الملخص
یعد القانون الدولی الإنسانی بمصادره العرفیة والاتفاقیة ومبادئه ذلک الفرع القدیم للقانون الدولی العام ، تبلورت أحکامه عبر عقود من الزمن آخذة شکل قواعد عرفیة واتفاقیة جرى تقنینها فی اتفاقیات عامة منذ القرن التاسع عشر لیوفر الحمایة القانونیة للإنسان والممتلکات المدنیة على اختلاف أنواعها فی أوقات الحروب والنزاعات المسلحة ، ویحقق ضبط أعمال القتال وأسالیبه بتقیید حق الأطراف فی الحرب أو النزاع المسلح من استخدام ما تشاء من وسائل وأسالیب فی القتال بهدف تخفیف المعاناة والآلام وتقلیل الخسائر التی تخلفها هذه الأوضاع دولیة کانت أم داخلیة والتی یواجهها الأفراد عسکریین کانوا أم مدنیین
الكلمات الرئيسة
الموضوعات
أصل المقالة
التمییز بین القانون الدولی الإنسانی والقانون الدولی لحقوق الإنسان(*)
The distinction between international humanitarian law and international human rights law
عامر عبد الفتاح الجومرد نغم اسحاق زیا کلیة القانون/ جامعة الموصل کلیة القانون/ جامعة الموصل Amer Abdel-Fattah Al-Jomard Nagham Isaac Zia College of law / University of Mosul College of law / University of Mosul Correspondence: Amer Abdel-Fattah Al-Jomard E-mail: |
(*) بحث مستل من أطروحة الدکتوراه الموسومة "دراسة فی القانون الدولی الانسانی والقانون الدولی لحقوق الانسان" ، مقدمة من کلیة القانون ، جامعة الموصل فی 6/1/2005 . أستلم البحث فی 23/1/2006 *** قبل للنشر فی 19/2/2006.
(*) Received on 23/1/2006 *** accepted for publishing on 19/2/2006.
Doi: 10.33899/alaw.2006.160475
© Authors, 2006, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
مقدمة:
یعد القانون الدولی الإنسانی بمصادره العرفیة والاتفاقیة ومبادئه ذلک الفرع القدیم للقانون الدولی العام ، تبلورت أحکامه عبر عقود من الزمن آخذة شکل قواعد عرفیة واتفاقیة جرى تقنینها فی اتفاقیات عامة منذ القرن التاسع عشر لیوفر الحمایة القانونیة للإنسان والممتلکات المدنیة على اختلاف أنواعها فی أوقات الحروب والنزاعات المسلحة ، ویحقق ضبط أعمال القتال وأسالیبه بتقیید حق الأطراف فی الحرب أو النزاع المسلح من استخدام ما تشاء من وسائل وأسالیب فی القتال بهدف تخفیف المعاناة والآلام وتقلیل الخسائر التی تخلفها هذه الأوضاع دولیة کانت أم داخلیة والتی یواجهها الأفراد عسکریین کانوا أم مدنیین.
بینما یعد القانون الدولی لحقوق الإنسان فرعاً حدیثاً للقانون الدولی العام ، ظهر فی أعقاب الحرب العالمیة الثانیة التی دارت رحاها فی القرن العشرین ، حیث جرى تدویل حقوق الإنسان بعد انتهاء هذه الحرب إدراکاً من الدول أن تنظیم العلاقات الدولیة یجب أن یتم وفقاً لمبادئ حقوق الإنسان ، وإدماجها فی القانون الدولی العام.
ولکن ظهور هذین الفرعین لتحقیق هدفهما المشترک حمایة الإنسان وصیانة کرامتهِ والتخفیف من معاناتهِ ، جعل البعض من المختصین بالقانون الدولی العام یتوجهون نحو إدراج مصادر أحدهما ضمن مصادر الآخر بالرغم من أن لکل منها معنىً مختلفاً ومصادر مختلفة ، وعلاقة متمیزة ببعض المبادئ فی القانون الدولی العام ، لذلک جاء هذا الفصل مبیناً الاختلافات القائمة بین القانونین من ناحیة معنى کل منهما ، ومن ناحیة علاقتهما بمبدأ السیادة وحظر استخدام القوة فی القانون الدولی العام ، لکی نصل فی النهایة إلى الأثر المترتب على هذه الاختلافات ، عن طریق بیان العلاقة القائمة بینهما ، وعلیهِ نقسم الموضوع إلى ثلاثة مباحث ، یتناول المبحث الأول منها تعریف القانونین ،أما المبحث الثانی فیبین علاقتهما بمبادئ فی القانون الدولی العام ،وفی المبحث الثالث نسلط الضوء على علاقتهما مع بعضهما البعض.
المبحث الأول
تعریف القانونین
الحاجة إلى حمایة الفرد مما قد یتعرض له من عنف وتعسف على أراضی الدول التی یتواجد علیها ، ولدت مجموعتین متمیزتین من القواعد قسم منها سمی بالقانون الدولی الإنسانی الذی کمصطلح ظهر فی سبعینیات القرن الماضی وارتبط بالمفاوضات التی جرت بین 1974-1977 فی جنیف والتی انتهت بوضع بروتوکولی جنیف الملحقین باتفاقیات جنیف الأربع لعام 1949 ، والذی له مرادفات أخرى سبقته فی الظهور وهما مصطلح قانون الحرب ومصطلح قانون النزاعات المسلحة واللذان یشیع استخدامهما من قبل العسکریین والقسم الثانی من القواعد یطلق علیها تسمیة القانون الدولی لحقوق الإنسان الذی کمصطلح أیضا ظهر فی سبعینیات القرن الماضی على اثر نفاذ العهدین الدولیین لحقوق الإنسان ، ولهذین القانونین معانی متمیزة ، ولاجل بیان صورة الاختلاف بین القانونین من هذه الناحیة قسمنا المبحث إلى مطلبین.
المطلب الأول
تعریف القانون الدولی الإنسانی
وردت تعاریف کثیرة بخصوص القانون الدولی الإنسانی ، حیث عرف بأنه "مجموعة المبادئ والأحکام المنظمة للوسائل والطرق الخاصة بالحرب بالإضافة إلى الحمایة للسکان المدنیین ، والمرضى والمصابین من المقاتلین أسرى الحرب ".
وبأنه "مجموعة القواعد الدولیة الموضوعة بمقتضى اتفاقیات واعراف دولیة مخصصة بالتحدید لحل المشاکل ذات الصفة الإنسانیة الناجمة مباشرة عن المنازعات المسلحة الدولیة أو غیر الدولیة والتی تحد لاعتبارات إنسانیة من حق أطراف النزاع فی اللجوء إلى ما یختارونه من أسالیب ووسائل فی القتال ، وتحمی الأشخاص والممتلکات التی تتضرر من جراء النزاع".کما عرف بأنه "مجموعة القواعد الدولیة التی تتوخى حمایة فئات معینة تضم الأشخاص الذین لا یشترکون فی القتال أو الذین کفوا عن المشارکة فیه کما تتوخى منع بعض الأسالیب والوسائل فی الأعمال الحربیة".
وبأنه "مجموعة القواعد الدولیة التی تستهدف فی حالات النزاعات المسلحة حمایة الأشخاص والمصابین من جراء هذا النزاع وفی إطار أوسع حمایة الأعیان التی لیست لها علاقة مباشرة بالعملیات العسکریة".
وعرف أیضا بأنه "مجموعة المبادئ والقواعد المتفق علیها دولیا والتی تهدف إلى الحد من استخدام العنف فی وقت النزاعات المسلحة عن طرق حمایة الأفراد المشترکین فی العملیات الحربیة أو الذین کفوا عن المشارکة فیها ، والجرحى والمرضى والمصابین والأسرى والمدنیین وکذلک عن طریق جعل العنف فی المعارک العسکریة مقتصرا على تلک الأعمال الضروریة لتحقیق الهدف العسکری".
وفی التعاریف السابقة هناک ترکیز على الهدف من هذا القانون وعلى الحالات التی تسری خلالها قواعده ذات الطبیعة العرفیة والاتفاقیة ، والأشخاص الذین یتم حمایتهم والممتلکات التی یمتنع عن مهاجمتها ولکن من دون بیان الأشخاص الذین یلتزمون بمراعاة هذه القواعد.
بینما ورد فی نموذج أخر من التعاریف التی تناولت هذا القانون بیان الأشخاص الذین سیلتزمون بقواعده.
فقد عرف بأنه "جملة القوانین التی تحمی الذین لا یشارکون فی الأعمال الحربیة أو الذین کفوا عن المشارکة فیها ، وتنضم وسائل القتال وأسالیبه وهو واجب التطبیق أثناء النزاعات المسلحة الدولیة وغیر الدولیة ، وملزم على السواء للدول والجماعات المعارضة المسلحة وهو ملزم أیضا للقوات المشارکة فی عملیات حفظ السلام وإنفاذ السلام إذا ما شارکت هذه القوات فی أعمال قتالیة ".
وعرف بأنه "مجموعة المبادئ والقواعد التی تحد من استخدام العنف أثناء النزاعات المسلحة أو من الآثار الناجمة عن الحرب تجاه الإنسان عامة" ، فهو فرع من فروع القانون الدولی العام لحقوق الإنسان غرضه حمایة الأشخاص المتضررین فی حالة النزاع المسلح وحمایة الممتلکات والأموال التی لیست لها علاقة بالعملیات العسکریة وهو یسعى إلى حمایة السکان الغیر المشترکین فی العملیات العسکریة أو الذین کفوا عن الاشتراک فی النزاعات المسلحة مثل الجرحى والغرقى أسرى الحرب.
ولکن وبالرغم من تحدید هذا التعریف للغرض العام الذی أشارت إلیه التعاریف السابقة وهو الحد من أعمال العنف لحمایة الأشخاص الذین لا یشارکون فی الأعمال العدائیة أو کفوا عن المشارکة فیها ، إلا انه یعود ویجعل من القانون الدولی الإنسانی فرعا للقانون الدولی لحقوق الإنسان على الرغم من أن کل واحد منهما یعد فرعا مستقلا وقائما بذاته وهو ما سنلاحظه عند البحث فی نطاق تطبیق کل من القانونیین.
المطلب الثانی
القانون الدولی لحقوق الإنسان
بینما عرف القانون الدولی لحقوق الإنسان بأنه "یتمثل فی مجموعة القواعد والمبادئ المنصوص علیها فی الإعلانات والمعاهدات الدولیة والتی تؤمن حقوق وحریات الأفراد والشعوب فی مواجهة الدولة أساسا وهی حقوق لصیقة بالإنسان وغیر قابل للتنازل عنها ، وتلتزم الدولة بحمایتها من الاعتداء أو الانتهاک ".
ومن منظور أخر عرف بأنه "مجموعة القواعد القانونیة المتصفة بالعمومیة والتجرید التی ارتضتها الجماعة الدولیة أصدرتها فی صورة معاهدات وبروتوکولات دولیة ملزمة بقصد حمایة حقوق الإنسان المحکوم بوصفه إنسانا وعضوا فی المجتمع من عدوان سلطاته الحاکمة أو تقصیرها وتمثل الحد الأدنى من الحمایة التی لا یجوز للدول الأعضاء فیها النزول عنه مطلقا أو التحلل من بعضها فی غیر الاستثناءات المقررة فیها".
وفی هذین التعریفین الترکیز جاری على الهدف وعلى القواعد التی ینبع هذا القانون وتحدیدها بأنها القواعد الواردة فی الاتفاقیات والصکوک الدولیة بینما فی تعاریف أخرى جرى بیان الفترة التی یسری خلالها فعرف بأنه "یتضمن مبادئ وقواعد تسری فی زمن السلم والحرب على السواء" ولکن من دون أن یحدد الهدف من هذا القانون.
وفی تعریف أخر بأنه "مجموعة القواعد التی تستهدف حمایة حقوق الإنسان فی زمن السلم" . إلا إن هذا التعریف اغفل ذکر سریان قانون حقوق الإنسان فی فترة الحرب أو کما تسمى الآن النزاعات المسلحة.
کما وجدت تعاریف ترکز على الإعلانات والاتفاقیات التی یتکون منها حیث عرف بأنه "یضم الإعلان العالمی لحقوق الإنسان لعام 1948 والعهدین الدولیین والبروتوکولات الملحقة بهما بالإضافة إلى الاتفاقیات التفصیلیة الأخرى التی وضعت بسبب أهمیتها وهی الاتفاقیة الدولیة لمناهضة التعذیب واتفاقیة حقوق الطفل واتفاقیة حضر التمییز ضد المرأة واتفاقیة منع التمییز العنصری" ومیزة هذا التعریف انه کان قاصرا عن الإحاطة بکافة القواعد التی تکون قانون الدولی لحقوق الإنسان العالمیة منها والإقلیمیة العامة منها والخاصة کما انه رکز على الجانب الشکلی للقانون دون الموضوع أو الأطر الزمانیة التی یسری خلالها.
فقانون حقوق الإنسان کما وصفه البعض واجب التطبیق من حیث المبدأ فی جمیع الأوقات أی فی وقت السلم واثناء النزاعات المسلحة على السواء ، یرسی قواعد ملزمة للحکومات فی علاقتها بالأفراد ، توجد قواعده فی عدد من الصکوک العالمیة والإقلیمیة التی تغطی نطاق واسع من القضایا مثل الحقوق المدنیة والسیاسیة أو ترکز على حقوق بعینها على سبیل المثال حضر التعذیب أو ترکز على فئات معینة من المستفیدین کالأطفال والنساء کما توجد إلى جانب هذه المعاهدات مجموعة مهمة من القواعد العرفیة یقوم علیها هــذا القانون.
المبحث الثانی
علاقة القانونین بمبادئ فی القانون الدولی العام
الذی نقصده هنا هو علاقة القانونین بشکل خاص بمبدأ سیادة الدول ومبدأ حظر استخدام القوة فی العلاقات الدولیة.
فالقانون الدولی الإنسانی یحد من حریة الدول فی استخدام ما ترید من وسائل وأسالیب فی القتال وفی التعامل مع الأفراد الذین وقعوا تحت سلطتها من أفراد العدو ، ویستهدف الجزء الأکبر من قواعده إلى تنظیم جانب من جوانب استخدام القوة فی العلاقات الدولیة ألا وهی استخدام القوة المسلحة دون أن یتطرق أو یهتم بمشروعیة أو عدم مشروعیة استخدامها . بینما یسعى القانون الدولی لحقوق الإنسان الذی یستهدف فی المقام الأول تنظیم العلاقة بین الفرد ودولته ،بصفة أساسیة إلى الحد من سلطة الدولة على الأفراد وضمان حکومة جیدة لهم مما یحول دون التعسف فی استعمال السلطة المخولة لها ویکفل قیامها بواجباتها تجاه أفرادها بحمایتهم من کل اعتداء یقع أو قد یقع علیهم ویتأثر باستخدام القوة أیاً کان نوعها فی العلاقات الدولیة ، وذلک یعود إلى أن مضمون قواعده وتنفیذها لا یکون على أکمل وجه إلا إذا استقرت العلاقات الدولیة وتحقق السلم الذی سیهیئ للدول إمکانیة التوجه نحو الاهتمام ومعالجة مواضیع حقوق الأفراد الخاضعین لسلطتها وتنمیتها.
وعلیه نبحث هذه العلاقة فی مطلبین فی الاول علاقة القانونین بمبدأ سیادة الدول وفی المطلب الثانی علاقتهما بمبدأ حظر استخدام القوة.
المطلب الأول
علاقة القانونین بمبدأ سیادة الدول
سیادة الدول تعنی : حریة الدولة فی التصرف داخل إقلیمها وخارجه ، ولکن فی إطار ما تفرضه قواعد القانون الدولی العام العرفیة والاتفاقیة.
ولهذه السیادة التی تتمتع بها الدول مظهران ، فللدولة الحق فی مباشرة کل الاختصاصات سواء داخل إقلیمها وفی صلتها برعایاها ، أو خارج الإقلیم فی اتصالها وعلاقتها بالدول الأخرى.
فداخل الإقلیم هی التی تتولى تنظیم أداة الحکم وادارة شؤون الإقلیم المختلفة ووضع التشریعات وتنظیم القضاء وهذا هو المظهر الداخلی للسیادة.
وفی الخارج هی التی تتولى تنظیم علاقاتها مع الدول الأخرى عن طریق تبادل الممثلین الدبلوماسیین والقناصل وحضور المؤتمرات وإبرام المعاهدات والاشتراک فی عضویة المنظمات الدولیة وغیر ذلک من مظاهر النشاط الدولیوتدخل ضمن هذه الشؤون فی نطاق بحثنا فی القانون الدولی الإنسانی والقانون الدولی لحقوق الإنسان تصرف الدول فی حالات النزاعات المسلحة بنوعیها (القانون الدولی الإنسانی) وعلاقة الدولة بأفرادها (القانون الدولی لحقوق الإنسان).
القانون الدولی الإنسانی وسیادة الدول :
یشارک القانون الدولی الإنسانی النزعة المتمیزة للقانون الدولی العام وهی تقییده لسیادة الدول ، حیث لن یکون للدولة مطلق الحریة فی اختیار الوسائل وأسالیب القتال ، أو فی معاملتها لمن یقعون فی قبضتها من ضحایا الحروب والنزاعات الدولیة ، بل تتکون ممارستها لسیادتها ضمن الحدود التی تقتضیها متطلبات الإنسانیة.
فهذا القانون بقواعده العرفیة والاتفاقیة قید سیادة الدول من ناحیتین ، الاولى فرض قیوداً على سلوک الدول أطراف النزاع المسلح فی أثناء العملیات القتالیة وهی ضرورة التمییز بین ما هو مدنی من الممتلکات والأشخاص وبین ما هو عسکری.
وجعل حق المتحاربین فی اختیار وسائل إلحاق الضرر بالعدو حقاً مقیداً ولیس مطلقاً بالنص على حظر استخدام بعض أنواع الأسلحة وتقیید استخدام ، وحظر اللجوء إلى بعض السبل والأسالیب فی العملیات القتالیة ، فقد حظر على الدول المتحاربة أن:
أی قید حق الدول فی إطار تصرفها بهذا الشأن فی حرب دولیة قائمة بینها وبین غیرها . أما الناحیة الثانیة فقد قید من سیادة الدول فی تعاملها مع الأشخاص الذین یقعون فی قبضتها بسبب الحرب القائمة بینها وبین غیرها من الدول ، أی الأشخاص الواقعین تحت سلطتها ، من الأسرى ، والجرحى ، والغرقى ، والمدنیین والقتلى ، وتنطبق على هؤلاء قواعد اتفاقیات جنیف الأربع ویستفیدون من أحکام الحمایة المکفولة لهم فی هذه الاتفاقیات الأربع فی مواجهة الدولة الواقعین تحت سلطتها وهم لیسوا من رعایاها . وهذه القیود فی استخدام أسالیب القتال أو معاملة ضحایا النزاعات المسلحة لم تعد بقاصرة على النزاعات المسلحة الدولیة فکل ما ذکرناه هنا کان خاصاً بالقواعد المتبعة فی النزاعات المسلحة الدولیة .
بل توجه القانون الدولی الإنسانی فی إطار تقییده لسیادة الدول ألی فرض مجموعة من الالتزامات على عاتق الدول ولو أنها تمثل الحد الأدنى الواجب مراعاته ، فی حروبها الداخلیة أی فی ظل النزاعات المسلحة الداخلیة ، فحظر هذا القانون على أطراف النزاع وأحدها هنا یکون الدولة صاحبة السیادة ، أن ترتکب بعض الأفعال لأن فی ارتکابها المساس بالحقوق الأساسیة للإنسان والتی لا یمکن أن یعیش بدونهاومن بیان ذلک کله نلاحظ أن الهدف الأخیر من هذه القیود المفروضة على سیادة الدول کان موجهاً إلى تخفیف المعاناة فی أثناء الحروب داخلیة کانت أم دولیة .
القانون الدولی لحقوق الإنسان وسیادة الدول :
للبحث عن اثر هذا القانون فی سیادة الدول لابد من النظر إلى وضع حقوق الإنسان قبل عام 1945 وبعده.
فقبل عام 1945 ، کان اهتمام القانون الدولی العام بمسائل تتعلق بحقوق الإنسان ، مرکزاً على حمایة جوانب معینة من حیاة الإنسان ، وهی جانب الحریة حیث حظرت قواعد القانون الدولی العام المتاجرة بالرقیق وعملت على مکافحته بوضع اتفاقیات عدیدة بدأ بعام 1885 ، 1890 ، 1919 ، 1926 ، واهتم القانون الدولی أیضا بجانب الصحة بحظره لتجارة المخدرات بوضع قواعد تحظر هذه التجارة فی 1912 ، ثم خمس اتفاقیات فی 1926، ومکافحة الأوبئة والأمراض بوضع الاتفاقیة الدولیة الصحیة عام 1903 التی عدلت عام 1912 ثم 1926 ، کما کان هناک اهتمام بحقوق الملکیة الأدبیة والصناعیة ، فکانت هناک اتفاقیة 1886 لحمایة الملکیة الثقافیة والفنیة والأدبیة ، واتفاقیة 1883 الخاصة بحمایة الملکیة الصناعیة ، إلى جانب حمایة هذا القانون لطوائف معینة وهی العمال والاقلیات فالعمال بدأ الاهتمام بهم بقیام منظمة العمل الدولیة 1919 التی وضعت العدید من الاتفاقیات الدولیة تهتم بالعمال وشؤونهم ، أما الاقلیات فان وضعهم القانونی قامت ببیانه اتفاقیات الصلح التی أنهت الحرب العالمیة الاولى والموضوعة 1919 – 1920 . وفیما عدا هذه الاتفاقیات التی نظمت جوانب من حقوق الإنسان ، بقی القسم الأکبر من حقوق الإنسان الأساسیة بعیداً عن تناول القانون الدولی العام وخاضعاً للأحکام والقوانین الداخلیة للدول بعیدة عن رقابة المجتمع الدولی.
ولکن هذا الوضع بدأ بالتغییر بعد عام 1945 وبرزت مبادئ حقوق الإنسان کأساس موضوعی وعام بالنسبة إلى القانون الدولی العام ، وکان من نتائج ذلک أن أصبحت مبادئ حقوق الإنسان تشکل أسساً خارجة عن الدولة ومتطفلة علیها فی ذات الوقت ، وبمعنى آخر أصبحت القیم القانونیة والاجتماعیة الداخلیة خاضعة للفحص والتقییم الخارجی.
فبعد هذا العام اصبح الاحترام الشامل لحقوق الإنسان مبدأً أساسیاً من مبادئ القانون الدولی ، أرساه میثاق الأمم المتحدة ، وجسدته من بعده الإعلانات والاتفاقیات الدولیة.
وتغلب تیار الحمایة الدولیة لحقوق الإنسان على مبدأ حصانة الدولة من تدخل المنظمات الدولیة منذ اللحظة التی قامت فیها الأمم المتحدة ، واصبح بالإمکان للمنظمة الدولیة النظر فی مسائل تتعلق بحقوق الإنسان بالرغم من وجود المبدأ الذی أرسته الأمم المتحدة وهو عدم التدخل فی الشؤون الداخلیة للدول.
وتبدلت الحالة بالنسبة إلى الدول من عدم التدخل فی شؤونها الداخلیة ومن بینها مسائل حقوق الإنسان إلى التدخل وفرض الرقابة الدولیة على هذه المسائل ویتوضح ذلک بشکل اکبر عندما نعود إلى نص ف 7 من م/2 من میثاق الأمم المتحدة التی حظرت على المنظمة بأجهزتها المختلفة التدخل فی الشؤون الداخلیة للدول بنصها "لیس فی هذا المیثاق ما یسوغ للأمم المتحدة أن تتدخل فی الشؤون الداخلیة التی تکون من صمیم السلطان الداخلی لدولة ما ، ولیس فیه ما یقتضی الأعضاء أن یعرضوا مثل هذه المسائل لان تحل بحکم المیثاق ، على أن هذا المبدأ لا یخل بتطبیق تدابیر القسم الواردة فی الفصل السابع" ، فهذه الفقرة أعطت المجال للتدخل من جانب المنظمة الدولیة فی حالتین:
الحالة الأولى : وهی إذا کان الشأن الداخلی قد نقل إلى النطاق الدولی بواسطة الاتفاقیات الدولیة أو قواعد القانون الدولی بحیث لم یعد شأناً داخلیاً خاضعاً لسیادة الدول ولأنظمتها وقوانینها الداخلیة، فهنا تستطیع المنظمة التدخل ومعالجة المسألة وإصدار توصیاتها أو قراراتها بشأنها دون حرج ینبع من نص م/2 ف (7). وهذا هو ما حصل فیما یتعلق بحقوق الإنسان التی نظمها القانون الدولی لحقوق الإنسان بحیث لم تعد شأناً داخلیاً، بل إن الدول الأطراف فی الاتفاقیات المکونة لهذا القانون تلتزم بأعمال أحکام هذه الاتفاقیات ویکون التزامها باحترام وضمان تمتع رعایاها بالحقوق الواردة فیها وذلک عن طریق الالتزام بـ:
هذه الالتزامات یقابلها برنامج رقابة دولیة تنظر من خلاله المنظمة فی مدى قیام الدول بهذه الالتزامات وخاصة من خلال نظام التقاریر التی تقوم الدول بإرسالها إلى منظمة الأمم المتحدة فتقوم الجهات المعنیة بإصدار التوصیات إلى الدولة بصدد قیامها بتنفیذ التزاماتها بموجب الاتفاقیات کالتوصیات التی تصدرها الجمعیة العامة للدولة بصدد ممارساتها لاختصاصها فی مجال حقوق الإنسان ، أو المجلس الاقتصادی والاجتماعی ، أو لجنة حقوق الإنسان.
والحالة الثانیة : هی التدخل فی الشؤون الداخلیة لتحقیق هدف المنظمة الدولیة فی الحفاظ على السلم وألامن الدولیین ، وهو ما یؤکده عجز م (2) ف (7) ، ففی الحالة التی ستصبح فیها انتهاکات حقوق الإنسان تشکل خطراً على السلام والأمن الدولیین ، لن یکون هنا بإمکان الدولة التی تهتم بهذه الانتهاکات أن تحتج بان هذه الأمور تدخل فی نطاق سلطانها الداخلی لتمنع من تدخل المنظمة الدولیة فی النظر فیها إلا إن الوضع هنا بات یشکل تهدیداً أو خرقاً لمصلحة علیا للمجتمع الدولی التی تخرج عن إطار الشؤون الداخلیة أی إنها لم تعد اموراً داخلیة محظة ، وهنا سیکون لمجلس الأمن التدخل وإصدار قراراته الملزمة استناداً إلى أحکام الفصل السابع فی مواجهة الدولة المعنیة.
ولا یمکن أن یتهم مجلس الأمن بأنه قد تدخل فی شأن داخلی للدول ، نظراً إلى أن الأمم المتحدة منذ بدایة تأسیسها کانت قد ربطت بین مسألة احترام حقوق الإنسان وحفظ السلم والأمن الدولیین ، بعدها من بین العوامل الأساسیة التی یکون فی مقدورها أن تؤثر فی السلم والأمن الدولیین.
ویتأکد ذلک من النصوص الواردة فی المیثاق ذاتها ومن بینها نص م/1 ف (1) التی نصت على أن الهدف الأول للأمم المتحدة "حفظ السلم والأمن الدولیین وتحقیقاً لهذه الغایة تتخذ الهیئة التدابیر المشترکة الفعالة لمنع الأسباب التی تهدد السلم وإزالتها ، ولقمع العدوان ، أو غیرها من وجوه الإخلال بالسلم …" فعبارة الأسباب ، عامة ولم تحددها أو تقصرها على النزاعات أو المواقف الدولیة ، بل یمکن للشأن الداخلی أن یکون من بین هذه الأسباب التی ستدفع المنظمة إلى وقفها للحفاظ على السلام والأمن الدولیین.
وفضلاً عن هذا النص ، نص ف 3 من م ذاتها (م/1) من المیثاق التی أدرجت حقوق الإنسان ضمن مقاصد الهیئة وأهدافها ، وربطت بین کل هدف أخر بحیث إن الإخلال بأحدهما سیؤدی إلى الإخلال بالأخر.
وبالربط بین هذه الأهداف واشارة ف 7 / م2 إلى التدخل بتطبیق تدابیـر الفصل السابع ، إنما أعطى للمجلس الحق فی التدخل ، باعتباره الجهة التی تتولى تنفیذ أحکام الفصل السابع والقیام بمهمة حفظ السلم والأمن الدولیین أو أعادتها إلى نصابها فی حال الخرق حتى إن کانت المسألة هی انتهاکات حقوق الإنسان . وقد ربط مجلس الأمن بالفعل بین السلم الدولی المسؤول عن الحفاظ علیه وحقوق الإنسان من زاویة تهدید انتهاکات حقوق الإنسان للسلم والأمن الدولیین ، وقرر ضرورة وقف هذه الانتهاکات لضمان السلم وحفظه ، ومن بین هذه القرارات المهمة التی ربط بین الانتهاکات الحاصلة لحقوق الإنسان وبین السلم الدولی العقوبات التی فرضت على دولة جنوب افریقیا استناداً إلى أحکام الفصل السابع ، على اثر الانتهاکات الصارخة لحقوق الإنسان والتی کان یتعرض لها السکان على أیدی الحکومة القائمة. والقرار الصادر عام 1991 ، فی 5 نیسان المرقم (688) والمتعلق بانتهاکات حقوق الإنسان فی العراق ، حیث صدر القرار تطبیقاً لأحکام الفصل السابع ، مبیناً فیه أن الانتهاکات التی تعرض لها العراقیون شکلت خطراً على السلم والأمن الدولیین.
وجهود الأمم المتحدة من جانب مجلس الأمن لحمایة حقوق الإنسان لا تقتصر على المثالین السابقین بل هناک استعراض کبیر من قبله ومن قبل أجهزة الأمم المتحدة الرئیسیة الأخرى کالجمعیة العامة والمجلس الاقتصادی والاجتماعی والأمانة العامة لمواضیع ومشاکل حقوق الإنسان وفی بلدان مختلفة یمکن الوقوف علیها بالرجوع إلى القرارات والتوصیات المختلفة التی تصدر عن هذه الأجهزة فی مواضیع حقوق الإنسان والانتهاکات التی تتعرض لها إلى جانب ما تصدره محکمة العدل الدولیة من قرارات بهذا الشأن آخرها القرار الصادر فی قضیة الجدار العازل (جدار التمییز العنصری ) فی قضیة فلسطین ضد الکیان الصهیونی.
المطلب الثانی
علاقتهما بمبدأ حظر استخدام القوة فی العلاقات الدولیة
من بین القواعد الأساسیة التی یقوم علیها القانون الدولی العام ، قاعدة حظر استخدام القوة فی العلاقات الدولیة ، وورد النص علیها فی میثاق الأمم المتحدة فی م/2 ف (4) کأحد المبادئ الأساسیة التی ینبغی أن تسیر علیها الدول الأعضاء فی علاقاتها الدولیة ، ومنطوق هذه القاعدة هو "یمتنع أعضاء الهیئة جمیعهم فی علاقاتهم الدولیة عن التهدید باستخدام القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضی أو الاستقلال السیاسی لأیة دولة ، أو على أی وجه آخر لا یتفق ومقاصد الأمم المتحدة" ، إذن باتت القاعدة الأساسیة حظر استخدام القوة ولکن دون أن تحدد معنى القوة التی یحظر على الدول استخدامها أو التهدید باستخدامها فی علاقاتها مع بعضها البعض.
وبسبب ذلک انقسمت الاتجاهات فی تفسیر معنى القوة المحظورة ، فذهب جانب من الکتاب إلى إن المقصود بالقوة المحظورة هنا هی (القوة المسلحة) مستندین فی رأیهم على ما نصت علیه مقدمة میثاق الأمم المتحدة بتعهد الدول بعدم استخدام القوة المسلحة فی غیر المصلحة المشترکة.
فی حین عارض آخرون هذا الرأی وقالوا إن تفسیر (القوة) یجب أن یتضمن الضغوط السیاسیة والاقتصادیة إلى جانب القوة المسلحة ، نظراً إلى أن المیثاق عندما أعطى لمجلس الأمن الحق فی اتخاذ تدابیر القسر والقمع ضد الدول المنتهکة للالتزامات الواردة فی المیثاق ، أشار إلى الضغوط الاقتصادیة والسیاسیة کقطع العلاقات الاقتصادیة والدبلوماسیة ، إلى جانب التدابیر المسلحة ، ولم یقصرها فقط على التدابیر العسکریة.
والرأی الراجح الذی نؤیده إن الحظر الوارد فی المیثاق یشمل کل الأنواع من قوة عسکریة (المسلحة) ضغوط اقتصادیة ، سیاسیة ، تنظیم وتشجیع قوات غیر نظامیة ، أو إرسال مرتزقة بهدف الإغارة على إقلیم دولة أخرى ، تنظیم أعمال إرهاب أو الحرب الأهلیة فی دولة أخرى ، وضمن ذلک التحریض على هذه الأعمال أو المساعدة فیها ، أو قیام الدول بإقامة تنظیم فی أراضیها بهدف القیام بالأعمال السابقة فی أراضی دولة أخرى.
ولکن هذا الحظر ترد علیه ثلاثة استثناءات یمکن فیها استخدام القوة ، وهی استخدام القوة المسلحة من جانب دولة لغرض الدفاع الشرعی عن نفسها ، استخدام تدابیر القمع الواردة فی الفصل السابع من جانب الأمم المتحدة التی تقوم الدول بتنفیذها استناداً إلى القرارات الملزمة التی تصدرها المنظمة الدولیة والاستثناء الأخیر ، هو مباشرة حروب التحریر الوطنیة التی یتم الاعتراف بها کنوع من أنواع النزاعات المسلحة الدولیة یتم مباشرتها استناداً إلى ما للشعوب من حق فی تقریر مصیرها.
ولکن یظهر هنا سؤال عن علاقة القانونین بهذا المبدأ وبأی نوع من أنواع القوة یتأثران؟
القانون الدولی الإنسانی ومبدأ حظر استخدام القوة:
إذا عدنا إلى التعاریف التی قیلت فی القانون الدولی الإنسانی ، فإنها کلها تشیر إلى أن هذا القانون یظهر للتطبیق والسریان فی فترة الحروب والنزاعات المسلحة ومن بینها الحروب والنزاعات المسلحة الدولیة التی هی صورة من صور استخدام القوة فی العلاقات الدولیة ، وهنا سیثار السؤال عن علاقته بمبدأ استخدام القوة فهل هو یناقض هذا المبدأ ویقرر المشروعیة على استخدام القوة ، أم انه ینطبق بشکل مستقل على تطبیق مبدأ حظر استخدام القوة واحترام الدولة له؟
والإجابة على هذا السؤال تأتی من خلال الهدف الذی یسعى إلیه هذا القانون وهو تنظیم النزاعات المسلحة ومن بینها النزاعات المسلحة والحروب الدولیة لأجل تخفیف معاناة البشر ، ویبدأ بالسریان والظهور إلى حیز التطبیق فی فترة النزاعات المسلحة الدولیة أیـاً کانت ، سواء کانت غیر مشروعة وقعت مخالفة للقاعدة الدولیة (حظر استخدام القوة) ، أم کانت مشروعة جاءت تطبیقاً الاستثناءات الواردة على القاعدة السابقة ، کاستخدام الدولة قوتها المسلحة ضد دولة أخرى للدفاع شرعیاً عن نفسها ، أو استخدام القوة المسلحة من جانب المنظمة الدولیة (الأمم المتحدة) تنفیذاً لقرار ملزم أصدره مجلس الأمن طبقاً للمادة 43 من المیثاق ، فصل سابع أم کانت حروب تحریر وطنیة.
وبالتالی فان هناک فصل تام بین القانون الدولی الإنسانی (القانون المطبق فی فترة الحروب الدولیة) وبین مبدأ تحریم استخدام القوة ، فهو بسریانه لا یضفی الشرعیة على الأعمال التی تقوم بها الدول ، فهو یسری على المشروع منها وغیر المشروع ، فالقانون الدولی لا یمکن أن یقف موقف المتفرج من الحروب والنزاعات المسلحة الدولیة ، فکان لابد لقواعده من أن تخاطب هذه الحقیقة وتنظیمها لأجل ضمان الحد الأدنى من الإنسانیة فی ظل هذه الأوضاع اللاإنسانیة ، وهنا لن یبحث فی أی من الطرفین کان لجوءه للقوة مشروعاً وقانونیاً ، بل سیسری بالتساوی بین الطرفین بین الطرف الذی لجأ إلى القوة بصورة قانونیة والطرف الذی کان موقفه غیر قانونی ، لأن ضحایا کلا الطرفین یحتاجون إلى الحمایة من آثار الحروب والنزاعات المسلحة بنفس الدرجة وبدون تمییز ، وبذلک قام القانون الدولی الإنسانی على مبدأ مهم هو مبدأ الفصل بین القانون فی الحرب وقانون الحرب (قانون منع الحرب).
القانون الدولی لحقوق الإنسان ومبدأ حظر استخدام القوة:
یمکن إدراک الصلة بین حقوق الإنسان ومبدأ حظر استخدام القوة ، من خلال الأهداف التی وردت فی مقدمة میثاق الأمم المتحدة ومن بینها "2 – التأکید على الأیمان بما للإنسان من حقوق أساسیة وما للفرد من کرامة وقدر وما للرجال والنساء من حقوق متساویة، و 4 – دفع الرقـی الاجتماعی قدماً ، ورفع مستوى الحیاة فی جو من الحریة أفسح".
وقد تقرر إن تحقیقها لا یتم إلا إذا عاشت الدول مع بعضها البعض فی سلام وحسن جوار ، والسیر على وفق مبادئ معینة تضمن ألا یتم استخدام القوة المسلحة فی غیر المصلحة المشترکة.
فهناک تأکید منذ البدایة على أن حقوق الإنسان وازدهارها وضمان تمتع البشر بها لن یکون إلا إذا قام السلم وبنیت العلاقات بین الدول على أسس بعیدة عن استخدام القوة فی العلاقات الدولیة.
وهو ما أعید تأکیده عندما تم وضع أهداف الأمم المتحدة فی المادة (1) ، ومن بینها هدفها بأن تعمل على حل المسائل ذات الصبغة الاقتصادیة والاجتماعیة والإنسانیة وعلى تعزیز احترام حقوق الإنسان والحریات الأساسیة للناس جمیعاً والتشجیع على ذلک اطلاقاً دون تمییز قائم على أساس الجنس أو اللغة أو الدین ولا تفریق بین الرجال والنساءویرتبط تحقیقه بمراعاة مبادئ معینة حددتها م(2) من میثاق الأمم المتحدة ، ومن بینها التی تتعلق بالموضوع الوارد هنا ، مبدأ تسویة المنازعات بوسائل سلمیة ، وحظر استخدام القوة فی العلاقات الدولیة.
وبذلک تکون حقوق الإنسان مرتبطة فی تنفیذها وتقدمها باحترام الدول للمبدأین المذکورین ، أی أن تنفیذ القانون الدولی لحقوق الإنسان لا یتوقف على احترام الدولة له داخل أراضیها ، بل یعتمد فی تنفیذ بنودهِ وتمکین الأفراد من التمتع بالحقوق الواردة فیه على احترام الدول لمبدأ حظر استخدام القوة فی العلاقات مع بعضها البعض وإذا وقع العکس فان ذلک سیعیق تمتع الأفراد بحقوقهم على نحو تام ، وهو ما أکدته الجمعیة العامة للأمم المتحدة فی إعلانها المتعلق بحق الشعوب فی السلم حیث أعربت فیه إن الحیاة دون حرب هی شرط دولی أساسی للرفاهیة المادیة للبلدان وتقدمها والتنفیذ التام لجمیع الحقوق والحریات الأساسیة التی تنادی بها الأمم المتحدة وان السلم الدائم فی ظل العصر النووی ، هو الشرط الأول للمحافظة على الحضارة الإنسانیة وبقاء الجنس البشری.
وبذلک فان القانون الدولی لحقوق الإنسان یتأثر بدرجة کبیرة بإقناع الدول باستخدام القوة فی العلاقات مع بعضها البعض واحترامها لمبدأ حظر استخدام القوة ، بعکس القانون الدولی الإنسانی الذی یظهر للتطبیق فی فترة النزاعات المسلحة ومن ضمنها النزاعات المسلحة الدولیة التی تقع فی بعض الحالات خرقاً لمبدأ حظر استخدام القوة ، وهنا تبین نقطة الاختلاف بین القانونین.
ویثار السؤال بعدها عن مصیر حقوق الإنسان بعد أن تم خرق المبدأ واستخدمت القوة بالفعل بین الدول ، بأن نشب نزاع مسلح بینها ، فهل سیتوقف سریان القانون الدولی لحقوق الإنسان؟
الجواب سیکون طبعاً بالنفی ، حیث یستمر سریان هذا القانون ، وان کان لا یستطیع أن یحد من الآثار السلبیة التی سیجرها النزاع المسلح الدولی على حقوق الإنسان أو یوقفها ، وهذا الکلام لا یقتصر على الحالة التی یتم فیها اللجوء إلى القوة خرقاً للمبدأ ، وانما ینطبق على الحالات التی یتم فیها استخدام القوة بالتطبیق للاستثناءات من مبدأ حظر استخدام القوة ، وهی حالة الدفاع الشرعی ، والتدابیر العسکریة المتخذة من جانب منظمة الأمم المتحدة ، وحالة مباشرة الشعوب لحقها فی تقریر مصیرها لکی تتخلص من السیطرة الاستعماریة ، أو الاحتلال بان تقود نزاعات مسلحة ضدها ، فیظل قانون حقوق الإنسان ساریاً وبذلک یظهر التشابه بین القانونین فی انهما یسریان فی مثل هذه الحالات بهدف واحد هو حمایة الإنسان.
المبحث الثالث
طبیعة العلاقة بین القانونین
وجدنا فیما عرضناه سابقاً وجود اختلافات قائمة بین القانونین یعود ظهورها إلى اختلاف معنى کل منهما واختلاف المصادر التی جاءا منها ، وکذلک إلى اختلاف طبیعة علاقة کل منهما بمبدأ حظر استخدام القوة فی العلاقات الدولیة ، ومن جهة أخرى لاحظنا أن کلا القانونین بالرغم من هذا الاختلاف سعیاً إلى تقیید سیادة الدولة لاجل حمایة الفرد من سوء استعمالها لسلطتها کل منهما خلال الفترة التی یسری فیها ، ومن هنا یثار السؤال حول طبیعة العلاقة بین القانونین بالنظر إلى هذه الاختلافات ، وهذا الهدف المشترک بینهما ؟ ولکی نجیب عن هذا السؤال لابد لنا من المرور بمرحلتین مر بها کلا القانونین ، المرحلة الاولى تمیزت بوجود انفصال تام بین القانونین والمرحلة الثانیة بدأ فیها التقارب والتداخل بین القانونین ولکن منها أسباب سنستعرضها فی مطلبین.
المطلب الأول
مرحلة الانفصال بین القانونین
أی لم تکن هناک علاقة قائمة أصلا بین القانونین ، واسباب ذلک تعود إلى اختلاف تاریخ نشأة کل منهما عن الأخر ، وموقف المنظمات الدولیة التی کانت راعیة لأحد القانونین من التطرق إلى القانون الأخر.
فهذان الفرعان من فروع القانون الدولی العام تطورا بصورة متمیزة ومستقلة کل منهما عن الأخر ، فالقانون الدولی الإنسانی یعد فرعاً قدیماً من فروع القانون الدولی العام ، بدأ بشکل عرفی ثم تبلورت قواعده فی اتفاقیات دولیة عامة أولها کانت تعود لعام 1864 ثم عقبها وضع اتفاقیات لاهای 1899 و 1907 ،واتفاقیة جنیف لعام 1906 ومن بعدها اتفاقیتی جنیف لعام 1929 ، وبعدها اتفاقیات جنیف الأربع لعام 1949 وبروتوکولیها لعام 1977.
بینما جاء وضع القانون الدولی لحقوق الإنسان متأخراً لذلک یعد فرعاً حدیثاً من فروع القانون الدولی العام ، لم یظهر إلا فی أعقاب الحرب العالمیة الثانیة ، فقد ظهر تدویل حقوق الإنسان أول الأمر فی میثاق الأمم المتحدة فی ثمانی مواد أساسیة ، ثم عقبها تبنی الإعلان العالمی لحقوق الإنسان لعام 1948 الذی عد الخطوة الکبیرة فی وضع الأسس العامة للقانون الدولی لحقوق الإنسان ، الذی على أثره وضعت العدید من الاتفاقیات الدولیة العامة والخاصة الإقلیمیة والعالمیة برعایة الأمم المتحدة ، والمنظمات الدولیة ، والوکالات المتخصصة ، وهکذا کان تطور حقوق الإنسان الذی بدأ بإصدار الإعلان العالمی لحقوق الإنسان مستقلاً ومنفصلاً عن تطور القانون الدولی الإنسانی.
أما السبب الثانی للانفصال والاستقلال بین القانونین وتحدیداً من عام 1948 وهو العام الذی بدأت فیه ومن بعده مبادئ وقواعد القانون الدولی لحقوق الإنسان بالظهور حتى عام 1968 ، فکان یعود إلى المواقف التی تبنتها المنظمات الدولیة المشرفة على القانونین ونقصد بهما بالتحدید ، منظمة الأمم المتحدة راعیة القانون الدولی لحقوق الإنسان واللجنة الدولیة للصلیب الأحمر المهتمة والراعیة للقانون الدولی الإنسانی . حیث استبعدت کلا المنظمتین النظر أو تناول مسائل یهتم بها القانون الأخر ، واستمر الحال على هذه الوتیرة من عام 1948 إلى عام 1968 ، انطلاقاً من أسباب تتعلق بطبیعـة عمل کلا المنظمتین ومبادئهما.
فالأمم المتحدة من جانبها رفضت التعرض لقانون الحرب فی أعمالها فی الفترة القریبة من نشأتها . لأسباب تتعلق بأن هذه المنظمة جاءت لأجل منع استخدام القوة ومن بینها الحروب ، فلابد لها إذن من عدم النظر فی هذا القانون کی تحافظ على ثقة الرأی العام فی فعالیتها وقدرتها على حفظ السلم والأمن الدولیین ، ولهذه الأسباب جاء الإعلان العالمی لحقوق الإنسان 1948 خالیاً من التعرض لموضوع حقوق الإنسان فی فترة النزاعـات المسلحة ، کما قررت لجنة القانون الدولی العام التابعة للأمم المتحدة استبعاد موضوع قانون الحرب من جدول أعمالها فی عام 1949 عندما کلفت بتقنین قواعد القانون الدولی العام ، حتى لا یثار الشک فی المبدأ الذی تضمنه المیثاق وهو حظر استخدام القوة فی العلاقات الدولیة وفی کفاءة الوسائل المتوافرة للأمم المتحدة للمحافظة على السلام.
ومن جانب أخر جاء موقف اللجنة الدولیة للصلیب الأحمر مشابهاً لموقف الأمم المتحدة ، مقررة الابتعاد عن مسائل حقوق الإنسان لان تطویر هذه الحقوق وترویجها هو من اختصاص منظمة الأمم المتحدة والهیئات الأخرى المنشأة لهذا الغرض ، وهذه المنظمات من ناحیة أخرى هی منظمات ذات طابع سیاسی ، فحتى تحافظ اللجنة الدولیة للصلیب الأحمر على مبادئها أهمها الحیاد والاستقلال قررت الابتعاد عن تناول موضوع حقوق الإنسان فی أنشطتها وهو ما ظهر واضحاً عند إعداد اتفاقیات جنیف الأربع لعام 1949 حیث لم یرد فیها ذکر لمصطلح حقوق الإنسان ، وبذلک حصل الانفصال التام بین القانونین.
المطلب الثانی
مرحلة التقارب بین القانونین
وتبدأ هذه المرحلة من عام 1968 ، حیث بدأ التغیر فی العلاقة ما بین القانونین من الانفصال إلى التقارب ، وسبب هذا التغیر ، کان یعود إلى التغییر الذی طرأ على مواقف الأمم المتحدة وخاصة بعد انعقاد مؤتمر طهران الدولی لحقوق الإنسان عام 1968 ، الذی تناولت فیه الأمم المتحدة موضوع حقوق الإنسان فی فترة النزاعات المسلحة ، وحولت الانتباه صوب النزاعات المسلحة وذلک عبر قرارات ودراسات تحت عنوان (احترام حقوق الإنسان فی فترة النزاعات المسلحة) وقدمت المقترحات لوضع قواعد جدیدة لحمایة الإنسان فی ظل هذه الظروف ، ومنع أو تحدید أسالیب معینة للحرب واللجوء إلى اتفاقیات جنیف طلباً لاحترام مبادئ القانون الدولی الإنسانی ، فبدأ القانونین بالتطور والتبلور معاً بعد أن تم الإعلان فی مؤتمر طهران "إن السلم هو الشرط الأول لاحترام حقوق الإنسان احتراماً کاملاً ، وان الحرب تعد انکساراً لهذه الحقوق وان المبادئ الإنسانیة یجب أن یکون لها الغلبة فی ظل النزاعات المسلحة".
وفی العام ذاته أی 1968 ، أصدرت الجمعیة العامة قراراً وهو القرار المرقم (2444) (د – 23) ، تؤکد فیه ما جاء من مقررات فی مؤتمر طهران الدولی ، ومن بینها أن یقوم الأمین العام بالتشاور مع اللجنة الدولیة للصلیب الأحمر ، بلفت انتباه الدول الأعضاء فی الأمم المتحدة إلى القواعد الساریة للقانون الدولی الإنسانی وان یحثها على تأمین حمایة المدنیین والمقاتلین وفقاً لمبادئ قانون الأمم النابعة من الأعراف المتبعة من الأمم المتمدنة ، ومن قوانین الإنسانیة وما یملیه الضمیر العام ، کما أکد قرار الجمعیة العامة المبادئ الأساسیة الثلاث التی کان المؤتمر الثانی عشر للجنة الدولیة للصلیب الأحمر والهلال الأحمر لعام 1965 المنعقد فی فینا قد أکد مراعاتها فی فترة النزاعات المسلحة وهی:
ثم أصدرت الجمعیة العامة فی عام 1970 قراراً تضمن ثمانیة مبادئ أساسیة وهی:
وفی عام 1971 دعت الجمعیة العامة ، اللجنة الدولیة للصلیب الأحمر لتکرس جهودها لضمان التطبیق الأفضل لقواعد النزاعات المسلحة ، واعادة تأکید الإجراءات الأخرى ذات الصلة من اجل تحسین حمایة المدنیین فی أثناء النزاعات المسلحة ، ولإثارة معاییر مهیأة لزیادة حمایة الأشخاص الذین یقارعون ضد الهیمنة الاستعماریة ، والاحتلال الأجنبی ، والأنظمة العنصریة ولتطویر قواعد متعلقة بالحمایة والمعاملة الإنسانیة للمحاربین وکذلک مسألة حرب العصابات وتطویر القواعد المتعلقة بالجرحى والمرضى.
وفی عام 1973 وضعت الجمعیة العامة ستة مبادئ أساسیة للوضع القانونی للمقاتلین الذین یناهضون السیطرة الاستعماریة والأنظمة العنصریة ، دون الأضرار بوضعهم القانونی ضمن إطار القانون الدولی وتطبیق حمایة حقوق الإنسان فی أثناء النزاعات المسلحة وهذه المبادئ هی:
ومن جانبها کانت اللجنة الدولیة للصلیب الأحمر قد طلبت فی مؤتمرها الحادی والعشرین المنعقد فی 1969 ، من الأمم المتحدة أن تواصل جهودها فی موضوع (حقوق الإنسان فی النزاعات المسلحة) وأکدت ضرورة التعاون مع بعضها البعض لوحدة الهدف الذی تبغیه کلا المنظمتین و أکدت الأخذ بالمقررات التی وضعتها الأمم المتحدة فی مؤتمر طهران 1968 ، والقیام بإضافة قواعد جدیدة للقانون الدولی الإنسانی ، ولاجل ذلک تم عقد المؤتمر الدبلوماسی فی سویسرا ما بین 1974 – 1977 ، للنظر فی اتفاقیات جنیف الأربع ووضع قواعد جدیدة تکفل حمایة للإنسان فی ظروف النزاعات المسلحة ، وانتهى المؤتمر بوضع بروتوکولی جنیف لعام 1977.
ولم تقتصر جهود المنظمتین على عقد المؤتمرات التی تستهدف حمایة حقوق الإنسان وتطویر القانون الدولی الإنسانی والتعاون فیما بینها للعمل على ضمان تطبیق أحکام القانونین، بل توجهت أنشطتها الأخرى إلى تذکیر الدول بالتزاماتها فی تطبیق القانونین.
فقد أصدرت الجمعیة العامة العدید من التوصیات تناولت فیها أوضاع حقوق الإنسان فی الدول ، مشیرة فیها إلى الانتهاکات التی یتعرض لها الأفراد فی هذه الدول بسبب الخروقات الواقعة للاتفاقیات الدولیة الخاصة بحقوق الإنسان وقواعد القانون الدولی الإنسانی نذکر منها على سبیل المثال ، التوصیة التی وجهتها الجمعیة العامة إلى حکومة دولة میانمار فی عام 1995 ، طالبت فیها الجمعیة العامة من الحکومة أن تقوم (…14 – بالسماح للجنة الدولیة للصلیب الأحمر بالاتصال بالسجناء بحریة وفی إطار من السریة . 15 – أن تحترم على الوجه الکامل الالتزامات المترتبة علیها بموجب اتفاقیات جنیف الأربع لعام 1949 ، وان تستفید من الخدمات التی تقدمها الهیئات الإنسانیة المحایدة …).
والتوصیة التی وجهتها الجمعیة العامة عام 1995 إلى حکومة السودان ، مطالبة فیها حکومة السودان أن تقوم بـ (… 5– التقید بالصکوک الدولیة المعمول بها فی مجال حقوق الإنسان ولا سیما العهدین الدولیین ، اتفاقیة القضاء على التمییز العنصری ، اتفاقیة حظر تجارة الرقیق وإلغاء الرق ، اتفاقیة حقوق الطفل ، وتنفیذ هذه الصکوک وتمکین جمیع الأفراد الموجودین فی إقلیمها فی التمتع بالحقوق الواردة فی هذه الصکوک بدون تمییز . 6– أن تقوم بوقف جمیع الغارات الجویة على الأهداف المدنیة وأشکال الهجوم الأخرى التی تعد انتهاکاً للقانون الدولی الإنسانی . 7– کما تطلب الجمعیة العامة من جمیع الأطراف فی القتال أن تحترم أحکام القانون الدولی الإنسانی بما فیها أحکام م (3) المشترکة لاتفاقیات جنیف الأربع لعام 1949 وبروتوکولیها الإضافیان لعام 1977 ، ووقف استخدام الأسلحة ضد المدنیین وحمایة جمیع المدنیین من النساء والأطفال والاقلیات الاثنیة والدینیة من الانتهاکات بما فی ذلک التشرید الجبری ، والاعتقال التعسفی والتعذیب …).
أما من جانب اللجنة الدولیة للصلیب الأحمر وفروعها فنرى أن أنشطتها لم تعد قاصرة على مساعدة ضحایا النزاعات المسلحة استناداً إلى القانون الدولی الإنسانی ، بل تجاوزت أنشطتها ما هو منصوص علیه فی هذا القانون وبدأت تقوم بمهمات تدخل فی إطار القانون الدولی لحقوق الإنسان وفی الفترات التی یسری علیها هذا الأخیر کتقدیم المساعدات الإنسانیة لضحایا الکوارث الطبیعیة ، وللأفراد فی ظل ظروف بعیدة عن حالة النزاعات المسلحة نذکر منها ، قیام بعثة اللجنة الدولیة للصلیب الأحمر فی العراق بدعم الخدمات الطبیة والمستشفیات فی العراق التی انخفض مستوى الخدمة فیها نتیجة العقوبات الاقتصادیة التی فرضت علیه ، فقامت بإعادة تأهیل البنیة الصحیة والخدمات الصحیة خلال دورات تدریب العاملین بالمجال الصحی على العنایة بالام والطفل فی مراکز العنایة الصحیة الأولیة ، إعادة تأهیل عنابر المرضى والمطابخ والمغاسل فی مستشفى الرشاد الطبی الخاص بالأمراض النفسیة خلال عام 2000 – 2001 ، وفی عام 2001 تم انشاء أربع محطات لتنقیة المیاه فی المناطق الجنوبیة ، واعادة تأهیل 9 مستشفیات و16 مرکزاً صحیاً وفی مجال المساعدات التی تقدمها خلال الکوارث الطبیعیة ساهمت اللجنة الدولیة للصلیب الأحمر ، فی مساعدة ضحایا زلزال (بم) فی ایران من خلال ما قدمته من مساعدات فنیة وطبیة لمواجهة الآثار التی خلفها الزلزال.
ولکن إلى جانب الأسباب السابقة التی قربت بین القانونین ، هناک أسباب أخرى ساهمت فی التقریب بین القانونین وسهلت على المنظمات الدولیة المشرفة على القانونین فی تغییر موقفها ، وهی إن الأساس الفلسفی للقانونین واحد هو توفیر الحمایة للأشخاص بحمایة الحقوق الأساسیة للإنسان من إساءة استعمال السلطة ومن العنف والاضطهاد ، فالقانونان یسعیان إلى هدف واحد هو حمایة الإنسانإلى جانب قیام القانونین على مجموعة من المبادئ المشترکة منها حق الإنسان فی الحیاة ، وفی احترام کرامته الإنسانیة ومبدأ عدم التمییز الذی یعنی إن الحقوق التی یتضمنها القانونان یجب تطبیقها دون أی تمییز قائم على أساس العرق ، الجنس ، الدین ، اللغة …الخ ، ومبدأ حق الإنسان فی عدم تعرضه للتعذیب ، وحقه فی الأمن الشخصی الذی یعنی حظر الأعمال الانتقامیة ضده ، وحجزه أو نفیه أو توقیفه تعسفاً وحظر العقوبات الجماعیة ، واخذ الرهائنمع قیام الاثنین على مبدأ آخر هو إن لکل إنسان الحق فی الضمانات القضائیة ، ومبدأ احترام الشرف والحقوق العائلیة والمعتقد ومبدأ حق کل إنسان فی أن یتم احترام ملکیته وعدم انتزاعها منه تعسفاً.
الخاتمة :
إن دراسة کل من القانون الدولی الإنسانی والقانون الدولی لحقوق الإنسان أفضت إلى استظهار خصائص وترکیبة کل منهما حیث اتضح من خلال المقارنة بین القانونین وتحلیل بنودهما أن هناک نقاط تشابه واختلاف قامت بین القانونین ، قادت إلى الوقوف على خصائص ومزایا القانونین وبینت بأنهما فرعان متمیزان ومستقلان من فروع القانون الدولی العام ، ومکنت من تحدید سمة العلاقة القائمة بینهما وهی التکامل بین القانونین فی الحمایة التی یقدمانها للإنسان فی ظل الظروف المشترکة التی یسری خلالها القانونان ، فقد تبین أن :
إن الهیئات التی ساهمت فی وضع قواعد القانونین والمشرفة على تطویرها لیست بواحدة، فهی مختلفة کما تتمایز فی سماتها وطبیعتها ، فالقانون الدولی الإنسانی ساهمت فی وضعه هیئات دولیة غیر حکومیة تنتهج الحیادیة فی عملها . بینما القانون الدولی لحقوق الإنسان ساهمت فی وضعه وتطویره هیئات دولیة حکومیة ذات طبیعة سیاسیة ، وهو ما قاد إلى التأثیر فی علاقة القانونین ببعضهما التی اتسمت فی بدایتها بالانفصال ثم تغیرت إلى التقارب والتداخل وبسبب من تغیر وجهات نظر الهیئات المعنیة بالقوانین.
The Authors declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English) and References (English)
First: Arab Sources:
Books:
1-d. Ahmed Ibrahim Shalaby, International Organization, University House Beirut, 1986.
2-d. Jafar Abdel Salam, International Law on Human Rights, Studies in Law and Islamic Law, Lebanese Book House, Beirut, 1998.
3 - Dr. Khairi Ahmed Al-Kabbash, "Criminal Protection of Human Rights Comparative Study in the Light of the Provisions of Islamic Shari'a, Constitutional Principles and International Covenants", Cairo University, 2002.
4-d. Zidane Maribout, "The Introduction to International Humanitarian Law" in the Human Rights Volume, "Studies on Global and Regional Documents" Mahmoud Sherif Bassiouni and Dr. Mohammed Al-Saeed Al-Dakqak Abdel-Azim Al-Wazir, Dar Al-'Alm Al-Milin, Beirut, vol. II, I 2, 1998.
5-a. Charlotte Lindsay, Women Facing War, Publisher, International Committee of the Red Cross, Geneva, 2002.
6-d. Amer Zamali, Introduction to International Humanitarian Law, Publisher, Printing and Artistic Production Unit, Arab Institute for Human Rights, Tunis, 1997.
7-d. Ezzat Saad El Sayed El Borai, Protection of Human Rights under Regional Organization, Al-'Amsa Press, Cairo, 1985.
8-d. Ali Sadiq Abu Heef, General International Law, Knowledge Establishment, Alexandria, 1993.
9-d. Omar Saadallah, Introduction to International Human Rights Law, University Publications, Algeria, 1993.
10-d. Faisal Shatanaoui, "Human Rights and International Humanitarian Law," Dar Al-Hamed, Amman, 2001.
11-d. Kamal Hammad, Armed Conflict and Public International Law, University Foundation for Publishing, Beirut, 1995.
12-d. Mohamed Nur Farahat, "History of International Humanitarian Law and International Human Rights Law", in a book of studies in international humanitarian law prepared by a group of specialists and experts, Mufid Shehab, Arab Future House, Beirut, 1, 2000
13- Dr. Mahmoud Sami Genina, Law of War and neutrality, Press of the Committee of Authoring, Publishing and Translation, Cairo, 1944.
Research and Publications:
Research:
14-d. Jafar Abdel Salam, defined in his paper "International Humanitarian Law and Human Rights Law" presented to the Conference on Human Rights in Peace and War held in Saudi Arabia on 14 October 2003, p. 1,
www.hrpw.org/news_1.htm
15. Judge Jamal Shahloul, "International Humanitarian Law", p. 2, at:
www.ism_justice.hat.tn/en/for.initiale/dih.doc
16- Dr. Amer Abdul Fattah Al-Gumard, "The Intervention of the United Nations in the Affairs of States", published in Rafidain, Faculty of Law, University of Mosul, No. 3, 1997.
17- Dr. Abdul Latif bin Saeed Al-Ghamdi, defined in his paper "International Humanitarian Law and Human Rights Law from an Islamic Perspective" presented to the Conference on Human Rights in Peace and War held in Saudi Arabia on 14 October 2003, p. :
www.hrpw.org/news_1.htm
18- Dr. Mansour Al-Jamri, "International Criminal Court: The Beginning of the Global Citizen", 2001, p. 2, at:
http://www.balagh.com/islam/4m0oeggo.htm
Publications:
- United Nations Public Information Office, New York, 1968 (United Nations and Human Rights)
- "International humanitarian law answers to your questions", Red Cross Publications, International Committee of the Red Cross, Geneva, 2001.
Parliamentary Union, "Respect for and Respect for International Humanitarian Law", International Committee of the Red Cross, Geneva, No. 1, 1999.
20. Covenants, Conventions and Declarations:
- The UN Charter of 1945
Hague Convention IV Respecting the Laws and Customs of War on Land of 1907.
- The Four Geneva Conventions of 1949.
- Geneva Protocol of 1977.
- Declarations of the General Assembly on the Internet at:
www.1umn.edu/humanrts/arabic/sub.doc.html
Second: Foreign sources:
21. Asbiorn Eide: the law of war and human rights, Jean Pectit and Christophe swinarski, studies and essays on int. humanitarian law and real cross principles, Martinus Nijhoff Publishers Geneva, 1984.
22-Francois Bugion, "Droitde Geneva et droit de la Haye", int. Review of red cross, icrc, Geneva, Vol. 83, No. 844, 2001.
23. Gerard Cohen - Jonathan, "La evolution du - droit international des droits de L 'homme", Hubert Theirry, Levolution du droit international, Melanges Offerts, A. Editions, Pedone, Paris, 1998.
24-Marco Sassoli, Antoine A. Bouvier, and others, "How Does law Protect in War", int. Committee of red cross, Geneva, 1999.
25-Ralph Crawshaw, human rights and their protection under int. law, 2000, P. 4, on http://www.coe.int/t/e/human_rights/police/2.2000
26. Marco Sassoli, Antoine A. Bouvier, and others, "How Does law Protect in War", int. Commitee of red cross, Geneva, 1999, P.84.
27-Dr. Ramesh Thakur, "Global norms and int. humanitarian law "int. review of red cross, icrc, Geneva, Vol. 83, No. 841, 2000.
28-Shigeki Miyazaki, "The Martens clause and int. Humanitarian law", Jean Pectit and Christophe Swinarski, studies and essays on int. humanitarian law, Martinus Nijhoff, Geneva, 1984.