الملخص
بالرغم من نص المشرع العراقی على هبة الدین ضمن نصوص القانون المدنی إلى جانب نصوص الهبة مستمداً قواعدها من الفقه الإسلامی لکنه لم یوضح فی صیاغتها خصائصها المستقلة التی تمیزها عن الهبة بشکل عام, فهبة الدین تصرف قانونی ینشأ بإرادة الدائن المنفردة, حیث یسقط حقه مقابل نشوء التزامه بهذا الإسقاط وهو عدم المطالبة بالدین
الكلمات الرئيسة
الموضوعات
أصل المقالة
هبـــة الدیـــن-(*)-
The debt of ex gratia
یسرى ولید إبراهیم کلیة الإدارة والاقتصاد / جامعة الموصل Yusra Walid Ibrahim College of Administration and Economics / University of Mosul Correspondence: Yusra Walid Ibrahim E-mail: |
(*) أستلم البحث فی 20/4/2005 *** قبل للنشر فی 18/7/2005.
(*) Received on 20/4/2005 *** accepted for publishing on 18/7/2005.
Doi: 10.33899/alaw.2006.160484
© Authors, 2006, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
مقدمة :
تضم الفقرات الآتیة:
أولاً. مشکلة البحث
بالرغم من نص المشرع العراقی على هبة الدین ضمن نصوص القانون المدنی إلى جانب نصوص الهبة مستمداً قواعدها من الفقه الإسلامی لکنه لم یوضح فی صیاغتها خصائصها المستقلة التی تمیزها عن الهبة بشکل عام, فهبة الدین تصرف قانونی ینشأ بإرادة الدائن المنفردة, حیث یسقط حقه مقابل نشوء التزامه بهذا الإسقاط وهو عدم المطالبة بالدین.
ثانیاً. هدف البحث
یهدف البحث إلى حث الدائنین وخاصة الموسرین منهم على هبة دینهم لمدینیهم الفقراء, فهبة الدین للمدین الفقیر تعد عملاً من أعمال الثواب والمغفرة والقربة من الله تعالى وتطهیر من الذنوب.
ثالثاً. أهمیة البحث
هبة الدین للمدین أو لغیره من المواضیع المهمة من الناحیتین النظریة والعملیة, فهی تطرح موضوعاً تطبیقیاً مهماً من تطبیقات التصرف القانونی الذی تنشؤه الإرادة المنفردة والمنظمة بصورة متفرقة ضمن ثنایا أبواب القانون المدنی, دون أن یحوز موضوع هبة الدین على اهتمام شراح القانون بالشرح والتوضیح على الرغم من خصها بنص مستقل, فضلاً عن ذلک فإن هذا الموضوع وان تمیز بندرة تطبیقاته القضائیة لکنه قد یکون محلاً لتساؤلات قانونیة عدیدة منها ما یخص الدائن أو المدین أو الغیر الذی انتقل إلیه الدین فی حالة هبته له.
رابعاً. فرضیة البحث
یفترض البحث تطبیق أراء الفقه المالکی على موضوع هبة الدین بدلاً من أراء فقه الحنفیة التی اعتمدها القانون المدنی العراقی فی صیاغته نص هذه الهبة, لکی یتم تحدید الأفضل فی معالجتها وتناول تفاصیلها.
خامساً. منهجیة البحث
اعتمد البحث المنهج المقارن من خلال مقارنة الآراء الفقهیة الإسلامیة وهی الحنفیة والمالکیة وأیضاً مقارنة القانون المدنی العراقی بالقانون المدنی الأردنی للوقوف على الفروقات بینهم. واعتمد البحث أیضاً المنهج التحلیلی بتحلیل أراء أهل اللغة وأراء الفقه الشرعی فی بعض الأمور التی تقتضی ذلک.
سادساً. هیکلیة البحث
توزع البحث على المباحث والمطالب الآتیة:
المبحث الأول / التعریف بهبة الدین
المطلب الأول / تعریف هبة الدین
المطلب الثانی / الأدلة الشرعیة على جواز هبة الدین
المطلب الثالث / أرکان هبة الدین
المبحث الثانی / أثار هبة الدین
المطلب الأول / أثر هبة الدین للمدین
المطلب الثانی / أثر هبة الدین للغیر
المبحث الأول
التعریف بهبة الدین
للتعرف على أی نظام قانونی ینبغی تعریفه أولاً, وتقدیم الأدلة الشرعیة على جوازه ثانیاً, ثم إیضاح الأرکان التی ینهض علیها. وسیتم ذلک من خلال المطالب الثلاثة الآتیة:
المطلب الأول: تعریف هبة الدین
المطلب الثانی: الأدلة الشرعیة على جواز هبة الدین
المطلب الثالث: أرکان هبة الدین
المطلب الأول
تعریف هبة الدین
لتعریف هبة الدین ینبغی الرجوع إلى الکتب اللغویة والفقهیة لکی یصار إلى تعریفها من الناحیة القانونیة, ولهذا سیتوزع هذا المطلب على الفروع الثلاثة الآتیة:
الفرع الأول: فی اللغة
الفرع الثانی: فی الفقه الشرعی
الفرع الثالث: فی القانون
الفرع الأول: فی اللغة
قال اللغویون فی باب (هب), إن الهاء والباء یدلان على الانتباه والاهتزاز والحرکة وربما دلّ على رقة الشیء, وبوّب هؤلاء اللفظ (هب) فی بابین هما:
الأول: هبت الریح تهب هبوباً, وهب النائم یهب هباً. ومن أین هببت یا فلان کأنه قال: من أین جئت, من أین انتهت لنا. وقیل غاب فلان ثم هب. ویقولون هب یفعل کذا. وهززت السیف فهب هبة. وهبّته هزته ومضاؤه فی ضریبته. وسیف ذو هبة. وهبّ البعیر فی السیر نشط.
الثانی: تهبب الثوب: بلیّ. ویقال لقطع الثوب هبب. وهبهب السراب: ترقرق والهباب السراب.
وقال اللغویون عن الدین بأنه الطاعة, یقال دان له یدین دینا, إذا انقاد وأطاع. وقوم دین أی مطیعون منقادون.
والدیًّن: یقال داینت فلاناً: إذا عاملته دینا إما أخذاً وإما عطاءً. ویقال دنت وأدنْتُ إذا أخذت بدین. وأدنت: أقرضت وأعطیت دیناً.
بالاستناد على الباب اللغوی الأول لتعریف الهبة والتعریف اللغوی للدین، یمکن القول أن المقصود بهبة الدین فی اللغة هو تحریک الدین لنقله من جهة إلى جهة أخرى أی من الدائن إلى المدین بوصفه الملتزم به فلا یعد ملتزماً بأدائه.
الفرع الثانی: فی الفقه الشرعی
تباین الفقه الشرعی فی تعریف هبة الدین لتباین أنواعها، إذ میز هبة الدین للمدین عن هبته لغیر المدین، فکانت لهم التعاریف الآتیة:
أولاً. هبة الدین للمدین:
اتفق الفقهاء المسلمون على جوازها لکنهم اختلفوا فی تعریفها فتوزعوا على الآراء الآتیة:
الرأی الأول: جمهور الحنفیة
قالوا:هبة الدین للمدین فیها وجهان الأول وصف وهو الاسقاط، إذ یسقط الدائن بإرادته المنفردة دینه الثابث فی ذمة مدینه دون أن یتوقف تمام هذا الاسقاط على قبول المدین. والوجه الثانی تملیک مال أی نقل للملک لهذا ترتد الهبة برد المدین لها سواء فی المجلس أم بغیره.
الرأی الثانی: جمهور الحنابلة والشافعیة والجعفریة
قالوا: أن یبرئ الدائن مدینه باسقاط دینه عنه بإرادته المنفردة دون أن یتوقف تمام هذا الاسقاط على قبول المدین، بل یتم على الرغم من رده له لما فیه من معنى النزول عن الحق وهذا خالص للدائن.
الرأی الثالث: جمهور المالکیة
قالوا: هبة الدین للمدین إبراء ینشأ بإرادة الدائن المنفردة، ولکن یتوقف تمامها على قبول المدین لما فیها من معنى التملیک للمدین.
ثانیاً. هبة الدین لغیر المدین
لم یجز کل من جمهور الشافعیة والحنابلة والجعفریة هبة الدین لغیر المدین واعتبروها باطلة بسبب تعذر قبض الدین من قبل الغیر (الموهوب له)، أما الحنفیة فأجازوها بشروط من أجل ضمان استیفاء الموهوب له للدین من المدین، وکذلک الحال بالنسبة للمالکیة فقد أجازوها ولکن بشروط تختلف عن شروط الحنفیة ولکنها تحقق نفس الغایة.
ومن خلال رأی الحنفیة والمالکیة فی جواز هبة الدین للغیر أمکن التوصل إلى التعریف الآتی لها:
هی تملیک الغیر (الموهوب له) الدین الثابت فی ذمة المدین وبإرادة الدائن المنفردة دون أن یتوقف نشوء هذا التملیک على قبول المدین.
من خلال ما تقدم من آراء فقهیة أمکن التوصل إلى الملاحظات الآتیة:
عرف الفقه الإسلامی هبة الدین، فأجازوا هبته للمدین واختلفوا فی جواز هبته لغیره.
اتفق الفقه الإسلامی على أن هبة الدین بنوعیها تصرف شرعی تبرعی صادر عن الدائن ینشأ بإرادته المنفردة دون أن یتوقف نشوئه على إرادة المدین، لأنه تصرف فی حق خالص له، لکن نفاذ هذا التصرف یتوقف على إرادة المدین.
یلاحظ أیضاً اتفاقهم على وقوع هبة الدین للمدین بلفظ الإبراء هذا من ناحیة. ومن الناحیة الأخرى اختلاف هؤلاء الفقهاء فی حقیقة الإبراء، فالإبراء اسقاط فیه تملیک (اسقاط بعوض)، فمنهم من غلب جانب الاسقاط فیه، فی حین غلب البعض الأخر منهم جانب التملیک فیه.
وأخیراً یلاحظ على تلک الآراء الفقهیة إنها ساوت بین إرادتی المدین والدائن ولم تفضّل إحداهما على الأخرى, فمثلما یحق للدائن إنشاء الهبة التی یریدها یحق للمدین قبولها للاستفادة منها أو رفضها، فلا یستطیع الدائن إلزام المدین بشیء لم یرغب به.
الفرع الثالث: فی القانون
نظم القانون المدنی العراقی هبة الدین فی المادة (607) منه فجاء فیها:
إذا وهب الدائن الدین للمدین أو أبرأ ذمته منه ولم یرده المدین تتم الهبة ویسقط الدین فی الحال.
وإذا وهب الدائن الدین لغیر المدین فلا تتم الهبة إلا إذا قبضه بإذن الواهب.
أما القانون المدنی الأردنی فنظمها فی المادة (560) منه فجاء فیها:
تصح هبة الدین للمدین وتعتبر إبراء.
وتصح لغیر المدین وتنفذ إذا دفع المدین الدین إلیه.
من خلال هذین النصین یمکن إیراد الملاحظات الآتیة:
1) أجاز کلا القانونین هبة الدین بنوعیها معتمدین فی صیاغة نصوصها على جمهور آراء الفقه الإسلامی، حیث اعتمد القانون المدنی العراقی على الفقه الحنفی فی حین اعتمد القانون المدنی الأردنی على الفقه المالکی.
2) تعد هبة الدین للمدین فی القانونین المذکورین إبراء لتنازل الدائن عن حقه وتملیکه للمدین بلا مقابل وبالرجوع إلى نصوص الإبراء المنظمة فی القانونین أعلاه یتبین بأنه تصرف قانونی تبرعی ینشأ بإرادة الدائن المنفردة دون أن یتوقف نشوئه على قبول المدین، ولکنه ینفذ بحقه إذا لم یرده للدائن، وبإبراء المدین یسقط عنه الدین. أما هبة الدین لغیر المدین فلا تجوز إلا بعد مراعاة الشروط المذکورة فی القانونین أعلاه.
3) تعد هبة الدین فی هذین القانونین تصرف قانونی ینشأ بإرادة الدائن المنفردة دون أن یتوقف نشؤها على إرادة المدین.
ولم یعرف شراح القانون هبة الدین بنوعیها – حسب علمنا – ولهذا یمکن تعریف هبة الدین بالشکل الآتی:
هبة الدین للمدین: تصرف قانونی ینشأ بإرادة الدائن المنفردة دون أن یتوقف نشؤها على قبول المدین، ولکنها تنفذ إذا قبلها أو لم یردها.
هبة الدین لغیر المدین: تصرف قانونی ینشأ بإرادة الدائن المنفردة دون أن یتوقف نشؤها على قبول المدین ولکنها تنفذ عندما یقبض الغیر (الموهوب له) الدین من المدین بإذن الدائن، أو بدفع المدین الدین للموهوب له.
المطلب الثانی
الأدلة الشرعیة على جواز هبة الدین
تستند هبة الدین فی شرعیتها إلى القرآن الکریم والسنة النبویة، فقد ورد قوله تعالى (وإن کان ذو عسرة فنظرة إلى میسرة وإن تصدقوا خیر لکم إن کنتم تعلمون).
یتضح من هذه الآیة إن إسقاط الدین عن المدین وخاصة إذا کان معسراً خیر من أنظاره آجلاً لتسدیده وأکثر ثواباً، فالصدقة على المعسر قربة من الله تعالى.
وجاء أیضاً فی قوله تعالى (ودیة مسلمة إلى أهله إلا أن یصدقوا). وذکر بعض المفسرون أن هذه الآیة تتضمن الأدلة الآتیة:
الأول: تدل على أن من کان له على أخر دین فقال قد تصدقت به علیک، فتلک براءة صحیحة ولا تحتاج إلى قبول المبرأ منه لأن الدین حق فیصح إسقاطه کالعفو عن دم العمد، حیث یعد إبراء أولیاء المقتول من الدیة صدقة.
الثانی: وتدل هذه الآیة على وقوع البراءة من الدین بلفظ التملیک لأن الصدقة من ألفاظ التملیک، فسواء قال الدائن قد تصدقت بمالی علیک من دین أو وهبت لک مالی علیک صحت البراءة.
الثالث: وتدل هذه الآیة أیضاً على أن من کان له على غیره دین وهو غنیّ فقال تصدقت به علیک برئ المدین لأن الله تعالى لم یفرق الغنی عن الفقیر فی الصدقة.
ویلاحظ وقوع هبة الدین بلفظ العفو کقول الدائن لمدینه عفوت عما لی بذمتک من دین أو عن جزء محدد منه، ویعد العفو عن الدین قربة من الله تعالى وقد جاء ذلک فی قوله تعالى (فمن عفیّ له من أخیه شیء فاتباع بالمعروف وإداء إلیه بإحسان). وأیضاً قوله تعالى (وإن تعفوا أقرب للتقوى).
وعن أدلة هبة الدین الشرعیة فی السنة النبویة، فقد قال أبو هریرة t أن رسول الله eقال (من أنظر معسراً أو وضع له، أظله الله یوم القیامة تحت ظل عرشه یوم لا ظل إلا ظله). وفی حدیث أخر عن أبی مسعود t أنه قال. قال رسول الله e(حوسب رجل ممن کان قبلکم فلم یوجد له من الخیر شیء إلا رجلاً موسراً وکان یخالط الناس وکان یأمر غلمانه أن یتجاوزوا عن المعسر فقال الله عز وجل: نحن أحق بذلک منه تجاوزوا عنه).
وجاء فی حدیث أخر عن حذیفة t أن رسول الله e. قال (تلقت الملائکة روح رجل ممن کان قبلکم: قالوا عملت من الخیر شیئاً: قال کنت آمر فتیانی أن ینظروا الموسر ویتجاوزوا عن المعسر. قال الله عز وجل تجاوزوا عنه.
وجاء حدیث أخر رواه أبو قتادة t بهذا الخصوص أیضاً فقال سمعت أن رسول الله e یقول: (من سره أن ینجیه الله من کرب یوم القیامة فلینفس عن معسر أو یضع عنه).
وعن حذیفة وأبو مسعود t قالا. قال رسول الله e (رجل لقی ربه فقال: ما عملت؟ قال: ما عملت من الخیر: إلا أنی کنت رجلاً ذا مال، فکنت أطالب به الناس، فکنت أقبل المیسور وأتجاوز عن المعسور، فقال تجاوزوا عن عبدی.
وعن حذیفة t قال. قال رسول الله e(أن رجلاً مات فدخل الجنة: فقیل له: ما کنت تعمل. قال: فأما ذکر وإما ذکر) فقال: إنی کنت أبایع الناس. فکنت أنظر المعسر وأتجوز فی السکَّة أو فی النقد. فغفر له).
المطلب الثالث
أرکان هبة الدین
طالما کانت هبة الدین تصرف قانونی فتنشأ صحیحة بتوافر عموم أرکان التصرفات القانونیة وأبرزها العقد, وقبل التطرق إلى هذه الأرکان فی القانون ینبغی توضیح أرکان هذه الهبة فی الفقه الإسلامی, وسیتم ذلک من خلال الفرعین الآتیین:
الفرع الأول: أرکان هبة الدین فی الفقه الإسلامی
من خلال أرکان الهبة بشکل عام وآراء الفقه الإسلامی فی هبة الدین یمکن القول بأن أرکان الأخیرة ثلاثة وهی:
الرکن الأول: أطراف هبة الدین
یختلف عدد أطراف هبة الدین باختلاف أنواعها، ففی هبة الدین للمدین یوجد طرفان هما الواهب والموهوب له, أما فی هبة الدین لغیر المدین فیوجد ثلاثة أطراف وهم الواهب والموهوب له (الغیر) والمدین.
وأشترط الفقه الإسلامی فی الواهب أن یکون أهلاً لنقل الملک (ملکیة الدین) ویشترط فی المدین أو الموهوب له أن یکون أهلاً للتملک.
الرکن الثانی: الموهوب (محل الهبة)
وهو الدین المستقر فی ذمة المدین به وأشترط الفقه الإسلامی شروطاً لصحة هبته هی:
1. یجب أن یکون مملوکاً للواهب.
2. یجب أن یکون واجباً أی ثابتاً فی ذمة المدین, فلا یجوز هبة الدین قبل وجوبه فی ذمة المدین.
3. یجب أن یکون معلوماً أی مقداره محدد فلا یجوز هبة دین یجهل الدائن والمدین مقداره.
4. یجب أن یکون الواهب قادراً على تسلیمه للموهوب له, وهذا الشرط متحقق بالنسبة لهبة الدین للمدین لأن الدین مستقر فی ذمة المدین کأحد عناصرها السالبة وبالهبة یتحول کعنصر إیجابی إلى جانب عناصرها الموجبة, أما هبة الدین لغیر المدین فیتعذر قبضه وتسلیمه للموهوب له (الغیر), ولهذا السبب أبطل البعض من الفقهاء المسلمین هبة الدین الدین لغیر المدین, فی حین أجازها البعض الآخر منهم بعد مراعاة الشروط اللازمة لجوازها ولعل غایتها هو التسهیل والتخفیف على الموهوب له لاستیفاء الموهوب من المدین, وکما یتضح ذلک لاحقاً.
الرکن الثالث: صیغة هبة الدین
هی ألفاظ الهبة الدالة على صدور الإیجاب من الدائن لأنها تصرف قانونی ینشأ بإرادته المنفردة، أما قبول المدین فسیتضح بالتفصیل عند التعرض للمبحث الثانی الخاص بترتیب آثار هبة الدین ومتى یستفاد منها. وألفاظ هبة الدین هی:
ألفاظ التصریح: کقول الواهب وهبت أو نحلت أو أبرأت أو تصدقت لأن الصدقة تدل على الهبة استناداً إلى قوله تعالى (وإن کان ذو عسرة فنظرة إلى میسرة وإن تصدقوا خیر لکم). وایضاً قوله تعالى (ودیة مسلمة إلى أهله إلا أن یصدقوا).
ألفاظ الکنایة: کقول الواهب أسقطت أو ترکت أو أبطلت أو أعطیتک أو حلال لک أو هو حلال لک وغیرها من الألفاظ المجازیة التی تتطلب النیة للدلالة على المراد منها.
الفرع الثانی: أرکان هبة الدین فی القانون
لأن هبة الدین تصرف قانونی ناشئ بالإرادة المنفردة فیجب أن یتوافر لها عموم أرکان التصرفات القانونیة وهی ثلاثة أرکان:
الرکن الأول: رضا واهب الدین
هبة الدین تصرف قانونی تبرعی فلا تصح إلا بصدورها عن واهب متمتع بالأهلیة القانونیة الکاملة وان تکون إرادته حرة سلیمة غیر معیبة بعیوب الإرادة هی الإکراه والغلط والتغریر مع الغبن والاستغلال، فلا یحق لمن کان دون سن الرشد هبة دینه وهذا ما صرحت به المادة (608) من القانون المدنی العراقی بقولها (یشترط أن یکون الواهب عاقلاً بالغاً أهلاً للتبرع، فان کان کذلک جاز له أن یهب فی حال صحته ماله کله أو بعضه لمن یشاء سواء کان أصلاً له أو فرعاً أو قریباً أو أجنبیاً عنه ولو مخالفاً لدینه).
أما القانون المدنی الأردنی فلم یتضمن نص مماثل لا فی قواعده العامة ولا ضمن نصوص الهبة بوجه عام. ومع ذلک فلا مانع من أعمال حکم النص العراقی لأن هبة الدین تبرع والتبرع لا یصدر إلا عن شخص متمتع بالأهلیة.
الرکن الثانی: محل هبة الدین
هو الدین الثابت فی ذمة المدین، ویشترط فیه عموم شروط محل العقد وذلک استناداً إلى المواد (126، 127، 128، 129) من القانون المدنی العراقی والمواد (157، 158، 159، 161، 162، 163) من القانون المدنی الأردنی.
الرکن الثالث: سبب هبة الدین
یجب أن یکون لهبة الدین سبب وإن یکون مشروعاً استناداً إلى المادة (132) من القانون المدنی العراقی والمادة (165) من القانون المدنی الأردنی.
وسبب الهبة قد یکون إرضاء لوجه الخالق والمخلوق أو التودد إلیه أو حسن معاشرته أو لدوام صلة الرحم أو المحبة أو لابتغاء الثواب والأجر المرجو من الأعمال التبرعیة.
المبحث الثانی
آثار هبة الدین
تتنوع آثار هبة الدین بتنوع هذه الهبة، إذ تختلف آثار هبة الدین عن آثار هبة الدین لغیر المدین الموهوب له، وسیتضح ذلک من خلال المطلبین الآتیین:
المطلب الأول: أثر هبة الدین للمدین
المطلب الثانی: أثر هبة الدین للغیر
المطلب الأول
أثر هبة الدین للمدین
استمد القانونان مدار البحث أثر هبة الدین من آراء الفقه الإسلامی فیها، وسیتضح ذلک من خلال الفرعین الآتیین:
الفرع الأول: أثر هبة الدین فی الفقه الإسلامی
فرّق الفقه الإسلامی إنشاء هبة الدین للمدین عن ترتب أثرها على طرفیها, فاتفقوا على نشؤها بإرادة الدائن المنفردة (إیجابه) دون أن یتوقف هذا النشوء على إرادة المدین (قبوله و عدم رده). لکنهم اختلفوا فی کیفیة ترتب أثرها على المدین والدائن. وسیتضح تفصیل ذلک من خلال الفقرتین الآتیتین:
أولاً. أثر هبة الدین على المدین
بنشوء هبة الدین للمدین تصبح صالحة لترتیب أثرها على المدین وهو براءة ذمته من الدین فلا یعد ملتزماً بأدائه للواهب, بل له الحق فی رفض الوفاء إذ ما طالبه دائنه بذلک لکن متى تبرء ذمته؟ وبعبارة أخرى هل یشترط قبوله للهبة لکی یستفاد منها أو ردها إذ ما رفضها فترجع إلى الدائن؟ عند الإجابة على هذا التساؤل لوحظ اختلاف الفقهاء المسلمون فی اشتراط قبول المدین أو رده للهبة لاختلافهم فی تغلیب أحد جانبی التملیک أو الإسقاط المکونین لهبة الدین للمدین, وسیتضح تفصیل ذلک من خلال النقطتین الآتیتین.
1. قبول المدین
اختلف الفقهاء المسلمون فی اشتراط قبول المدین لترتیب أثار هبة الدین علیه من عدمه لاختلافهم فی تغلیب أحد جانبی التملیک أو الإسقاط على الآخر, فمن غلّب جانب التملیک اشترط قبول المدین لنفاذ الهبة بحقه, ومن غلّب جانب الإسقاط لم یشترط قبوله لأنها تنشأ وتنفذ بإرادة الواهب المنفردة, فتوزعوا على الآراء الآتیة:
أولاً. جمهور الحنفیة والشافعیة والحنابلة والجعفریة
هبة الدین للمدین تعنی إسقاط الدین عنه لتغلیب معنى الإسقاط فیها, ولأن الإسقاط تصرف الدائن فی حق خالص له ولا یمس حق المدین أو یرتب تکلیفاً علیه لهذا تنشأ الهبة وتترتب آثارها بإرادة الواهب المنفردة دون أن یتوقف نفاذها على قبول المدین بل تنفذ على الرغم من رده لها.
ثانیاً. جمهور المالکیة
هبة الدین للمدین تعنی تملیکه للدین من خلال إبراؤه منه, وفی الإبراء یتغلب جانب التملیک على الإسقاط لهذا لا تنفذ إلا بقبول المدین, إذ لا یجوز دخول شئ فی ملک إنسان إلا بإرادته واختیاره.
2. رد المدین
کما اختلف الفقهاء المسلمون فی اشتراط قبول المدین من عدمه لنفاذ هبة الدین بحقه اختلفوا أیضاً فی اشتراط رد المدین لنفاذها بحقه أیضاً فتوزعوا على الآراء الآتیة:
أولاً. جمهور الحنفیة
تمام هبة الدین للمدین بإرادة الدائن المفردة لا یعنی نفاذها بحق المدین لأنها وإن تضمنت معنى الإسقاط فإنها تتضمن معنى التملیک أیضاً لذا الحق له ردها إذا رفضها فترتد إلى الدائن.
ثانیاً. جمهور الشافعیة والحنابلة والجعفریة
لأن هبة الدین للمدین تعنی إسقاط الدین عنه لهذا تتم بإدارة الدائن المنفردة ولا ترتد بر المدین لها بل تنفذ بحقه على الرغم من رده لها, فمن لا یرتد بالرد لا یتوقف على القبول.
ثالثاً. جمهور المالکیة
هبة الدین للمدین إبراؤه من الدین والإبراء عندهم لا ینفذ إلا بعدم رده لهذا ترتد الهبة برد المدین لها فترجع إلى الدائن.
ثانیاً. أثر هبة الدین على الدائن
إذا وهب الدائن دینه لمدینه سواء کانت الهبة متضمنة لمعنى التملیک أو الإسقاط, زال حق الدائن وتلاشى بإرادته المنفردة لأن تنازله عن دینه یعد تصرف فیما هو حق خالص له فیزول حقه بإسقاطه إیاه وذلک استناداً إلى القاعدة الفقهیة (إن کل ما کان حقاً لصاحبه عامل فیه نفسه وکان قائماً حین الإسقاط خالصاً للمسقط أو غالباً, ولم یترتب على إسقاطه تغییر وضع شرعی ولیس متعلقاً بتملک عین على وجه متأکد, یسقط بالإسقاط ومالا فلا).
وبهبة الدائن دینه لمدینه ترتبت آثارها علیه وهی:
یلتزم الدائن بهبة فلا یحق له الرجوع فیها ومطالبه المدین بالآراء لأن هبته إبراء له والإبراء لا یحق الرجوع فیه.
بهبة الدین للمدین وإبراؤه منه یعد الدائن مسقطاً لحقه فیه, وبإسقاطه یزول هذا الحق ویتلاشى نهائیاً وقد عبر الفقهاء المسلمون عن ذلک بالقاعدة الفقهیة ( الساقط لا یعود کما أن المعدوم لا یعود).
الفرع الثانی. أثر هبة الدین للمدین فی القانون
نظم القانونالمدنی العراقیوالقانون المدنی الأردنی أثار هذه الهبة ولم یکتف بالرجوع إلى أثار الهبة بشکل عام فی هذا الخصوص لأن هبة الدین تتمتع بخصائص تمیزها عن الهبة تجعلها مستقلة عنها بآثارها, ولعل أهم هذه الخصائص محلها, فمحل هبة الدین هو الدین الثابت فی ذمة المدین، وبهبته له یصبح ملکاً للمدین واحد عناصر ذمته الموجبة والسؤال متى یمتلک المدین الدین الموهوب له؟ للإجابة عنه یمکن القول بان تأثر هذین القانونین بالفقهین الحنفی والمالکی فی صیاغة نصوص هبة الدین جعلهما یطبقان آثارها المذکورة فیهما أیضاً فکانت آثارها على النحو الآتی:
1. أثر هبة الدین فی القانون المدنی العراقی
من خلال نص المادة (607) من القانون المذکور یمکن القول أن هبة الدین للمدین إبراؤه من الدین، فتنفذ بحقه دون أن یتوقف نفاذها على قبوله لما فیها من معنى اسقاط الدین ولأنها تتضمن معنى التملیک لهذا ترتد برده لها. فإذا لم یردها نفذت بحقه فتبرأ ذمته من الدین مقابل التزام الدائن بهذا الإبراء فلا یطالب بالوفاء وإلا فمن حق المدین الرفض لزوال الدین بالإسقاط. ولکن إذا رد المدین هبة الدائن، ترتد إلیه أو لورثته فی حال وفاته فلا یستفاد هذا المدین منها. وکما قال الحنفیة ذلک.
2. أثر هبة الدین فی القانون المدنی الأردنی
نظم هذا القانون هبة الدین وکما سبق قول ذلک فی المادة (560) منه متأثراً فی ذلک بالفقه المالکی، فجعل نفاذ هذه الهبة بحق المدین عندما یقبل بها لأن الإبراء من الدین هو تملیک المدین لهذا الدین، فإذا قبل بها استفاد منها وبالعکس إذا رفضها لا یترتب أی أثر من أثارها علیه فترتد إلى الدائن، وبقبولها من قبل المدین تبرأ ذمته من الدین مقابل التزم الدائن بإبرائه فلا یحق له مطالبة مدینه بالوفاء.
المطلب الثانی
أثر هبة الدین للغیر
یترتب أثر هذه الهبة على ثلاثة أطراف هم الدائن والمدین والغیر (الموهوب له) وسیتضح أثرها فی الفقه الإسلامی ثم فی القانون من خلال الفرعین الآتیین:
الفرع الأول: أثر هبة الدین لغیر المدین فی الفقه الإسلامی
لم یجز کل من الشافعیة والحنابلة والجعفریة هبة الدائن دینه لغیر مدینه وعدوها باطلة لأن یتعذر على هذا الغیر قبض الدین من المدین، فی حین أجازها البعض الأخر من الفقه الإسلامی بشروط تکفل للغیر استیفاء الدین فکانت لهم الآراء الآتیة:
الرأی الأول: جمهور الحنفیة
أجازوا هبة الدین لغیر المدین بالشروط الآتیة:
أن یأمر الدائن الغیر (الموهوب له) بقبض الدین من المدین فقبضه بصفة نائباً عنه.
إذا سلط الدائن الغیر (الموهوب له) على قبض الدین
وتصح هبة الدین لغیر المدین فی الحوالة والوصیة.
الرأی الثانی: جمهور المالکیة
أجازوا هبة الدین لغیر المدین بالشروط الآتیة:
شرط صحة هو:
الاشهاد على هبته لغیر المدین.
شرط کمال وهما:
آ. دفع ذکر الحق أو الوثیقة المثبتة للدین.
ب. الجمع بین الموهوب له والمدین.
من خلال الرأیین المتقدمین یمکن القول إن أثر هبة الدین لغیر المدین یترتب على ثلاثة أطراف هم:
الطرف الأول. الدائن (الواهب)
یهب الدائن حقه الثابت فی ذمة مدینه للغیر دون أن یتوقف تمام هذه الهبة على قبول المدین، فتنشأ وتنفذ بحق المدین دون أن یتوقف ذلک على إرادته.
الطرف الثانی. المدین
بهبة الدائن دینه الثابت فی ذمة المدین لا یعنی ذلک اسقاطه وزواله بل یظل ملتزماً به تجاه الغیر (الموهوب له) الذی انتقل إلیه حق المطالبة به. ولا یلتزم هذا المدین بشیء تجاه الدائن.
الطرف الثالث. الغیر (الموهوب له)
بنشوء هبة الدین صحیحة (توافر أرکانها وشروطها) تصبح صالحة لترتیب أثرها بحق الغیر، ولکن متى تنفذ بحقه؟ الجواب: بالاستناد إلى الآراء المتقدمة التی أجازت هبة الدین لغیر المدین یتبین اختلافها فی الشروط الواجب توافرها لنفاذ هذه الهبة بحق الموهوب له فقد اشترط الحنفیة ما یأتی:
أمر صادر من الدائن للموهوب له یأمره بقبض الدین بصفته نائباً عنه.
تسلیط الدائن الموهوب له لقبض الدین ویعنی ذلک تمکینه ومساعدته لاستیفائه وتسلیطه على قبض الدین الذی یتم من خلال تسلیمه سند الدین لیتمکن من المطالبة به.
أما المالکیة فاشترطوا ما یأتی لصحة هبة الدین لغیر المدین:
إنشاء هبة الدین لغیر المدین بحضور أطراف الهبة وهم الدائن والمدین والغیر (الموهوب له) وأیضاً وجود شهود لتأیید ذلک.
تسلیم الدین أو سنده للغیر (الموهوب له) لکی یتمکن من قبضه.
والراجح من هذین الرأیین رأی المالکیة لأنه أناط مهمة تنفیذ الهبة بأطرافها الثلاثة فهم مسؤولین جمیعاً عنها من خلال فرض التزام على کل واحد منهم، فعلیهم الحضور جمیعاً واستلام الغیر (الموهوب له) سند الدین، ویتحقق ذلک أمام شهود لمنع نکول الدائن أو امتناع المدین عن تسلیم هذا السند.
الفرع الثانی: أثر هبة الدین لغیر المدین فی القانون
کما ذکرنا سابقاً فان القانونین المدنیین العراقی والأردنی قد نظما هبة الدین لغیر المدین فی المادة (607/2) والمادة (560/2) منهما على التوالی. وبالرجوع إلیهما یمکن ملاحظة الآتی:
یلاحظ أنهما قد نظما أثر هبة الدین لغیر المدین من ناحیة هذا الغیر (الموهوب له) مستندین فی ذلک على رأی الفقه الحنفی والفقه المالکی، حیث اشترط القانون المدنی العراقی قبض الغیر (الموهوب له ) بإذن الدائن والواهب لتنفذ بحقه فیستطیع الاستفادة منها، أما القانون المدنی الأردنی فقد اشترط دفع المدین الدین للغیر (الموهوب له) لکی تنفذ بحقه، دون أن یتطرق لبقیة الشروط اللازمة لنفاذ هذه الهبة بحق الغیر (الموهوب له) والتی یمکن القول بأنها ضروریة وخاصة الشروط التی ذکرها الفقه المالکی، إذ أنها مجتمعة ستکفل لهذا الغیر قبض الدین من المدین ولیس النص على أحد هذه الشروط کما فعل القانونان مدار البحث.
الخاتمة :
تتضمن النتائج والتوصیات الآتیة:
أولاً. النتائج :
1. أدرک الفقه الإسلامی أهمیة هبة الدین فنظمها فی باب الهبة، ووزعها على نوعین هما هبة الدین للمدین وهبة الدین لغیر المدین، ففی الأولى یسقط الدائن بإرادته المنفردة دینه الثابت بذمة مدینه متنازلاً عنه فیمتلکه المدین ولا یعد ملتزماً به. أما الثانیة فیعطی الدائن دینه الثابت فی ذمة مدینه لغیره متنازلاً له، فیحق لهذا الغیر والذی یسمى بالموهوب له أما مطالبة المدین بالأداء أو بإسقاط الدین عنه.وکذلک فعل القانون المدنی العراقی والقانون المدنی الأردنی، حیث نظما هبة الدین ضمن نصوص عقد الهبة موزعین إیاها على النوعین المذکورین أعلاه.
2. لأن هبة الدین للمدین من قبیل أعمال الثواب والتقرب من الله تعالى، إذ یبرئ الدائن مدینه من الدین بتملیکه إیاه لهذا اتفق الفقه الإسلامی على جوازها مطلقاً عن القیود والشروط، أما هبة الدین لغیر المدین فاختلفوا فی جوازها بسبب عدم قدرة الموهوب له على قبض الدین من المدین، فمنهم من منعها لذا السبب ومنهم من أجازها بشروط وضمن حالات غایتها التسهیل والتخفیف على هذا الموهوب له من استیفاء الدین الثابت فی ذمة المدین. وعلى غرار الفقه الإسلامی سار القانونان العراقی والأردنی فأجازا هبة الدین للمدین مطلقاً، فی حین أجازا هبة الدین لغیر المدین ضمن شروط محددة، مع مراعاة اختلاف القانونین المذکورین من ناحیة الفقه أو المذهب الذی اعتمد علیه فی ذلک، حیث اعتمد القانون المدنی العراقی على فقه الحنفیة واعتمد القانون المدنی الأردنی على فقه المالکیة، دون أن یؤثر اختلافهم هذا على اتفاقهم فی عد هبة الدین بنوعیها تصرف قانونی ینشأ بإرادة الدائن المنفردة دون أن یتوقف نشؤها على قبول المدین أو عدم رده.
3. بالرغم من اتفاق الفقه الإسلامی على نشوء هبة الدین بإرادة الدائن المنفردة دون أن یتوقف ذلک على قبول المدین أو عدم رده، لکنهم اختلفوا فی کیفیة ترتب آثارها تبعاً لاختلافهم فی أنواعها، فبینما رأت الحنفیة أن أثر هبة الدین للمدین یترتب إذا لم یردها المدین، قالت المالکیة أن أثرها یترتب بقبول المدین أو عدم ردها.
أما بالنسبة لهبة الدین لغیر المدین فیترتب آثرها بقبض الموهوب له للدین من المدین بأمر الدائن وکما قالت الحنفیة ذلک، فی حین ذهبت المالکیة إلى القول بترتب آثرها عندما یدفع المدین الدین للموهوب له، وغیرها من الشروط الفقهیة الأخرى الواجب توافرها لکی تترتب آثار هبة الدین بنوعیها والمذکورة فی البحث.
وعن موقف القانونان المذکوران من ترتب آثار هبة الدین فأعتمدا على الفقهین المذکورین أعلاه فی تنظیم آثارها سواء کانت هذه الهبة للمدین أم لغیره. وأخیراً انتهى البحث بخاتمة تتضمن أهم النتائج والتوصیات سائلین التوفیق من الله تعالى.
ثانیاً. التوصیات :
خرج البحث بهذه التوصیات:
1. من حیث نشوء هبة الدین
إعادة النظر فی صیاغة نص هبة الدین المذکور فی القانون المدنی العراقی من خلال النص على أنها تصرف قانونی تنشأ بإرادة الدائن المنفردة دون أن یتوقف نشؤها على قبول المدین.
2. من حیث أنواعها
یذکر فی النص ضمن فقرته الأولى أنها على نوعین هما، هبة الدین للمدین أی إبراؤه منه، وهبته لغیر المدین أی تنازل الدائن عنه للموهوب له.
3. من حیث آثارها
الرجوع إلى آراء فقه المالکیة فی ترتیب آثار هبة الدین بنوعیها بدلاً من اعتماد فقه الحنفیة فی ذلک وتنظیم ذلک ضمن الفقرة الثانیة فتکون بالشکل الآتی یترتب أثر هبة الدین للمدین بقبوله أو عدم رده. أما اثر هبة الدین لغیر المدین فتترتب بدفع المدین دینه للموهوب له بحضور الدائن والمدین.
إذا یصاغ نص المادة (607) من القانون المدنی العراقی بالشکل الآتی:
(1. تنشأ هبة الدین بإرادة الدائن المنفردة دون أن یتوقف نشؤها على قبول المدین، فیهب الدائن دینه لمدینه أو لغیره.
2. وتنفذ هبة الدین للمدین بقبوله أو عدم رده لها، أما هبة الدین لغیر المدین فتنفذ بدفع الدین للموهوب له أمام الدائن والمدین.)
The Author declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English)
Firstly. Books Language:
1. Abu Al-Hussein Ahmed bin Fares bin Zakaria, Dictionary of Language Standards, I 1, Cairo, House of Arabic books revival, books Islamic jurisprudence.
Second. Books graduation speeches:
2. Abu Issa Mohammed bin Issa bin Sura, the right mosque Sunan al-Tirmidhi, 2, Dar Revival of Arab heritage, Lebanon 2000.
3. Abu al-Husayn Muslim ibn al-Hajjaj al-Qusayri al-Nisaburi, Saheeh Muslim, Dar al-'Ahia Arabic Books, c3.
Third. Books Interpretation of the Holy Quran:
4. Abu Bakr Muhammad bin Abdullah known as Ibn al-Arabi, the provisions of the Koran, I 1, the House of Revival of Arabic books, the first section.
5. Abu Bakr bin Ali al-Razi al-Jassas, the rulings of the Koran, Dar al-Kitab al-Arabi, Lebanon.
Fourthly. Books Islamic jurisprudence:
6. Abulhassan bin Abdul Jalil Al-Rashdani Al-Mirghinani, Al-Hidaya, explaining the beginning of the beginning, the last, the last, the library and printing press Mustafa Al-Halabi and his children.
7. Abu Zakaria Yahya bin Sharaf al-Nawami al-Dimashqi, Al-Talebeen Kindergarten, 1, Dar-Hazm Publishing House, Lebanon, 2002.
8. Investigator Orly, The Laws of Islam in Islamic Jurisprudence Jaafari, Al-Hayat Publications, Beirut.
9. Hasheta Shahabuddin Ahmad bin Ahmed bin Salama Al-Qalioubi and Shehabuddin Ahmed Al-Barlasi, nicknamed Amira Ali Kinz wishing to explain the curriculum of students in the jurisprudence of Shafi'i, 2, Dar al-Kuttab Al-Alami, Lebanon 2003.
10. Zine El Abidine Ben Ibrahim Ben Mohammed famous Ibn Nujim Hanafi, the sea of the beautiful explanation of the treasure minutes, I 2, House Revival of Arab heritage, Lebanon 2002.
11. Zine El Abidine Ibn Ibrahim bin Nujim Hanafi, Ashaba and Nazarene on the Doctrine of Abu Hanifa Noman, Modern Library of Printing and Publishing, Beirut, Lebanon 2003.
12. Selim Rustam Baz Al-Libani, Sharh Al-Majalla, I3, Dar Al-Arabiya Revival of the Arab Heritage, Beirut 1305.
13. Shams al-Din al-Sarkhasi, al-Mabsout, Al-Sa'ada Press, Egypt.
14. Shams al-Din Muhammad ibn Muhammad al-Khatib al-Sharbini, a singer who needs to know the words of the curriculum, Dar al-Kuttab al-Alami, Lebanon 2000, vol. (3).
15. Abdul Rahman bin Mohammed bin Sulaiman Al-Kaliboli, The River Complex in explaining the site of the Abhar, 1, published by Dar al-Kuttab al-Alami, Lebanon 1998.
16. Izz al-Din al-Salami, Rules of Judgment in the Interests of Anam, 1, Egyptian Husseini Library, Egypt 1934.
17. Alaa al-Din Muhammad ibn Ali al-Huskafi, the response of al-Mutahar to al-Durr al-Mukhtar, footnote of Ibn Abdeen, 1, Dar al-Maarefah, Lebanon 2000.
18. Mohammed bin Ahmed bin Arafa al-Dessouki al-Maliki, a footnote to al-Dessouki on the great commentary, I 2, publications of the House of Scientific Books, Lebanon 2002.
19. Mohammed bin Abdullah bin Ali al-Kharashi al-Maliki, the footnote of Al-Kharashi to the author of Sidi Khalil, I 1, the House of Scientific Books, Lebanon 1979.
20. Mohamed Osman Shbeir, The Rules and Principles of Islamic Jurisprudence, 1, Dar Al Furqan Publishing and Distribution, Jordan 2000.
21. Muwaffaq al-Din Abdullah bin Ahmed bin Qudamah al-Maqdisi, persuasive in the jurisprudence of the Imam of the Sunnah Ahmad bin Hanbal al-Shaibani, the Salafi printing press and its library.
22. Yahya bin Abi Al-Khair bin Salem Al-Ghamrani, the statement in the jurisprudence of Imam Shafi'i, 1, Dar al-Kuttab al-Alami, Beirut, Lebanon 2002.
Fifthly. Laws:
23. Iraqi Civil Code No. 40 of 1951.
24. Jordanian Civil Law No. 43 of 1976.