فی سلامة الجسم مع الشخصیة وجوداً أو عدماً، فلا یمکن تصور انتقال هذا الحق إلى الورثة لأنه ینتهی بانتهاء الشخصیة التی تنهی بالوفاة. أما بالنسبة للتصرف فی الحق من قبل صاحبه فان هذا الحق مقرر أصلاً لحمایة جسم الإنسان ولا یجوز للفرد تعطیل هذه الحمایة بارادته والتنازل عن هذا الحق بصورة کلیة، سواء أکان بعوض أو بغیر عوض. وسبب ذلک هو أن نطاق هذا الحق یتعدى مصلحة المجتمع، فلا یکون حراً فی التصرف فی سلامة جسمه إلى الحد الذی تضر فیه مصلحة المجتمع. إلا أن التنازل عن جزء أو عضو من أعضاء الجسم لشخص آخر من أجل إنقاذه من خطر یهدد حیاته أو یشلها هو عمل مشروع. وإن کان هدراً لبعض مکونات الجسم البشری وتفریطاً بالسلامة الجسدیة التی یحمیها القانون إلا أن المصلحة التی تتحقق من عملیة التنازل هذه تفوق المصلحة المتحققة من عدم التنازل ولذلک اسبغ المشرع على مثل هذه الأعمال صفة المشروعیة.
رابعاً. الحق فی سلامة الجسم حق غیر قابل للسقوط فی التقادم
یفترض فی التقادم سکوتاً من قبل الشخص صاحب الحق یؤدی إلى سقوط ذلک الحق بعد مضی مدة من الزمن یحددها القانون ، وبالنسبة للحق فی سلامة الجسم فلا یمکن تصور تقادم هذا الحق بسکوت الفرد عن استعماله وعدم الدفاع عنه مهما طال الزمن لأهمیة حقوق الشخصیة قیاساً إلى باقی الحقوق ، ولکن الذی یحصل هو التقادم المانع من سماع الدعوى.
خامساً. الحق فی سلامة الجسم حق غیر مالی
یعد الحق فی سلامة الجسم باعتباره من الحقوق اللصیقة بالشخصیة حقاً غیر مالی، لذلک فهو لا یقدر بالنقود، ولکن قد یترتب على المساس به الحکم بتعویض نقدی. مما یعنی نشوء حق للمتضرر فی التعویض، وهذا الحق مالی مستقل عن الحق فی سلامة الجسم ینشأ نتیجة للاعتداء على هذا الحق. مما یعنی أن مبلغ التعویض لیس تقدیراً لقیمة الضرر الذی لحق بالجسم، وانما هو جبر لما لحق المتضرر من خسارة وما فاته من کسب.
الفرع الثانی
تمییز الحق فی سلامة الجسم مما یشبهه من حقوق
سیتم تخصیص هذا الفرع لمحاولة التمییز بین الحق فی سلامة الجسم وبعض الحقوق الأخرى التی تلقى معه فی جوانب معینة، وهما الحق فی الحیاة والحق فی حرمة الجثة.
أولاً. الحق فی سلامة الجسم والحق فی الحیاة
یعرف الحق فی الحیاة بأنه" المصلحة التی یحمیها القانون فی أن یظل الجسم مؤدیاً للقدر الأدنى من وظائفه التی لا غنى له عنها لکی لا تتعطل جمیعها".
ویتمتع الحق فی الحیاة بأهمیة خاصة ومتمیزة بین أنواع الحقوق الأخرى کافة لان هذا الحق هو الأساس الذی یمکن بموجبه اقتضاء الحقوق الأخرى والانتفاع بها وأکثر ما یمیز هذا الحق ویعطیه الأهمیة الکبیرة هو أنه الحق الوحید ، الذی یستحیل استرجاعه إذا ما فقد ، لذا فانه أغلى الحقوق وأثمنها وأجدرها بالرعایة والاهتمام.
ورغم التداخل الکبیر بین الحقین فان الفرق بینهما یکمن فی اختلاف مضمونیهما فمضمون الحق فی سلامة الجسم یتکون من ثلاثة عناصر سیتم بیانها لاحقاً، وکل مساس بهذه العناصر یعد مساساً بالحق فی سلامة الجسم، أما الحق فی الحیاة فمضمونه احتفاظ الجسم بقدر أدنى من وظائفه الأساسیة والضروریة لبقاء الإنسان حیاً وذلک لکی لا تتعطل بقیة الوظائف الأخرى، لأن القول بخلاف ذلک یعنی نهایة الحیاة وانقضاء الحق فیها، فمضمون الحق فی الحیاة هو منع المساس بالکیان المادی للإنسان الذی یترتب علیه تعطیل وظائف الجسم تعطیلاً کلیاً، وابدیاً أما الأثر المترتب على الاعتداء على الحق فی سلامة الجسم فیتمثل بتعطیل وظائف الجسم تعطیلاً جزئیاً دائمیاً کان أو مؤقتاً ، لذا فان حمایة الحق فی الحیاة تستلزم حمایة الحق فی سلامة الجسم لان الأخیر جزء من الأول ، فالاعتداء على الحق فی الحیاة فی مضمونه اعتداء على الحق فی سلامة الجسم تجاوز الحد الأقصى من الخطورة حتى ترتب على ذلک تعطیل وظائف الجسم بشکل تام ودائمی.
ثانیاً. الحق فی سلامة الجسم والحق فی حرمة الجثة
یعرف الإنسان بأنه (الکائن الحی والمفکر) مما یعنی أن الحیاة والقدرة على التفکیر هما صفتان تمیزان الإنسان ویترتب على ذلک انعدام الحیاة لهذا الکائن فان ذلک ینفی کونه إنساناً مما یعنی انتهاء حقه فی الحیاة وسلامة الجسم لان الأخیر تابع للأول ومستند إلیه وبذلک تنتهی الحمایة القانونیة للحقین معاً لان الإنسان سیتحول إلى جثة هامدة لا یصدق وصف الإنسان علیها، ولکن هذا لا یعنی إهدار الحمایة القانونیة للجثة التی تعتبر امتداداً لجسم الإنسان.
وغنی عن التعریف القدسیة التی یتمتع بها الإنسان روحاً وجسداً مما یستلزم حمایة هذا المخلوق الذی شرفه الله سبحانه وتعالى وکرمه على سائر المخلوقات قال تعالى "ولقد کرمّنا بنی آدم".وهذا الإطلاق الوارد فی الآیة الکریمة یفید أن التکریم یمتد بالنسبة للإنسان حتى بعد وفاته. کما یجب احترام مشاعر ذوی المتوفی وعواطفهم وذلک بتکریم جثمان قریبهم وعدم ابتذاله، لذا فان حمایة الإنسان فی حیاته وامتداد هذه الحمایة لتشمل جثمانه بعد وفاته هی بمثابة وحدة متکاملة من سیاج الحمایة القانونیة التی یجب أن یحظى بها الإنسان وذلک لما یستحق من احترام وتکریم، إن کلاً من الحق فی سلامة الجسم والحق فی حرمة الجثة ینصبان على جسم الإنسان ولکن الحق الاخیر یخلف الأول بعد انفصال الروح عنه وهذه هی الصلة بین الحقین.
وبما أن الجثة هی جسد الإنسان الذی زهقت روحه وفارق الحیاة فمن الطبیعی أن ینعدم فیها الإحساس بالألم، کما أنه لا محل لاعطاء هذه الجثة حقاً فی الاحتفاظ بمستوى صحی معین، مما یعنی أن الحق فی حرمة الجثة یضیق من حیث المضمون لیقتصر على الحق فی التکامل الجسدی دون العنصرین الاخرین اللذین یتکون منهما الحق فی سلامة الجسم.
إن الحق فی حرمة الجثة یتسع لیشمل زیادة على الحق فی تکامل الجثة، تجریم انتهاک حرمتها کالعبث بها بعد تجهیزها بأی صورة کانت. والذی لابد من ذکره أن الحق فی حرمة الجثة لا یعد من حقوق الشخصیة إلا أن حمایة هذا الحق تأتی من کون الجثة امتداداً لجسم الإنسان بعد وفاته.
المبحث الثانی
مضمون ونطاق الحق فی سلامة الجسم
سیتم تقسیم هذا المبحث إلى مطلبین، الأول لبیان مضمون الحق فی سلامة الجسم والثانی للتعرف على نطاق هذا الحق.
المطلب الأول
مضمون الحق فی سلامة الجسم
یتضمن الحق فی سلامة الجسم ثلاثة حقوق هی ، الحق فی التکامل الجسدی والحق فی الاحتفاظ بالمستوى الصحی للجسم والحق فی السکینة الجسدیة، وسنتناولها تباعاً کلاً فی فرع مستقل.
الفرع الأول
الحق فی التکامل الجسدی
یراد بهذا الحق، مصلحة الفرد فی الاحتفاظ بأعضاء جسمه کافة وبشکلها الطبیعی بصورة متکاملة من غیر نقص فیها أو تعدیل وتقوم فکرة التکامل الجسدی على أساس أن لا قیمة موضوعیة کاملة للحق فی سلامة الجسم دون أن یکون هذا الجسم متکاملاً ومحتفظاً بأجزائه کافة. فإذا ما فقد أی جزء من هذه الأجزاء بغض النظر عن أهمیته بالنسبة للجسم ودوره فی التکامل الجسدی فان ذلک سیؤدی إلى انتقاص فی القیمة الموضوعیة للحق فی سلامة الجسم ویستوی فی ذلک کون فقدان هذا الجزء کلیاً أو باستئصال جزء معین منه.
أما المصلحة فی الحق فی التکامل الجسدی فإنها تتمثل بالمحافظة على أعضاء الجسم الخارجیة والداخلیة بشکلها الطبیعی دون مساس بها بأی صورة کانت.
ولا یشترط أن یصاحب الفعل شعور بالألم أو یترتب علیه تدهور فی المستوى الصحی لکی یعتبر مساساً بالتکامل الجسدی لان هذا التکامل یقوم على اعتبار موضوعی بغض النظر عن الاعتبار الشخصی. کما یعد الفعل ماساً بالتکامل الجسدی إذا أدى إلى إضعاف قدرة الشخص على المقاومة کأخذ کمیة من دم الشخص دون رضاه. ویذهب الرأی السائد إلى اعتبار الأعمال الطبیة من صور المساس بسلامة الجسم والتکامل الجسدی إلا أن هناک ترخیصاً للقیام به من اجل العلاج وحفظ الصحة.
الفرع الثانی
الحق فی الاحتفاظ بالمستوى الصحی للجسم
یراد بهذا الحق المصلحة التی یعترف بها القانون للشخص فی أن یحتفظ بالنصیب الذی یتوافر لدیه من الصحة،وبعبارة أخرى مصلحة الشخص فی أن لا ینخفض مستواه الصحی. ویقوم هذا الحق على أساس مصلحة الفرد فی الاحتفاظ بصلاحیة أعضاء جسمه کافة لکی یتمکن من القیام بوظائفه المعتادة بشکل طبیعی دون الإخلال بقدرته على القیام بتلک الوظائف.
ویراد بالإخلال هنا المرض، الذی هو خلل یعتری بعض أعضاء الجسم فیعطلها تماماً أو یعوقها عن مباشرة وظیفتها بالشکل الأکمل. ویتحقق فی الخلل معنى المرض سواء کان عارضاً أو دائماً. کما یعد إخلالاً بالمستوى الصحی للجسم وبالتالی مساساً بالحق فی سلامته إحداث مرض جدید أو زیادة فاعلیة مرض کان الشخص یعانی منه.
یفهم مما سبق أنه یشترط لکی یکون الفعل ماساً بسلامة الجسم أن یترتب علیه انخفاض فی المستوى الصحی ویحدث ذلک عادة نتیجة الإصابة بمرض معین یؤدی إلى اعتلال الصحة التی یقصد بها "انتظام أعضاء الجسم فی أداء وظائفها" فإذا ما توقف هذا الانتظام فی أداء الوظائف الفسیولوجیة ترتب على ذلک اختلال فی المستوى الصحی للجسم ، فان کان ذلک مسبباً عد الفعل ماساً بسلامة الجسم.
ویجب إعطاء الصحة مفهوماً واسعاً لتشمل الصحة البدنیة والعقلیة (النفسیة) للجسم ما یعنی اعتبار الفعل ماساً بالجسم إذا ترتب علیه حدوث مرض عقلی.
وخلاصة ما سبق أن الانخفاض فی المستوى الصحی للجسم یعد متحققاً وبالتالی یعتبر مساساً بالحق فی سلامة الجسم إذا ما ارتکب أی فعل من شأنه إحداث أعراض غیر عادیة فی الجسم یترتب علیها انخفاض فی مقدرة الجسم على أداء وظائفه التی کان یقوم بها قبل ارتکاب الفعل بغض النظر عن المدة الزمنیة التی تستغرقها هذه الأعراض ومقدار خطورتها على الجسم.
الفرع الثالث
الحق فی السکینة الجسدیة
یقوم هذا الحق على أساس مصلحة الفرد فی عدم التعرض لأی نوع من الآلام لذلک فکل فعل یترتب علیه المساس بالسکینة الجسدیة بغیر اعتداء على الحق فی سلامة الجسم حتى لو لم یترتب علیه انخفاض فی المستوى الصحی للجسم أو انتقاص فی أعضائه وذلک لاستقلال عناصر الحق فی سلامة الجسم بعضها عن البعض الآخر. ولا یقتصر المساس بالسکینة الجسدیة على حالة المساس المباشر کما فی ضرب المعتدى علیه، بل یمکن أن یکون صورة غیر مباشرة فیکون التزاماً ثانویاً للمساس بأحد العنصرین الآخرین للحق فی سلامة الجسم أو کلاهما کما فی التسبب بنقل عدوى مرض إلى شخص مما یؤدی إلى الاخلال بمستواه الصحی وما ینتج عن ذلک من الام بدنیة.
والذی لابد من ذکره أن للسکینة الجسدیة جانباً اخر یتمثل بعدم التعرض للآلام النفسیة أیضاً، فالحمایة القانونیة لجسم الإنسان لا تقتصر على الأعضاء التی تؤدی وظائف عضویة کالقلب والأطراف فحسب وانما تتعداه لتشمل کذلک الأعضاء التی تؤدی وظائف نفسیة کمراکز الإحساس والشعور بالالم فلا حمایة قانونیة متکاملة لجسم الإنسان إذا لم تتضمن جانبی الجسم "الجانب المادی والجانب النفسی" فیعد الفعل اعتداء على الحق فی سلامة الجسم وان کان لا یمس الجانب المادی من جسم الإنسان وذلک إذا ترتب علیه المساس بالسکینة النفسیة وسبب له آلاماً نفسیة.
ویعد اعتداءاً على السکینة النفسیة أی فعل من شأنه إرباک الشخص فی ملکاته الذهنیة کإشعاره بالخوف أو الفزع أو القلق أو التهدید. ولا یخفى أن الاعتداء على السکینة النفسیة قد یکون له أثرٌ بالغٌ فی السکینة البدنیة کما فی الأزمات والاضطرابات النفسیة وحالات الغضب الشدیدة التی یترتب علیها تسارع نبضات القلب وضیق فی التنفس وارتفاع فی ضغط الدم وأحیاناً الإصابة بالصرع وغیر ذلک من الآثار فی السکینة البدنیة ، کما قد یترتب على الخلل الذی یصیب السکینة البدنیة حدوث اضطرابات فی السکینة النفسیة ،فالإصابات والجروح التی تترک بعض الآثار والتشوهات فی الجسم قد یکون لها أثر سلبی یتمثل فی الإصابة بأمراض نفسیة مزمنة یصعب التخلص منها.
ومن هنا یتجلى بوضوح حالة الترابط الشدید بین السکینة البدنیة والنفسیة فغالباً ما ینتج عن المساس بأحدهما التأثیر سلباً فی الأخرى.
المطلب الثانی
نطاق الحق فی سلامة الجسم
سیکون محور الدراسة فی هذا المطلب تحدید نطاق الحق فی سلامة الجسم من حیث کونه حقاً خالصاً للفرد أم أنه حق اجتماعی قبل أن یکون حقاً فردیاً وکل فی فرع مستقل، فی حین سیخصص الفرع الثالث للتوفیق بین اتجاهین.
الفرع الأول
الجانب الفردی للحق فی سلامة الجسم
یبرز هذا الجانب للحق فی سلامة الجسم متأثراً بأفکار الفلسفة اللیبرالیة القائمة على تقدیس الفرد واعتباره أساس الجماعة وأسبقیته فی الوجود منها وهو بذلک یتمتع بحقوق لا تنفصل عنه یکتسبها من آدمیته، وبناء على ذلک فان الفرد هو الغایة من قیام الجماعة مما یستلزم المحافظة على حقوقه وحریاته، لذلک فان القانون یقرر لکل فرد حقه فی الاحتفاظ بتکامله الجسدی وبمستواه الصحی وبسکینته الجسدیة على الحالة الطبیعیة، وهذه المزایا عبارة عن مصلحة یستفید منها بصورة أساسیة وان کانت تحقق فائدة للجماعة بصورة ثانویة غیر مباشرة ومقتضى ذلک أن للفرد مصلحة فی تجریم کل فعل یؤدی إلى المساس بهذه السلامة وأن کان یحقق أهدافاً تستفید منها الجماعة کالتطعیم ضد الأوبئة لان الحق فی سلامة الجسم هو حق للفرد قبل کل شیء، والملاحظ أن هذا الحق فی ظل التیار المتأثر بالفلسفة اللیبرالیة قد بلغ من التوسع فی نطاق الحمایة القانونیة إلى الدرجة التی حملت على الاعتراف للفرد بکل السلطات المباشرة على جسده فیما تختص الهیئة الاجتماعیة فی تأمین هذه الحمایة ،وای تقصیر فیها هو انتقاص من شخصیة الفرد.
إن ما سبق لا یمکن الأخذ به فی الوقت الحاضر وذلک لتعدد وظائف الدولة (التی تمثل المجتمع) وتشعب هذه الوظائف الأمر الذی أدى تغیر دورها من دولة حارسة إلى تدخلها فی فرض نظام یهدف إلى تحقیق مصالح المجتمع وهذا ما أدى إلى ظهور طائفة الحقوق الاجتماعیة باعتبارها ما یصدر من المجتمع من مطالب ورغبات یجب الحفاظ علیها لضمان دوام الحیاة لذا فقد اصبح لزاماً على الدولة عند تعارض حق المجتمع مع حق الفرد تغلیب حق المجتمع وتوفیر الحمایة له.
الفرع الثانی
الجانب الاجتماعی للحق فی سلامة الجسم
على النقیض من الجانب الفردی فی سلامة الجسم ، هناک جانب اجتماعی مهدت لابرازه الأفکار الفلسفیة الاشتراکیة وهی تقوم على تغلیب مصلحة المجتمع على مصلحة الفرد،وتعتبر الأول هو الأجدر بحمایة القانون وعلى ذلک لا ینظر إلى الفرد فی ذاته وإنما ینظر إلى المجتمع الذی یتکون منه مجموع الأفراد، لذلک فالفکر الاشتراکی یحضى بالقدر الأدنى من حقوق الأفراد ومنها الحق فی سلامة الجسم إذا ما کانت تتعارض مع مصلحة المجتمع.
وقد یثار التساؤل عن کیفیة نشوء الحق الاجتماعی وتعلقه بالسلامة الجسدیة للفرد مع کون الجسم الذی هو محل الحق مرتبطاً بشخصیة الفرد وجوداً أو عدماً ؟ وجواب ذلک أن لکل فرد عضو فی المجتمع وظیفة اجتماعیة تلقى على عاتقه وتعتبر واجباً اجتماعیاً تجاه الآخرین وهذه الواجبات بمجموعها تشکل مزایا اجتماعیة هی فی مفهومها حقوق اجتماعیة تجاه الأفراد، ولا یستطیع الفرد بإرادته المنفردة حرمان المجتمع منها، ولکی یکون الفرد قادراً على القیام بوظیفته الاجتماعیة بصورة صحیحة یجب أن یکون متمتعاً بسلامة جسمه، لا یعکر صحته وسکینته أی عائق، أی إن مصلحة المجتمع أن یحتفظ الأفراد بسلامتهم الجسدیة بصورة طبیعیة، لان أی خلل فی ذلک سیؤدی إلى خلل فی الوظیفة الاجتماعیة الملقاة على عاتقهم ، لذلک فالمشرع یعترف بالحق فی سلامة الجسم تأکیداً لمصلحة المجتمع فی ذلک.
ویبدو لنا أن القانون المدنی یمیل إلى تغلیب الجانب الفردی للحق فی سلامة الجسم إلى جانبه الاجتماعی لان ما یتم مراعاته عند التعویض هی الاعتبارات الخاصة بالمتضرر کحالته الصحیة ومرکزه الاجتماعی والمهنی، کما یراعی ایضاً مقدار العجز الذی اصابه من جراء المساس بجسمه، حیث یلاحظ أن التعویض یکون شخصیاً للمتضرر ولا علاقة للمجتمع بهذا التعویض، أی لا یراعى فی مقدار التعویض الضرر الذی لحق المجتمع نتیجة الاصابة التی لحقت احد أفراده وانما یقتصر التعویض عن شخص المتضرر وحده وهذا ما دعا إلى القول بان الجانب الفردی للحق فی سلامة الجسم هو الغالب وفقاً لفلسفة وتوجیهات القانون المدنی الذی یعنی حمایة الفرد وحقوقه المالیة وغیر المالیة.
الفرع الثالث
التنسیق بین جانبی الحق فی سلامة الجسم
بعد التعرف على نطاق الحق فی سلامة الجسم وذلک ببیان کل من الجانب الفردی والاجتماعی لهذا الحق، تبین أن هناک تعارضاً بین کل من الجانبین ، وتبرز أهمیة هذا التعارض فی بیان الحدود التی یسمح للفرد فیها بالمساس فی حقه فی سلامة جسمه لذا فقد کانت هناک محاولات لإزالة هذا التعارض والتوفیق بین الجانبین للحق فی سلامة الجسم، انتهت إحدى هذه المحاولات إلى القول بان الجسم فی الأصل محل لحق الفرد بشرط عدم تجاوز الحدود التی تمثل الجانب الاجتماعی للحق فی سلامة الجسم التی یکون الجسم فیها محل ارتفاق مقرر لمصلحة المجتمع فإذا ما تحرر حق الفرد فی سلامة جسمه من ارتفاق المجتمع کان الفرد سلطة التصرف فی هذا الحق فیکون لرضاء الفرد بالمساس بسلامة جسمه قیداً أو استثناءً من حالات الاعتداء على هذا الحق لانه صادر عمن له الحق فی اصداره ما دام خارج الحدود التی یمس فیها الحق المقرر للمجتمع. ولکن الرأی السابق لم یعطِ معیاراً دقیقاً لبیان الحدود الفاصلة بین هذین الجانبین، لذلک قامت محاولات أخرى لهذا الغرض، وابرز هذه المحاولات فی الجانب التشریعی هو ما جاء به القانون المدنی الایطالی فی المادة الخامسة التی نصت على "أن اعمال التصرف التی تصدر من شخص متعلقة بجسمه محظورة إذا أفضت إلى انتقاص دائم فی التکامل الجسدی أو کانت بوجه اخر مخالفة للقانون أو النظام العام أو الاداب العامة" وکذلک نصت المادة (226) من قانون العقوبات الالمانی فی فقرتها الاولى على أن "من ارتکب ایذاءً بدنیاً برضاء من المجنی علیه فلا یعد فعله غیر مشروع الا إذا کان على الرغم من الرضاء به یتعارض والاداب المهنیة".
ویبدو لنا أنه رغم الصعوبة التی تواجه الاخذ بفکرة الآداب العامة کوسیلة للتمییز بین جانبی الحق فی سلامة الجسم فإنها تعد أفضل ما یمکن الأخذ به فی هذا الشأن على الأقل فی نطاق القانون المدنی إذ إن الغالب فیه هو الجانب الفردی للحق فی سلامة الجسم، ویترتب على ذلک القول إنه إذا کان الفعل ماساً بسلامة الجسم ولا یتعارض مع الآداب العامة فهو إذاً فی نطاق الجانب الفردی للحق فی سلامة الجسم مما یعنی مشروعیته قانوناً ، أما فی حالة تعارض الفعل الماس بسلامة الجسم مع الآداب العامة، فانه قد خرج من الجانب الفردی للحق فی سلامة الجسم لیدخل إلى الجانب الاجتماعی له مما یعنی بطلان هذا الفعل.
المبحث الثالث
أحکام الحق فی سلامة الجسم
ینضوی فی ظل أحکام حق الشخص فی سلامة جسمه عنوانان رئیسیان هما القیود التی ترد على هذا الحق ووسائل حمایته ، وسنفرد لکل منهما مطلباً مستقلاً.
المطلب الأول
القیود التی ترد على الحق فی سلامة الجسم
الأصل أن کل فعل یترتب علیه المساس بالحق فی سلامة الجسم هو من صور المساس به وهذه الصور کثیرة ومتعددة یصعب حصرها، لذا نترک مسألة اعتبار الفعل ماسا بالحق فی سلامة الجسم أو لا، للسلطة التقدیریة لمحکمة الموضوع، ولکن هذا الأصل لیس مطلقاً وانما یرد علیه تحفظ تام یتمثل بالقیود التی ترد على الحق فی سلامة الجسم والتی هی حالات تعد فی الاصل من صور المساس بهذا الحق ولکنها لمبررات معینة تعدد استثناءً على هذه الصور مما یسدل علیها ستار المشروعیة. وبالتالی تعد قیوداً على الحق فی سلامة الجسم واستثناءً على قاعدة عدم جواز المساس به، وسیتم تقسیم هذا المطلب إلى فرعین الأول لبیان القیود الارادیة الواردة على الحق فی سلامة الجسم ، أما الثانی فمخصص للقیود القانونیة الواردة علیه.
الفرع الأول
القیود الإرادیة الواردة على الحق فی سلامة الجسم
هی تلک الحالات التی یتم بموجبها الاعتراف للفرد بنوع من السلطات المباشرة على جسمه ویقابلها تحدید سلطات المجتمع علیه متمثلة بشکل خاص بالأعمال الطبیة، فحرمة جسم الإنسان المتأتیة من حقه فی سلامة جسمه تقتضی حظر المساس بجسم الإنسان کقاعدة عامة، وبالرغم من أن الأعمال الطبیة تتطابق إلى حد کبیر مع الأفعال الماسة لسلامة الجسم کالجرح مثلاً، الا أن هناک اتفاقاً على مشروعیة الاعمال الطبیة لان هدفها هو صیانة حق الإنسان فی سلامة جسمه لا الاضرار به ، واساس هذه المشروعیة یجد اساسه فی الرخصة المخولة للأطباء قانوناً بمزاولة مهنة الطب فضلاً عن رضاء المریض الذی یعتبر شرطاً للتصریح بالاعمال الطبیة.
تعرف الاعمال الطبیة بانها تلک الافعال التی تخضع للقواعد المسلم بها فی علم الطب والقواعد المستمدة من الخبرة الطبیة ، حیث یتعین خضوعها لهذه القواعد من حیث الحالة التی تستدعی القیام بها وتشخیصها ومن ثم کیفیة القیام بها. واستناداً إلى ما سبق یلزم فی من یمارس مهنة الطب أن یکون کفوءاً فی هذا الجانب وذلک بحصوله على الشهادة الطبیة ومن ثم القیام بالجانب العملی أو التطبیقی لهذه المهنة کحد ادنى لان کفاءة الطبیب وقابلیاته لا یمکن تحدیدها بشروط معینة ولکن یجب أن یکون الطبیب ملماً فی اختصاصه علمیاً وعملیاً اکثر من باقی الاختصاصات الاخرى وله اطلاع فی مجال عمله یفوق ما لدى الأطباء الاخرین. مما تقدم یتضح أن هناک شروطاً یجب توافرها للقول بمشروعیة الاعمال الطبیة وهی:
کما یجب على الطبیب ابتداءً عند تشخیص المرض أن یتحرى الدقة فی عمله وفقا لما تقتضیه أصول مهنته، وذلک وصولاً إلى العلاج الامثل للمرض وتجنب الاخطاء فی تحدید نوع المرض مما یستلزم من الطبیب بذل قصارى جهده لکی تکون له نقطة انطلاق صحیحة فی معالجة الحالة المعروضة علیه.
إن العصر الحدیث قد شهد افاقاً جدیدة للاعمال الطبیة، فی مقدمتها عملیات زرع الأعضاء البشریة وعملیات نقل الدم والجراحة التجمیلیة والتجارب الطبیة على الجسم البشری وعملیات الاجهاض وعملیات التعقیم الجنسی وعملیات التلقیح الصناعی والتجارب الطبیة فیجب لمشروعیة هذه الاعمال أن لا تخرج عن النطاق الذی وجدت من اجله ، فاذا ما سیء استخدامها خرجت من نطاق المشروعیة وعدت من صور المساس بالحق فی سلامة الجسم.
الفرع الثانی
القیود القانونیة الواردة على الحق فی سلامة الجسم
یراد بهذا النوع من القیود تلک الحالات التی یتم بموجبها المساس بسلامة الجسم دون اعتبار لارادة صاحبه اقتضاء لمتطلبات ضروریة تهم عامة المجتمع، وما یمیز هذا النوع من القیود عن تلک التی تم بیانها فی الفرع السابق هو أن دور ارادة الشخص فیها یکون محدوداً أو هو معدوم کلیاً أما فی الثانیة فان لارادة الشخص دوراً بارزاً واساسیاً ویجب توافرها لاضفاء المشروعیة على ذلک النوع من القیود، ویدخل فی ظل القیود القانونیة ما یمکن تسمیته بضرورات الاثبات المدنی ویهمنا منها فحص الدم کطریقة لاثبات النسب لان وسیلة الحصول على الدم یترتب علیها المساس بسلامة الجسم المتمثلة بسحب الدم من جسم الإنسان وما یصاحب ذلک من وخز وألم وان کان بسیطاً فهو یعد مساساً بالسلامة الجسدیة ، ولکن ضرورات الاثبات تبرره خصوصاً المتعلقة بالنسب ، ولم ینص المشرع العراقی على فحص الدم کوسیلة للاثبات ولکن یمکن ذلک استناداً إلى نص المادة (104) من قانون الاثبات العراقی لسنة 1979 التی نصت على أن "للقاضی أن یستفید من وسائل التقدم العلمی فی اثبات القرائن القضائیة" کما نصت المادة (70) من قانون أصول المحاکمات الجنائیة العراقی على فحص الدم کوسیلة إثبات یمکن الاستناد الیها فی الاثبات دون رضا الشخص إذا تطلبتها ضرورات التحقیق وهو من الامور الجوازیة لقاضی التحقیق والمحقق ویمکنهم اللجوء الیها إذا دعت الیها الحاجة، ولکن هذا الامر لم یعد یثیر الاشکال الذی کان فی السابق وذلک بعد اکتشاف تقنیة البصمة الوراثیة أو الـ (DNA) فهذه علاوة على انعدام الاضرار المرافقة للحصول علیها من الجسم ومن کل أجزائه وافرازاته فهی تعطی نتائج دقیقة وبصورة قطعیة لا تقبل الشک. ویبدو أن اعتماد هذه الوسائل الحدیثة فی إثبات النسب أمر جدیر بالتأیید إذا کان متفقاً مع أحکام الشریعة الإسلامیة من حیث الحل والحرمة وذلک لان وسائل إثبات النسب فی الشریعة الإسلامیة هی الفراش والإقرار والبینة.
کما تعد ضرورات الصحة العامة هی الاخرى قیداً قانونیاً یرد على الحق فی سلامة الجسم کإلزام الفرد بالخضوع للتحصین والتطعیم ضد الأمراض، فعند الاشتباه بوجود مرض یکون للجهات الصحیة المختصة الحق فی الکشف على الأشخاص للتأکد من خلوهم من المرض وأخذ نماذج التحلیل المختبری منهم کما لهذه الجهات الحق فی أخذ نماذج التحلیل من أی شخص عند الاشتباه یکون حاملاً لمسبب مرض أو أنه فی دور حضانة احد الأمراض الانتقالیة وکذلک عزل هذا الشخص أو حجره لغرض فحصه والتأکد من خلوه من المرض ومعالجته عند ثبوت إصابته بهذا المرض.
المطلب الثانی
وسائل الحمایة القانونیة المدنیة للحق فی سلامة الجسم
بعد التعرف على مفهوم الحق فی سلامة الجسم وطبیعته القانونیة والوقوف على مضمون هذا الحق ونطاقه بالاضافة إلى بیان القیود الواردة علیه . تبین لنا بوضوح الأهمیة الفائقة التی یحظى بها هذا الحق والذی لا یختلف اثنان على أنه اولى الحقوق بالرعایة والاهتمام وبان یکون الاجدر بتوفیر الحمایة القانونیة لها بمختلف السبل التی یهمنا منها ما نص علیه القانون المدنی المقارن والتی تبین عند الرجوع الیها أنها متفقة على وسیلتین لحمایة الحق فی سلامة الجسم هما وقف الاعتداء والتعویض، وسیتم بیان هاتین الوسیلتین کلاً فرع مستقل.
الفرع الأول
وقف الاعتداء کوسیلة وقائیة لحمایة الحق فی سلامة الجسم
یمکن القول إن الوسیلة الوقائیة لحمایة الحق فی سلامة الجسم هی الاجراء الذی یتم اللجوء إلیه للحیلولة دون المساس بهذا الحق ، ویعتبر وقف الاعتداء السبیل الامثل لحمایة تلک الحقوق لان من المعلوم أن الوقایة خیر من العلاج فضلاً عن أن هذه الاجراءات تمثل الحمایة الحقیقیة للحق فی سلامة الجسم الذی یفضل حمایته من الاعتداء قبل وقوعه.
أما بالنسبة لوقف الاعتداء فهو بمثابة التنفیذ العینی لالتزام الجمیع باحترام حقوق الشخصیة بما فیها الحق فی سلامة الجسم، ویجب أن لا یفهم من عبارة وقف الاعتداء من العمومیة بحیث یمکن أن تشمل وفق الاعتداء قبل أن یبدأ أی منع لوقوعه أساساً.
ویبدو لنا أن عبارة وقف الاعتداء ینصرف مفهومها إلى منع وقوع الاعتداء اکثر من وقفه باعتبار أن وقف الاعتداء هو إجراء وقائی والوقایة تتطلب التحرز من وقوع الاعتداء وتلافی ذلک وعدم الانتظار لحین البدء بتحقق ذلک الاعتداء لکی یشرع بالاجراءات الکفیلة لوقفه، ولهذا السبب فان القوانین التی نصت على حمایة الحق فی سلامة الجسم لم تتطلب وقوع الضرر لامکانیة رفع دعوى وقف الاعتداء فوجود الضرر هو شرط للحکم بالتعویض ولیس لوقف الاعتداء.
یتضح مما سبق أن بالامکان طلب وقف الاعتداء لحمایة الحق فی سلامة الجسم ولو لم یکن هناک ضرر فعلی قد وقع، فیکفی أن یکون هناک ضرر محدق أی وشک الوقوع لتبریر طلب حمایة هذا الحق منه.
ویذهب الفقه إلى امکانیة اللجوء إلى القضاء المستعجل لوقف الاعتداء على جمیع حقوق الشخصیة بما فی ذلک الحق فی سلامة الجسم.
وبالنسبة لاسالیب وقف الاعتداء فان ذلک یعتمد على الطریقة التی بواسطتها انتهاک الحق، ونظراً الى تعدد صور الاعتداء على الحق فی سلامة الجسم فقد تعددت حالات وقفه التی لا یمکن حصرها فی حالات محددة، ففیما یخص الاعتداءات الماسة بسلامة الجسم. یذهب الفقه إلى وجوب منعها بمختلف السبل، أیا کانت صورة ذلک الاعتداء فعلى سبیل المثال لا یجوز اجبار شخص على أخذ عینة من دمه لغرض الحصول على دلیل فی الدعوى المرفوعة امام القضاء ، فمثل هذه الأفعال یجب منعها لأن فی القیام بها من قبل الأفراد ودون اخذ إذن الجهات المختصة اهدار کبیر للحق فی سلامة الجسم. ویسری هذا القول ایضاً عندما یتم القیام بای من الأعمال الطبیة فی حالة تخلف کل أو بعض الشروط الواجب توافرها لمشروعیة هذه الأعمال.
ولم ینص القانون المدنی العراقی على إمکانیة اللجوء إلى وقف الاعتداء على الحق فی سلامة الجسم کما فعل المشرع المصری فی المادة (5) من القانون المدنی باعتبار أن هذا الحق هو أحد أهم حقوقه الشخصیة وهذا الموقف یحسب على المشرع العراقی.
ومن الضروری تلافیه بإصدار نص قانونی یسد هذا الفراغ التشریعی ولذلک الحین یمکن اللجوء إلى الفقرة (3) من المادة (1) من القانون المدنی العراقی باعتبار أن هذا الامر سائر فی مصر التی تعد اکثر الدول التی تتقارب قوانینها مع القوانین العراقیة.
ولابد من ذکره أن مسالة وقف الاعتداء أو المحاسبة علیه تعد اقرب إلى قانون العقوبات من القانون المدنی لان المسؤولیة الجنائیة هی التی تؤسس على الفعل الخطأ إذا ما کان یشکل جریمة أم لا سواء ترتب علیه ضرر أو لم یترتب.
أما المسؤولیة المدنیة فانها تؤسس على عنصر الضرر الذی قد ینتج عن ذلک الفعل، فمقدار العقوبة فی قانون العقوبات یتناسب مع درجة الخطأ فی حین یتناسب الجزء فی القانون المجنی مع مقدار الضرر. ورغم ذلک فان القوانین المدنیة قد خرجت عن هذه القاعدة بإعطائها الحق بوقف ومنع الاعتداء على حقوق الشخصیة بما فیها الحق فی سلامة الجسم حتى لو لم یترتب على ذلک ضرر ولا یخص ما فی هذا الامر من تدعیم لحمایة هذه الحقوق والتأکید على أن الوقایة من الاعتداء هی الأسلوب الأمثل لحمایة هذا الحق.
الفرع الثانی
التعویض کوسیلة علاجیة لحمایة الحق فی سلامة الجسم
یقصد بالوسیلة العلاجیة ما یتم اللجوء الیه لاصلاح الأضرار الناشئة عن المساس بالحق فی سلامة الجسم وهذه الوسیلة هی التعویض الذی یعد أثراً یترتب على قیام المسؤولیة المدنیة مما یعنی أنه یشترط الحکم بالتعویض توافر ارکان المسؤولیة التقصیریة من خطأ وضرر وعلاقة سببیة ویقصد بالعلاقة السببیة وجود علاقة مباشرة بین فعل المساس بالحق فی سلامة الجسم والضرر الذی أصابه وبعبارة أخرى إن الضرر هو نتیجة طبیعیة لذلک الاعتداء، أما الخطأ فهو الإخلال بالتزام قانونی عام یصدر عن إدراک. وهذا یعنی أن للخطأ عنصرین الأول: مادی وهو التعدی والثانی معنوی وهو الإدراک ، فبالنسبة للعنصر الأول وهو التعدی على الحق فی سلامة الجسم فیتحقق بمجرد مجاوزة الشخص للحدود التی یجب علیه الالتزام بها وهی عدم المساس غیر المشروع بالحق فی سلامة الجسم، معتمداً کان أم غیر معتمد أی سواء اتجهت أرادته للقیام بذلک الفعل أم نتج عن إهمال وتقصیر منه ویستعان فی تحدید التعدی بمعیار موضوعی مجرد وذلک بقیاس الفعل الماس بالحق فی سلامة الجسم بسلوک الشخص المعتاد الذی یمثل غالبیة الناس ، ویکون ذلک بصورة خاصة فی الشروع الذی هو البدء بتنفیذ فعل بقصد ارتکاب جنایة أو جنحة إذا أوقف أو خاب أثره لأسباب لا دخل لارادة الفعل فیها ، وهذا التعریف نص علیه المشرع العراقی فی المادة (30) من قانون العقوبات العراقی النافذ.
أما بالنسبة للعنصر الثانی وهو الإدراک (التمییز) فیذهب الرأی السائد إلى أن مجرد المساس بالحق فی سلامة الجسم یتحقق الخطأ، سواء کان عمدیاً أو غیر عمدی. ولان التعمد لا یمکن أن یصدر الامن الممیز باعتباره خطأ والخطأ لا یمکن نسبته لعدیم التمییز. فإن المساس بالحق فی سلامة الجسم یعد متحققاً سواء صدر من الممیز أو غیره. واستناداً إلى ما سبق یمکن القول إن الخطأ کرکن للمسؤولیة التقصیریة فی نطاق الحق فی سلامة الجسم یقوم على عنصر التعدی فقط بغض النظر عن وجود الادراک أو عدمه. ویمکن تبریر ذلک بالقول إن هدف التعویض هو جبر الضرر ولیس العقوبة.
أما بالنسبة للضرر فیراد به الأذى الذی یصیب الشخص من جراء المساس بای حق أو مصلحة مشروعة مما یوجب التعویض عن ذلک. والضرر إما أن یکون مادیاً وهو الذی ینصب على حق مالی ویشترط أن یخل بحق أو مصلحة مالیة للمضرور. کما لو تم المساس بجسم الإنسان والاعتداء علیه بای شکل یترتب علیه الاخلال بقدرته على الکسب أو تکبید نفقات مالیة لغرض العلاج، أو أن یکون الضرر أدبیاً ویعرف بانه "ما یصیب الجسم أو الشرف أو العاطفة أو مجرد الاعتداء على حق بمجرد المساس بالناحیة النفسیة للذمة الادبیة یترتب علیه ضرر أدبی.
ویتخذ التعویض صورتین فهو إما أن یکون تعویضاً عینیاً ، أی إصلاح الضرر إصلاحاً تاماً بإعدة المتضرر إلى نفس الوضع الذی کان علیه قبل الاعتداء ایاً کان نوع الاضرار والاصابات ویکون ذلک فی نطاق الأعضاء الصناعیة والاطراف غیر الطبیعیة فیما یتعلق بالحق فی سلامة الجسم بصورة خاصة کما فی الزام المسؤول باستبدال العضو المتضرر کما کانت قبل الاعتداء علیها.
کما یمکن القیام بذلک بالالتزام باجراء عملیات الجراحة التجمیلیة لاصلاح التشوهات الناجمة عن تلک العملیات فیجوز للقاضی بناء على طلب المضرور أن یقضی باعادة اجراء العملیة أو اصلاح الضرر. أو أن یکون التعویض بمقابل ویکون إما غیر نقدی أی أن تأمر المحکمة بأداء أمر معین على سبیل التعویض. وحسب الحالات التی تم بها الاعتداء وکما تراه المحکمة أو أن یکون التعویض نقدیاً وهو مبلغ من النقود یلزم مرتکب الفعل الضار بدفعه للمضرور. ویتأثر مقدار التعویض النقدی الذی تحکم به المحکمة بعده عوامل تتعلق بمن تم المساس بحقه فی سلامة جسمه کحالته الصحیة والمالیة والعائلیة والاجتماعیة. وکذلک هناک عوامل تتعلق بالمتضرر کخطئه والذی قد یؤدی إلى نفی المسؤولیة عن الفاعل الذی اعتبرته المادة (211) من القانون المدنی من حالات السبب الأجنبی.
الخاتمة :
تتضمن الخاتمة الوقوف على نتائج الدراسة وما یرى من توصیات بشأنها وذلک فی فقرتین:
أولاً. النتائج :
ثانیاً. التوصیات :
The Authors declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English) and References (English)
Sources :
First: Sources of Arabic Language:
1. Ibrahim Mustafa et al., The Medieval Glossary, Second Edition, Dar al-Dawa, Istanbul, 1989.
2. Ibn Manzoor, San'a al-Arab, Dar al-San al-'Arab, Beirut, no year printed.
Second: Legal Sources:
1. Dr. Ibrahim El-Desouki Abu El-Leil, Introduction to Law Theory and Theory and Theory of Right, Kuwait University, Kuwait, 1982.
2. Abu Al-Yazid Ali Al-Matait, Political Systems and Public Freedoms, Second Edition, University Youth Foundation, Alexandria, 1982.
3. Dr. Ahmed Sharaf al-Din, Transfer of the Right to Compensation for Physical Injury, Dar al-Hadara al-Arabiya, Fajala, 1982.
4. Dr. Ahmed Shawki Omar Abu-Tuba, Criminal Law and Modern Medicine, Modern Arabic Press, Cairo, 1986.
5. Dr. Ahmad Al-Kubaisi, Personal Status in Jurisprudence, Jurisdiction and Law, Part I, Baghdad, 1970.
6. Dr. Hossam El-Din El-Ahwani, The Right to Respect Private Lives, Dar al-Nahda al-Arabiya, Cairo, 1987.
7. Hussein Amer, Abdul Rahim Amer, Civil Liability of Tortuality and Contractualism, Second Edition, Dar Al Ma'aref, Alexandria, 1979.
8. Dr. Ramadan Abu al-Saud, the mediator in explaining the introduction of civil law, the general theory of the right, university house, Beirut, 1985.
9. Dr. Riyadh Al-Qaisi, Science of the Origins of Law, First Edition, House of Wisdom, Baghdad, 2002.
10. Dr. Saadoun Al Ameri, Compensation for Damage in Tort Liability, Legal Research Center, Baghdad, 1981.
11. Dr. Suleiman Marks, Civil Liability in the Techniques of the Arab Countries, Section (1), Institute of Arabic Studies, 1971.
12. Dr. Abdulhadi Hijazi, Introduction to the Study of Legal Sciences, Part II, Theory of Right, Kuwait University, Kuwait, 1970.
13. Dr. Abdel-Razzaq Ahmed Al-Sanhoury, the mediator in explaining the civil law, part one, Dar al-Nahda al-Arabiya, Cairo, 1964.
14. Dr. Abdulmajeed al-Hakim, d. Abdul Baki Bakri, d. Mohamed Taha Al-Bashir, Al-Wakiz in the Theory of Commitment in the Iraqi Civil Code, Dar al-Kut Books and Publishing, Mosul, 1980.
15. Dr. Awad Mohammed, Crimes of People and Money, First Book, University Press House, Alexandria, 1985.
16. Dr. Mohammed Abu Zahra, Crime and Punishment in Islamic Jurisprudence, Arab Thought House, Cairo, No Year Printed.
17. Dr. Mohamed AbdelAal El-Senary, General Theory of Public Rights and Freedoms, First Edition, Legal Library, Cairo, No Year Printed.
18. Dr. Munther Al-Shawi, Philosophy of Law, Directorate of Dar al-Kutab for Printing and Publishing, Baghdad, 1994.
Third: Legal Research:
1. Dr. Ahmed Fathi Sorour, Criminal Psychology, Journal of Law and Economics, 7th issue, sixth year, 1937.
2. Dr. Ahmed Mohamed Khalil, Forensic Biology and Genetic Implications, Ajman University of Science and Technology Journal.
3. Dr. Sultan Al-Shawi, Crimes against Body Safety, Journal of Legal Sciences, Vol. X, No. (2), 1994.
4. Mr. Al-Hadi Al-Merih, The Body between Medicine and Law, Journal of Sharia and the Tunisian Judiciary, No. (9), Sunnah (20).
5. Dr. Mahmoud Naguib Hosni, The Right to Bodily Integrity and the Extent of Protection Provided by the Penal Code, Journal of Law and Economics, No. (3), Year (29), 1959.
Fourth: Medical Sources:
1. Dr. Raji Abbas Al-Tikriti, Professional Behavior of Physicians, Al-Ani Press, Baghdad, 1970.
2. Shafiq Abdul Malik, Anatomy of the Human Body, Part I, Cairo, 1959.
Fifth: Letters and university papers:
1. Nabil Abdel-Amir Abdel-Amery, Physical Injury and Compensation in Civil Liability, Master Thesis, Nahrain College of Law, 2002.
2. Anas Ghannam Jabara Al-Hiti, Damage to the Human Right to Maintain Body Safety, Master Thesis, Nahrain College of Law, 2002.
3. Jasim Mohammed Rushdie, Physical Injury Resulting from Physical Injury, Master Thesis, Faculty of Law, University of Baghdad, 1989.
4. Birk Faris Hussein Al-Jubouri, Personal Rights and Civil Protection, Master Thesis, Faculty of Law, University of Mosul, 2004.
5. Riyad Ahmed Abdul Ghafoor Al-Ani, plastic surgery and the responsibility of the resulting civil doctor, Master Thesis, Nahrain College of Law, 2002.
6. Sabah Sami Daoud, Criminal Responsibility for Torture of Persons, PhD thesis, Faculty of Law, University of Baghdad, 2000.
Sixth: Laws:
1. The Iraqi Civil Code No. (40) for the year 1951 amended.
2. Iraqi Penal Code No. (111) for the year 1969 amended.
3. Civil Procedure Code No. (83) of 1969 Amended.
4. Iraqi Public Health Law No. 89 of 1981.
5. Law of the Iraqi Eyes Banks, No. (113) for the year 1970 amending.
6. Iraqi Criminal Procedure Law No. (23) of 1971 Amended.
7. Jordanian Public Health Law No. 21 of 1971.
8. The law of organ transplantation of Iraqi people No. (85) for the year 1986.
9. French Civil Law of 1804 edition 2003.
10. The Egyptian Civil Code No. (131) for the year 1948 amended.
11. The Syrian Civil Code No. (84) of 1949 amending.
12. Jordanian Civil Law No. (43) for the year 1976 amending.
13. Yemeni Civil Law No. (19) for the year 1992.