الملخص
عندما تقع الجریمة فانه ینشأ عنها حق للمجتمع فی توقیع العقاب على مرتکبها ، ووسیلة المجتمع لاقتضاء هذا الحق هی الدعوى الجنائیة ، وتکون مصلحة المجتمع فی اظهار الحقیقة فی شأن الجریمة المرتکبة ، ومصلحة المتهم فی حمایة حریته الشخصیة ، وسائر حقوقه الاخرى فی حالة تنازع ، ومن هنا تبدو خطورة الاجراءات الجنائیة التی یتعرض لها المتهم
الكلمات الرئيسة
الموضوعات
أصل المقالة
قرینة البراءة فی القانون الجنائی
The presumption of innocence in criminal law
نوفل علی عبد الله الصفو کلیة القانون/ جامعة الموصل Nofal Ali Abdullah Al-Safou College of law / University of Mosul Correspondence: Nofal Ali Abdullah Al-Safou E-mail: |
(*) أستلم البحث فی 11/7/2005*** قبل للنشر فی 16/8/2005.
(*) Received on 11/7/2005 *** accepted for publishing on 16/8/2005.
Doi: 10.33899/alaw.2006.160468
© Authors, 2006, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
مقدمة:
عندما تقع الجریمة فانه ینشأ عنها حق للمجتمع فی توقیع العقاب على مرتکبها ، ووسیلة المجتمع لاقتضاء هذا الحق هی الدعوى الجنائیة ، وتکون مصلحة المجتمع فی اظهار الحقیقة فی شأن الجریمة المرتکبة ، ومصلحة المتهم فی حمایة حریته الشخصیة ، وسائر حقوقه الاخرى فی حالة تنازع ، ومن هنا تبدو خطورة الاجراءات الجنائیة التی یتعرض لها المتهم .
واذا کان الاصل ان یتم تنفیذ القانون طواعیة واختیاراً ، على اساس ان کل فرد یعیش فی مجتمع ما قد ارتضى مجموعة من المبادئ والاسس ، فان ثم دوافع اخرى مضادة تدفع الفرد الى عدم احترام القانون ، والاعتداء على حقوق الآخرین ، لذا کان وجود قانون للعقوبات یحدد انماط السلوک المعاقب علیها ، والجزاء المترتب على مخالفة اوامره ونواهیه امراً ضروریاً لکل مجتمع ، ویلزم الى جانبه قانون آخر مکمل له، یضعه موضع التنفیذ ، وهو قانون الاجراءات الجنائیة الذی یحدد السلطات التی یعهد الیها المجتمع بممارسة الاجراءات الجنائیة باسمه ، وکذلک الاختصاصات التی یجوز لتلک السلطات ممارستها ، ومن هنا تظهر اهمیة عملیة الاثبات فی المواد الجنائیة ، حیث تثیر قواعد الاثبات العدید من المبادئ منها ما یتصل بضمانات حمایة الفرد وهی الکرامة الانسانیة ، وحمایة المجنی علیه ، وقرینة البراءة ، وهذه الاخیرة هی التی سوف تکون موضع بحثنا .
اذ تعد قرینة البراءة رکناً اساسیاً من ارکان الشرعیة الجنائیة ، وتهدف قرینة البراءة الى حمایة المتهم ، سواء اکان ذلک فیما یتعلق بالمعاملة التی یخضع لها ، ام فیما یتعلق باثبات ادانته ، وهی لا تغفل فی الوقت ذاته عن مراعاة مصلحة المجتمع ، وتقوم قرینة البراءة على اساس اعتبار المتهم بریئاً لان ذلک هو الاصل فی الانسان ، وان یعامل على هذا الاساس طوال المدة التی یستغرقها النظر فی الدعوى الجنائیة والفصل فیها ، ولا تنقض هذه القرینة الا بالحکم البات فی ادانته ، ونظراً لاهمیتها فقد عنیت معظم الدول بالنص علیها ، سواء اکان ذلک فی دساتیرها ام فی قوانین الاجراءات الجنائیة الخاصة بها ، ولقرینة البراءة شقان ، الاول منهما یتعلق بحمایة الحریة الشخصیة للمتهم ، فیما یتعلق بالاجراءات التی تتخذها قبله السلطات التی تمارس العقاب باسم المجتمع ، کضبطه ، واحضاره ، واستجوابه ، وحبسه احتیاطاً ، وتفتیشه ، وغیرها من الاجراءات الجبریة التی قد تأمر بها سلطات التحقیق والمحاکمة بحثاً عن ادلة الجریمة ، او لصیانة الادلة ، والثانی منهما یتصل باثبات ادانة المتهم، اذ ان اثبات الادانة یمر عبر سلسلة طویلة من الاجراءات ، تبدأ من لحظة وقوع الجریمة حتى صدور حکم بات فی الدعوى الجنائیة ، وتفرض قرینة البراءة على الادعاء عبء اثبات هذه الادانة ، اذ الاصل ان المتهم بریء ، ولذا فانه لا یتحمل عبء الاثبات ، وانما یقع على عاتق سلطة الادعاء البحث عن الادلة وتقدیمها . وبمقتضى قرینة البراءة فانه یتعین ان یکون اقتناع المحکمة بالادانة عن جزم ویقین ، لا عن ظن وتخمین ، لان اصل البراءة ثابت یقیناً ، وهذا الیقین لا یزول بالشک ، وانما بیقین مثله او اعلى منه ، اما إذا ساورت المحکمة الشکوک حول ادانة المتهم ، فان هذا الشک یتعین تفسیره لمصلحة المتهم ، والقضاء ببراءته .
ونظراً لاهمیة قرینة البراءة باعتبارها الدرع الذی یحول دون الحیف بحقوق الانسان وضماناته اثناء نظر الدعوى الجنائیة ، لذلک فقد ارتأینا البحث فی موضوع قرینة البراءة فی القانون الجنائی ، من اجل بیان مفهوم قرینة البراءة وطبیعتها القانونیة ومدى نطاق تطبیق هذه القرینة والنتائج المترتبة علیها خاصة فیما یتعلق بالاثبات ، لذلک فقد قسمنا بحثنا هذا الى مبحثین کما یأتی :
المبحث الاول : التعریف بقرینة البراءة وطبیعتها ونطاقها .
المطلب الاول : التعریف بقرینة البراءة .
المطلب الثانی : الطبیعة القانونیة لقرینة البراءة .
الملطلب الثالث : نطاق قرینة البراءة .
المبحث الثانی : نتائج قرینة البراءة فیما یتعلق بالاثبات .
المطلب الاول : قرینة البراءة کقاعدة من قواعد الاجراءات الجنائیة .
المطلب الثانی : قرینة البراءة کقاعدة من قواعد الحکم .
المبحث الأول
التعریف بقرینة البراءة وطبیعتها ونطاقها
یولد الانسان بریئاً ، وهذا هو الاصل فیه ، ویبقى هذا المبدأ مصاحباً له بشکل دائم ، الا اذا اثبت عکسه بحکم قضائی یقینی بالادانة عن فعل یجرمه القانون ، وقد ثار خلاف فی الفقه حول الطبیعیة القانونیة لقرینة البراءة ، فنفى البعض عنها صفة القرینة ، واعتبرها البعض بمثابة حق من الحقوق اللصیقة بالشخصیة ، وقرینة البراءة یستفید منها جمیع المتهمین، فلا یجوز تعلیق الاستفادة منها على شرط .
وبناء على ما تقدم فان هذا المبحث یقتضی تقسیمه الى ثلاثة مطالب ، هی :
المطلب الاول : التعریف بقرینة البراءة .
المطلب الثانی : الطبیعة القانونیة لقرینة البراءة .
الملطلب الثالث : نطاق قرینة البراءة .
المطلب الأول
التعریف بقرینة البراءة
ان الاصل فی المتهم انه بریء حتى یقوم الدلیل على ادانته ، فاذا لم یقدم الى القاضی الدلیل القاطع على الادانة تعین علیه ان یقضی بالبراءة لان الادانة لا تبنى الا على الجزم والیقین اما البراءة فیجوز ان تبنى على الشک .
وتعنی قرینة البراءة ان المتهم بجریمة مهما بلغت جسامتها ومهما کانت خطورته یعد بریئاً حتى تثبت ادانته قانوناً ، وان یعامل على هذا الاساس طوال المدة التی یستغرقها النظر فی الدعوى الجنائیة والفصل فیها، فکل شخص تقام ضده الدعوى الجنائیة سواء بصفته فاعلاً او شریکاً فی الجریمة یعد بریئاً حتى تثبت ادانته بحکم بات یصدر وفقاً لمحاکمة قانونیة ، ویجب ان تتم معاملته اثناء الاجراءات الجنائیة على اساس انه بریء ، فالمتهم یظل محتفظاً بقرینة البراءة مهما بلغت درجة جسامة الجریمة المنسوبة الیه ، ومهما کان وزن الادلة المتوافرة ضده وان ضبط متلبساً بالجریمة فذلک لا یهدم اصل البراءة المفترض فیه ، إذ لا یهدمه سوى الحکم البات الصادر بالادانة.
ویعد هذا الاصل مبدأ اساسیاً فی النظام الدیمقراطی ، ومفترضاً من مفترضات المحاکمة المنصفة ، وقد وصفه مجلس اللوردات البریطانی بانه خیط ذهبی فی نسیج ثوب القانون الجنائی، وبعبارة اخرى تعد قرینة البراءة رکناً اساسیاً من ارکان الشرعیة الاجرائیة، وتمثل درعاً یحول دون الحیف بحقوق الانسان وضماناته اثناء نظر الدعوى الجنائیة.
وقد بین الفقه العدید من المبررات والاعتبارات المنطقیة التی تبین اهمیة قرینة البراءة اهمها :
1- تفادی الاضرار التی لا یمکن تعویضها اذا ما ثبتت براءة المتهم الذی افترض فیه الجرم وعومل على هذا الاساس ، فالدعوى الجنائیة لا تحرک دائماً ضد الفاعل الحقیقی للجریمة وانما تضم الى جانبه اشخاصاً آخرین ، لذلک کان من الاحوط افتراض براءتهم جمیعاً ، حتى یتبین المجرم الحقیقی من بینهم .
2- حمایة أمن الافراد وحریتهم الفردیة ضد تحکم السلطة فی حالة افتراض الجرم فی حق المتهم ، فقد اثارت التجاوزات الخطیرة للسلطات الجنائیة فی القرون الماضیة ضمائر العدید من رواد عصر النهضة ، امثال فولتیر ومونتیسکیو وبیکاریا فنددوا بتلک التجاوزات وبینوا خطورتها على الحریات الفردیة ، الامر الذی اقتضى افتراض براءة المتهم من اجل حمایة حریته وحقوقه ومعاملته وفقاً لهذا الاصل حتى تنقضی هذه القرینة بالحکم البات بادانته .
3- ان قرینة البراءة تتفق مع الاعتبارات الدینیة والاخلاقیة التی تهتم بحمایة الضعفاء.
4- الاسهام فی تلافی الاخطاء القضائیة بادانة الابریاء الامر الذی یؤدی الى فقدان الثقة فی النظام القضائی فی نظر المجتمع ، اذ تعرض الدعوى الجنائیة المتهم لخطرین یتمثل احدهما فی سوء الاتهام والآخر فی الادانة الخاطئة ، ومن هنا تأتی اهمیة قرینة البراءة فی انها تفرض على قاضی الموضوع ان یکون حکمه بالادانة مبنیاً على الجزم والیقین لا على الظن والتخمین ، وان أی شک یتعین تفسیره لمصلحة المتهم.
6- تعد قرینة البراءة الاساس الذی تتفرع عنه حقوق المتهم اثناء النظر فی الدعوى الجنائیة ، ومنها حقه فی الدفاع عن نفسه ، فمن حق المتهم اذا نسب الیه ارتکاب فعل یؤثمه القانون ان یدفع هذا الاتهام عن نفسه ، وله مطلق الحریة فی اختیار وسائل دفاعه ، فضلاً عن ذلک فان عدم افتراض البراءة فی المتهم سوف یجعل مهمته اکثر صعوبة ، لانه سوف یلتزم بتقدیم دلیل مستحیل وفقاً للقواعد المنطقیة، فالمتهم سوف یکون ملزماً باثبات وقائع سلبیة ، وهو دلیل یستحیل تقدیمه ، والنتیجة المترتبة على ذلک هی الحکم بادانته عن جریمة لم یرتکبها ، وافلات المجرم الحقیقی من العقاب.
إلا انه على الرغم من الاعتبارات والاسانید التی قدمها الفقه لبیان اهمیة قرینة البراءة، فانها لم تسلم من النقد ، إذ انتقدها انصار المدرسة الوضعیة فی القانون الجنائی بسبب طابعها المطلق الذی یؤدی الى نتائج مبالغ فیها ، واهم هذه الانتقادات تتمثل بما یأتی :
1- انها لم تمیز بین فئات المجرمین ، اذ ان افتراض البراءة فیهم جمیعاً یعد خطأ کبیراً ، اذ لا یصلح هذا الافتراض الا بالنسبة للمجرم بالصدفة او بالعاطفة ، ولا یمکن قبوله بالنسبة الى المجرم بالمیلاد والمجرم العائد ، اذ لا جدوى من هذا الافتراض بالنسبة لهم ، کما انه لا یکون لهذا الافتراض معنى فی حالة التلبس بالجریمة ، او فی حالة الاعتراف التفصیلی الصادر عن المتهم بالجریمة .
2- ان افتراض البراءة یؤدی الى منح المجرمین نوعاً من الحصانة ، الامر الذی یؤدی الى إلحاق الضرر بالمجتمع .
3- أثبتت الخبرة والناحیة العملیة دحض هذا الافتراض لان معظم المتهمین تتقرر إدانتهم.
فالفکرة الأساسیة فی نقد المدرسة الوضعیة لقرینة البراءة انها ترى ضرورة التمییز بین فئات المجرمین ، بحیث ترفض القرینة بالنسبة لبعضهم والاعتراف بها بالنسبة للبعض الآخر ، إلا انه یمکن الرد على هذه الانتقادات بان التمییز بین فئات المجرمین یکون بعد إثبات إدانتهم ولیس فی مرحلة الاتهام ، فضلاً عن انه من الخطأ الاعتماد على هذا التقسیم العلمی فی نطاق الإجراءات الجنائیة ، وان افتراض البراءة لا یعطی للمجرمین نوعاً من الحصانة ، لان الحصانة تکون للناس جمیعاً ضد التحکم والتعسف من اجل ضمان الحریة الأساسیة للأفراد ، أما القول بان معظم المتهمین تتقرر إدانتهم فهو قول تعوزه الدقة ، اذ ان الحکم ببراءة بعض المتهمین یؤکد صحة قرینة البراءة . والقول بعکسها یجعل من السهل إدانة المتهم بناء على الشبهة.
ونظراً للأهمیة الکبیرة لقرینة البراءة فقد اهتمت معظم الاعلانات والمواثیق الدولیة المتعلقة بحمایة حقوق الانسان وکذلک دساتیر الدول وقوانینها الخاصة بالاهتمام بها ،فقد ورد هذا المبدأ فی إعلان حقوق الانسان الصادر سنة 1781 أبان الثورة الفرنسیة حیث جاء فی المادة التاسعة منه أن الأصل فی الانسان البراءة حتى تتقرر إدانته ، کما نصت المادة (11) من الاعلان العالمی لحقوق الانسان لسنة 1948 على انه: (کل شخص متهم بجریمة یعتبر بریئاً الى ان تثبت ادانته قانوناً بمحاکمة علنیة تؤمن له فیها الضمانات الضروریة للدفاع عنه)، کما اکد هذا المبدأ ایضاً العهد الدولی للحقوق المدنیة والسیاسیة لعام 1966 (المادة 14) ، والاتفاقیة الاوربیة لحمایة حقوق الانسان وحریاته الاساسیة لسنة 1950 (المادة 6) ، وقواعد الامم المتحدة بشأن حمایة الاحداث المجردین من حریتهم اذ نصت المادة (17) على انه : (یفترض ان الاحداث المقبوض علیهم او الذین ینتظرون المحاکمة الذین لم یحاکموا بعد ابریاء ویحاکمون على هذا الاساس)، والمادة (7) من المیثاق العربی لحقوق الانسان، والمادة (19/هـ) من اعلان القاهرة حول حقوق الانسان فی الاسلام. کما کان من ضمن القضایا التی بحث فیها المؤتمر الدولی الثانی عشر للجمعیة الدولیة لقانون العقوبات الذی عقد بمدینة هامبورج بألمانیا فی المدة من 16-22 أیلول سنة 1979 البحث فی قرینة البراءة ومضمونها ونتائجها ، حیث قرر أن قرینة البراءة مبدأ أساسی للعدالة الجنائیة ، فلا یجوز إدانة أی فرد دون محاکمة قانونیة وبمقتضى إجراءات قضائیة سلیمة ، ولا یمکن توقیع عقوبة جنائیة على أی شخص إلا بما یتناسب مع الجرم الذی یکون قد تم إثباته قبله ووفقاً للشکل المنصوص علیه فی القانون ، ولا یجوز أن یطلب من الشخص إثبات براءته ، وإن الشک یجب أن یفسر دائماً لمصلحة المتهم .
وقد اعترفت بعض الدول بقرینة البراءة من خلال النص علیها فی دساتیرها ، وهو ما یشیر الى الاهمیة الخاصة التی تولیها لهذه القرینة وذلک باضفاء الطابع الدستوری علیها ، فقد نصت المادة (20/أ) من الدستور العراقی لسنة 1970 على انه: (المتهم بریء حتى تثبت ادانته فی محاکمة قانونیة) ، ونص على ذلک الدستور المصری لسنة 1971 اذ جاء فی المادة (67) منه : (المتهم بریء حتى تثبت ادانته فی محاکمة قانونیة تکفل له فیها ضمانات الدفاع عن نفسه) ، والدستور السوری لسنة 1973 فی المادة (28/1) ، والدستور السودانی لسنة 1973 فی المادة (69) منه ، والدستور الاماراتی لسنة 1971 فی المادة (28) ، والدستور التونسی لسنة 1959 الفصل (12) . اما فیما یتعلق بموقف الشریعة الاسلامیة من قرینة البراءة ، فقد عرفت الشریعة الاسلامیة قرینة البراءة قبل ان یعرفها القانون الوضعی الذی لم یقرها إلا فی العصر الحدیث ، فقد اقرت الشریعة مختلف النتائج التی تترتب على هذه القرینة سواء اکان ذلک فیما یتعلق بمعاملة المتهم ، حیث صانت کرامته وجعلت له ولمسکنه حرمة وحرمت تعذیبه ، ام فیما یخص قواعد الاثبات ، فجعلت البینة على المدعی وتطلبت الیقین أساساً للحکم بالادانة ، وقررت قاعدة درء الحدود بالشبهات ففسرت الشک فـی مصلحة المتهم.
وتجد قرینة البراءة فی الشریعة الاسلامیة سندها فی عدة قواعد تتمثل فی : الاباحة الاصلیة ، والاصل براءة الذمة ، واستصحاب الحال ، وقد استنبط الفقهاء هذه القواعد من القرآن الکریم والاحادیث النبویة . اما قاعدة الاباحة الاصلیة فیقصد بها ان الاصل فی الاشیاء الاباحة فکل فعل او ترک مباح اصلاً ما لم یرد بتحریمه نص صریح لذا لا مسؤولیة على فاعله او تارکه، وقد استدل الفقهاء على هذه القاعدة ببعض آیات القرآن الکریم ، منها قوله تعالى: (رُّسُلاً مُّبَشِّرِینَ وَمُنذِرِینَ لِئَلاَّ یَکُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَکَانَ اللّهُ عَزِیزًا حَکِیمًا)، وقوله تعالى: (وَمَا کَانَ رَبُّکَ مُهْلِکَ الْقُرَى حَتَّى یَبْعَثَ فِی أُمِّهَا رَسُولًا یَتْلُو عَلَیْهِمْ آیَاتِنَا وَمَا کُنَّا مُهْلِکِی الْقُرَى إِلا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ)، ومن بعض الاحادیث النبویة ومنها قوله (e) : (ان الله عز وجل فرض فرائض فلا تضیعوها ، وحد حدوداً فلا تعتدوها ، وحرم اشیاءاً فلا تنتهکوها ، وسکت عن اشیاء رحمة لکم غیر نسیان فلا تبحثوا عنها). ومن الاصول المقررة فی الشریعة ان الاصل فی الانسان براءة الذمة ، فالمرء یولد خالیاً من کل خطیئة ، وقد نتج عن هذا الاصل قاعدة فقهیة جنائیة مفادها (ان الاصل فی الانسان براءة جسده من الحدود والقصاص والتعازیر ، ومن الاقوال کلها ، ومن الافعال باسرها)، وفی هذا یقـــول النبی (e) : (کل مولود یولد على الفطرة حتى یعرب عنه بلسانه)، ویعنی ذلک اعفاء المتهم من اثبات براءته ، والقاء عبء الاثبات على عاتق المدعی ، اذ الاصل براءة الذمة مدنیاً وطهارة الید واللسان جنائیاً ، ومن یدعی خلاف ذلک یقع علیه عبء الاثبات ، فقواعد الاثبات فی الشرع لا ترمی الى اثبات ادانة المتهم بقدر ما ترمی الى اثبات براءته ، فصحة الاثبات فی صورها المختلفة جنائیة ام مدنیة لا تثبت مع الشک، لقوله تعالى: (إَنَّ الظَّنَّ لاَ یُغْنِی مِنَ الْحَقِّ شَیْئًا)، وقول الرسول (e) : (البینة على من ادعى والیمین على من انکر).
اما الاستصحاب فهو احد الادلة التی یلجأ الیها المجتهد لبیان حکم الشرع فی مسألة لم یرد فی شأنها نص یدل على الاباحة والتحریم، وعنه یقول الامام ابن القیم (الاستصحاب : استفعال من الصحبة ، وهی استدامة اثبات ما کان ثابتاً او نفی ما کان منفیاً ، وهو ثلاث اقسام : استصحاب البراءة الاصلیة ، واستصحاب الوصف المثبت للحکم الشرعی حتى یثبت خلافه ، واستصحاب حکم الاجماع فی محل النزاع)، والذی یخصنا فی هذا الموضوع هو القسم الاول منها ، فتطبیقه فی مجال الاجراءات الجنائیة یؤدی الى القول انه ما دامت البراءة ثابتة فانها تظل کذلک الى ان یثبت ما ینفیها ، وهی لا تنتفی الا بحکم بات ، فهو اصل مستصحب ومستمر ، فاذا اتهم شخص بجریمة فانه یعد بریئاً حتى تنتفی هذه القرینة بالحکم البات بادانته.
المطلب الثانی
الطبیعیة القانونیة لقرینة البراءة
ثار التساؤل عن الطبیعة القانونیة لقرینة البراءة فهل تعد بمثابة حیلة قانونیة او فن قانونی ؟ ام تعتبر حقاً من الحقوق اللصیقة بالشخصیة تثبت للانسان منذ میلاده؟ ام هی مبدأ من المبادئ العامة للقانون ؟ ام هی قرینة قانونیة حقیقیة ؟
فقد ذهب البعض الى ان قرینة البراءة مثال واضح للحیلة القانونیة على اعتبار ان الحیلة احدى وسائل الصیاغة القانونیة التی تجعل الشیء غیر الصحیح صحیحاً من اجل ترتیب اثر قانونی معین لا یمکن بدونها ترتیب هذا الاثر ، والحقیقة انه لا یمکن اعتبار قرینة البراءة بمثابة حیلة قانونیة ، لأن الحیلة لا تجد أی تطبیق لها فی مجال القانون الجنائی بأکمله.
کما لا یمکن اعتبار قرینة البراءة مجرد فن قانونی لجأ الیه المشرع من اجل تحقیق اعتبارات معینة بقصد الانحیاز الى المتهم فی الدعوى الجنائیة ، لانها قرینة فعلیة تستند الى واقع حقیقی یتمثل فی کون الجریمة أمراً شاذاً وغیر مألوف فی المجتمع.
وقد ذهب البعض الى ان قرینة البراءة لیست سوى حق من الحقوق اللصیقة بالانسان تثبت له منذ میلاده، فی حین ان فکرة الحقوق اللصیقة بالشخصیة هی فکرة مدنیة ، اما قرینة البراءة فلا تخص سوى القانون الجنائی وان ترتب علیها بعض الآثار المدنیة التی تتمثل فی التعویض عن الاعتداء علیها.
وقد ذهب البعض الى ان اساس افتراض البراءة هو الفطرة التی جبل الانسان علیها ، فقد ولد حراً مبرأ من الخطیئة او المعصیة ، ویفترض ان یبقى اصل البراءة کامناً فی الانسان على امتداد مراحل عمره مصاحباً له فیما یأتیه من افعال الى ان ینقضی هذا الاصل بحکم بات من محکمة الموضوع ، وان هذا الاصل العام تمتد آثاره الى کل من اثبات الجریمة او اثبات اسباب الاباحة او موانع المسؤولیة ، ویترتب علیه ضرورة حمایة جمیع الحقوق والحریات.
وقد حاول البعض ان ینفی عن قرینة البراءة صفة القرینة القانونیة مستنداً فی ذلک الى اعتبارات عدة اهمها :
1- ان القرینة هی استنتاج واقعة مجهولة من اخرى معلومة ، او استخلاص ثبوت واقعة معینة من واقعة اخرى قام الدلیل علیها ، وان القول بان الواقعة الثابتة هی ان الاصل فی الاشیاء الاباحة ، والواقعة المجهولة هی براءة المتهم لا یتماشى مع القول بافتراض براءة المتهم ، کما لا یتوافر فیها معیار الراجح الغالب مثل کل القرائن القانونیة.
2- ان دور القرینة القانونیة ینحصر فی نقل عبء الاثبات او فی تسهیل عملیة الاثبات، فی حین ان قرینة البراءة لها دور آخر لا یقل اهمیة عن دورها فی نقل عبء الاثبات الى عاتق سلطة الاتهام وهذا الدور یتمثل فی ضمان الحریة الفردیة فی مجال الاجراءات الجنائیة . فقرینة البراءة اوسع نطاقاً من القرینة القانونیة.
3- ان بعض القرائن القانونیة لا یقبل اثبات العکس ، أی قرائن قانونیة قاطعة ، مثل افتراض الصحة فی الاحکام الباتة ، اما قرینة البراءة فیجوز اثبات عکسها ، کما ان الدلیل الذی ینقض قرینة البراءة یجب ان یکون باتاً ، اما بالنسبة الى القرائن القانونیة فالامر لیس کذلک.
ویمکن اثبات ان قرینة البراءة قرینة قانونیة فعلیة والرد على الحجج السابقة بالقول ان قرینة البراءة لها سند واقعی لا جدال فیه وهی تمثل جوهر الحقیقة ، وان هذا السند یکمن فی ان غالبیة الافراد یعدون شرفاء الى ان یثبت العکس ، وان المجرمین هم اقلیة بالنظر الى المجموع الکلی للافراد ، کما ان کون قرینة البراءة اوسع نطاقاً من القرینة القانونیة لا ینفی وجود قواسم مشترکة بینهما ، وان هذا الفارق لا ینفی عنها صفة القرینة ، وان الاستناد الى القول بان بعض القرائن القانونیة لا یقبل اثبات العکس یرد علیه بان الفقه الحدیث لم یعد ینظر الى القرائن التی لا تقبل اثبات العکس على انها قرائن بالمعنى الفنی ، وانما یعدها قواعد موضوعیة اراد المشرع ان یفرض احکامها على الناس دون السماح باثبات عکسها ، لذلک یحصر هذا الفقه القرائن القانونیة فی فئة القرائن البسیطة ، أی التی تقبل اثبات العکس، وان عدم نص بعض التشریعات صراحة على قرینة البراءة لا یعنی جهلها ، ولا ینفی عنها صفة القرینة على الرغم من التسلیم بان قرینة البراءة فی احد جوانبها لها صفة المبدأ العام ، فاذا لم ینص المشرع علیها صراحة ، فانه ینص على اهم نتائجها کتلک المتعلقة بضمانات الحریة الشخصیة ، وتفسیر الشک لمصلحة المتهم ، لذلک یمکن القول ان قرینة البراءة لها طبیعة مزدوجة ، فهی من ناحیة تعد قرینة قانونیة بسیطة تتفرع عنها مجموعة من النتائج القانونیة الملازمة لها ، ومن ناحیة اخرى تعد مبدأ عاماً لأنها تمس الموضوع المشترک للنظم القانونیة الدیمقراطیة ، وهذه الناحیة هی التی تفسر دور قرینة البراءة کدرع یحمی الحریة الفردیة ضد التعسف والتحکم من قبل السلطات التی تمارس الاجراءات الجنائیة باسم المجتمع.
المطلب الثالث
نطاق قرینة البراءة
نحاول فی هذا المطلب تحدید نطاق قرینة البراءة من خلال الاجابة عن التساؤلات الآتیة ، هل یستفید من قرینة البراءة جمیع المتهمین ام یستفید منها بعضهم دون البعض الآخر؟ . وهل تظل قرینة البراءة منتجة لاثارها مهما کانت جسامة الجریمة المرتکبة ، ومهما بلغت قوة الادلة المتوافرة ضد المتهم ؟ وما هی اللحظة التی تنتفی فیها آثارها ، هل باحالة الدعوى الى المحکمة ام بصدور حکم من محکمة الدرجة الاولى ؟ وهل یؤثر الطعن فی الحکم على بقائها ؟ .
فقد ذکرنا سابقاً ان قرینة البراءة تعنی ان الشخص یعد بریئاً حتى تثبت ادانته قانوناً ، والواقع انه یستفید من هذه القرینة جمیع المتهمین ، سواء بصفتهم فاعلین ام شرکاء فی الجریمة ، ولا یختلف فی ذلک من یرتکب الجریمة لاول مرة او من کان عائداً ، ولا تأثیر للخطورة الاجرامیة فی استفادة المتهم من قرینة البراءة ، انما تظهر اهمیتها عقب ثبوت الادانة وتوقیع الجزاء الجنائی ، والقول بخلاف ذلک یفتقر الى السند القانونی کما یکون من شأنه افراغ قرینة البراءة من مضمونها ، ویشکل تهدیداً خطیراً للحریة الفردیة.
ولا تتوقف استفادة جمیع المتهمین من قرینة البراءة على جسامة الجریمة المرتکبة ، اذ یسری اثرها الى جمیع انواع الجرائم الجنایات والجنح والمخالفات، ولا تتوقف کذلک على مدى قوة الادلة المتوافرة ضده ، فکون الجریمة متلبساً بها او انه قد صدر اعتراف من المتهم مفصل او غیره من الادلة لا یغنی ابداً عن الحکم البات بالادانة، فلا یثبت عکس قرینة البراءة الا بحکم قضائی بات ، والاصل فی الاحکام الجنائیة انها متى حازت قوة الامر القاضی اصبحت عنواناً للحقیقة ولا یجوز المساس بها إلا من خلال طلب اعادة النظر وفقاً للقانون.
ویترتب على افتراض براءة المتهم وجوب معاملته على اساس انه بریء فی جمیع المراحل التی تمر بها الدعوى الجنائیة سواء فی مرحلة جمع الاستدلالات او التحقیق او مرحلة المحاکمة، فیتجلى هذا الاصل العام فی جمیع مراحل الخصومة الجنائیة ، فینطبق على کل الاجراءات الجنائیة المتعلقة بالجریمة سواء کانت من جرائم القانون العام او غیر ذلک من الجرائم ایاً کانت طبیعتها، الا ان الذی یختلف من مرحلة الى أخرى هو قوة واهمیة النتائج المترتبة على قرینة البراءة ، اذ ان اهمیة قرینة البراءة فی حمایة الحریة الفردیة للمتهم تکون اکثر اهمیة فی بدایة الاجراءات الجنائیة فی مرحلة جمع الاستدلالات والتحقیق الابتدائی، ففی هذه المرحلة یقتضی البحث عن الادلة اتخاذ بعض الاجراءات الجبریة الماسة بحریة المتهم کالقبض والتفتیش والحبس الاحتیاطی ، الا ان هذا لا یعنی عدم اهمیتها فی المراحل الاخرى ، الا ان مخاطر المساس بالحریة الفردیة هی اکثر احتمالاً فی المراحل الاولى منها فی غیرها التی قد لا تکون فیها ثمة حاجة لاتخاذ الاجراءات الجبریة تجاه المتهم.
وان افتراض براءة المتهم یتطلب ان تتحمل السلطة القائمة بالتحقیق عبء اثبات التهمة المسندة للمتهم منذ بدء الاجراءات الجنائیة وحتى نهایتها، الا ان ذلک لا یجعل من سلطة الاتهام طرفاً فی الدعوى ، لأنه من واجب هذه السلطة البحث عن الادلة لکشف حقیقة الجریمة سواء اکانت هذه الادلة فی مصلحة المتهم او ضده.
اما فیما یتعلق بتقدیر الادلة فتظهر اهمیته فی مرحلة المحاکمة ، اما مرحلة التحقیق الابتدائی فمهمتها الاساسیة هی البحث عن الادلة وجمعها ، لذلک فان التقدیر الذی تقوم به سلطة التحقیق الابتدائی انما هو تقدیر مبدئی مؤقت لا یلزم ان یصل الى الاقتناع الجازم ، لذلک لا یعد قرارها باحالة المتهم الى المحاکمة هادماً لقرینة البراءة التی لا ینقضها سوى الحکم البات بالادانة ، اما فی مرحلة المحاکمة فالامر مختلف اذ یجب ان یصل اقتناع المحکمة بالادانة الى درجة الجزم والیقین ، اما اذا بقى الشک الذی احیلت به الدعوى الیها على حاله ، او تحول الشک الى یقین بالبراءة فان حکمها یتعین ان یکون بالبراءة أی لمصلحة المتهم ، فالادانة هی التی یجب اثباتها ولیس البراءة.
اما فیما یتعلق بتأثیر الطعن فی الحکم الصادر من محکمة الدرجة الاولى على قرینة البراءة ، فقد ذهب البعض الى القول ان قرینة البراءة تنقضی بصدور حکم الادانة الصادر من محکمة الدرجة الاولى، فاذا طعن المحکوم علیه بالحکم تحمل وحده عبء الاثبات ، فقد حلت قرینة الادانة محل قرینة البراءة ، فی حین یذهب اتجاه آخر الى ان قرینة البراءة لا تنقضی بالحکم الصادر بالادانة من محکمة الدرجة الاولى ، لذلک فان عبء الاثبات یبقى على عاتق سلطة الاتهام.
ونحن نتفق مع الرأی القائل بان الاتجاه الاخیر هو الاجدر بالتأیید ، لان قرینة البراءة لا تنقض الا بالحکم البات ولا یوصف الحکم بانه بات الا باستنفاذه طرق الطعن ، وباستنفاذ طرق الطعن العادیة وغیر العادیة باستثناء الطعن باعادة المحاکمة فتنقضی قرینة البراءة لتحل محلها قرینة الادانة ، ومن ثم فانه فی حالة اعادة المحاکمة یقع عبء الاثبات على عاتق المحکوم علیه.
المبحث الثانی
نتائج قرینة البراءة فیما یتعلق بالاثبات
یترتب على قرینة البراءة فی مجال الاجراءات الجنائیة العدید من النتائج ، أهمها ما یتعلق بالقاء عبء الاثبات على عاتق سلطة الاتهام ، فضلاً عن نتائج اخرى تتوزع فی مختلف المراحل التی تمر بها الدعوى الجنائیة.
الا أننا لن نبحث الا فی اهم النتائج المترتبة على قرینة البراءة وهی النتائج المتعلقة بالاثبات ، اذ تؤدی قرینة البراءة دوراً مرکباً فی الاثبات الجنائی ، فهی تعد قاعدة من القواعد التی تحکم الخصومة الجنائیة ، وفی نفس الوقت تعد قاعدة من القواعد التی تحکم الحکم الجنائی .
لذلک سنقسم هذا المبحث الى مطلبین ، نبحث فی اولهما فی قرینة البراءة کقاعدة من قواعد الاجراءات الجنائیة ، ونبحث فی المطلب الثانی قرینة البراءة کقاعدة من قواعد الحکم .
المطلب الأول
قرینة البراءة کقاعدة من قواعد الاجراءات الجنائیة
ان القول بافتراض براءة المتهم یترتب علیه عدم التزامه باثبات براءته ، بل تتحمل سلطة الاتهام عبء اثبات التهمة المسندة الى المتهم ، فیقع علیها وحدها عبء تقدیم الدلیل فی حین لا یلتزم المتهم بتقدیم أی دلیل على براءته ، فهو لا یلتزم بتقدیم ادلة ایجابیة تفید براءته، مع حقه فی مناقشة ادلة الاثبات التی تقدم ضده لکی یفندها او یثیر حولها الشکوک.
وذلک لان تکلیف المتهم باثبات براءته یتناقض مع افتراض براءته ، وعدم تحمل المتهم عبء اثبات براءته یعد من احدى خصائص الاثبات فی المسائل الجنائیة ، وذلک بعکس ما علیه الحال فی المسائل المدنیة ، لأن الاثبات فی المسائل المدنیة یقوم على اساس المساواة التامة بین طرفی الخصومة ، حیث یقع على عاتق کل منهم ان یثبت ما یدعیه او ینفیه ، وسبب ذلک ان الخصومة المدنیة تتعلق بالمصالح الخاصة ، واصحاب هذه المصالح هم الذین یحددون المسائل المتنازع علیها ویقدمون الدلیل على ما یدعونه، فعبء الاثبات یتم توزیعه بین المدعی والمدعى علیه بحسب الواقعة التی یمکن ان یدعیها أی منهما . ولکن الامر یختلف فی الاثبات الجنائی ، ذلک لأن اثبات حقیقة الجریمة المنسوبة الى المتهم امر یتعلق بالمصلحة العامة ،والسلطة العامة هی المکلفة باظهار هذه الحقیقة، فالادعاء یمارس دوراً ایجابیاً فی تقدیم الدلیل ، وللمتهم ان یلتزم الصمت دون تأویل هذا الصمت ضده ، الا ان ذلک لا یعنی ان مهمة الادعاء تقتصر على اثبات التهمة فقط ، لان وظیفته هی اثبات الحقیقة بجمیع صورها فسلطة الاتهام کما یقول الفقیه الفرنسی Patarin لیست مجرد مدعٍ عادی ، بل انها تحمی براءة البریء کما تحمی ادانة المتهم، وعلى المحکمة ایضاً ان تبحث بنفسها من خلال اجراءات المحاکمة عن هذه الحقیقة ، دون ان تحمل المتهم عبء اثبات البراءة ، لأنها امر مفترض ، ولا محل لاثباتها امام المحکمة ، وانما ینصب البحث على التحقق مما اذا کانت هناک ادلة کافیة یمکنها دحض قرینة البراءة ام لا ، فاذا توافرت ادلة تفید صحة الاتهام، کان من حق المتهم تقدیم ما لدیه من ادلة لنفی ما توافر ضده ، أما اذا خلت الدعوى من دلیل قاطع على صحة الاتهام ، فان المتهم لا یلتزم بتقدیم أی دلیل على براءته ، لان الاصل فیه هو البراءة.
وقد ثار الخلاف فی الفقه الجنائی حول من یتحمل عبء اثبات وسائل دفع المسؤولیة الجنائیة ، فهل یلتزم المتهم بتحمل عبء اثبات هذه الدفوع ؟
یقصد بوسائل دفع المسؤولیة الجنائیة کل دفع یتقدم به المتهم ویکون من شأنه نفی مسئولیته الجنائیة ، او تخفیفها ، وهذه الدفوع متنوعة ، الا انه یمکن تقسیمها الى مجموعتین ، الاولى واقعیة متعلقة بالوقائع ، وهی التی تتعلق بعدم ثبوت الواقعة ، او عدم صحتها ، او عدم صحة اسنادها الى الفاعل ، والثانیة دفوع قانونیة تستند الى نصوص قانونیة خاصة ، وهی تنقسم بدورها الى دفوع قانونیة موضوعیة مستمدة من قانون العقوبات ، کالدفع بقیام سبب من اسباب الاباحة کالدفاع الشرعی،او الدفع بوجود مانع من موانع المسؤولیة ، کالجنون او الاکراه، او السکر الاضطراری، او الدفع بتوافر مانع من موانع العقاب ، کصفة الزوج او الاصل او الفرع فی اخفاء الفارین من وجه العقاب، او الدفع بتوافر عذر قانونی ، وقد تکون الدفوع قانونیة اجرائیة ، کالدفع بانقضاء الدعوى الجنائیة، او الدفع ببطلان القبض او التفتیش وغیرها من الدفوع القانونیة الاجرائیة.
وقد اختلف الفقه فی ایجاد الحل المناسب لهذه المشکلة ولم یتفق على رأی معین ، الا انه یمکن رد هذا الخلاف الى اتجاهین رئیسیین ، الاتجاه الاول ینادی بتطبیق القاعدة المدنیة (ان المدعى علیه یصیر مدعیاً بالدفع) فی الدعوى الجنائیة ، على نحو یلزم المتهم باثارة الدفوع التی فی صالحه واثباتها ، لان هذه القاعدة هی قاعدة عامة لا یقتصر مجالها على القانون المدنی بل یمتد الى بقیة فروع القانون، وفی تأیید هذا الاتجاه یقول الدکتور مأمون سلامة (انه لما کان الاصل فی الانسان انه مسئول عن افعاله ، فان نفی هذا الاصل یقع على من یدعی به ، ولذلک اذا دفع المتهم بانه قد قام لدیه مانع من موانع المسؤولیة فعلیه ان یثبت ذلک، وکذلک الحال اذا قام لدیه سبب خاص من اسباب الاباحة او مانع من موانع العقاب فعلیه اثبات ما یدعیه).
اما الاتجاه الآخر فیذهب الىانه اذا کان السائد فی المواد المدنیة ان یلتزم المدعى علیه باثبات الدفع الذی یتمسک به ، وهو ما یعبر عنه بقاعدة ان المدعى علیه یصیر مدعیاً بالدفع ، فانه لا مجال لتطبیق هذه القاعدة فی الاجراءات الجنائیة ، وانما یتم استبعادها من مجال الدعوى الجنائیة ، والاستناد الى قرینة البراءة باعتبارها الاساس الذی یحکم تنظیم عبء الاثبات فی المواد الجنائیة ، وتأسیساً على ذلک فانه یجب على سلطة الاتهام اقامة الدلیل على ثبوت الادانة ، وهذا الالتزام یشمل ارکان الجریمة وظروفها والعناصر الاخرى اللازمة لقیام المسؤولیة الجنائیة ، وعدم صحة ایة واقعة او عنصر قد یکون من شأنه ان یؤثر فی هذه المسؤولیة من حیث نفیها او تخفیفها.
ونحن مع التوجه الذی یرى ضرورة الاحتکام الىقرینة البراءة لکی تحکم توزیع عبء الاثبات فی الدعوى الجنائیة بصفة عامة ، واثبات وسائل دفع المسؤولیة الجنائیة بصفة خاصة، الامر الذی یتفق مع التوجه الثانی الذی یلزم سلطة الاتهام باثبات وسائل الدفاع ، الا انه یرى انه ینبغی التفرقة بین امرین فیما یتعلق بعبء اثبات طرق الدفاع : عبء الادعاء charge de Lallegation وعبء الاثبات charge de preuve ، فلا یعفى المتهم من أی التزام بهذا الصدد ، وانما یطالب بتحمل عبء الادعاء دون عبء الاثبات ، فاذا توافر فی حقه سبب من اسباب الاباحة او مانع من موانع المسؤولیة او العقاب تمسک بهذا الدفع واثاره ، ذلک ان تمسک المتهم باحد الدفوع عند توافر شروطه التی تجعل منه دفعاً جوهریاً ومنها ان یکون للدفع اصله فی اوراق الدعوى ، وان یثار قبل اغلاق باب المرافعة ، وان یکون ظاهر التعلق بموضوع الدعوى وان یکون جازماً ، سوف یثیر الشک حول توافر عناصر الادانة التی اشارت الیها سلطة الاتهام ، فی حین لا یتحمل المتهم عبء هذا الدفع ، وانما یقع عبء اثبات هذه الاسباب او الموانع على عاتق الادعاء او المحکمة ، وهذا القول یتفق مع اعتبارات العدالة ، لان کلاً من سلطة الاتهام والمتهم لیسا متساویین فی الدعوى الجنائیة ، وانما سلطة الاتهام فی مرکز اقوى من المتهم ، وتملک من الوسائل والصلاحیات ما یجعلها اقدر على کشف الحقیقة ، فضلاً عن ان مصلحة المتهم تفرض علیه الا ینتظر انتهاء الادعاء من اثبات جمیع ارکان وعناصر الجریمة ، وانما علیه ان یبادر اعمالاً لقاعدة ان الهجوم خیر وسیلة للدفاع الى دحض الادلة اولاً بأول ، وان یتقدم بکل العناصر التی تعزز موقفه بما یؤدی الى القاء الشک فی نفس القاضی حول ادانته. لذلک فاننا ندعو المشرع الى النص صراحة على تحمل سلطة الاتهام عبء اثبات عناصر المسؤولیة الجنائیة للمتهم ، بما فی ذلک الدفوع التی قد یثیرها المتهم لنفی مسؤولیته او تخفیفها .
وقد استقر قضاء محکمة النقض المصریة على هذا الاتجاه فقد ربطت هذه المحکمة بین عبء الاثبات ونظریة الدفوع ، حیث فرضت على المتهم عبء اثارة هذه الدفوع والتمسک بها ، اذ قضت المحکمة بانه: (لا تلتزم المحکمة بتقصی اسباب اعفاء المتهم من العقاب فی حکمها ما لم یدفع به امامها ، واذ ما کان الثابت ان الطاعن لم یتمسک امام المحکمة بقیام سبب من تلک الاسباب فلیس له ان ینعى على حکمها اغفاله التحدث عن ذلک)، وجاء فی قرار آخر: (تقدیر حالة المتهم العقلیة وان کان من المسائل الموضوعیة التی تختص محکمة الموضوع بالفصل فیها ، غیر انه من الواجب علیها ان تبین فی حکمها الاسباب التی تبنى علیها قضاءها فی هذه المسألة بیاناً کافیاً لا اجمال فیه ، ولیس لها ان تستند فی اثبات عدم اصابة المتهم بمرض عقلی الى انه لم یقدم دلیلاً تثق به بل ان من واجبها فی هذه الحالة ان تثبت هی من انه لم یکن مصاباً بهذا المرض وقت ارتکاب الفعل وان تقیم قضاءها بذلک على اسباب سائغة).
وقد ذهبت محکمة النقض الى ابعد من ذلک ، اذ اوجبت على محکمة الموضوع ان تتعرض من تلقاء نفسها دون دفع من المتهم لحکم القانون على الوجه الصحیح فی الدعوى ، اذا کانت وقائع الدعوى وظروفها تشیر الى قیام سبب اباحة ، فقد قضت فی قرار لها بأن: (محکمة الموضوع مطالبة بان تبحث من تلقاء نفسها فی قیام حالة الدفاع الشرعی ما دامت واقعة الدعوى لم ترشح لها فتثبت قیامها او تنفیه ، ولو کان المتهم لم یدفع به ، فاذا هی لم تفعل فان حکمها یکون معیبا بما یستوجب نقضه).
تبین لنا مما سبق ان عبء الاثبات یقع على عاتق الادعاء والمحکمة ، وهذا هو الاصل العام فی المواد الجنائیة سواء فیما یتعلق باثبات ارکان الجریمة وظروفها ام بالنسبة لطرق الدفاع . الا ان هناک حالات استثنائیة یتحمل فیها المتهم عبء اثبات نفی الاتهام ، ویعنی ذلک اعفاء سلطة الاتهام من اثبات ذلک وتحمیل المتهم عبء اثبات عکسه ، بل ان المشرع فی بعض الحالات یسبغ حجیة مطلقة لبعض محاضر اثبات الجرائم بحیث لا یجوز للمتهم اثبات عکس ما ورد فیها الا عن طریق الطعن بالتزویر ، ومن هذه الاستثناءات ما ذکره المشرع فیما یتعلق باداء الواجب ، ففی حالة ارتکاب الموظف للفعل المخالف للقانون اثناء اداء واجبه اوجب القانون على الموظف ان یثبت انه لم یرتکب الفعل الا بعد ان اعتقد بمشروعیته وکان اعتقاده مبنیاً على اسباب معقولة وقد اتخذ الحیطة والحذر اللازم عند ارتکابه الفعل لکی تنتفی مسؤولیته، وکذلک بالنسبة للمسؤولیة عن فعل الغیر ومثالها المسؤولیة المفترضة فی جرائم النشر ، اذ یعفى رئیس التحریر من العقاب اذا اثبت اثناء التحقیق ان النشر قد حصل بدون علمه وقدم کل ما لدیه من المعلومات او الاوراق المساعدة على معرفة الناشر الفعلی.
المطلب الثانی
قرینة البراءة کقاعدة من قواعد الحکم
تتطلب قرینة البراءة کقاعدة من قواعد الحکم ان لا تقضی المحکمة بادانة المتهم الا على اساس الیقین والجزم لا على مجرد الاحتمال وان تفسر المحکمة الشک لمصلحة المتهم .
لذلک سنقسم هذا المطلب الى فرعین ، یتناول اولهما الیقین القضائی کاساس للحکم بالادانة ، ویتناول ثانیهما تفسیر الشک لمصلحة المتهم .
الفرع الأول
الیقین القضائی أساس الحکم بالادانة
لا یتمکن القاضی الجنائی فی ان یصیب الحقیقة فی اصدار الحکم الجنائی سواء اکان بالادانة ام بالبراءة اذا لم یتوافر لدیه الیقین ، فالیقین هو اساس العدالة الانسانیة ومصدر ثقة المواطنین .
والیقین فی اللغة هو العلم وزوال الشک، فالیقین هو العلم الذی لا یعتریه شک ، وفی القرآن الکریم قال سبحانه وتعالى: (واعبد ربک حتى یأتیک الیقین)، وقد عرف الیقین بانه: (الاعتقاد الجازم الثابت المطابق للواقع الذی لا یزول بتشکیک المشکک ، وهو حالة ذهنیة تقوم على اطمئنان النفس الى الشیء ، مع الاعتقاد انه کذا ، وانه لا یمکن ان یکون الا کذا). فالیقین عبارة عن حالة ذهنیة او عقلانیة تؤکد وجود الحقیقة ، ویتم الوصول الیه عن طریق نوعین من المعرفة ، اولهما المعرفة الحسیة التی تدرکها الحواس ، والآخر المعرفة العقلیة التی یقوم بها العقل عن طریق التحلیل والاستنتاج. وتمر عملیة الیقین القضائی بعدة مراحل متتالیة مرتبطة ببعضها ، بحیث یستمع القاضی الى طرفی الخصومة وتطرح امامه العدید من الوقائع او الدلائل على ثبوت الجریمة او نفیها ، وقد یجری بنفسه تحقیقاً للوقوف على ما یراه لازماً لکشف الحقیقة ، ثم یبدأ بتفسیر ما یتلقاه ویدرکه من وقائع ، لیسترجع نصوص القانون التی یرشحها ثم یطابقها مع الوقائع المادیة ، وفی النهایة یتحقق یقین القاضی لیصدر الحکم العادل.
ویتوصل القاضی الجنائی للکیفیة التی تمت بها الجریمة والاداة التی استخدمت ، ومراحل تنفیذها عن طریق التحلیل والاستنتاج ، والیقین الذی یصل الیه القاضی هو یقین نسبی ولیس مطلقاً ، فالیقین المطلوب لیس هو الیقین المطلق ، فالیقین ذو خاصیة ذاتیة او شخصیة وان هذه الصفة تؤدی الى سمة اخرى هی النسبیة ، فالیقین لا ینشأ الا عن تقدیر الضمیر والذی یخضع بدوره لتأثیرات شتى کالتجارب والعادات والخبرات السابقة والافکار التی یعتنقها الفرد والحالة المزاجیة ، ولذلک فان نتائج هذا الیقین لا یمکن ان تتسم بالاطلاق بل بالنسبیة ، فالنتائج التی یتم التوصل الیها تکون عرضة للتنوع والاختلاف فی التقدیر من قاضِ الى آخر ، إلا ان ذلک لا یعنی ان القاضی یحکم بالدعوى وفقاً لاهوائه ورغباته الشخصیة ، فالیقین یبحث عن الحقیقة فی أی طریق یجده القاضی ، ولا رقیب علیه سوى ضمیره ، فالقاضی له ان یقبل جمیع الادلة التی تعرض علیه فی الدعوى ، ومن حقه رفض الدلیل الذی لا یطمئن الیه حسب قناعته ، وان یستخلص من الادلة ما یراه مناسباً للوصول الى الیقین الذی یستند الیه فی حکمه، وهو کذلک الذی یقدر قیمة الدلیل وقوته فی الاثبات. وان الاقتناع الذاتی للقاضی بالحقائق الواقعیة لا یمکن ان یکون الا تقریبیاً ، لانه یستنبط من نتائج احساس القاضی بهذه الحقائق ، والحقیقة العینیة تقابل عند القاضی الحقیقة الذاتیة ، ولیس من الممکن الا ان تکون هذه النتیجة تقریبیة ، والدلیل على ذلک ان کل اضافة جدیدة لأدلة الاثبات تؤدی الى تحسین الاقتناع ، والعکس صحیح فان أی حذف لدلیل من ادلة الاثبات یؤدی الى اضعاف الاقتناع ، فالاقتناع لدى القاضی یتدرج منذ بدء الاجراءات الاولى لنظر الواقعة حتى نهایتها، وخلال تلک الدورة الاجراءیة للاثبات ، یتکامل لدیه الاقتناع اما بالادانة او بالبراءة ، فالاقتناع هو ثمرة الوقائع التی یتضمنها ملف الدعوى بعد القیام بدراستها ومعرفة فحواها ، والموازنة بین سلطة الاتهام ومحاولتها اثبات التهمة ، وبین دفاع المتهم فی نفی التهمة ، وقیام القاضی بحسم الصراع باصداره الحکم بالبراءة او الادانة.
وان الجزم والیقین فی الاحکام الجنائیة ، کمعیار للاثبات لا یقصد به جزم ویقین مطلقین ، فذلک لا سبیل الى تحقیقه بالنسبة لادلة الاثبات عموماً، والادلة القولیة خصوصاً ، فالحقیقة القضائیة فی المواد الجنائیة هی حقیقة نسبیة ، فاذا کان من المقرر انه اذا کانت الحقیقة فی ذاتها مطلقة فان اکتشافها شیء نسبی بالنظر الى عدم اکتمال الوسائل الانسانیة للمعرفة، فالادلة التی یعتمد علیها القاضی ، مهما کانت درجة اقتناعه بها ، نادراً ما تثبت بالتواتر ، کما انها لا یمکن ان تقدم اکثر من الاحتمال الراجح ، فهی لا تقدم یقیناً مطلقاً. لان الجزم والیقین المطلق ، أنما هو شیء معنوی ونفسی یتحقق عادة فی التجارب العلمیة فی العلوم الطبیعیة ، والنظریات الحسابیة فی العلوم الریاضیة ، اما الامور المعنویة والنفسیة کالعدالة والقناعة ، فانها لا تکون الا نسبیة.
فالیقین المطلوب فی احکام الادانة ، کمعیار لوجوب بناء الاحکام الجزائیة على الجزم والیقین ، هو ما یصطلح علیه بالیقین القضائی ، وهو نوع من انواع الیقین الادبی ، وهذا الاخیر ینقسم بدوره الى نوعین هما : الیقین الشخصی ، والیقین القضائی ، وثمة فرق جوهری بینهما ، لان الیقین الشخصی یکفی لاقناع الشخص نفسه دون غیره ، اما الیقین القضائی فهو یستلزم ان یقنع القاضی نفسه اولاً ، ومن ثم یقنع الغیر، فالیقین القضائی یتکون من عنصرین ، الاول : شخصی یتکون لدى القاضی من خلال تقدیر الأدلة ، مما یولد عنده الاقتناع الموضوعی ، والثانی : یقین یستطیع القاضی ان یقنع الغیر بصحة الحکم الذی تولد عنه اقتناعه الشخصی ، والیقین الذی یبنى علیه حکم القاضی بالادانة لیس هو الیقین الشخصی للقاضی ، بل الیقین القضائی الذی یمکن ان یصل الیه الجمیع ، بحیث اذا طرحت الادلة الخاصة باحدى الجرائم موضوع الدعوى امام بعض القضاة لدراستها ، یجب ان یصلوا الى ذات النتائج التی وصل الیها قاضی الموضوع، وحتى یصل القاضی الجنائی لمرحلة الیقین القضائی ، ولیس الاحتمالی ، او الشخصی ، یجب ان تتوافر ثلاثة شروط ، هی اعتماد القاضی فی حکمه على الادلة القضائیة ، ومشروعیة الاجراءات ، وان یخضع اقتناعه للعقل والمنطق ، فالیقین اذن هو ولید تقییم ذاتی من طرف قاضی الموضوع ینصب على الادلة ، وینتج ذلک من قدرات القاضی الذهنیة السابقة وتجاربه وخبراته من خلال عمله، فضلاً عن ضمیر القاضی ودرجة نقائه ، ومدى تأثیر المؤثرات الخارجیة علیه ، وهو یقوم على النشاط العقلی الذی یرسم فی ذهن القاضی صورة حقیقیة لما حدث من وقائع وفقاً لما ثبت باوراق الدعوى المطروحة امامه وباقی الادلة ، بحیث یرتاح ضمیره لاصدار الحکم العادل سواء بالبراءة او بالادانة. لذلک یذهب البعض الى ان الیقین والاقتناع والحقیقة عبارة عن حلقات ثلاث فی سلسلة واحدة بدایتها الیقین وهذا الیقین یتدرج من الضعف الى القوة مع تدرج السیر فی اجراءات الدعوى الجنائیة ، ویواکب هذا التدرج تدرج آخر فی الاقتناع ، وعندما یتکامل الیقین ینشأ عنه ما یسمى بالاقتناع الیقینی ، وهو اساس الحقیقة القضائیة التی ینشدها القاضی فی حکمه.
وان الاصل فی الانسان البراءة ، وهذا یقین ، ومن ثم لا یزول هذا الیقین الا بیقین مثله او اقوى منه ، وعلیه فالحکم الصادر بالادانة یجب ان یکون اساسه الیقین حتی یمکن اثبات عکس هذا الاصل ، لأن الحکم الصادر بالادانة امر خطیر یؤثر تأثیراً مباشراً فی شخص المتهم ، وماله واسرته ، فیصیبه بضرر بالغ ، مما یتعین على القاضی التأکد بشکل جازم مبنی على الیقین ، لا على الظن والاحتمال ، ان المتهم هو من قام بارتکاب هذا الفعل المجرم قانوناً ، فمن الخیر للمجتمع عدم معاقبة المجرم من ان توقع عقوبة على بریء ، والیقین المطلوب لیس هو الیقین الشخصی للقاضی ، وانما هو الیقین القضائی الذی یصل الیه الجمیع لانه مبنی على العقل والمنطق ، ویشترط فی الاحکام الصادرة بالادانة ان تکون مبنیة على حجج تفید الجزم والیقین لا محض الظن والتخمین ، وعلة ذلک ان الحکم بالادانة یهدم اصل البراءة الثابت للمتهم ، وهو الیقین الذی لا ینبغی هدمه بغیر یقین یساویه او یفوقه ، اما اذا تشککت المحکمة فی صحة اسناد التهمة الى المتهم ، او لم تکن ادلة الثبوت کافیة لادانة المتهم ، فان المحکمة تفسر الشک لمصلحة المتهم وترجع الى الاصل العام وتقضی ببراءته ، الا ان ذلک یکون مشروطاً بتسبیب المحکمة لحکمها. وهذا ما تأخذ به المحاکم ، فقد جاء فی قرار لمحکمة النقض المصریة انه: (لا یصح ان تقام الادانة على الشک والظن ، بل یجب ان تؤسس على الجزم والیقین ...)، وهذا ما ذهبت الیه ایضاً محکمة التمییز العراقیة عندما قضت بانه: (عند تناقض الشهادات وعدد الاطلاقات المرمیة وعدم تحدید الشهود للشخص القاتل او مشاهدتهم له یقوم باطلاق النار عمداً او نتیجة خطأ ، فمن مجمل الادلة المتحصلة ، لا یمکن ان تولد القناعة بان المتهم هو الفاعل ، لذلک تکون ادانته مبنیة على الشک والاحتمال لا على الجزم والیقین).
الفرع الثانی
تفسیر الشک لمصلحة المتهم
الشک یعنی التردد بین امرین ، والشک (لغة) هو ضد الیقین فهو التردد بین نقیضین، لا یرجح العقل احدهما على الآخر ، فلا یمیل القلب الى احدهما ، فاذا ترجح احدهما ولم یطرح الآخر فهو الظن ، اما اذا استبعد احد الامرین واطمأنت النفس الى ترجیح الآخر فهذا هو الظن الغالب.
وان قاعدة الشک یفسر لمصلحة المتهم هی احدى النتائج المترتبة على قرینة البراءة ، وهی کذلک من النتائج المنطقیة المترتبة على تطلب الیقین للاقتناع القضائی ، فالیقین هو العلم الذی لا یعتریه شک ، فمتى ما کان اقتناع القاضی یتأرجح بین ثبوت الواقعة او نفی التهمة وبین مسؤولیة المتهم او عدم مسؤولیته ، فان هذا الاقتناع المضطرب بین الامرین لا یقدر على نفی ما کان ثابتاً فی الاصل وهو براءة الذمة ، بل ان الاقرب الى المنطق ان یعد هذا الاضطراب عاملاً یزکی هذا الاصل ویؤکده ، ومن ثم یتعین على القاضی الابقاء على هذا الاصل ، والحکم ببراءة المتهم، فاحکام البراءة او الافراج یکفی لاصدارها ان یتولد الشک فی ذهن القاضی او فی دلیل الاثبات المقدم فی الدعوى ، فهی تبنى على اساس من الشک ، لا باعتباره حجة وانما باعتباره وسیلة للرجوع الى الاصل العام وهو براءة المتهم، الا ان الاکتفاء بمجرد الشک مشروط بان یشتمل الحکم بالبراءة ما یفید ان المحکمة قد احاطت بظروف الدعوى وادلة الثبوت التی قام علیها الاتهام ، ووازنت بینها وبین ادلة النفی فرجحت دفاع المتهم ، او داخلتها الریبة فی صحة ادلة الاثبات.
وهناک خلاف فیما یتعلق ببیان الادلة بین الحکم بالادانة والحکم بالبراءة ، فالحکم بالادانة یجب ان یستوفی مضمون الادلة التی بنی علیها ، بخلاف الحکم بالبراءة فانه یکفی فیه مجرد ابداء الرأی حول قیمة ادلة الاثبات ، دون ان تلتزم المحکمة ببیان ادلة قاطعة على البراءة ، لانه یکفی مجرد تشککها فی الاقتناع بادلة الاثبات ، فالحکم بالادانة یجب ان یبنى على الیقین فی الاقتناع بادلة الاثبات ، بینما حکم البراءة یکفی فیه ان یؤسس على الشک فی الاقتناع بهذه الادلة.
وقد عرفت الشریعة الاسلامیة قاعدة (درء الحدود بالشبهات) ، او ما یعرف فی القانون الوضعی بمبدأ تفسیر الشک لمصلحة المتهم ، فقد عرفت الشریعة الاسلامیة هذا المبدأ قبل ان یتقرر فی القانون الوضعی ، الذی لم یعرفه الا فی العصر الحدیث ، ولهذه القاعدة سندها الواضح فی الشریعة الاسلامیة ، لما ورد عن رسول الله (r) من احادیث ، وما طبقه فیما عرض علیه من حالات فی هذا الصدد ، وکذلک الاخبار الواردة عن الصحابة ، والسند لشرعیة مبدأ درء الحدود بالشبهات هو حدیث الرسول (r) : (ادرأوا الحدود بالشبهات). کما ورد عن رسول الله (r) قوله : (ادرءوا الحدود عن المسلمین ما استطعتم فان وجدتم للمسلم مخرجاً فخلوا سبیله ، فخیر للامام ان یخطئ فی العفو خیر من ان یخطئ فی العقوبة)، ومن الآثار المرویة عن رسول الله (r) وعن صحابته ما یؤید صحة هذه القاعدة، من ذلک انه لما جاء ماعز معترفاً بالزنا للرسول قال علیه السلام : (لعلک قبلت ، لعلک لمست، لعلک غمزت) وذلک بقصد الاقرار بالزنا ، وجئ له بسارق معترف بالسرقة فقال له : (اسرقت؟ ما اخاله سرق) ، فهذه من جرائم الحدود التی کان الدلیل الوحید فیها على الجریمة هو الاقرار ، وکان الرسول یلقن المقر ان یعدل عن اقراره ، ولو لم یکن للعدول اثره فی درء الحدود لما اوحى به الرسول للمقر ، لان العدول عن الاقرار شبهة فی عدم صحة الاقرار، والحدود تدرأ بالشبهات. والقاعدة العامة فی الشریعة ان الحدود تدرأ بالشبهات. والحدود هی العقوبات المقدرة ، ویدخل تحت الحدود العقوبات المقررة لجرائم الحدود ، والعقوبات المقررة لجرائم القصاص والدیة ، اما العقوبات المقررة لجرائم التعازیر فلا تعتبر حدوداً، لانها عقوبات غیر مقدرة. وان درء الحدود بالشبهات لیس تعطیلاً للحدود واهمالاً للنصوص، بل هو اعمال للنصوص الکاملة ، وتطبیق لقول الرسول (r): (ادرأوا الحدود بالشبهات)، وما درء الحد بالشبهة الا لان للحد وعقوباته طابع الشدة ، فیکون تطبیقها فی اضیق دائرة بالاخذ بالشبهات خوفاً من الخطأ فی تطبیق الحد ، ویبقى الحد واحکامه ، قواعد ماثلة فی ذهن الافراد زاجرة للمجرمین ، مانعة من ارتکاب الجرم بتحقیق الردع العام.
الخاتمة :
بعد الانتهاء من البحث فی موضوع قرینة البراءة فی القانون الجنائی ، نتطرق فی هذه الخاتمة الى عرض اهم الافکار الرئیسیة التی اشتمل علیها البحث ، واهم النتائج الاساسیة التی توصلنا الیها .
1- ان قرینة البراءة تعنی ان کل متهم بجریمة مهما بلغت جسامتها یعد بریئاً حتى تثبت ادانته فی محاکمة قانونیة تؤمن له فیها ضمانات الدفاع عن نفسه ، ولقرینة البراءة سندها المنطقی والقانونی ، ومن اهم الاعتبارات التی تظهر اهمیتها ، انها تحمی امن الافراد وحریتهم الفردیة ضد تحکم السلطة ، وکذلک تفادی الاضرار التی لا یمکن تعویضها اذا ما ثبتت براءة المتهم الذی افترض فیه الجرم وعومل على هذا الاساس ، کما ان قرینة البراءة تتفق مع الاعتبارات الدینیة والاخلاقیة التی تهتم بحمایة الضعفاء وتساهم فی تلافی الاخطاء القضائیة بادانة الابریاء الامر الذی یؤدی الى فقدان الثقة فی النظام القضائی فی المجتمع ، لذلک فقد حرصت معظم المواثیق والمعاهدات الدولیة المتعلقة بحقوق الانسان وکذلک دساتیر الدول وقوانینها على النص علیها بصراحة ، الا انه على الرغم من الاهمیة الکبرى التی تحظى بها قرینة البراءة ، الا انها لم تسلم من النقد فقد هاجمها انصار المدرسة الوضعیة بشدة ، ورأوا فیها ضمانة مفرطة للمتهمین، وانها تؤدی الى تعریض مصلحة المجتمع للخطر، الا ان هذه الانتقادات لم تقلل من اهمیة قرینة البراءة .
2- فیما یتعلق بالطبیعة القانونیة لقرینة البراءة ، ایدنا الرأی القائل انها لیست حیلة قانونیة قصد بها المشرع الانحیاز الى احد اطراف الدعوى الجنائیة ، کما انها لیست حقاً من الحقوق الشخصیة اللصیقة بالانسان ، وهی لیست ایضاً مبدأ من المبادئ العامة للقانون فحسب ، وانما هی قرینة قانونیة بسیطة لها صفة المبدأ العام .
3- اما من حیث نطاق تطبیق قرینة البراءة ، فیستفید منها جمیع المتهمین ، شرکاء کانوا ام فاعلین ، بغض النظر عما اذا کان المتهم مبتدئاً ام عائداً ، ولا تتوقف استفادة المتهم منها على جسامة الجریمة او على قوة الادلة المتوافرة ضده وان ضبط متلبساً بالجریمة او اعترف اعترافاً تفصیلیاً بارتکاب الجریمة ، کما انها تظل قائمة طوال المراحل التی تمر بها الدعوى الجنائیة سواء فی مرحلة جمع الاستدلالات او التحقیق او المحاکمة ، حیث لا یهدمها سوى الحکم البات بالادانة .
4- یترتب على قرینة البراءة فی مجال الاجراءات الجنائیة العدید من النتائج اهمها القاء عبء الاثبات على عاتق سلطة الاتهام ،اذ تتحمل سلطة الاتهام عبء اثبات التهمة المسندة للمتهم ، فی حین لا یلتزم المتهم بتقدیم أی دلیل لاثبات براءته ، لان تکلیفه باثبات براءته یتناقض مع افتراض البراءة ، وقد ثار الخلاف حول من یتحمل عبء اثبات وسائل دفع المسؤولیة الجنائیة ، وقد ایدنا التوجه القائل بضرورة التفرقة بین عبء الادعاء وعبء الاثبات ، فیتحمل المهتم عبء الادعاء بتوافر سبب من اسباب الاباحة او مانع من موانع المسؤولیة او العقاب والتمسک بهذا الدفع واثارته ، فی حین لا یتحمل المتهم عبء اثبات هذا الدفع ، وانما یقع عبء اثبات هذه الاسباب والموانع على عاتق سلطة الاتهام ، وبذلک یتحمل المتهم عبء الادعاء بالدفع دون عبء اثباته .
5- ان الاصل فی الانسان البراءة ، وهذا یقین ، والیقین هو علم لا یعتریه شک ، ومن ثم فان اصل البراءة لا یزول الا بیقین مثله او اقوى منه ، وان قرینة البراءة لا تنقض الا بالحکم البات بالادانة ، وعلیه فالحکم الصادر بالادانة یجب ان یکون اساسه الیقین حتى یمکن اثبات عکس هذا الاصل ، وان الیقین الذی یصل الیه القاضی عن طریق التحلیل والاستنتاج هو یقین نسبی ولیس مطلقاً ، لان الاقتناع الذاتی للقاضی بالحقائق الواقعیة لا یمکن ان یکون الا تقریبیاً ، ودلیل ذلک ان کل اضافة جدیدة لادلة الاثبات تؤدی الى تحسین الاقتناع ، والعکس ایضاً صحیح ، فالجزم والیقین المطلقین فی الاحکام الجنائیة لا سبیل الى تحقیقهما ، فالیقین ذو خاصیة ذاتیة او شخصیة وان هذه الصفة تؤدی الى سمة اخرى هی النسبیة ، فالیقین لا ینشأ الا عن تقدیر الضمیر الذی یخضع لتأثیرات شتى کالتجارب والعادات والخبرات السابقة والافکار التی یعتنقها الفرد ، ولذلک فان نتائج هذا الیقین لا یمکن ان تتسم بالاطلاق بل بالنسبیة ، وانما الیقین المطلوب کمعیار لوجوب بناء الاحکام الجزائیة على الجزم والیقین ، هو ما یصطلح علیه بالیقین القضائی وهو یقوم على عنصرین ، اولهما شخصی یتکون لدى القاضی من خلال تقدیر الأدلة ، والثانی هو الیقین الذی یستطیع به القاضی ان یقنع الغیر بصحة الحکم الذی تولد عنه اقتناعه الشخصی ، ویشترط فی الاحکام الصادرة بالادانة ان تکون مبنیة على حجج اثبات تفید الجزم والیقین لا محض الظن والتخمین ، لان هذا الحکم یهدم اصل البراءة الثابت للمتهم .
6- ان قاعدة تفسیر الشک لمصلحة المتهم هی احدى النتائج المترتبة على قرینة البراءة ، وهی کذلک من النتائج المنطقیة المترتبة على تطلب الیقین للاقتناع القضائی ، فالشک لا یصلح ان یکون أساساً للحکم بالادانة ، فاذا ما تشککت المحکمة فی صحة اسناد التهمة الى المتهم ، او لم تکن ادلة الاثبات کافیة لادانة المتهم ، فان المحکمة تفسر الشک لمصلحة المتهم وترجع الى الاصل العام وهو براءة المتهم .
7- کان للشریعة الإسلامیة فضل السبق فی اقرار قرینة البراءة والنتائج المترتبة علیها ومن اهمها قاعدة (درء الحدود بالشبهات) ، قبل ان یعرفها القانون الوضعی ، ولقرینة البراءة فی الشریعة الاسلامیة سندها الشرعی سواء اکان ذلک من القرآن الکریم ام من السنة النبویة ، وتمثل ذلک فی مبدأ الاباحة الاصلیة ، واصل براءة الذمة ، وقاعدة استصحاب الحال .
8- نتفق مع القرارات التی نص علیها المؤتمر الدولی الثانی عشر للجمعیة الدولیة لقانون العقوبات ، حیث جاء فی توصیاته أن قرینة البراءة مبدأ أساسی للعدالة الجنائیة ، فلا یجوز إدانة أی شخص دون محاکمة قانونیة وبمقتضى إجراءات قضائیة سلیمة ، وعدم إمکان توقیع عقوبة جنائیة على أی شخص إلا بما یتناسب مع الجرم الذی یکون قد تم إثباته قبله ووفقاً للشکل المنصوص علیه فی القانون ، ولا یجوز أن یطلب من الشخص إثبات براءه ، وإن الشک یجب أن یفسر دائماً لمصلحة المتهم .
9- ندعو المشرع الى النص صراحة فی القانون الجنائی على قرینة البراءة فضلاً عن النص الوارد فی الدستور ، نظراً لاهمیتها فی القانون الجنائی لخطورة الاجراءات التی یتعرض لها المتهم ، وخاصة فیما یتعلق بالاجراءات الجنائیة الجبریة کالضبط والتفتیش والحبس الاحتیاطی ، بحیث یعامل المتهم على اساس اعتباره بریئاً طوال المدة التی یستغرقها النظر فی الدعوى الجنائیة والفصل فیها .
10- ندعو المشرع الى النص صراحة فی قانون الاجراءات الجنائیة على تحمل سلطة الاتهام عبء اثبات عناصر المسؤولیة الجنائیة للمتهم ، بما فی ذلک الدفوع التی قد یثیرها المتهم من اسباب اباحة او موانع مسؤولیة او عقاب ، لنفی مسؤولیته او تخفیفها، لان ذلک یؤدی الى تحقیق المصلحة العامة ویتفق مع قرینة البراءة ، وتؤدی بالنتیجة الى ادانة المجرم الحقیقی وبراءة کل بریء .
The Author declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English)
The Holy Quran
First: Books and Notes
1- Ibrahim Ibrahim Al-Ghamaz, Testimony as Proof of Criminal Material, World of Books, Cairo, 1980.
2- Dr. Abo Al-Ali Ali Abul-Ela Al-Nimr, The New in Criminal Evidence, 1, Dar Al-Nahda Al-Arabiya, 2000.
3 - Dr. Ahmed Fathi Sorour, Constitutional Criminal Law, I 2, Dar Al Shorouk, Cairo, 2002.
4- Dr. Ahmed Fathy Sorour, Constitutional Protection of Rights and Freedoms, Dar Al-Shorouk, Cairo, 2000.
5 - Dr. Ashraf Ramadan Abdul Hamid, impartiality of the criminal judiciary, I 1, House of Arab Renaissance, Cairo, 2004.
6- Dr. Mohammed Hassan Sharif, The General Theory of Criminal Evidence, Dar al-Nahda al-Arabia, 2002.
7- Dr. Ayman Mohamed Ali Al-Jabri, The Criminal Judge, Al-Ma'aref Establishment, Alexandria, 2005.
8 - Jalal al-Din al-Suyuti, the small mosque in the conversations of al-Bashir al-Nazir, the printing press charity, Egypt, 1, 1375 e.
9 - Jalal al-Din al-Suyuti, similarities and isotopes in the rules and branches of the jurisprudence of the Shafi'i, the investigation of Muhammad Mu'tasim Bellah al-Baghdadi, 1, Dar al-Kitab al-Arabi, Beirut, 1987.
10- Dr. Jalal Tharwat, Foundations of Criminal Proceedings, Rules of Procedure, University House, 1991.
11- Dr. Jamil Saliba, The Philosophical Dictionary of Arabic, French, English and Latin, 1, Lebanese Book House, Beirut, 1978.
12- Dr. Hussein Mahmoud Ibrahim, Modern Scientific Methods in Criminal Evidence, Arab Renaissance House, 1981.
13- Dr. Hassan Al-Jokhdar, Law of juvenile delinquents, I 6, Damascus Press, 1996.
14- Dr. Hassani Ahmed Al-Jundi, The Means of Defense before the Criminal Court, 1, Arab Renaissance House, 1988.
15- Dr. Raouf Obeid, Controls of Criminal Indictment and Investigation Orders, 3, Dar Al-Fikr Al-Arabi, 1986.
16- Dr. Sami Al-Nasrawy, A Study in the Foundations of Criminal Trials, C2, Dar es Salaam Press, Baghdad, 1976.
17. Imam Shams al-Din Muhammad ibn Abi Bakr bin Qayem al-Jawziyya, the media of the signatories of the Lord of the Worlds, the investigation and comment of Essam al-Din al-Sabati, c 1, 1, Dar al-Hadith, Cairo, 1993.
18- Dr. Abdel-Sattar Salem Al-Kubaisi, Guarantees of the Accused before and during the trial, Ph.D. thesis, Faculty of Law, Cairo University, 1981.
19- Abdelkader Odeh, Islamic Criminal Legislation Compared to Positive Law, Volume 1, Dar Al-Turath Library, Cairo, 2003.
20 - Izz al-Din bin Abdul Aziz bin Abdul Salam al-Salami, Rules of Judgments in the interests of Anam, Part I, Library of the Azhar colleges, 1388 e.
21- Dr. Azmi Abdel-Fattah, Tsebib Al-Hakam and the Work of Judges in Civil and Commercial Law, 1, Modern Arabic Press, Cairo, 1983.
22- Dr. Essam Afifi Abdel-Basir, The Crisis of Criminal Law and its Treatment, 1, Abu Al-Majd Publishing House, Cairo, 2004.
23. Imam Ali bin Omar Abu al-Hasan al-Darqutni, Sunan al-Darqutni, c. 4, Dar al-Maarifah, Beirut, 1966.
24- Imam Kamal al-Din Ibn Hammam, Explanation of Fatah al-Qadeer, c 5, Dar al-Fikr for printing, publishing and distribution, Beirut, I 2
25- Dr. Mamoun Salama, Criminal Proceedings in Egyptian Legislation, C2, Arab Thought House, 1977.
26. Sheikh Mohammed Abu Zahra, Punishment, Arab Thought House, Cairo.
27. Mohammed bin Abi Bakr bin Abdul Qadir Al-Razi, Mukhtar Al-Sahah, Dar Al-Resala, Kuwait, 1983.
28- Mohammed bin Ali bin Mohammed al-Shawkani, Neil al-Awtar, explanation of the latest news from the conversations of the master of the good guys, C 7, C 8, Halabi Press, Egypt, 1953.
29- Dr. Mohammed Zaki Abu Amer, fault in criminal judgment, University Publications House, Alexandria, 1985.
30. Dr. Mohammed Zaki Abu Amer, Evidence in Criminal Materials, Technical Printing and Publishing, 1985.
31- Dr. Muhammad Ali Al-Kik, The Origins of Causation of Criminal Sentences in the Light of Jurisprudence and the Judiciary, Al-Radhaa Press, Alexandria, 1988.
32- Dr. Mohammed Faleh Hassan, The Legitimacy of Using Modern Scientific Methods in Criminal Evidence, Police Press, Baghdad, 1987.
33- Dr. Mahmoud Naguib Hosni, Explanation of the Criminal Procedure Law, No. 3, Arab Renaissance House, 1998.
34- Dr. Mahmoud Naguib Hosny, The General Theory of Criminal Intention, 3, Dar al-Nahda al-Arabiya, 1988.
35- Dr. Muhammed Saad Al-Din, Theory of Defenses in the Code of Criminal Procedure, I 2, 2003.
36- Mustafa Ibrahim Al-Zalmi, The Relationship between Logic and Law, Shafiq Press, Baghdad, 1986.
37- Mustafa Ahmed Zarqa, Islamic Jurisprudence in the New Thobe, II, General Jurisprudence Introduction, I 10, Tarabin Press, Damascus, 1968.
38- Imam Muwaffaq al-Din ibn Qudaamah, al-Mughni, c 10, Dar al-Kut al-Salloumi, Beirut.
39- Nabil Humaid Al-Bayati, Causation of Penal Provisions in Iraqi Law Comparative Study, Master Thesis submitted to the Faculty of Law, University of Baghdad, 1983.
40- Dhahla Al-Aris, Personality of Sanctions of Taizir in Islamic Law Comparative Study, Dar Al-Falah Publishing, Beirut, 1997.
41- Dr. Hilali Abdullah Ahmed, The General Theory of Criminal Evidence, Comparative Study, Volume I, Dar Al-Nahda Al-Arabiya, Cairo.
41- Dr. Hilali A. Ahmed, The General Theory of Criminal Evidence Comparative Study, Volume II, Dar al-Nahda al-Arabiya.
42- Dr. Hilali Abdellah Ahmed, The Truth Between General and Islamic Philosophy and the Philosophy of Criminal Evidence, I 2, Dar Al-Nahda Al-Arabiya.
43- Dr. Yaser Basem, Yunus Younis, The Theory of Prostitution and its Application in Evidence of Civil Evidence, PhD thesis presented to the Faculty of Law, Nahrain University, 2003.
Second: Agreements and covenants
1 - Declaration of Human Rights issued in 1781
2. Universal Declaration of Human Rights of 1948.
3. The International Covenant on Civil and Political Rights, 1966, available at www.umn.edu/humanrts/arab/bo36/htm/.
4. The European Convention for the Protection of Human Rights and Fundamental Freedoms, 1950.
5. United Nations Principles on the Protection of Juveniles Deprived of their Liberty. Available at www.umn.edu/humanrts/arab/bo37/htm/.
6. The Arab Charter on Human Rights, available at:
www.umn.edu/humanrts/arab/a003/htm/.
7. Cairo Declaration on Human Rights in Islam, available at www.umn.edu/humanrts/arab/a004/htm/.
Third: The group of judicial decisions and decisions
1 - Muawad Abdul Tawab, Criminal defenses, I 3, the House of University publications, Alexandria, 1996.
2 - the set of the provisions of the veto, Q 17, 1966.
3. Set of the Judgments, 6, 1955.
4. The Set of Judgments, 1, 1950.
Fourth: Laws
1- The Iraqi Constitution of 1970.
2. The Egyptian Constitution of 1971.
3. The Syrian Constitution of 1973.
4- The Sudanese Constitution of 1973.
5- UAE Constitution of 1971.
6. The Tunisian Constitution of 1959.
7 - Iraqi Penal Code No. (111) for the year 1969.
8. Iraqi Criminal Procedure Law No. (23) of 1971.
9 - Egyptian Penal Code No. (58) for the year 1937.
10 - Egyptian Criminal Procedure Code No. (150) for the year 1950.
11- Jordanian Criminal Procedures Law No. (9) of 1961.