الملخص
یرتکز القانون الدولی العام بصورة أساسیة باعتباره قانون مساواة وتنسیق بین إرادات الدول على تطابق إرادات الدول التی تتجلى إما بصورة واضحة عن طریق المعاهدات أو بشکل ضمنی عن طریق العُرف، لکن هذا التطابق لایعد کافیاً لتغطیة المواضیع التی تستجد فی القانون الدولی، هنا یظهر دور الإرادة المنفردة للدولة فاذا کان الاهتمام بهذه التصرفات قلیلاً إلا أنه لیس بوسعنا أن نتجاهلها
الكلمات الرئيسة
الموضوعات
أصل المقالة
تأصیل فکرة الإرادة المنفردة للدولة
The origin of the idea of the unilateral will of the State
عامر عبد الفتاح الجومرد خالدة ذنون مرعی الطائی کلیة القانون/ جامعة الموصل کلیة القانون/ جامعة الموصل Amer Abdel-Fattah Al-Jumard Khaleda Thanoun Marei Al-Taie College of law / University of Mosul College of law / University of Mosul Correspondence: Amer Abdel-Fattah Al-Jumard E-mail: |
(*) بحث مستل من أطروحة الدکتوراه الموسومة "تصرفات الدولة من جانب واحد" ، مقدمة من کلیة القانون ، جامعة الموصل فی 24/11/2004 . أستلم البحث فی 8/2/2006 *** قبل للنشر فی19/2/2006.
(*) Received on 8/2/2006 *** accepted for publishing on 19/2/2006.
Doi: 10.33899/alaw.2006.160481
© Authors, 2006, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
مقدمة:
یرتکز القانون الدولی العام بصورة أساسیة باعتباره قانون مساواة وتنسیق بین إرادات الدول على تطابق إرادات الدول التی تتجلى إما بصورة واضحة عن طریق المعاهدات أو بشکل ضمنی عن طریق العُرف، لکن هذا التطابق لایعد کافیاً لتغطیة المواضیع التی تستجد فی القانون الدولی، هنا یظهر دور الإرادة المنفردة للدولة فاذا کان الاهتمام بهذه التصرفات قلیلاً إلا أنه لیس بوسعنا أن نتجاهلها.
لذا لابد لنا أن نأخذ بنظر الاعتبار المساهمة القیمة لهذا النوع من التصرفات التی لم تنل من الاهتمام ما تستحقه مکانتها بین التصرفات الدولیة.
وبالنظر إلى ما لهذا النوع من التصرفات من أهمیة لا تقتصر على تحدید الالتزام الذی تفرضه الدولة على عاتقها وإنما لأهمیة اعتماد دولة أو دول أخرى على هذا التصرف لإمکان إحداث آثار قانونیة بین الدولة منتجة التصرف والدول الأخرى دون حاجة إلى تدخل إرادة أخرى فکان لزاماً إدخال هذه التصرفات ضمن إطار قانونی وهو واجب یفرض تعیین تصرف الدولة من جانب واحد وتحدید سماته وتمییزه مما یشتبه به کمبحث أول، ومن ثم ایراد آراء المنکرین والمؤیدین لفکرة التصرف من جانب واحد کمبحث ثانٍ.
المبحث الأول
التعریف بتصرف الدولة من جانب واحد
من أجل تحدید شکل ومضمون أی موضوع یخضع للدراسة لابد وأن یتم البدء بالتعریفات المختلفة التی تم تناولها من قبل دارسو هذا الموضوع، وباعتبار موضوعنا الذی یخضع للدراسة هو التصرف القانونی للدولة من جانب واحد، لذا لابد من بیان التعریفات التی قیلت فی تحدید مفهوم هذا الموضوع وسمات هذا التعریف وتمییزه عما یشتبه به من خلال فرعین.
المطلب الأول
المقصود بتصرف الدولة من جانب واحد
من خلال دراستنا لهذا الموضوع فقد لاحظنا أن بعض الکتاب قد أعربوا عن شکهم فیما یتعلق بجدوى محاولة وضع تعریف للتصرف من جانب واحد وذلک لأن هذه التصرفات متنوعة من حیث طبیعتها إلى حد یصعب معه إثبات أی اتساق للموضوع، بل ذهب البعض الآخر إلى تصور الموضوع کموضوع مجزأ من حیث الطبیعة والأنواع، لذا یستلزم الأمر أن یوضح تعریف على مستوى عالٍ من التجرید، وبالتأکید هذا أمر صعب، إذ من المحتم أن یتسم هذا التعریف بالنقص وربما یتم استبعاد تصرفات معینة من نطاقه.
ومع هذا الاختلاف فقد حاول کتاب آخرون وضع تعریفات مختلفة فی الصیاغة، ولکنها تصب فی نهر واحد وهو مقدرة التصرفات على خلق أو إنتاج آثار قانونیة ومع الخضوع أو فی إطار القانون الدولی العام.
فقد عرف الفقیه (لیون دیکی) التصرف من جانب واحد بأنه "الأعمال القانونیة التی تصدر من جانب واحد والتی تبرز فیها إرادة واحدة فی حین تتدخل عدة إرادات فی الأعمال القانونیة المتعددة الأطراف".
کما عرفه الفقیه ارکسوی بأنه "عمل یصدر من جانب واحد فقط ولا ینطوی على علاقة مشترکة بین مصدره ومتلقی أثره القانونی".
والتصرف من جانب واحد فی رأی شارل روسو ما هو إلا "تعبیر أولاً وقبل کل شیء نابع عن إرادة معینة، ینتج آثاراً قانونیة ویعد مصدراً للقانون الدولی العام".
ومن الکتاب المحدثین الأستاذ Pirre Dupay ممن تناول التصرف من جانب واحد بالتعریف حیث وصفه بأنه "من التصرفات التی تقوم بها الدول من جانب واحد ما تعتبر أعمالاً قانونیة تعمل على إحداث آثار قانونیة وعلى الأغلب تعمل على خلق حقوق والتزامات، وبالنتیجة تساعد فی تشکیل القانون الدولی".
أما الأستاذ Patrick DaiLLier فقد أعطى التصرف القانونی معناً واسعاً وآخر ضیق فبالنسبة للأول عرفه بأنه "التصرف الذی ینسب إلى الدولة فی حدود قدرتها وهو إعلان کافی للإرادة الدولیة لا تحتاج إلى قبول، ولم یأبه القانون الدولی بکون التصرف أحادی الجانب ان ما تعددت الإرادات التی ساهمت فی انجازه طالما کان تعبیراً عن نیة الدولة الواضحة".
أما المعنى الضیق فقد عرفه "التصرفات الأحادیة الجانب للدولة تم إصدارها دون أن یکون هناک ارتباط بمعاهدة أو عرف معین، أی تعتمد على عنصر الاستقلالیة".
هذا وقد تناول الکتاب العرب التصرف بالتعریف "اصطلاح التصرف من جانب واحد هو التصرف الصادر عن الإرادة المنفردة فی مجال العلاقات الدولیة ینصرف إلى کل تعبیر صریح أو ضمنی عن الإرادة المنفردة لشخص واحد بعینه من أشخاص النظام القانونی الدولی متى ما استهدف من وراءه ترتیب آثار قانونیة".
هذا وقد اعتمدت محکمة العدل تعریف التصرف من جانب واحد بأنه "العمل المنفرد الذی یعبر عن إرادة دولة أو مجموعة دول أو منظمة دولیة یهدف إلى خلق قواعد قانونیة تطبق على غیرها أو تعدل أو تبطل القواعد القانونیة القائمة".
ومن خلال التعریفات السابقة وتعاریف لم نوردها خوفاً من الإطالة لأنها تحمل معنى واحد وان اختلفت فی الألفاظ، یتضح لنا میل أغلب التعریفات إلى الاقتصار على أن التصرف من جانب واحد له قابلیة إنتاج آثار قانونیة معینة غافلین الأهداف الأخرى أو الوظائف المهمة الأخرى وهی مساهمتها فی أن تکون مصدراً من مصادر القانون الدولی أو قدرتها على أن تکون مصدراً للالتزامات الدولیة.
وعلیه یمکننا أن نقترح تعریفاً عاماً للتصرف من جانب واحد بأنه "کل تصرف انفرادی تتخذه الدولة له القدرة على تغییر العلاقات القانونیة فی نطاق القانون الدولی أیاً کانت صیغته وطریقة التعبیر عنه ویعد مصدراً للالتزام الدولی".
ومن خلال هذا التعریف یمکن أن نستخلص عدة سمات للتصرف الذی تقوم به الدولة من جانب واحد:
1. یعد التصرف أولاً وقبل کل شیء تصرفاً قانونیاً نابع عن الإرادة المنفردة للدولة ولا یمکن أن یدخل ضمن هذا التصرف الأفعال البسیطة التی لا تعد إلا مجرد دفوع.
2. أن التصرف من جانب واحد لا یقتصر فقط على صیغ معینة وشکل معین وإنما یدخل ضمنها حتى التی تتم بشکل ضمنی.
3. قدرة التصرف على إحداث تغییر فی العلاقات القانونیة بین الدولة منتجة التصرف وبعض الدول الأخرى التی لم تشترک فی اتخاذها وبالنتیجة یؤدی إلى خلق حقوق والتزامات دولیة.
4. أن یتم هذا التصرف فی إطار الخضوع لأحکام القانون الدولی ولابد من وقفه هنا، إذ التصرف الأحادی الجانب هو تصرف دولی وهذا یعنی أن نظامه محدد بالخضوع لأحکام القانون الدولی وبهذا یختلف عن التصرفات الأحادیة الجانب التی تقع ضمن نطاق القانون الداخلی مثل منح أو سحب الجنسیة عن شخص طبیعی أو معنوی، بینما اعتراف دولة أخرى أو احتجاجها على تصرف دولی یعتبر دون أدنى شک تصرف ذات طابع دولی یخضع للقانون الدولی أو یتولى القانون الدولی رسم حدوده وشروطه التی ینبغی أن یکون علیها، بمعنى آخر أن تکون التصرفات الأحادیة الجانب مخولة بموجب القانون الدولی فالتصرفات التی لیس لها أساس فی القانون الدولی لا تعتبر نافذة.
5. عنصر العلانیة یعتبر عنصراً مهماً لإثبات وجود التصرف وتحقیق الغایة المنشودة منه وقدرته على تحقیق الآثار فضلاً عن تحدید المستفیدین من التصرف بمعنى آخر ینبغی من أجل إحداث تغییر فی الحالة القانونیة للدولة التی قامت بالتصرف فی مواجهة دول أخرى، أن یکون هذا التصرف معروفاً للدول الأخرى بأی طریقة من طرق الإعلان، أی أن لایتم بشکل سری بمعنى آخر أن لا یتم خلف أبواب موصدة.
6. وبالنتیجة تعد هذه التصرفات مصدراً للالتزامات الدولیة للدولة منتجة التصرف تجاه المستفید منه.
وبعد أن بینا المقصود بالتصرف من جانب واحد، واستخلصنا سمات لابد من الإشارة إلى ما لهذه التصرفات التی تقوم بها الدول من أهمیة، إذ للتصرف الذی تقوم به الدولة القدرة على إنتاج آثار قانونیة تؤثر فی ترکیبة العلاقات الدولیة أو کمساهم فی بلورة قواعدها.
هذا وتساهم هذه التصرفات فی تفسیر المعاهدات الدولیة وتعدیلها وذلک ضمن الإطار الذی تعمل فیه.
ویذهب الأستاذ Pierre Marie إلى القول أن بعض التصرفات الأحادیة الجانب المتکررة فی الحیاة الدولیة تساهم فی تشکیل العرف الدولی.
ویظهر الدور المهم لهذه التصرفات عندما تمنع البیئة السیاسیة الدولة من ابرام
معاهدة وذلک للظروف التی تصاحب الابرام من إطالة وتعقیدات قد یخلوا منها اتخاذ
تصرف انفرادی، لذا توظف هذه التصرفات لخدمة المجتمع الدولی لما تحمیه من
إجراءات بسیطة کما أنها تعزز أوضاع الأمن والثقة فی العلاقات الدولیة والتی تجد
أساسها فی مبدأ حسن النیة. وتجد هذه التصرفات آثارها فی الممارسات الدولیة وفی
السوابق القضائیة لمحکمة العدل الدولیة الدائمة ومحکمة العدل الدولیة، وقد خلصت
المحکمتان من خلال حکمیها فی قضیة Green Land وقضیتی التجارب النوویة
لعام 1974 إلى عدة مبادئ واستنتاجات، فوجود هذه التصرفات مسألة لا یمکن
إنکارها، لذا یجب إخضاعها لقواعد خاصة ولا یمکن اعتبارها أفعالاً تندرج فی نطاق
قانون المعاهدات وهذا ما سیتضح لنا من خلال ما سیتقدم من فصول
ومباحث.
المطلب الثانی
تمییز تصرف الدولة من جانب واحد مما یشتبه به
کنا قد عرفنا التصرف الذی تقوم به الدولة من جانب واحد بأنه تصرف انفرادی تتخذه الدولة له القدرة على إنتاج آثار قانونیة فی نطاق القانون الدولی أیاً کانت صیغته وطریقة التعبیر عنه.
هذا التصرف حتى یتضح مفهومه ومضمونه أکثر نعرض لبعض التصرفات القریبة منه وربما یختلط الفهم بینها وبینه والمتشابهة معه من حیث درجة التقنیة (التکتیک) مع اختلافها عنه فی الأهداف.
لذا سنحاول تمییزه عن الـ Estoppel (مبدأ عدم التناقض) أولاً وثانیاً عن التصرف الاتفاقی، وثالثاً عن التصرف السیاسی.
أولاً. تمییز التصرف من جانب واحد عن مبدأ عدم التناقض (Estoppel)
لابد من تمییز التصرف القانونی للدولة من جانب واحد عن بعض المواقف التی قد تتخذ من قبل دولة ما بارادتها الحرة ولکنها لا تستهدف من ترتیب آثار قانونیة، أو حتى لو ترتب على هذا الموقف ان اعتدت به بعض قواعد القانون ورتبت علیه آثاراً قانونیة مادامت أن الإرادة لم تتجه إلى إحداث هذا الأثر فلا یعتبر تصرفاً من جانب واحد.
والـ Estoppl نظام أنجلوسکسونی یمکن تعریفه بأنه "دفع یستهدف المستند إلیه الحکم بعدم قبول طلبات خصمه المتعارضة وما سبق لهذا الخصم اتخاذه من مواقف صریحة أو ضمنیة اعتمد هو علیها بحسن نیة واعتماداً على الثقة الواجب توافرها فی العلاقات الدولیة فی تحدید مسلکه موضوع النزاع.
ویعنی مبدأ عدم التناقض (أن یمتنع أی طرف أمام المحکمة من تبنی موقفاً خلافاً لموقف کان قد اتخذه مسبقاً وهی بکل بساطة تعنی أنه على الدولة أن لا تناقض نفسها).
ویرى الفقیه شارل روسو أن الدولة التی تعتمد على الـ Estoppel خلال نزاع قضائی أو دبلوماسی لا تبنی دفعها على سبق صدور تصرف قانونی من جانب واحد صدر من طرف النزاع الآخر، بل تعتمد على سبق اتخاذ هذا الطرف صراحةً أو ضمناً لموقف یتعارض ودعواه الموجه الیها الدفع مما یجعل مواقفه تتصف بالتناقض.
ویشیر الأستاذ Dominique Carreau إلى أن الدفع المعروف بـ Estoppel والذی اعتمد علیه أحد أطراف الدعوى على موقف بسیط سبق أن یکون الطرف المنازع قد اتخذه لا یختلف أن یکون قد اتخذه بشکل ضمنی أو بشکل صریح.
وکمثال على القبول الضمنی، یحدث أن تمتنع دولة عن الاحتجاج ضد تصرف دولة أخرى إذ کانت قد أعطتها مسبقاً موافقة ضمنیة، فالامتناع یتم تحلیله باعتباره قبولاً ضمنیاً، لذا لیس بوسع الدولة التی أعطت قبولاً ضمنیاً بسکوتها تغییره وأن أی احتجاج لاحق من قبلها مستقبلاً سوف لا یکون له أثر قانونی وأنها ستکون ضحیة التناقض ویمکن أن نقتبس قضیتین نظرت فیهما محکمة العدل الدولیة الأولى تتعلق بمسألة الصید بین بریطانیا والنرویج عام 1951 والثانیة عام 1962 المتعلقة بمعبر Preah- Vihear.
ففی قضیة الصید بین بریطانیا والنرویج أکدت محکمة العدل الدولیة أن امتناع بریطانیا فترة طویلة من صیاغة تحفظ بشأن قیام الترویج بتحدید میاهها الإقلیمیة منذ نهایة القرن الـ 19 یعتبر قبولاً ضمنیاً من قبل بریطانیا یمتنع علیها الاعتراض، إذ کان بمقدورها فی تلک الفترة أن تحتج بعمل أحادی الجانب وتستخدم حقها فی الاحتجاج وعندما لم تقم بذلک ولفترة طویلة فیعتبر قبولاً ضمنیاً من جانبها.
أما فیما یتعلق بقضیة معبد Preah-Vihear بین کمبودیا وتایلاند أمام محکمة العدل الدولیة… أم امتناع تایلاند وفترة طویلة من الزمن على أعقاب قیامها بترسیم حدودها مع کمبودیا ولم تحتج فی الوقت الذی کان بمقدورها أن تقوم بذلک فی لحظة ترسمیها الحدود فقررت المحکمة ان امتناع تایلاند یعنی قبولها واعترافاً ضمنیاً على الأقل وقد یکون اعترافاً رسمیاً کما ذهب الأستاذ Dominique فی قضیة کرینلاند الشرقیة عندما قامت النرویج بالاحتجاج على سیادة الدنمارک على کرینلاند الشرقیة وفی عام 1919 اعترف (Ihlen) وزیر خارجیة النرویج فی 22/7/1919 بسیادة الدنمارک على هذه المنطقة وبعد ذلک ذکرت أن کرینلاند تعود الیها، هنا وقعت فی تناقض إذ أن (إعلان أهلین) یعتبر اعترافاً رسمیاً یمنعها من الاحتجاج على سیادة الدنمارک ومن ثم تمتنع النرویج عن أی احتلال لجزء من کرینلاند وباقتصار اعترافها الرسمی عن طریق وزیر خارجیتها یمنعها من أی تصرف آخر یناقض الأول.
وأخیراً الحکمة من ترخیص القانون الدولی بالتمسک بهذا الدفع یعود إلى حسن النیة والثقة التی کثیراً ما تؤدی إلى اتخاذ مواقف معینة أو الإقدام على مسلک بعینه اعتماداً على سبق اتخاذ طرف النزاع الآخر للموقف المعتمد علیه فی توجیه دفع الـ Estopel، ومن شأن السماح لأحد الأطراف بتعدیل موقفه –بعد اعتماد الطرف الآخر علیه فی تحدید تصرفه- الإخلال باعتبارات الثقة الواجب توافرها فی العلاقات ما بین الدول وإلحاق الضرر بهذا الطرف الأخیر.
ثانیاً. تمییز التصرف من جانب واحد عن التصرف الاتفاقی:
کنا قد تناولنا التصرف الاتفاقی فی موضوع أنواع التصرفات القانونیة، وقلنا أن المعاهدة تعتبر الصورة المألوفة للاتفاق الدولی، فالمعاهدة کما عرفها أستاذنا الدکتور عصام العطیة اتفاق یعقد بین شخصین أو أکثر من أشخاص القانون الدولی العام ترمی إلى إحداث آثار قانونیة معینة.
کما عرفها الدکتور إسماعیل غزال بأنها (أعمال اتفق علیها شخصین أو أکثر من رعایا المجتمع الدولی ودونت فی وثیقة وحیدة أو فی وثیقتین)، ویضیف قائلاً فی البدء کانت سلطة عقد المعاهدات محصورة بالدول ثم مع تطور المفاهیم الدولیة ووسع نطاق هذه السلطة لیشمل المنظمات بحکم شخصیتها القانونیة، وحرکات التحرر الوطنیة للأفراد والشرکات أهلیة ابرام المعاهدات.
ومن اجل تحدید الطابع الخاص للأفعال الانفرادیة –باعتبارها تصرفاً یختلف عن التصرف التعاهدی- لابد لنا من وضع قواعد محددة ترسم الحدود بین الاثنین والأمر یتطلب أن نحدد معاییر للتمییز.
ولم یستقر الفقه على معیار یتم وضعه نصب الأعین فی تحدید الحدود الفاصلة بین التصرف الانفرادی الاتفاقی بل اختلف فی هذه المسألة، فقال البعض منهم بمعیار شکلی قوامه وحدة أو تعدد الأشخاص التی صدر عنها التصرف، وقال آخرون بمعیار مادی قوامه وحدة الجانب، وأن التصرف یجب أن یطبق على غیر مصدر التصرف.
وفیما یأتی عرض للمعیارین مع بیان رأینا فی أسباب تفضیل أحد من المعیارین:
1. المعیار الشکلی:
من أنصار هذا المعیار الفقیه ارکسوی والفقیه مورلی وینادی أنصار هذا المذهب أن معیار التفرقة بین التصرف الانفرادی والتصرف الاتفاقی یکمن فی أن الأول هو تعبیر عن إرادة شخص واحد من أشخاص القانون الدولی العام، أی ما معناه وحدة الشخص القانونی الذی یصدر عنه هذا التصرف، بینما التصرف الاتفاقی یتطلب لتکوینه وجود أکثر من تعبیر.
وکتعزیز لهذا المعیار ذهب الأستاذ ALFred P. Ruben إلى القول أن کل فعل یعتد به من الناحیة القانونیة فی نظام قانونی معین والذی تم القیام به من قبل شخص قانون واحد هو فعل صادر من جانب واحد.
وتحت مظلة هذا المعیار حاول فریق آخر من أنصار هذا الاتجاه التلطیف من وجهة النظرة المتعصبة وذهبوا إلى القول بأنه لا یشترط فی التصرف الانفرادی أن یصنعه شخص واحد من أشخاص القانون الدولی العام حتى لو اشترک فی صیاغته عدة أشخاص إنما المهم من قام بالتصرف فعلاً، أی ما معناه من أسند إلیه التصرف بالفعل ولیس المهم من أسهم فی إعداد هذا التصرف.
ونسوق مثالاً لتوضیح وجهة النظر هذه، فالقرار الذی یصدر عن المنظمة الدولیة تشارک فی صنعه عدة جهات إلى أن یخرج إلى النور باسم الشخص المعنوی الذی هو المنظمة الدولیة والذی ینسب الیها هذا التصرف.
ومن الانتقادات التی وجهت إلى هذا المعیار أن أنصاره قد ذهبوا إلى تفسیر التنازل الجماعی عن الحقوق هو تصرف من جانب واحد، فهو صادر من عدة أشخاص ولکنه یمثل بالنسبة إلى المستفید تصرفاً من جانب واحد.
ویرد الدکتور مصطفى أحمد فؤاد على أصحاب هذا الرأی بالقول أن التنازل الجماعی عن الحقوق لیس بالتصرف الصادر عن الإرادة المنفردة بل هو تصرف ناتج عن اتفاق دولی یتضمن اشتراطاً لمصلحة الغیر.
ونحن بدورنا نرى أن التنازل الجماعی عن الحقوق ما هو إلا تصرف اتفاقی یتم فی إطار معاهدة دولیة إلا أن آثاره تتعدى عاقدیه لتمتد إلى الغیر الذی لم یساهم فی عقده، بمعنى آخر هو اشتراط لمصلحة الغیر.
ثانیاً. المعیار المادی:
یرى أنصار هذا المعیار أن التصرف الانفرادی هو الذی یصدر من جانب واحد بغض النظر عن عدد الأشخاص المشترکة فی هذا الجانب، أی ما معناه أن هذا المعیار یعتمد على عدد الأطراف المشترکة فی تکوین التصرف لا على تعدد الأشخاص أو الإرادات، هذا وان استعمال فکرة (جانب واحد) تجعل هذه التسمیة منطبقة تماماً على معنى الاصطلاح اللاتینی (Latus) والذی یعنی جانباً.
وقد عرض الدکتور نزار العنبکی عرضاً جمیلاً لوجهة نظر العمید داهوسی (Dehaussy) فی تحلیله لإصطلاح (I’unilateralite) فی دراسته التی أعدها حول الأعمال القانونیة الصادرة من جانب واحد أصدرها بمناسبة صدور مؤلف الأستاذ (سوی) وملخص لما تناوله (Dehaussy) أنه إذ کانت القاعدة الناتجة عن العمل أو التصرف القانونی الدولی موضوعها یقتصر على تنظیم الروابط المشترکة لمن أصدرها فان العلاقة الناشئة عن هذا التصرف هی علاقة متعددة الجوانب (Pluriteral).
أما إذا کان موضوع القاعدة الناشئة عن التصرف القانونی یتعدى أثره القانونی مصدره إلى الغیر الذی لم یساهم فیه فان العلاقة الناشئة عن هذا التصرف هی علاقة صادرة من جانب واحد فقط.
والواقع أن مفهوم العمید (Dehaussy) کما یشیر الدکتور نزار یکتسب أهمیة خاصة فی تفسیر أعمال المنظمات الدولیة بصفة خاصة، فالسمة الأساسیة للتصرفات الصادرة من جانب واحد على وفق هذا المعیار هی عدم وجود إرادة مقابلة تؤدی دوراً لکی ینتج العمل آثاره وقد تأکد هذا الرأی فی نهج محکمة العدل الدولیة عند بحثها لمرکز ونطاق التصریحات الفرنسیة فی حکمها الصادر عام 1974 فی قضیة التجارب النوویة الفرنسیة.
رأینا فی الموضوع:
إذا کان الفقه لم یستقر على معیار محدد فی بیان مضمون التصرف الانفرادی وتمییزه عن التصرف الاتفاقی، إذ أن نقطة التمییز أو الفرق بین التصرف الصادر من جانب واحد والتصرف الاتفاقی لیست دائماً على درجة کبیرة من الوضوح، ومن خلال ما سبق نشیر إلى أن الاعتماد على المعیار المادی یکون أفضل فی التمییز لأن الطبیعة الانفرادیة للتصرف لا تستند ولا ترتبط ولا تعتمد على الأثر الثنائی التبادلی، وإنما تتوقف على دخول التصرف حیز الوجود منذ وقت إصداره.
وما یؤکد ما ذهبنا إلیه اتجاه محکمة العدل الدولیة إلى الاعتماد على المعیار المادی من خلال التعریف الذی أطلقته على التصرف من جانب واحد بأنه "العمل المنفرد الذی یعبر عن إرادة دولة أو مجموعة دول أو منظمة دولیة یهدف إلى خلق قواعد قانونیة تطبق على غیرها أو تعدله أو تبطل القواعد القائمة، فضلاً عن موقف المحکمة فان المقرر الخاص للجنة القانون الدولی قد بین أن الأفعال الانفرادیة ینبغی أن تفهم على أنها أفعال ذاتیة أو مستقلة لها سماتها المتمیزة وأنه من الضروری تمییزها عن الأفعال التی تندرج فی نطاق انطباق المعاهدات، واضاف أن الاختلاف بین الأفعال التعاهدیة والانفرادیة یکمن فی أن الأولى تستند إلى اتفاق أو تعبیر مشترک عن الإرادة یشمل شخصین أو أکثر من أشخاص القانون الدولی فی حین أن الثانیة تستند إلى تعبیر عن إرادة (فردیة أو جماعیة) بغیة إقامة علاقة قانونیة جدیدة مع دولة أو دول أخرى لم یشترکوا فی إصدار الفعل أو وضعه.
وعلى أیة حال فان نقطة التمیز أو الفرق بین الاثنین قد تبدو واضحة فی بعض الأحیان، فالمعاهدة تتکون من اتفاق لارادات جمیع أطرافها وبدون هذا الاتفاق لاتنشأ المعاهدة، وفی أحیان أخرى قد تصبح مسألة التمییز مسألة نسبیة وخاصة بالنسبة إلى التصرفات التی تنشأ من إطار قانون المعاهدات.
ثالثاً : تمییز التصرف القانونی من جانب واحد عن التصرف السیاسی:
کثیراً ما تتصرف الدولة –من خلال ممارستها لنشاطها الدولی- تصرفات یثار السؤال عن مدى تمتعها بوصف التصرف القانونی أم السیاسی، خاصة ونحن نلحظ ما یشهده المجتمع الدولی فی الوقت الحاضر من تصرفات سیاسیة أثرت کثیراً فی العلاقات الدولیة، إلا أن مهمة التمییز مسألة یکتنفها الغموض والکثیر من الصعوبات وذلک لأن معظم القضایا السیاسیة تنطوی على قدر من العناصر القانونیة والعکس صحیح. وبالرغم من هذه الصعوبات، فقد وجدنا أحد الکتاب الألمان ممن میز التصرف القانونی عن السیاسی وعرفه التصرف السیاسی بأنه "التصرف الذی ینتج عن الإرادة السیاسیة للدولة والذی یجد أساسه أو طابعه الإلزامی فی مبادئ الأخلاق والسیاسیة".
أما التصرف القانونی کما عرفه (Suy) فهو "تعبیر عن إرادة شخص أو أکثر من أشخاص القانون الدولی بقصد ترتیب آثار قانونیة وفقاً للشروط والأوضاع المقررة فی القانون الدولی.
ونتیجة للصعوبات التی تلاقی أغلب الباحثین فی الفرق بین الاثنین، فقد ذهب رأی إلى أنه لا یمکن الفصل بین القانون والسیاسة، وأن لکل صک قانونی طابعاً سیاسیاً أیضاً، وفضلاً عن ذلک فانه لیس من السهل تحدید طبیعة فعل یفعله شخص من أشخاص القانون الدولی وخاصة الدول، فمثلاً الضمانات التی تقدمها الدول النوویة بصورة منفردة أو مجتمعة هل تعد تصرفات قانونیة أم سیاسیة، والواقع لیس هناک فی القانون الدولی ما یمنع أن تحمل هذه الضمانات آثار قانونیة.
وقد ذکر المقرر الخاص للجنة القانون الدولی فی تقریره الأول أن الفعل السیاسی نوعان الأول: فعل سیاسی بحت وهو الذی نشأت عنه آثاراً سیاسیة فقط، ولم تؤدِ إلى آثار قانونیة، والثانی: هو الفعل السیاسی ذو المحتوى القانونی، إذ لیس هناک ما یمنع من أن یتضمن الفعل السیاسی عناصر قانونیة ملزمة للدول ومعرفة نیة الدولة مسألة فردیة فی تحدید طبیعة الفعل.
وأضاف المقرر الخاص السید رود ریغیس ثیدینیو "ان الزامیة الارتباط السیاسی تکون أحیاناً أکثر فعالیة وأهمیة من الزامیة الارتباط القانونی … ورداً على رأی تقدم به أحد أعضاء اللجنة مفاده أن الالتزامات القانونیة هی الأعلى دائماً رد المقرر الخاص أن أحد السادة وهو فی طریقه إلى الجامعة لإلقاء محاضرة وفاءً لالتزامه القانونی رأى طفلاً یغرق فی بحیر، فانه سیتدخل قطعاً لإنقاذ الطفل، مقدماً بذلک التزامه الأخلاقی على التزامه القانونی".
ومن خلال ما سبق یتضح لنا فی کثیر من الأحیان تداخل التصرف القانونی مع التصرف السیاسی وهناک أمثلة عدیدة نستمدها من واقعنا المعاصر عن التصرفات السیاسیة وتداخلها مع التصرفات القانونیة مثاله ما ذهب إلیه الرئیس السابق للولایات المتحدة الأمریکیة جیمی کارتر فی إحدى مقالاته حیث قال: هناک تصرفات أثرت فی حیاة الشعوب مثلاً المأساة التی نتجت عن أحداث 11 أیلول وما نتج عنها من ردود أفعال الرئیس الأمریکی بوش وطموحاته التی یخفیها تحت ستار الحرب ضد الإرهاب.. کذلک فان رفض اتفاقیات الأسلحة النوویة وحمایة البیئة والمقترحات المضادة للتعذیب وعقوبات جرائم الحرب فی بعض الأحیان ترتبط هذه مع تهدیدات اقتصادیة ضد أولئک الذین لا یتفقون مع السیاسة الأمریکیة، إن هذه التصرفات السیاسیة أحادیة الجانب تعمل بصورة متزایدة على عزل الولایات المتحدة عن الشعوب، کل هذه الظروف السیاسیة کانت دوافع لأفعال تبررها أمریکا على أنها تصرفات قانونیة لتبریر سیاستها التوسعیة.
إلا أن للتصرف السیاسی أسباباً وتأثیرات قانونیة، ففی الثلاثینیات مثلاً سعت ایران إلى تغییر حدودها على الساحل الشرقی لشط العرب وذلک من اجل توسیع نفوذها فی منطقة الخلیج العربی محتجة بضرورة تطویر میناء عبادان وما یصاحبه من تطور فی المصالح السیاسیة والاقتصادیة بسبب وجود مصافی النفط فیها فسعت إلى إلغاء البروتوکول الخاص بتعیین الحدود فی شط العرب لعام 1913، فالغاء البروتوکول من جانب واحد کان سببه تغیراً فی الظروف السیاسیة.
کذلک قضیة النزاع بین مالیزیا والفلبین حول جزء من بورینو أدى إلى تعدیل فی دستور الفلبین، وتحدید الأراضی الوطنیة حول الجزء المتنازع علیه من بورینو، وکان التعدیل فعلاً سیاسیاً ینطوی على أثر دولی یمس مالیزیا.
وبالرغم مما ذکرناه عن عدم إمکان الفصل بین التصرف القانونی والسیاسی فی بعض الأحیان إلا أنه فی نفس الوقت هناک مؤشرات لتمییز التصرف السیاسی عن التصرف القانونی تناولتها لجنة القانون الدولی، حیث ذکرت اللجنة فی أحد تقاریرها: ان التصرف السیاسی یشبه التصرف القانونی لأنه ناتج عن الدولة ذاتها ولکن لا تترتب علیه ولا التزامات بالمعنى القانونی لهذین المصطلحین، والفعل السیاسی الانفرادی أو الاتفاقی یمکن أن یساهم فی تشکیل قواعد عرفیة إلا أنه لا یؤدی بصفة مباشرة إلى إنشاء حقوق ذاتیة ولا یلزم صاحبه، وحسب رأی الأستاذ بیلیه، أن الأفعال السیاسیة لیست ملزمة لأحد ولا حتى للدولة التی صدر عنها التصرف ولکن هذا لایعنی أن الدولة لا تعنى أو تهتم بها وذلک لأن القانون لیس کل شیء ولأن للسیاسة أو الأخلاق والدین دوراً أیضاً.
کذلک توصل المقرر الخاص للجنة فی تقریره الثالث إلى أن النیة تؤدی دوراً رئیساً فی التمییز ومعیار الأثر المنتج فعلیاً یمکن الاعتماد علیه فی تحدید طبیعة التصرف.
ونستطیع أن نخرج بعدة سمات تمیز بین ما هو سیاسی وقانونی:
1. ان التصرف القانونی هو الذی ینتج عنه آثاراً قانونیة، أما التصرف السیاسی فهو الذی یکون له آثاراً ذات طابع سیاسی.
2. لا یمکن للتصرفات السیاسیة أن تتفوق على التصرفات القانونیة إلى أنه فی نفس الوقت لا یمکن تجاهل دورها وفاعلیتها فی التأثیر على الحیاة الدولیة.
3. فی اتجاه نیة الدولة یمکن أن نستوضح هل أن هذا التصرف قانونی أم سیاسی فضلاً عن موقف القضاء الدولی قدرة على بیان هل أن الدولة قصدت الدخول فی التزامات قانونیة أم سیاسیة وبذلک یشترکان التصرف القانونی والسیاسی فی عنصر مشترک وهو کونهما یحکمان سلوک الدول.
4. یستمد التصرف القانونی أساسه وقوته من قواعد القانون الدولی العام، أما التصرف السیاسی فانه قائم على الإرادة السیاسیة للدولة فاعلة هذا التصرف والذی یجد أساسه وطابعه الإلزامی فی مبادئ الأخلاق والسیاسة.
وأخیراً یجب عدم إغفال ما للتصرفات الانفرادیة التی لها طابع سیاسی محض من أهمیة فی سیر العلاقات الدولیة، إذ أن هذه التصرفات تمکن الدول من الدخول فی التزامات سیاسیة تنظم تصرفاتها القانونیة وعلى الرغم من أن الإخلال بتلک الالتزامات (السیاسیة) لایثیر المسؤولیة الدولیة إلا أن الأمر یرتب مسؤولیة سیاسیة للدولة، کما أنه یؤثر على مصداقیتها بین الدول.
المبحث الثانی
التصرف من جانب واحد بین الإنکار والتأیید
ان لآثار التصرفات القانونیة للدولة الصادرة من جانب واحد دوراً کبیراً ومتمیزاً فی العلاقات الدولیة.
ولکن الاعتراف بقدرتها على أن تکون فی عداد مصادر القانون الدولی لا یزال أمراً صعباً إن لم یکن مستحیلاً والسبب فی ذلک یعود إلى أن محکمة العدل الدولیة لم تدرج هذا النوع من التصرفات فی عداد مصادر القانون الدولی التی وردت فی نص المادة (38) من نظامها الأساس مما حدا بالعدید من الکتاب والباحثین فی القانون الدولی إلى تجاهل دورها البارز وبالنتیجة لم یفرد لها هؤلاء جزءاً من اهتمامهم بل انکبوا على الاهتمام بالتصرفات الاتفاقیة باعتبار أن قواعد القانون الدولی تقوم على أساس الرضا المشترک بالخضوع لأحکامه.
فضلاً عن هذا الجانب فان کتاب القانون الداخلی بالرغم من الفائدة التی أسدوها لموضوعنا هذا إلا أن کتاباتهم قد أثرت وعملت على تشویه صورة هذه التصرفات وتغلیفها بمفاهیم القانون الداخلی بدلاً من توضیحها.
وقبل أن نبدأ بشرح تفاصیل هذا الفرع من الدراسة نوضح أن فقهاء وکتاب القانون الدولی قد انقسموا إلى قسمین، الأول: أنکروا على التصرفات الصادرة من جانب واحد مقدرتها مطلقاً على إنتاج آثار قانونیة بمفردها، أما القسم الثانی: الذی اعترف بآثارها فی العلاقات الدولیة فقد انقسم إلى اتجاهین، الأول: أنکر اعتبارها مصدراً من مصادر القانون الدولی، والثانی: اعترف لها بهذه المقدرة.
وبناءً على ذلک سنتناول هذا الموضوع من خلال الفرعین الآتیین:
المطلب الأول
المنکرون لفکرة التصرف من جانب واحد
یذهب أنصار هذا الاتجاه إلى أن التصرفات الصادرة من جانب واحد لا ترتب نتائج أو أیة آثار قانونیة إلا إذا لابستها ظروف خاصة تبرزها فی صورة معینة وتجعل منها الإرادة الرئیسیة التی تتدخل لإحداث آثار قانونیة.
ومعنى هذا أن الإرادة المنفردة لیست من خلق الأثر القانونی، إذ هذا الأثر لا یحدث إلا إذا لابس صدوره ظروف خاصة تسبق صدوره أو تلحقه وهذه الظروف هی تدخل إرادة أو إرادات مقابلة تصدر من أشخاص دولیة أخرى سواء أکانت هذه الإرادات المقابلة ایجابیة أم سلبیة (مجرد السکوت).
ویمیل الدکتور محمد حافظ غانم إلى الاعتقاد بأن الوعود الواردة فی تصریحات تصدر عن الإرادة المنفردة تعتبر ملزمة فی الأحوال التی تتحول فیها هذه التصریحات إلى اتفاقیات دولیة کأن یوجه التصریح من دولة إلى أخرى أو إلى مجموعة من الدول تقوم بقبوله صراحةً أو ضمناً ومن ثم یتحول إلى اتفاق ثنائی أو جماعی.
ویضیف محمد حافظ غانم فی مؤلف آخر له أنه "لا تعتبر الأعمال المنبثقة عن الإرادة المنفردة فی المجال الدولی تعبیر عن إرادة آمرة ولکنها مجرد إفصاح عن رأی أو تقریر لحالة معینة لاحظت الدولة وجودها ومنها الاحتجاج أو الإبلاغ والتصریح".
ومن المنکرین أیضاً الأستاذ (Pierre Vellas) حیث یرى أن الأعمال التی تتم بالارادة المنفردة تکّون مجموعة قانونیة مزیفة وغیر صحیحة … ویضیف أیضاً أن الوعد هو رکن فی الاتفاقیات الدولیة، ومحللاً الابلاغ والانضمام وإلغاء المعاهدات والتصریح بأنها یمکن إدخالها فی مجموعات قانونیة أخرى، حتى لو ظهرت إرادة الدولة التی تقوم باصدارها فی صورة انفرادیة واضحة.
وإذا ما أردنا السیر أکثر فی هذا الاتجاه، فقد ذهب الأستاذ (Patrick Daillier) إلى أن قسماً من الفقه قد استنتج السمة غیر القانونیة للأعمال أحادیة الجانب وقال بأنها مجرد التزامات أخلاقیة وسیاسیة دونما أی مدى قانونی ولا یتولى إدارتها القانون الدولی
وذهب الأستاذ (Pierr- Marie Martin) إلى أن "معظم التصرفات الأحادیة الجانب تتأتى من القانون الداخلی (النصوص التشریعیة أو التنظیمیة على سبیل المثال) وهکذا فانه لا یمکن أن یکون لها أثر فی القانون الدولی إلا إذا کانت تحترم هذا القانون ولا یمکن أن تکون خاضعة لمعارضة الغیر إلا إذا قام الغیر بالاعتراف بها.
إن آراء هؤلاء الأساتذة جاءت نتیجة إلى أنه فی إطار قانون من هذا النوع یتساوى أشخاصه فی السیادة یکون من الصعب الاعتراف من خلاله بوجود تصرفات قانونیة تصدر عن إرادة منفردة لدولة معینة فی إطار العلاقات الدولیة بالسهولة التی نتصورها، فالقانون الدولی یتصف بافتقاره إلى علاقات تنشأ عن وجود مرکز للسلطة ولذلک لم یعرف هذا القانون ابتداءً إلا مصدرین أصلیین من مصادر القاعدة الدولیة هما الاتفاقیات والأعراف الدولیة.
ولکن الوضع قد تغیر نوعاً ما وذلک بولادة المنظمات الدولیة وإنشاء أجهزة دولیة ذات اختصاصات قادرة من خلالها على اتخاذ تصرفات قانونیة فی حدود اختصاصها ومثاله مجلس الأمن فی منظمة الأمم المتحدة وله صلاحیة اتخاذ قرارات صادرة عن الإرادة المنفردة لمنظمة الأمم المتحدة، إلا أنه فی النهایة هذا التصرف یستند إلى اختصاص منصوص علیه فی الاتفاقیة التی أنشأ هذا الجهاز بموجبها، وکما یقول الفقیه روتیر "ان الأعمال الأحادیة الجانب تتصل بتقنیة الاتفاقات أو أنها لا تملک إلا أدواراً محددة، بمعنى آخر تدخل إرادة أو إرادات مقابلة تصدر من أشخاص دولیة أخرى".
أما نحن فنعتقد أن سبب هذا الإنکار یعود إلى:
1. أن المادة (38) من النظام الأساس لمحکمة العدل الدولیة أدت دوراً کبیراً فی تجاهل وإنکار الآثار القانونیة لهذا النوع من التصرفات وذلک لعدم ایرادها ضمن مصادر القانون الدولی العام، بالرغم من أن للمحکمة من خلال القضایا التی نظرت فیها قد تنصلت من هذا التجاهل وذلک فی قضیة التجارب النوویة وقضیة معبد بییر مهیار.
2. ان التفسیر الجامد والضیق للمبدأ Pact sant servnda وأن الدولة تکون ملزمة فقط بموجب الاتفاق الذی تبرمه بارادتها ولا شیء غیره هذا ما أکدته محکمة العدل الدولیة الدائمة من خلال قرارها فی قضیة اللوتس من أنه لا یمکن فرض أیة قیود على سیادة الدول.
ولو عدنا لما أوردته لجنة القانون الدولی فی التقریر السادس لمقررها الخاص من أن الطابع الإلزامی للتصرف أحادی الجانب یستند إلى قاعدة خاصة هی قاعدة الفعل ملزم لمن صدر عنه Acta sant servenda التی تسترشد بقاعدة Pact sunt servenda.
3. ابتعاد الدساتیر الداخلیة والقوانین إلى تخصیص نصوص تتناول التصرفات أحادیة الجانب أو أن لدیها القلیل جداً حول هذا النوع من التصرفات، فی حین نجد وفرة النصوص التی تناولت المعاهدات بالتنظیم.
4. ندرة أو قلة الممارسات الدولیة بهذا الخصوص.
المطلب الثانی
المؤیدون لقدرة التصرف على إنتاج آثار قانونیة
على حد علمنا فان الفقهاء والکتاب فی الدول التی یعترف فیها القانون الداخلی بالآثار القانونیة لبعض أنواع التصرفات الصادرة بالإرادة المنفردة کانوا من الأوائل الذین أسندوا نفس الأثر إلى تصرفات الدولة الصادرة من جانب واحد فی مجال القانون الدولی.
ولکن بالرغم من الفائدة التی أسداها هؤلاء إلى التصرفات الدولیة الصادرة من جانب واحد إلا أن کتاباتهم قد أثرت وعملت على تشویه صورة هذه التصرفات وتغلیفها بمفاهیم القانون الداخلی.
ویعد الفقیه (انزلوتی) أول من أدرج تصرفات الدولة من جانب واحد ضمن نطاق القانون الدولی، إذ قبله کان یجری تکییفها على اعتبار أنها تمثل أمراً مشروعاً أو غیر مشروعاً فاذا لم تکن مشروعة عندئذ تثار المسؤولیة الدولیة ضد الدولة المتصرفة وإذا کانت مشروعة تعتبر سمات أو مظاهر لإرادة الدولة فی نطاق العلاقات الدولیة.
أما الفقیه Brownlie فیؤکد أن التصرفات الصادرة من جانب واحد للدول قد لا تتجه بالضرورة إلى تکوین اتفاقات ومع ذلک فهی قادرة على خلق نتائج أو تأثیرات قانونیة بطرق متعددة، فتکوین قواعد عرفیة والاعتراف یعدان من أکثر التصرفات شهرةً أو بروزاً فیما یتعلق بالتصرفات الصادرة من جانب واحد على أن هناک تصرفات أخرى أشار الیها المؤلفون کالوعد والتنازل والاحتجاج لها أهمیة فی إحداث آثار قانونیة قادرة على التأثیر فی البیئة الدولیة.
بالإضافة إلى ذلک فان فقه القانون الدولی فی کل من ایطالیا وألمانیا کان أکثر رغبة فی الأخذ بنظر الاعتبار تصرفات الدولة الصادرة من جانب واحد إلا أنه وعلى الرغم من ذلک فقد افتقرت هذه الأفکار إلى الوضوح أو جعلت الصورة أکثر قتامة فی العدید من جوانبها.
وقد اتبع الفقیه George Jellinek وتمسک بمفهوم هیکل الدولة، فقد توصل إلى ابتکار مذهب التحدید الذاتی باعتباره الأساس للقانون الدولی بشکل عام، کما أن أساس الالتزامات القانونیة للدولة کان یتمثل من إرادتها المنفردة فی فرض القیود على حریتها فی التصرف.
هذا وقد اعترف أیضاً أنصار هذا الاتجاه للإرادة المنفردة بقدرتها على خلق الآثار القانونیة ولکن انقسموا إلى قسمین:
القسم الأول: القدرة على خلق الالتزام على عاتق من صدر عنه (الإلزام الذاتی).
القسم الثانی: القدرة على خلق الالتزام على عاتق الغیر (الإلزام المتعدی).
الاتجاه الأول: قابلیة الإلزام الذاتی
ذهب أصحاب هذا الرأی إلى أن للإرادة المنفردة للدولة قدرة على خلق الالتزام فی مواجهة من صدر عنه دون إلزام الغیر، وعلى رأس من نادى بهذا الاتجاه الفقیه (Suy).
وذهب Say إلى القول "بأن التصرف الصادر عن الإرادة المنفردة لا یمکن أن یرتب أیة التزامات تتعلق بالطرف الآخر"، مما دعا إلى تبنی العدید من المزاعم بأن الدولة لیس بامکانها أن توسع وبارادتها المنفردة من نطاق حقوقها القانونیة.
وسمی هذا الاتجاه باتجاه الالزام الذاتی، إذ لا یتصور أصحابه أن تحمل الإرادة المنفردة الغیر بأیة التزامات ومن هؤلاء الأستاذ (Skubiszewski) حیث یقول "لا یمکن للعمل الأحادی الجانب أن یفرض التزامات على دول أخرى ولکن باستطاعته أن ینشط واجبات أخرى تتحتم على هذه الدول طبقاً لأحکام القانون الدولی العام والمعاهدات".
بمعنى آخر أن التصرف الأحادی الجانب لا یعتبر بحد ذاته مصدراً للحقوق والالتزامات وإنما العرف والمعاهدات ولکن التصرف الانفرادی هو الذی یجعلها قابلة للتطبیق.
هذا ولابد من التنویه إلى مدى تأثر فقهاء القانون الدولی بآراء فقهاء القانون الخاص الذین أنکروا على الإرادة المنفردة وصف المصدر العام للالتزام.
وقد تعرض هذا الاتجاه إلى الانتقاد وعلى رأس من انتقد هو الفقیه شارل روسو حیث ذهب إلى القول: "من الملائم أولاً وقبل کل شیء أن نشیر إلى أن نظریة التصرفات الأحادیة الجانب فی القانون الدولی لا یمکن أن تکون إلا نظریة مستقلة والتی لا یمکن القرض أو الاستعارة والأخذ من القانون الداخلی إلا بحذر شدید حتى إذا کانت عملیة النقل –أی نقل القوانین- عملیة مقبولة إلا أنه من غیر المعقول أن یجد الغیر نفسه ملزم بارادة أحادیة الجانب مالم یعطی موافقته الأولیة، وهذا الإدعاء سوف یسلب الإرادة المنفردة استقلالیتها وکذلک فیه تجاهل لکل تحلیلات القانون الدولی العام والمتعلق بالتصرفات الأحادیة الجانب، لأن الاعتماد على إرادة الغیر سوف تنهی نظریة الإرادة المنفردة وتحولها إلى تصرف اتفاقی.
الاتجاه الثانی: قابلیة الإلزام المتعدی
أما بالنسبة لهذا الاتجاه فیعتبر الفقیه شارل روسو، وبول روتییر على رأس من نادى به، إذ هناک من التصرفات الدولیة الصادرة عن الإرادة المنفردة ما یعد مصدراً من مصادر الالتزامات الدولیة على عاتق مصدرها والبعض الآخر فی إمکانه ترتیب التزامات دولیة على عاتق الغیر.
والتصرف الانفرادی الذی تقوم به الدول من جانب واحد موجود فی کل مکان ولا یمکن تجاهله فهو یحوی ضمناً کل الوسائل الأخرى لتکوین القانون الدولی، إذ أنه بتصرف أحادی الجانب تقوم الدولة بتصدیق معاهدة وبتصرف أحادی الجانب تعترف بدولة أخرى وکذلک بواسطته تقبل الدولة بالولایة الإلزامیة لمحکمة العدل الدولیة، بمعنى آخر أن التصرف الانفرادی موجود دائماً وفی کل مکان ویخیم ویصف کل القانون الدولی.
وقد تأکد هذا الاتجاه فی آراء محکمة العدل الدولیة، حیث کان موقفها فی قضیة الباخرة Wimbeldon أن العمل المنفرد بحد ذاته لا قیمة قانونیة له، بل هو مجرد إعلان بسیط عن إرادة الدولة لا یفرض أی آثاراً قانونیة ملزمة، لکنها عدلت عن رأیها فی قضیة Gren Land Oriental سنة 1933 کما أکدته فی قضیة مصائد الأسماک النرویجیة، إذ أعلنت أن "تحدید المساحات البحریة له طابع دولی فهو لا یتوقف فقط على إرادة الدولة البحریة التی أعلنت عنه فی قانونها الداخلی، بل أن شرعیة التحدید بالنسبة للغیر سوف تتوقف على القانون الدولی.
ویرى الفقیه Morand فی کتابه الموسوم "التشریع فی الاتحاد الأوربی" فیما عدا الاتفاقیات بین الدول الأعضاء وما یتعلق بالإجراءات ذات الصبغة الداخلیة وأعمال صغیرة أخرى متعلقة بتشریعات أو بحالات الأفراد، فان جمیع الأعمال الناجمة عن الهیئات التابعة للاتحاد الأوربی کانت أحادیة الجانب حصراً وبذلک فانها تخضع وبصورة جذریة إلى نظام یختلف جذریاً عن النظام الذی یطبق فی المعاهدات الدولیة.
هذا ویذهب الدکتور مصطفى أحمد فؤاد إلى أن فکرة التصرفات القانونیة الصادرة عن الإرادة المنفردة تجمع من حیث آثارها بین کونها مصدراً للالتزامات الدولیة ومصدراً للقاعدة الدولیة.
هذا وقد بالغ أحد الکتاب الفرنسیین فی الاعتداد بالتصرف الصادر من جانب واحد إلى الحد الذی قال فیه "ان کل معاهدة لا تتضمن سوى أعمالاً أحادیة الجانب، ترتبط بعضها بالبعض الآخر کالتوقیع، التصدیق ….".
إلا أن هذا الرأی مغالاً فیه إذا ما أدرکنا أن کل معاهدة لا تتضمن سوى أعمالاً أحادیة الجانب فان هذا أمر خاطئ، إذ للمعاهدة کیانها الخاص، فهی کما یقول الفقیه (تربیل) عقدة تعمل على ربط الالتزامات المتبادلة.
أما نحن فنرى أن اتجاه الإلزام المتعدی بعید عن الواقع خاصةً فی مجال تصرفات الدول، إذ لا یمکن لدولة أن تلزم بتصرف أحادی الجانب دولة أو دول أخرى، وإنما لها فقط القابلیة على إلزام ذاتها، وإن کان الأمر قد ینطبق على تصرفات المنظمات الدولیة فی قابلیتها على إلزام الدول ودلیلنا على ذلک أن المادة (38) من النظام الأساس لمحکمة العدل الدولیة لم تشر إلى التصرفات الانفرادیة فی هذه المادة، لذا لاتعد هذه التصرفات مصدراً للقانون الدولی، بل مصدراً للالتزام الدولی.
الخاتمة :
على الرغم من أن المعاهدات هی الشکل الأکثر شیوعاً فی تنظیم العلاقات الدولیة إلا أنه قد تمنع البیئة السیاسیة الدول من ابرام معاهدة لذلک تبرز الحاجة إلى إنشاء تصرفات من جانب واحد.
ولقد اُعتبرت هذه التصرفات البیئة أو المحیط الذی تنشأ من خلاله الدولة آثاراً قانونیة تعجز عن تحقیقها من خلال ابرام معاهدة دولیة، إلا أنه أسیء استخدامها فی ظل غیاب تنظیم قانونی یحکمها، وبالرغم من الأهمیة الکبیرة لها إلا أنها قوبلت بتجاهل أساتذة وکتاب القانون الدولی والعرب منهم خاصةً، لذا فقد سبق وتناولنا التعریف بهذه التصرفات من خلال المبحثین السابقین وتوصلنا الى استنتاجات ونلتمس بتوصیات وضعناها ونوردها تباعاً .
أولاً: الاستنتاجات :
1. إن المقصود من "تصرفات الدولة من جانب واحد" یفسر بمعناه الواسع یعنی "کل تصرف انفرادی تتخذه الدولة له القدرة على إنتاج آثار قانونیة فی نطاق القانون الدولی أیاً کانت صیغته وطریقة التعبیر عنه".
2. هناک خلط شائع وعلى المستویین النظری والعملی بین التصرف الذی تقوم به الدولة والتی تستهدف من ورائه تحقیق آثار قانونیة وبین مبدأ عدم التناقض أو ما یعرف بـ Estoppel والتصرف الاتفاقی والتصرف السیاسی، وبالرغم من صعوبة الفصل بین هذه المصطلحات والتصرف المقصود من الدراسة حیث تقترب هذه المصطلحات فی بعض من خصائصها مع موضوعنا إلا أن هناک نقاطاً أساسیة للتفریق بینها وبین التصرف أحادی الجانب للدولة أدت إلى تحدید مفهوم التصرف وفصله عما یشتبه به من الأنظمة القریبة منه.
3. نتیجة لانطباع تصرفات الدولة من جانب واحد وفترة من الزمن بمفاهیم القانون المدنی، فقد ذهب غالبیة أساتذة القانون الدولی ممن تناول الموضوع بالدراسة إلى عد هذه التصرفات مصدراً من مصادر القانون الدولی العام مع أن هذه التصرفات لا یکون لها القدرة على إلزام الغیر لأن الالتزام الناشئ عن التصرف الأحادی الجانب هو "إلزام ذاتی" ولیس "بالإلزام المتعدی" والدلیل على ذلک أن المادة (38) من النظام الأساس لمحکمة العدل الدولیة لم تورد هذه التصرفات من خلال فقراتها.
ثانیاُ : التوصیات :
1. بناءاً على النتائج التی تم التوصل الیها فإننا نقترح وضع قواعد قانونیة تنضم الأنشطة التی تقوم بها الدولة وأن تتضمن هذه القواعد تعریفاً یأخذ بنظر الاعتبار المعنى الواسع لتصرفات الدولة من جانب واحد أی عدم اقتصار الدراسة على التصرفات التی تقوم بها الدول على وجه الاستقلال.
2. ان تحدد هذه القواعد ما یمیز التصرفات القانونیة للدولة عما تقوم به الدولة من أفعال سیاسیة أو تصرفات اتفاقیة وغیرها من الأعمال التی لا تحمل معنى التصرف القانونی.
3. أن تحدد هذه القواعد الأثر الذی یمکن أن تُحدثه التصرفات والتی تقتصر على إنشاء (التزام ذاتی) ولا یتعدى هذا الالتزام إلى غیره من الدول أی فی إطار کونها مصدراً للالتزامات الدولیة ولیس مصدراً للقانون الدولی.
The Authors declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English), References (English) and References (French)
First: Sources in Arabic:
1. Ismail Ghazal, General International Law, University Institution for Studies, Publishing and Distribution, 1, 1986.
2. Report of the International Law Commission to the General Assembly on the work of its fiftieth session, 1998.
3. Brigadier Leon Dickey, Public Law Courses, translation by Dr. Rashidi Al-Tikriti, Legal Research Center, Ministry of Justice, Baghdad, 1981.
4. Legal Dictionary, by Harith Sulaiman Al-Farouqi, I.4, Lebanon Library, Beirut, 1982.
5. Report of the International Law Commission to the General Assembly on the work of its fifty-first session, on 13 May-23 July 1999, Official Records of the fifty-fourth session, Supplement No. 10.
6. Report of the International Law Commission to the General Assembly on the work of its fiftieth session, 1998.
7. Report of the International Law Commission on the work of its forty-ninth session (1997), summary records of the forty-first session, 12 May-18 July 1997.
8. Report of the International Law Commission on the work of its fifty-second session, 2000, Official Records of the fifty-fifth session.
9. Dr. Hamed Sultan, International Public Law in Times of Peace, 4th ed., Arab Renaissance House, Cairo, 1969.
10. Mustafa Ahmed Fouad, The General Theory of International Actions of the Single Will, Al-Ma'aref Establishment, Alexandria, 1984.
11. Dr. Saadi al-Barzanji, Critical Notes in Civil Law, No Place to Print, 1999.
12. Dr. Adnan Ibrahim Al-Sarhan and Dr. Nuri Hamad Khater, Explanation of Civil Law, Sources of Personal Rights, No Place to Print, 2000.
13. Dr. Issam Al-Attiyah, Public International Law, I6, Directorate of Dar al-Kuttab for Printing and Publishing, Baghdad, 2001.
14. Dr. Mohamed Hafez Ghanem, Principles of Public International Law, Bibliotheca Alexandrina, Cairo, 1968.
15. Dr. Mohammed Sami Abdel Hamid and Dr. Mustafa Salama, International Public Law, University Press and Publishing House, 1988.
16. Dr. Mohamed Sami Abdel Hamid,, The Foundations of Public International Law, International Rule, C1, I2, University Youth Foundation, Alexandria.
17. Dr. Mahmood Al-Muzaffar, The Theory of Individual Will and its Legal Legal Applications - Comparative Study in the Light of Arab Techniques and Fiqh of Islamic Law, King Abdulaziz University, Jeddah, 2002.
18. Dr. Anbar al-Anbuge, in the Commitment arising from Unilateral Promise and its Applications in Public International Law, Research published in the Journal of Legal and Political Sciences, Volume 6, Volumes I and II, Al-Ani Press, Baghdad, 1987.
Second: Sources in English:
1. ALFred P. Ruben, The international legal effects of unilateral de clarification, A.J.I.L., Volume 71, No. 1, 1977.
2. I.C.J., Repoert of case concerning the temple of preach vihear judgment of 15 Jun 1962, Par 27-33, http.//2/2.153.43,8/icj.www./decisions.
3. I.C.J., Report of Fisheries case (United Kingdom. Narway) December 18th 1951- Judgment.
4. Ian Brownlie, Principles of International Law, Second Edition, Oxford, 1973.
5. Jimmy Carter, The troubling new Face of America the Washington on post, 5.g. 2002, P.1: //www.Commondredms.org/ views02 / 0905- 03htm-15k.
6. Roy E. Thoman, Iraq under Baathist Rule in: Current History, Bd. 62, 1972.
Third: Sources in French:
1. Charles Roasseia, Droit international public, Tome1, Paris, 1970.
2. Eric Suy, Les acts Juridiques Unilatereaux en droit international pupic, paris, 1962.
3. Krzysztof Skubiszewskm, Les acte unilatraux des etats, Droit International Bilanet Pespectsives, tom1, Edition A., Pedone, Paris, 1991.
4. Patrick DaiLLier et Alain Dellet, Droit international public, L.G.D.J., 6 edition, 1997.
5. Dominique CARREAU, Droit international public, 5 edition, Paris, 1997.
6. Pierre Marie Dupuy: Droit International public, 2 edition, DALLOz, Paris, 1993.
7. Pierre Marie Martin: Droit International public, Masoon, Paris, 1995.
8. Pierre Vellas, droit International public, 2edition, L.G.D.S.1970
9. -D.DEGAN, sources of International Law, Volume 27, NetherLand 1997.