الملخص
إن توفیر الحمایة القضائیة یعد من صمیم وظائف الدولة، وهی تقتضی العدید من المستلزمات التی تتطلبها إجراءات التقاضی، ولیس بالضرورة أن تکون تلک المستلزمات ملقاة على عاتق الدولة، إذ إن قسما منها ینأى به على ذمة الخصوم.
ومصاریف الدعوى تعد أحد المستلزمات التی تتطلبها العملیة القضائیة، ویتحملها الخصوم فی أثناء نظر الدعوى أمام القضاء على أن یتحملها من خسر الدعوى منهم فی نهایة المطاف، وهی متعددة إذ تشمل الرسوم القضائیة وأجور الخبرة والترجمة والنشر ونفقات انتقال المحکمة وأتعاب المحامین القانونیة وغیرها من النفقات.
إن من الصحیح القول إن تحمل الخصوم مصاریف الدعوى لا یعد خرقا لمبدأ مجانیة القضاء، ذلک أن مبدأ مجانیة القضاء یعنی تحمل الدولة رواتب القضاة مقابل عملهم فی السلطة القضائیة التابعة لها کسائر الموظفین دون أن یتقاضون شیئاً من الخصوم، کما أن القضاء خدمة عامة لا تؤدیها الدولة دون مقابل لأن الدولة تنوء بأعباء کثیرة تحول دون تمکن میزانیتها من دفع مصاریف الدعاوى، فضلا عن ذلک فإن تحمل الدعوى هذه المصاریف قد یغری الأشخاص بالالتجاء إلى القضاء دون مبرر معقول أو لمجرد الکید والضغینة بالآخرین
الكلمات الرئيسة
الموضوعات
أصل المقالة
مصاریف الدعوى وأساسها القانونی دراسة مقارنة
The costs of the lawsuit and its legal basis A Comparative Study
عمار سعدون المشهدانی کلیة القانون/ جامعة الموصل Ammar Saadoun al-Mashhadani College of law / University of Mosul Correspondence: Ammar Saadoun al-Mashhadani E-mail: |
(*) أستلم البحث فی 29/10/2006 *** قبل للنشر فی 7/1/2007.
(*) Received on 29/10/2006 *** accepted for publishing on 7/1/2007.
Doi:10.33899/alaw.2006.160467
© Authors, 2006, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
مقدمة:
الحمد لله رب العالمین والصلاة والسلام على سید المرسلین محمد وعلى آله وصحبه الطیبین الطاهرین وبعد:
إن توفیر الحمایة القضائیة یعد من صمیم وظائف الدولة، وهی تقتضی العدید من المستلزمات التی تتطلبها إجراءات التقاضی، ولیس بالضرورة أن تکون تلک المستلزمات ملقاة على عاتق الدولة، إذ إن قسما منها ینأى به على ذمة الخصوم.
ومصاریف الدعوى تعد أحد المستلزمات التی تتطلبها العملیة القضائیة، ویتحملها الخصوم فی أثناء نظر الدعوى أمام القضاء على أن یتحملها من خسر الدعوى منهم فی نهایة المطاف، وهی متعددة إذ تشمل الرسوم القضائیة وأجور الخبرة والترجمة والنشر ونفقات انتقال المحکمة وأتعاب المحامین القانونیة وغیرها من النفقات.
إن من الصحیح القول إن تحمل الخصوم مصاریف الدعوى لا یعد خرقا لمبدأ مجانیة القضاء، ذلک أن مبدأ مجانیة القضاء یعنی تحمل الدولة رواتب القضاة مقابل عملهم فی السلطة القضائیة التابعة لها کسائر الموظفین دون أن یتقاضون شیئاً من الخصوم، کما أن القضاء خدمة عامة لا تؤدیها الدولة دون مقابل لأن الدولة تنوء بأعباء کثیرة تحول دون تمکن میزانیتها من دفع مصاریف الدعاوى، فضلا عن ذلک فإن تحمل الدعوى هذه المصاریف قد یغری الأشخاص بالالتجاء إلى القضاء دون مبرر معقول أو لمجرد الکید والضغینة بالآخرین.
إن تحمل الخصوم للمصاریف لا یؤدی إلى الإخلال بمبدأ المساواة بینهم أمام القضاء، ذلک أن الخصم الفقیر یعفى منها مؤقتا بغیة تمکنه من المطالبة القضائیة إذا کانت دعواه محتملة الکسب وذلک بموجب نظام المعونة القضائیة.
إن الإحاطة بموضوع البحث تقتضی تقسیمه إلى مبحثین الأول لمفهوم مصاریف الدعوى والثانی للأساس القانونی لها على وفق الخطة الآتیة:
المبحث الأول: مفهوم مصاریف الدعوى.
المطلب الأول/ماهیة مصاریف الدعوى.
الفرع الأول/تعریف مصاریف الدعوى.
الفرع الثانی/خصائص مصاریف الدعوى.
المطلب الثانی/ شروط الحکم بمصاریف الدعوى.
الفرع الأول/الشرط الأول.
الفرع الثانی/الشرط الثانی.
المبحث الثانی: الأساس القانونی لمصاریف الدعوى.
المطلب الأول/الأسس التقلیدیة.
الفرع الأول/العقوبة.
الفرع الثانی/العقد القضائی أو شبه العقد.
الفرع الثالث/الخطأ.
المطلب الثانی/الأسس الحدیثة
الفرع الأول/الالتزام القانونی.
الفرع الثانی/فکرة المخاطر.
الفرع الثالث/الأساس الصحیح.
الخاتمة
المبحث الأول
مفهوم مصاریف الدعوى
إن إجراءات التقاضی متعددة ومتنوعة، ومنها یقتضی الصرف أو الإنفاق علیه من قبل الخصم طالب الإجراء کإقامة الدعوى والاستعانة بذوی الخبرة والطعن فی الأحکام.
إن مجموع المبالغ التی یصرفها الخصوم بمناسبة إقامة الدعوى وفی أثناء السیر فیها حتى اکتساب الحکم درجة البتات هو ما یطلق علیه بمصاریف الدعوى.
إن تحدید مفهوم مصاریف الدعوى یتطلب معرفة ماهیتها وشروط الحکم بها وهذا ما سنقوم بدراسته فی المطلبین الآتیین.
المطلب الأول
ماهیة مصاریف الدعوى
یقتضی البحث فی ماهیة مصاریف الدعوى بیان تعریفها أولا ومن ثم استنباط الخصائص التی تتصف بها، لذا سنتعرض لهذین الموضوعین على النحو الآتی:
الفرع الأول
تعریف مصاریف الدعوى
کلمة المصاریف فی اللغة مشتقة من الفعل صرف الذی یأتی بمعان عدة منها صرف الدنانیر بدلها بدراهم أو دنانیر سواها، وصرف الشیء باعه، وصرف المال إنفاقه، أما فی الاصطلاح القانونی فقد وردت لها عدة تعاریف منها مجموع الرسوم القضائیة والمصاریف الأخرى التی استلزمها رفع الدعوى والحکم فیها التی یتحملها من خسر الدعوى مع أجور المحاماة القانونیة ونفقة الشهود الذین بنى الحکم على شهادتهم.
ویؤخذ على التعریف انه یشترط للاعتداد بنفقة الشهود ضمن مصاریف الدعوى أن یستند الحکم النهائی الى شهادتهم، وانه فی حالة عدم الآخذ بشهاداتهم فانه لا یمکن الاعتداد بها (نفقة الشهود) ضمن مصاریف الدعوى وهذا غیر دقیق لان الخصم الذی یعجز عن إثبات دعواه أو دفعه بشهادات الشهود قد یتمکن من إثبات ما یدعیه بأدلة الإثبات الأخرى وفی هذه الحالة یتحمل الخصم الخاسر مصاریف الدعوى بما فیها نفقات الشهود وان کان الحکم لم یرکن للشهادة کدلیل فی حسم الدعوى، فضلا عن أن التعریف ذکر بعض ما تشتمل علیه مصاریف الدعوى (رسوم قضائیة وأجور محاماة قانونیة ونفقات الشهود ومصاریف أخرى) وکان الأفضل تحاشی هذا التعداد للمصاریف ضمن التعریف خشیة الاعتقاد بها دون غیرها من مصاریف الدعوى.
کما عرفت مصاریف الدعوى بأنها النفقات اللازمة قانونا والناشئة مباشرة عن رفع الدعوى وسیرها.
ویلاحظ على هذا التعریف انه لم یحدد الطرف الذی سوف یتحمل المصاریف فی نهایة المطاف، فضلا عن أن التعریف یوحی من خلال الشق الأخیر منه (الناشئة عن رفع الدعوى) بان المدعی هو من یتکبد هذه المصاریف ابتداءا وفی اثناء نظر الدعوى، والصحیح - والواقع العملی یشهد بذلک - أن المدعى علیه إلى جانب المدعی قد یتحمل عناء المصاریف فی أثناء نظر الدعوى فمثلا عندما یصدر ضده الحکم فی درجة التقاضی الأولى، فان الطعن فیه من قبله یقتضی دفع الرسم القانونی عنه وان هذا الرسم یعد جزءا من مصاریف الدعوى لأنه من مستلزمات السیر فیها یتحمله مقدم الطعن ابتداءً ، وعند حسم الدعوى یحتسب ضمن المصاریف التی یتحملها من خسرها سواءا أکان المدعی ام المدعى علیه.
وعرفت بأنها (مجموع الرسوم القضائیة والمصاریف الرسمیة التی استلزمها رفع الدعوى وسیرها والحکم فیها والتی یلزم بها من خسر الدعوى من الخصوم قبل من کسبها)
ویلاحظ أن التعریف عد الرسوم القضائیة نفقات مستقلة عن المصاریف وهذا غیر صحیح لان الرسوم تدخل ضمن ما تشتمل علیه مصاریف الدعوى، فضلا عن أن ذات الملاحظات التی ذکرت على التعریفیین السابقین یصح أن توجه علیه.
وفی هذا السیاق ذکر أحد الباحثین أن هناک اختلافاً فی المعنى الاصطلاحی بین مصاریف الدعوى ونفقاتها، وان کان کل منهما یستعمل مرادفا للأخرى فی بعض الأحیان فمصاریف الدعوى هی النفقات اللازمة قانونا لرفع الدعوى وسیرها حتى الحکم، بینما نفقات الدعوى تشمل کل ما ینفقه الخصوم من اجل الدعوى سواء أکان ذلک لازما قانونا لرفع الدعوى وسیرها حتى الحکم ام لازم لانتقال الخصم أو إقامته أو استعانته بمحامٍ والى ما شابه ذلک، أی أن المصاریف أخص من النفقات وان النفقات اعم بحیث تشمل مصاریف الدعوى وغیرها.
ونرى أن تمییز الباحث بین مصطلح مصاریف الدعوى ونفقاتها کان موفقاً لان النفقات مشتقة من الفعل نفق ومفردها نفقة وهی اسم من الإنفاق وتعنی ما ینفق من الدراهم ونحوها وجمعها نفقات، وإما المصاریف فهی النقود التی یجب إنفاقها فی سبیل أبرام عقد قانونی أو أجراء یفرضه القانون، علیه یمکن القول بان مصاریف الدعوى هی جزء من النفقات القضائیة یقتضیها رفع الدعوى والدفاع فیها أمام القضاء من الخصوم والتی یتحملها من خسر الدعوى.
تتصف مصاریف الدعوى بأنها جزء من نفقات الخصوم القضائیة وأنها فقرة حکمیه تابعة للحکم القضائی یتحملها من خسر الدعوى، فی هذا الفرع سنبحث هاتین الخاصیتین من خلال النقطتین الآتیتین:
أولا/مصاریف الدعوى جزء من النفقات القضائیة:
من المعلوم أن حسم الدعوى یتوقف على العدید من المستلزمات ومن جهات عدة، وتعد النفقات القضائیة اهم تلک المستلزمات التی تلقى على عاتق الأطراف المتنازعة أمام القضاء.
إن النفقات القضائیة بوصفها مجموع المبالغ التی تنفق من قبل الخصوم ـ کلا من جانبه ـ لتفادی خسارة الدعوى، فان مصاریف الدعوى لا تشمل کل هذه المبالغ، وإنما تقتصر فی الغالب على الرسوم القضائیة وأجور المحکمة وأثمان الطوابع وما تقدره المحکمة من اجور للخبراء والمترجمین والأتعاب القانونیة للمحامین ونفقات الشهود وأجور النشر فی الصحف.
أن من الصحیح القول إن مصاریف الدعوى لا تتناسب مع مجموع النفقات القضائیة التی یتکبدها المحکوم له لان معظمها لا یدخل ضمن مفهوم مصاریف الدعوى کالأتعاب الاتفاقیة للمحامی وأجرة النقل والسفر إلى مقر المحکمة والإقامة فیه وغرامة رفض طلب رد القاضی والخسائر الناجمة عن تعطیل أعماله وغیرها، بمعنى آخر إن الطرف الخاسر لا یتحمل الا جزءاً من نفقات خصمه القضائیة ولیس کل ما انفق .
ویرى الفقه أن السبب فی تحمیل المحکوم علیه مصاریف الدعوى من مجموع النفقات القضائیة لانها اللازمة قانونا لرفع الدعاوى والسیر فیها فضلا عن أن المحکوم علیه لا یدفعها على سبیل التعویض عن الضرر الذی لحق خصمه اجراء مقاضاته أو منازعته قضائیا وإنما یدفعها لان القانون یلزمه بتحملها تحقیقا لمقتضیات العدالة .
تجدر الإشارة الى أن جانباً من الفقه قسم المصاریف الى نوعین مصاریف قانونیة وتشمل رسوم الدعوى والانذار واجور الخبراء والمحامین ومصاریف ضروریة وتشمل مصاریف السفر والانتقال والاقامه (الفنادق) وما تکبده من خسائر من جراء توقف اعماله، ویضیف انه یمکن الزام المحکوم علیه بالنوع الثانی من المصاریف اذا ثبتت للمحکمة .
ویبدو أن هذا الرای یجد اساسه فی القانون الفرنسی الذی یعطی للمحکمة سلطة تقدیریة للحکم بمجموع النفقات القضائیة على أن تسبب حکمها بعد المطالبة بها، على عکس الحکم بمصاریف الدعوى التی تحکم بها المحکمة من تلقاء نفسها.
ویبدو أن الحکم بالنفقات القضائیة على المحکوم علیه یخرج المحکمة من نطاق الدعوى ویشغلها بمسألة لیست محلا للخصومة القائمة، فضلا عن أن معیار هذه النفقات یتسم بالطابع الشخصی، فالخصوم متفاوتون فی الانفاق ، ففیهم المسرف والمعتدل والشحیح ، وان الافتقار الى ضابط أو معیار قانونی یمکن بمقتضاه تحدید النفقات القضائیة تحدیداً سلیما بعیدا عن الاجحاف والمغالاة ویمنع اثراء احد الخصوم على حساب الاخر عند تقدیرها یحول دون الاخذ بفکرة الحکم بمجموع النفقات القضائیة على المحکوم علیه .
ثانیا/ مصاریف الدعوى اثر للحکم القضائی.
یترتب على صدور الحکم القضائی جملة اثار اهمها اکتسابه حجیة الشیء المقضی فیه وخروج النزاع عن ولایة المحکمة وتقریر الحقوق وإنشاؤها والبت بمصاریف الدعوى هذا یعنی ارتباط البت بمصاریف الدعوى بنتیجة الحکم القضائی وعدم جواز البت بها بصورة منفردة.
ومن مقتضیات هذا الشرط أن یکون الحکم باتا لان الدعوى التی لا یکتسب الحکم الصادر فیها درجة البتات تکون عرضة للانفاق علیها من قبل الخصوم فضلا عن أن اکتساب الحکم درجة البتات یترتب علیة خروج الدعوى برمتها من ولایة القضاء فلا تکون - الدعوى - محلا للانفاق الا اذا توافر سبب من اسباب اعادة المحاکمة.
تـجدر الاشارة الى أن القوانین المقارنة تتعامـل مع القرار القضائی البات المتضمن إبطال عریضة الدعـوى بنـفس اثـار الحکم القضائی النهائی فیما یتعلق بالمصاریف یترتب على ذلک أن المدعی یتحمل نفقاته القضائیة ومصاریف المـدعـى عـلیـة بـوصـفه الطـرف الخـاسـر لهـا، وفـی هـذا السـیاق قضـت محـکمة تمییز العراق بان (سحب الـمدعـی لدعواه هو بحکم ابطال لهـا ویتـحمـل مصاریفها).
ومن الصحیح القول ان وصف مصاریف الدعوى بانها اثر للحکم القضائی یترتب علیة النتائج الاتیة:
1- تقضی المحکمة بمصاریف الدعوى من تلقاء نفسها خلافا للمبدا العام الذی یلزم المحکمة عدم القضاء بشیء لم یطلب منها، وفی هذا السیاق قضت محکمة تمییز العراق بانه (المحکمة اصدرت قرارها دون أن تتخذ حکما بمصاریف الدعوى اذ أن الحکم فیها لا یحتاج الى طلب وان عدم اتخاذ قرار بشانها یخل بصحة الحکم الصادر لهذا قرر نقضه). ویرى الفقة أن المحکمة اذا اغفلت البت بمصاریف الدعوى فانها قصدت أن کل طرف یتحمل ما دفعه من مصاریف، ونعتقد أن هذا التبریر لا اشکال فیه لان الحکم بالمصاریف هو حکم إلزام له قوة تنفیذیة ولیس حکما کاشفا أو مقررا لمرکز معین، فضلا عن أن عدم جواز الزام أی طرف من اطراف الدعوى بشیء لم یتضمنه الحکم القضائی.
2- یطعن بمصاریف الدعوى تبعا للحکم القضائی، وهذا یعنی أن من حق المحکوم علیة الطعن بالفقرة الحکمیة المتعلقة بمصاریف الدعوى بطرق الطعن المقررة قانونا للحکم القضائی. واذا کان الطعن بالمصاریف تبعا للحکم القضائی فان القانون المصری اجاز الطعن بتقدیر مصاریف الدعوى عن طریق التظلم اذا تعذر تقدیرها فی الحکم القضائی، حیث یتم تقدیرها فی هذه الحالة عن طریق امر یصدر على عریضة یقدمها المحکوم علیة بامر التقدیر، ویحق لکل خصم سواء اکان المحکوم له ام المحکوم علیة الطعن فیه عن طریق التظلم، بینما یلاحظ أن القانون العراقی لم ینظم مسألة تقدیر المصاریف لکن الواقع العملی جرى على أن یقوم المعاون القضائی بتدوین المصاریف فی اسفل ورقة الحکم لیصبح جزءا منه ویخضع لطرق الطعن کبقیة فقرات الحکم.
ویبدو أن موقف القانون المصری بشان تقدیر المصاریف أصوب من القانون العراقی لانه اناط بالمحکمة التی تتمع بسلطة تقدیریة مهمة تقدیر المصاریف من مجمل النفقات القضائیة، لذا ندعو المشرع العراقی الى تعدیل نص الفقرة أولا من المادة (166) من قانون المرافعات المدنیة ونقترح النص الأتی(على المحکمة أن تقدر مصاریف الدعوى وتحکم بها على الخصم المحکوم علیه من تلقاء نفسها عند إصدار الحکم الذی تنتهی به الخصومة )، فی الوقت نفسه لم یکن القانون المصری موفقا بإفراده طریقاً للطعن بأمر التقدیر وکان الأجدر به الإبقاء على القواعد العامة.
ثالثا/ تکتسب مصاریف الدعوى أوصاف الحکم القضائی، فإذا کان الحکم مشمولا بالنفاذ المعجل للأحکام فان مصاریف الدعوى بوصفها فقرة حکمیة تابعة للحکم القضائی تتصف بهذه الصفة، مما یترتب علیة عدم جواز وقف تنفیذها مالم یتم الغاء صفة النفاذ المعجل عن الحکم القضائی،فضلا عن تنفیذها ـ الفقرة الحکمیة المتعلقة بالمصاریف ـمن قبل المحکمة مباشرة أو بوساطة مدیریة التنفیذ.
المطلب الثانی
یقتضی الحکم بالمصاریف وجود دعوى وان یکون المحکوم علیة خصما فیها، وان تحقق احد هذین الشرطین لا یغنی عن الأخر لذا سوف نتناولهما من خلال الفرعین الآتیین:
الفرع الأول
یستلزم الحکم بالمصاریف وجود دعوى قضائیة تبرر تدخل القضاء للبت بموضوع النزاع وما یتبعه من تحدید الخصم الذی یتحمل مصاریفها.
ومن الصحیح القول إن هذا الشرط تتطلبه القوانین المقارنةللبت بشان مصاریف الدعوى، لأنها ألزمت المحکمة الفصل بالمصاریف عند إصدار الحکم، ومن المسلم به أن إصدار الحکم یکون بمناسبة وجود دعوى مقامة أمام القضاء.
ویرى جانب من الفقه أن هذا الشرط یعد بمثابة العلاقة السببیة بین المحکوم علیه والدعوى، إذ إن وجود الدعوى یقضى بإلزامه بالمصاریف، وفی حالة عدم وجودها
فلا مسوغ للحکم بها
واذا کان تحمل المحکوم علیه مصاریف الدعوى نتیجة منطقیة لتعارض ادعائه وادعاء غریمة حول الحق المدعى به او المر کز القانونی الذی تسبب فی إقامة الدعوى والإنفاق علیها، فان القانون العراقی یحمل المدعی مصاریف دعواه اذا طلب الحکم بحق مؤجل بغض النظر عن نتیجة الدعوى، وحسنا فعل المشرع العراقی لان المدعی تعجل فی اقامة هذه الدعوى تجنبا للضرر قبل وقوعه، فمن العدالة أن یتحمل مصاریف دعواه من جراء استعجاله، وفی هذا الصدد قضت محکمة تمییز العراق بان (الحکم بالزام المدعى علیة بتادیة مبلغ ثمانمائة الف دینار للمدعی عن بدلات ایجار العقار موضوع الدعوى للاشهر الثمانیة صحیح من هذه الجهة، اما تحمیل المدعى علیة مصاریف الدعوى جمیعها فانه غیر صحیح من هذه الجهة لان بدلات ایجار الاشهر تشرین الاول و الثانی وکانون الاول المطالب بها لم تکن مستحقة الاداء بتاریخ اقامة الدعوى ودفع الرسم عنها،فکان على المحکمة الحکم على طرفی الدعوى بالمصاریف النسبیة عملا باحکام المادة (6) من قانون المرافعات المدنیة…).
یذکر ان القانون المصری یمنح المحکمة سلطة تقدیریة بشان تحدید الخصم الذی یتحمل المصاریف اذا کان الحق مسلما به (مقراً به) من المحکوم علیه، فقد یتحملها المحکوم له لان تسلیم (إقرار) المحکوم علیة بالحق المدعى به لا یبقی ضرورة لإقامة الدعوى ودفع المصاریف عنها ما دام التسلیم بالحق المدعى به سابقا على رفع الدعوى ونظرها.
کما أجاز القانون المصری للمحکمة أن تحمل المحکوم له المصاریف کلها او بعضها إذا تسبب فی إنفاق مصاریف لا فائدة فیها، او ترک خصمه على جهل بما کان فی یده من المستندات القاطعة فی الدعوى او بمضمون تلک المستندات، وفی هذا السیاق قضت محکمة النقض المصریة بان (أساس التقاضی هو حصول نزاع فی الحق المدعى به، فإذا کان الحق مسلما به ممن وجهت علیة الدعوى، فغرم التداعی یقع على من وجهها، ومن الخطأ الحکم على المدعى علیة بمصاریف الدعوى التی تعجل المدعی فی رفعها علیة..).
ونعتقد أن موقف القانون المصری بشان تحمل المحکوم علیة المصاریف کلها او بعضها محل نظر ولاسیما اذا کان الحق مسلما به من المحکوم علیه لان مجرد حصول واقعة التسلیم بالحق المدعى به لا ترقى الى حالة الوفاء بالالتزام الذی یسعى المدعی الى تحصیله من غریمه، کما أن واقعة التسلیم لا تغنی عن السند التنفیذی، وان الحکم بوصفه اهم سندات التنفیذ یعد الضمانة الأکیدة للمحکوم له تجاه المحکوم علیه اذا لم یبادر الى الوفاء بالرغم من اقراره بالحق او التسلیم به، اذ یستطیع المحکوم له اللجوء الى مدیریة التنفیذ وتنفیذ الحکم لارغام خصمه على تنفیذ الالتزام، وحیث لا یمکن اصدار الحکم دون اقامة الدعوى والانفاق علیها یعد من مستلزماتها، فلیس من المنطق أن یتحمل المحکوم له مصاریف الدعوى لمجرد التسلیم بالحق المدعى به، وانما من العدالة أن یتحملها المحکوم علیه بوصفه الطرف المتسبب فی إقامتها مالم یبادر إلى الوفاء الکلی قبل إقامة الدعوى.
أن الدعوى بوصفها طلباً مقدماً الى القضاء، فهی الطلب الوحید من بین الطلبات المتعددة التی تقدم للقضاء التی یعول علیها فی احتساب المصاریف، بینما بقیة الطلبات کالطلبات الوقتیة اذا قدمت بطریقة مستقلة عن الدعوى، فان کل طرف یتحمل نفقاته القضائیة لان النظر فی هذه الطلبات یکون على ظاهر الحال دون المساس بأصل الحق مما یجعل القرارات التی تصدر بشأنها قرارات وقتیة لا تکتسب حجیة الشیء المقضی فیه، وان الطلب الذی لا ینهی الخصومة لا الزام فیه بالمصاریف، ولکن اذا عرض النزاع على محکمة الموضوع، فانها ستحتسب مصاریف الطلب مع مصاریف الدعوى وتحکم بهما على من خسر الدعوى, وبهذا المعنى قضت محکمة تمییز العراق بان (مصاریف القضاء المستعجل لا یقضى بها الا عند اقامة الدعوى باصل الحق).
وإذا کان احتساب مصاریف الطلبات ضمن مصاریف الدعوى یتوقف على مدى الاستناد إلیها عند نظر الدعوى، فهل یجوز احتساب مصاریف الشکوى الجزائیة ضمن مصاریف الدعوى البدائیة إذا سبق إقامة الشکوى على الدعوى؟
نرى ان مجرد الأسبقیة فی تقدیم الشکوى الجزائیة الى القضاء على الدعوى المدنیة لا یبرر ضم مصاریفها ضمن مصاریف الدعوى المدنیة، لکن إذا کان الفصل فی الدعوى المدنیة یتوقف على نتیجة الشکوى الجزائیة فلا مانع من الاعتداد بمصاریف الشکوى الجزائیة وضمها الى مصاریف الدعوى سواء أقیمت قبل الدعوى المدنیة أم بعدها؛ لأن المحکمة المدنیة فی مثل هذه الحالة لا یجوز لها السیر فی الدعوى إلا بعد الفصل فی الشکوى الجزائیة عملاً بقاعدة الجنائی یوقف المدنی . وان الوصول الى النتیجة النهائیة للشکوى الجزائیة یستلزم من جملة ما یستلزم الانفاق علیها ولیس من العدالة تجاهل هذه النفقات .
وتجدر الإشارة الى أن جانباً من الفقه المصریوالفرنسی قد میزا عند احتساب مصاریف الدعوى بین مصاریف التدخل الاختصامی ومصاریف التدخل الانضمامی، فبینما یرون ان المتدخل الاختصامی یتحمل مصاریف تدخله إذا حکم بعدم قبول تدخله أو برفض طلباته، أما إذا نجح فی دعواه تحمل المحکوم علیه مصاریف الدعوى فضلاً عن مصاریف تدخله، بینما یتحمل المتدخل الانضمامی مصاریف دعواه ولو حکم لمصلحة من تدخل منضماً إلیه .
ویستند الفقه المصری فی تبریر ذلک الى أن المادة (187) من قانون المرافعات المدنیة والتجاریة المصری ربطت الحکم بالمصاریف بوجود طلبات مستقلة للمتدخل فی مواجهة المحکوم علیه، والمعروف ان المتدخل الاختصامی تکون له مثل هذه الطلبات على عکس المتدخل الانضمامی الذی لیس له طلبات من هذا النوع، بینما یستند الفقه الفرنسی فی تبریر التمییز بین مصاریف التدخل الاختصامی وعدها ضمن مصاریف الدعوى ومصاریف التدخل الانضمامی وعدم الاعتداد بها ضمن المصاریف الى المادة (883) من القانون المدنی الفرنسی التی تحمل الدائنین مصاریف تدخلهم فی دعوى القسمة إذا أرادوا التدخل لرعایة مصلحتهم ولمراقبة تصرف المدنیین .
وقد ذهب أحد الباحثین الى القول إن من الخطأ أن یتحمل المحکوم علیه مصاریف المتدخل الانضمامی لانتفاء شرط المنازعة بینه وبین المحکوم علیه فضلاً عن ذلک فانه لیس طرفاً فی الرابطة الموضوعیة لمحل النزاع .
وفی هذا السیاق قضت محکمة النقض الفرنسیة بأن (المتدخلین لا یتحملون عبء النفقات الخاصة بهم إلا إذا کان اشتراکهم بصفة تحفظیة أو احتیاطیة بحتة ومن أجل المراقبة أو الملاحظة فقط دون أن یقدموا طلبات لصالحهم أو ضد أحد الأطراف) .
بینما ذهب جانب آخر من الفقه المصری الى عدم تأیید هذا التمییز فی احتساب مصاریف التدخل ضمن مصاریف الدعوى، ویرى ان مصاریف التدخل یتحملها المحکوم علیه عملاً بالقواعد العامة وتحقیقاً لمقتضیات العدالة .
ونعتقد ان هذا الرأی جدیر بالتأیید لأن العبرة فی الحکم بمصاریف التدخل تکمن فی الأثر الذی یترکه الحکم فی الدعوى على مصلحة المتدخل التی تعد شرطاً أساسیاً لقبول طلب تدخله فی الدعوى .
فإذا کان الأثر إیجابیاً فان المتدخل یکون فی مرکز المحکوم له ومن العدالة ان یتحمل غریمه مصاریف الدعوى ومصاریف طلب تدخله، وإذا کان الأثر سلبیاً فان المتدخل یکون فی مرکز المحکوم علیه ومن المنطقی أن یتحمل مصاریف الدعوى الى جانب من انضم إلیه فضلاً عن مصاریف طلب تدخله .
الفرع الثانی
الشرط الثانی - أن یکون المحکوم علیه خصماً فی الدعوى
یتطلب الحکم بالمصاریف أن یکون المحکوم علیه خصماً ذا مصلحة شخصیة فی الدعوى .
والمقصود بالخصم هو من یقدم باسمه طلباً الى القاضی للحصول على حمایة قضائیة او من یقدم فی مواجهته هذا الطلب .
وبموجب هذا التعریف فان وصف الخصم یصدق على طرفی الدعوى المدعی والمدعى علیه ذلک ان المدعی هو من یتخذ المبادرة فی الدعوى باقامتها، واما المدعى علیه فهو من تقام الدعوى فی مواجهته .
ویرى جانب من الفقه ان فکرة الخصم ترتبط بتقدیم الدعوى الى القضاء، ویترتب علیها اکتساب مقدمها لوصف الخصم فضلاً عن المقدمة فی مواجهته سواء أکانوا أطرافاً فی الحق المدعى به ام اطرافاً فی الدعوى أم لا، ذلک أن وجود الحق المدعى به لا یعد شرطاً لقبول الدعوى وان کان شرطاً لکسبها .
ان السبب فی إلزام المحکوم علیه مصاریف الدعوى کونه المتسبب بإقامة الدعوى والمنازعة فیها فیجب أن یتحمل مصاریفها .
فإذا تعدد الخصوم المحکوم علیهم، فان القانون العراقی ، الزم المحکمة بتقسیم المصاریف بینهم بنسبة ما حکم به على کل واحد منهم فی الدعوى ولا یلزمون بالتضامن بها ما لم یکونوا متضامنین فی أصل الحق المدعى به، فضلاً عن عدم جواز تعدد المصاریف بتعدد الخصوم المحکوم علیهم أو المحکوم لهم أو بتعدد الوکلاء .
بینما منح القانون المصری المحکمة سلطة تقدیریة بان تقسم المصاریف بالتساوی بینهم دون النظر الى مصلحة کل واحد منهم من الدعوى أو ان تتخذ هذه المصلحة بوصفها معیاراً لتقسیم المصاریف، وفی کل الأحوال لا یجوز إلزامهم بالتضامن فی المصاریف إلا إذا کانوا متضامنین فی أصل الحق المدعى به، ولکن إذا کان التعدد للأطراف فی الحق المدعى به دون الدعوى، بأن أقیمت الدعوى على البعض منهم دون الآخرین فانه لا یجوز ان یتحمل المصاریف من لم یختصم منهم فی الدعوى بالرغم من انهم أطراف فی الحق المدعى به .
ولا یشترط للحکم بالمصاریف أن یباشر الخصم المحکوم علیه دعواه بنفسه وانما یستوی فی ذلک إذ باشر الغیر دعواه بصفته نائباً عنه بغض النظر عن الدوافع والأسباب، ذلک ان نائبه لا یکتسب وصف الخصم فی الدعوى ولا یتقاضى فی الدعوى بشخصه وإنما بصفته نائباً، وان مثوله أمام القضاء إنما هو لمعاونة الأصیل ولمصلحته وحسابه .
وتجدر الإشارة الى أن القانون الفرنسی أجاز للمحکمة أن تحمل المحامی بوصفه وکیلاً عن الخصم المحکوم علیه مصاریف الدعوى استثناءاً من القواعد العامة إذا باشر إجراءات التقاضی خارج نطاق التفویض الممنوح له، وإذا تسبب بخطئه بإبطال إجراءات التقاضی .
ونعتقد ان موقف القانون الفرنسی فی هذه المسألة جدیر بالتأیید ذلک ان القانون العراقی . یحمل المحامی مسؤولیة تجاوزه حدود الوکالة فی دعوى مستقلة عن الدعوى التی تجاوز فیها حدود الوکالة او ارتکب فیها خطأً جسیماً بینما یحمل القانون الفرنسی المحامی المسؤولیة فی نفس الدعوى التی حصل فیها التجاوز او وقع فیها خطؤه الجسیم مما یسهم هذا الحل الى تخفیف عبء الاثبات عن الموکل تجاه محامیه المتجاوز لحدود الوکالة او المرتکب للخطأ الجسیم وقد یسهم بصورة غیر مباشرة فی تخفیف الزخم على القضاء إذا ما ارتضى الموکل بتحمل محامیه مصاریف دعواه .
لذا ندعو المشرع العراقی الى تبنی هذا الحل فی المادة (166) من قانون المرافعات المدنیة فضلاً عن الموقف العام الوارد فی قانون المحاماة، ونقترح أن یکون النص بالشکل الآتی (للمحکمة أن تحمل محامی الخصم المحکوم علیه المصاریف کلها او بعضها الناشئة عن خطأه) .
کما یذکر ان الفقه الفرنسی انقسم بشأن من یتحمل مصاریف الدعوى الزوج أم الزوجة فی الدعاوى التی یکون حصول الزوجة على اذن زوجها أمراً ضروریاً لإقامتها ؟
فبینما ذهب رأی الى أن الزوج یتحمل المصاریف فی حالة خسارة الدعوى بالرغم من انه لم یکن طرفاً فیها لانه یلتزم بکل أعمال الزوجة التی وافق علیها، وانه کان بإمکانه تجنب الحکم علیه بالمصاریف لو انه لم یأذن بها .
بینما ذهب رأی آخر الى التمییز بین الدعاوى التی تتعلق بأموالهما المشترکة بمقتضى نظام الاشتراک فی الأموال، وتلک التی تتعلق بأموال الزوجة الخاصة، فإذا کان موضوع الدعوى أموالهما المشترکة فان الزوج یتحمل المصاریف فی حالة الخسارة لأنه ذو مصلحة شخصیة فی هذه الدعوى، وإذا کان موضوعها أموالها الخاصة فان الزوجة تتحمل المصاریف فی حالة الخسارة دون زوجها لأنه لیس طرفاً فی الدعوى، وان منح الاذن لزوجته حتى تکون أهلاً للتقاضی غیر کافٍ للحکم علیه بالمصاریف .
وذهب رأی آخر الى القول بأن تحمل الزوج مصاریف الدعوى یتحدد من الموقف الذی یتخذه، فإذا رفض إعطاء الاذن لزوجته فانه یکون قد تجنب الدعوى منذ البدایة، فلا یعقل أن یتحمل المصاریف، وإذا أخذ على عاتقه مهمة الدفاع عن زوجته وکانت له صفة فی الدعوى فمن البدیهی ان یتحمل المصاریف فی حالة الخسارة لأنه أصبح طرفاً فیها ولکن إذا کان الزوج یبغی من إعطاء الاذن لزوجته جعلها أهلاً للتقاضی فانه لا یتحمل مصاریف الدعوى لأنه لیس طرفاً فیها، وان الاذن لوحده غیر کافٍ لکی یکتسب الزوج وصف الخصم الذی یترتب علیه تحمل مصاریف الدعوى فی حالة الخسارة . ونعتقد ان الرأی الأخیر هو الأقرب الى الصواب لأن المطالبة القضائیة تتم باسم الزوجة او فی مواجهتها، فهی من تکتسب وصف الخصم ولیس الزوج، وبالنتیجة فهی التی تتحمل مصاریف الدعوى فی حالة الخسارة .
وأخیرا تجدر الإشارة إلى أن المدعی فی دعاوى الطلاق، یتحمل مصاریفها ابتداءً وانتهاءاً لعدم وجود محکوم علیه فیها، ذلک أن الزوجة لا یمکن عدها خاسرة فی هذه الدعوى لأن الطلاق بید الزوج وقد أوقعه.
وکما أنه فی دعاوى إزالة الشیوع فإن الأتعاب القانونیة لوکیل المدعی بوصفها جزءا من مصاریف الدعوى یتحملها المدعى علیه بینما توزع بقیة المصاریف على المدعیین (المدعى، والمدعى علیه) لانتفاء وجود خصم خاسر أو رابح فیها، إذ الکل یأخذ حصته من المال المشاع.
المبحث الثانی
الأساس القانونی للحکم بالمصاریف
اهتم الفقهاء ببحث أساس الحکم بمصاریف الدعوى منذ زمن بعید، ومع تطور الفکر القانونی واکتشاف النظریات، یحاول المختصون تأصیل أساس الحکم بالمصاریف فی ضوئها حتى تعددت الأسس التی قیلت بهذا الشأن.
ومن أجل دراسة هذه الأسس وتحاشیا للتعداد الممل قسمتها إلى أسس تقلیدیة وأسس حدیثة على النحو الآتی:
المطلب الأول
الأسس التقلیدیة
سندرس فی هذا المطلب ثلاثة من الأسس التی قیلت بشأن الأساس القانونی للحکم بالمصاریف وهی العقوبة والعقد القضائی أو شبه العقد وفکرة الخطأ. وذلک فی الفروع الثلاثة الآتیة:
الفرع الأول
العقوبة
یرى جانب من الفقه أن أساس الحکم بالمصاریف على المحکوم علیه هو العقوبة ذلک ان الهدف من الحکم بالمصاریف هو ردع المتقاضین وتخویفهم کی لا یثیروا أمام القضاء دعاوى کیدیة، وان العقوبة بما تتصف به من زجر وردع تعد عقبة فی وجههم ووسـیلة لمعاقبتهم فی حالة الالتجاء الى القضاء لإرضاء نزعاتهم الشریرة والتنکیل بخصومهم .
ویستند أصحاب هذا الأساس الى حجج تتلخص فی أن الصیاغة الامرة نصوص القانون التی تفرض على المحکمة الحکم من تلقاء نفسها بالمصاریف تضفی على حکمها طابع العقوبة، ولأن هذه المسألة تعد من النظام العام الذی یهدف الى ان یسود الاستقرار فی المجتمع، وان الدعوى الکیدیة یجب الا تمر دون عقاب لصاحبها، فضلاً عن ان مفهوم العقوبة لیس غریباً على قانون المرافعات ، فالکثیر من قواعده ما زالت تحمل هذا الطابع کالحکم بالغرامة فی حالة رفض طلب رد القاضی .
ان الطابع العقابی لهذا الأساس الذی لا یتلاءم مع علاقات القانون الخاص دفع البعض من مؤیدیه الى القول ان الحکم بالمصاریف هو عقوبة من النوع الخاص تهدف الى تهدید الخصوم وإیقاف ولعهم الى التخاصم حیث یترتب على خسارة الدعوى الحکم بالمصاریف وان هذا الأساس کفیل بتبصیر الخصوم مسبقاً بالنتیجة، فضلاً عن ان تبریر الحکم بالمصاریف بهذا الأساس یخفف الزخم فی المحاکم بمنعه الدعاوى التی ترفع بسوء نیة او بقصد کسب الوقت .
کما جاء فی تبریر هذا الأساس ان الحکم بالمصاریف یعد عقوبة مدنیة یتحملها المحکوم علیه لأنه وقع فی غلط عند تقدیره لمدى حقه او قیمته وتبین غلطه أمام القضاء، حیث تستلزم الدعوى نفقات وجب علیه ان یتحملها کعقوبة مدنیة ناشئة عن غلطه فی التقدیر الذی أدى الى خسارته الدعوى ومن ثم وضع عبء المصاریف على عاتقه .
لقد تعرض هذا الأساس للنقد لأنه یستند الى فکرة الخطأ وهذه الفکرة لا تنسجم مع استعمال الحق بصورة مشروعة من أجل الدفاع أمام القضاء فخسارة الدعوى فی حد ذاتها لا تعد عملاً غیر مشروع، ذلک ان من یدعی او یدافع بحسن نیة متصوراً صحة دعواه او دفاعه لا یصح معاقبته إذا خسر دعواه، کما ان العقوبة تفترض الحریة فی الفعل او الترک ولا یجوز القول ان کل فرد یکون حراً فی الالتجاء الى القضاء لأن الخصومة تفرض على المدعى علیه دون أن یکون له الخیار فی ذلک، علیه لا یمکن معاقبة إنسان على شیء لم یکن له اختیار فی فعله أو ترکه .
کما یؤخذ على هذا الأساس انه أخذ بفکرة الغلط فی التقدیر وهذا غیر صحیح لأن الحکم بالمصاریف یعتمد أساساً على واقعة الخسارة بذاتها بغض النظر عن أی خطأ وأیاً کانت النیة، فهذه المسألة لا یتطرق إلیها القاضی عند الحکم بالمصاریف .
ونعتقد ان هذا الأساس لا یصح الرکون إلیه لتبریر الحکم بالمصاریف على المحکوم علیه لأنه یخالف مبدأ دستوریاً عالمیاً یقضی بأنه لا جریمة ولا عقوبة إلا بنص، فضلاً عن ان فکرة العقوبة فی نطاق القانون الخاص أصبحت فکرة استثنائیة، یجب ان تفسر بکل دقة وفی نطاق ضیق دون محاولة القیاس علیها .
الفرع الثانی
العقد القضائی أو شبه العقد القضائی
یرى جانب من الفقه التقلیدی ان أساس الحکم بالمصاریف إما العقد القضائی أو شبه العقد، فبالنسبة للعقد القضائی فانهم یرون ان الخصومة المدنیة هی عبارة عن عقد قضائی ینعقد حینما یرتضی الخصوم تطبیق القانون على دعواهم بواسطة القضاء طبقاً للإجراءات التی یفرضها القانون، ویترتب على هذا العقد جملة من الالتزامات التعاقدیة منها الالتزام بالحضور وتقدیم الأدلة ووسائل الدفاع والالتزام بالبقاء فی الخصومة حتى صدور الحکم القضائی والخضوع له وتحمل نتائجه التی من بینها مصاریف الدعوى .
أما بالنسبة لشبه العقد فانها تقوم على الرضا الضمنی للخصوم الذی یستنتج من قبول المدعى علیه للخصومة وخضوع الخصوم لحکم القضاء وطاعتهم لأوامره وقراراته وأحکامه، مما یترتب على عاتق کل واحد من الخصوم التزامات منها ان الطرف الخاسر یتحمل مصاریف الدعوى .
یذکر أن للإجراءات الرومانیة أثر بالغ فی اتجاه الفقه الى عد العقد القضائی أو شبه العقد أساساً للحکم بالمصاریف، ذلک أن حضور الخصوم وموافقة المدعى علیه کانا أمرین ضروریین لانعقاد الخصومة، وقد کان بإمکان المدعى علیه منع انعقاد الخصومة إذا لم یوافق علیها .
لقد انتقد هذا الأساس لأن الحدیث عن العقد یقتضی أن یکون هناک رضا صادر عن الخصوم – إیجاب من المدعی وقبول من المدعى علیه – وهذا ما لا یتحقق فی الخصومة، فالمدعی لا یملک وسیلة للحصول على حقه فی حالة الاعتداء علیه سوى طلب الحمایة القضائیة، ولا یمکن تکییف هذا الطلب بالإیجاب، وأما المدعى علیه فان الخصومة تفرض علیه من المدعی فی الوقت الذی یختاره سواءً رضی أم أبى .
فضلاً عن ذلک فان الالتزامات التی ذکرها أنصار هذا الأساس مصدرها القانون ولیس لإرادة الخصوم دخل فیها، ذلک ان القانون یهتم بهذا التنظیم لتهیئة السبل الکفیلة بتحقیق إرادة القانون فی الدعوى المعروضة على القضاء، وإذا کانت المصاریف التزاماً یقع على عاتق المحکوم علیه بوصفه الخصم الخاسر، فلیس ذلک لأنه أثر للعقد القضائی أو شبه العقد، وإنما لأن القانون أنشأ هذا الالتزام وجعل من خسارة الدعوى مصدراً له دون أن یکون لإرادة الخصوم دخل فی ذلک .
الفرع الثالث
الخطأ
یرى أنصار هذا الأساس ان خسارة الدعوى دلیل على خطأ المحکوم علیه لهذا یجب ان یتحمل المصاریف لتعویض المحکوم له على الالتجاء الى القضاء للحصول على الحمایة القضائیة یصیبه بأضرار یلزم الخصم الخاسر تحملها .
ومع اتفاق مؤیدی هذا الأساس حول مفهوم الخطأ الذی یعد أساساً للحکم بالمصاریف، إلا انهم اختلفوا فی تصویره، فمنهم من یرى ان الحکم بالمصاریف أساسه الخطأ المفترض، لأن الخصم الخاسر یکون قد تسبب بخطئه فی إصابة غریمه بضرر تمثل فی إجباره على الإنفاق على دعواه، وانه یتحتم تعویضه عن هذه الأضرار بالحکم على الخاسر بالمصاریف التی یقدرها القانون بشکل جزافی فلا تشتمل على کل النفقات القضائیة، وإنما تشتمل على الضروریة منها مقابل إعفائه من إثبات خطأ الخاسر لأنه مفترض من جانبه . بینما صور البعض الآخر من مؤیدی هذا الأساس الخطأ بأنه الاستخدام السیء للحق الذی ینشأ عن واقعة الالتجاء الى القضاء، فالخصم الذی یلجأ الى القضاء ویفشل فی استعمال حقه یؤاخذ على استعماله السیء الناجم عن عدم الحیطة أو الإهمال، فالحکم بالمصاریف یکون نتیجة منطقیة للاستعمال السیء لحق التقاضی والدفاع، وان الحکم بالمصاریف لا یقتضی توافر نیة الإضرار وإنما استعمال لحق الدفاع والتقاضی فی غیر ما خصص له .
لقد تأثر القضاء فی بعض قراراته بهذا الأساس فقد قضت محکمة النقض المصریة (ان الشارع إنما ألزم الخصم الذی خسر دعواه لخصمه الآخر بمصاریف الدعوى اعتباراً بأنه هو الذی تنبغی مسألته عن هذه المصاریف کتعویض منازعته خصمته فی دعواه الحقة) .
کما قضت محکمة النقض الفرنسیة (ان الحکم بالمصاریف هو تعویض یفترض على المتقاضی الذی خسر طلبه أو قاوم مطالبة صحیحة) .
لقد تعرض هذا الأساس للنقد لأنه یضع قیداً على حریة استعمال حق التقاضی والدفاع، فالخصم الذی یتسم مسلکه فی الدعوى بالحرص وحسن التقدیر للأمور لا یعد مخطئاً بمجرد خسارته للدعوى، إلا إذا کان مسلکه ذا طابع تعسفی .
فضلاً عن ذلک فان الاستناد إلیه یقتضی إلزام الخصم الخاسر بتحمل الأضرار بالکامل دون أن یقتصر الحکم على النفقات الضروریة المحددة قانوناً والإبقاء على جانب کبیر منها على عاتق الخصوم کنفقات التنقل والسفر والإقامة وغیرها .
وذهب أحد الباحثین الى القول بأنه لا یمکن التسلیم بهذا الأساس والانتقادات الموجه إلیه بصورة مطلقة، وإنما یقتضی التمییز بین خسارة الدعوى لأسباب موضوعیة وخسارتها لأسباب إجرائیة، فان کانت الخسارة تعود الى أسباب موضوعیة فان الانتقادات التی وجهت الى هذا الأساس لها سند حیث خلط أنصاره بین المسؤولیة الناشئة عن استعمال حق التقاضی والدفاع فی حالة الخسارة التی تتمثل بتحمل المصاریف وبین التعسف فی استعمال هذا الحق الذی یترتب علیه التعویض، فلیس صحیحاً ما یدعیه مؤیدو هذا الأساس من ان حسم الدعوى یجعل أحد الأطراف رابحاً لأن الحق فی جانبه، والآخر خاسراً یتحمل المصاریف لأنه أخطأ فی دعواه، کما ان واقعة الخسارة بذاتها هی التی رتب المشرع بمقتضاها التزام المحکوم علیه بالمصاریف وهی بعیدة عن الخطأ، ولهذا فالحکم بالمصاریف على الخصم الخاسر یتم ولو کان حسن النیة، وإذا کانت الخسارة تعزى الى أسباب إجرائیة فان هذا الأساس یصح الاعتماد علیه لتبریر الحکم بالمصاریف، ذلک ان مخالفة الخصم لقواعد التقاضی وإجراءاته تؤدی الى الحکم ضده، ویکون أساس الحکم فی هذه الحالة لیس الخسارة بذاتها، وإنما الفعل الذی وقع من الخصم وترتب علیه انتهاء الخصومة دون الفصل فی موضوعها .
المطلب الثانی
الأسس الحدیثة
سنقوم فی هذا المطلب ببیان أساسین من الأسس التی قیلت بشأن أساس الحکم بالمصاریف وهما الالتزام القانونی وفکرة المخاطر ثم بیان الأساس الذی نعتقد أنه الأصح من تلک الأسس. وذلک فی الفروع الثلاثة الآتیة:
الفرع الأول
الالتزام القانونی
یرى جانب کبیر من الفقه ان الالتزام القانونی الذی یستند الى قواعد العدالة یعد أساساً للحکم بالمصاریف على الخصم الخاسر، فالقانون ینشیء التزاماً على المحکوم علیه لمصلحة المحکوم له بناءً على واقعة خسارة الدعوى سواءً أکان حسن النیة أم سیء النیة، وان کان فی الحالة الأخیرة لن یقتصر الحکم على المصاریف وحدها، وإنما یمکن ان یمتد لیشمل کل ما یعوض الخصم عن الأضرار التی إصابته من الخصومة .
ویلاحظ على هذا الأساس انه یطرح جانباً المفاهیم القدیمة التی تستند الى العقد أو شبه العقد والخطأ فی تبریر الحکم بالمصاریف ویقدم مفهوماً جدیداً یتفق بطریقة أفضل مع المفاهیم الحدیثة ذلک ان النفقات القضائیة تعد من مستلزمات التقاضی، وان مؤیدی هذا الأساس یرون ان من العدالة ان یتحملها المحکوم علیه لأن الأضرار التی تحدث بسبب النزاع یجب التعویض عنها .
تجدر الإشارة الى ان الالتزام بمصاریف الدعوى لیس هو الالتزام القانونی الوحید الذی یفرض على الخصوم، وإنما هناک العدید من الالتزامات القانونیة التی لا یمکن حصرها کالالتزام بدفع الرسم القانونی عن الدعوى والطعن وغیرها .
لقد حظی هذا الأساس بتأیید القضاء، فقد قضت محکمة النقض المصریة بأن (مصاریف الدعوى تکون مستحقة من مال الترکة غیر مقیدة بالبند الخاص بالنفاذ فی الثلث ذلک ان الالتزام بالمصاریف لا یستند الى الوصیة ذاتها بل الى سبب قانونی آخر هو التزام من یخسر الدعوى بمصاریفها قانوناً) .
کما قضت محکمة النقض الفرنسیة بأن (الحکم بالمصاریف المنصوص علیها بواسطة المادة (130) من قانون المرافعات یشکل تعویضاً مفروضاً بواسطة القانون على المتقاضی الخاسر) .
وبالرغم من تأیید جانب کبیر من الفقه لهذا الأساس واعتماده فی بعض الأحکام القضائیة، فانه لم یسلم من النقد فقد نفى جانب من الفقه صفة الالتزام القانونی عن مصاریف الدعوى ذلک ان النصوص القانونیة المنظمة للمصاریف القضائیة تخلو من الإشارة الصریحة أو الضمنیة الى کونه التزاماً قانونیاً، فضلاً عن ذلک فانه لا یمکن عد آراء الفقهاء وبعض أحکام القضاء سنداً وأساساً لهذا الرأی، لأن هذه الآراء والأحکام لا تتسم بالاستقرار وسرعان ما تتحول فی تأیید غیره من الأسس إذ أیدت فی بدایة الأمر أساس العقوبة ثم عدلت عنه الى غیره من الأسس ، کما ان إسناد الالتزام القانونی للمصاریف القضائیة على فکرة العدالة لا یمثل الحل العادل، إذ انه من المنطقی ان یتحمل الخصم الخاسر المصاریف التی تسبب فیها، فضلاً عن ذلک فان الکثیر من قواعد المرافعات تستند الى فکرة العدالة ، فمثلاً تحدید القواعد العامة الاختصاص المکانی للمحکمة بموطن المدعى علیه تعد احدى قواعد العدالة لأنه لا یجوز إجبار المدعى علیه على الذهاب الى محکمة بعیدة للدفاع عن حقه أو مرکزه القانونی .
ونعتقد ان هذه الانتقادات محل نظر لأن القانون عندما یرید انشاء الالتزام ما یکتفی بإیراد النص الدال علیه دون حاجة الى إیراد نص صریح على قانونیة هذا الالتزام، وإذا أمعنا النظر الى قاعدة الحکم بالمصاریف على المحکوم علیه، سنجد ان هذه القاعدة تفرض التزاماً على الخاسر بمناسبة حصول واقعة الخسارة للدعوى، ومن أجل تعویض المحکوم له عن النفقات القضائیة التی اضطر الى انفاقها على دعواه .
الفرع الثانی
فکرة المخاطر
یرى جانب من الفقه ان فکر المخاطر هی أساس الحکم بالمصاریف على المحکوم علیه، ذلک ان المسؤولیة الناشئة عنها تستند الى عنصری الضرر والنشاط الذی تسبب فیه، وبحسب وجهة نظر أصحاب هذا الرأی فان الضرر یتمثل فی مصاریف الدعوى التی حددها القانون کتعویض یتحمله الخصم الخاسر، وأما عنصر النشاط فانه یتمثل بتمسک الخصم بموقفه أمام القضاء معتقداً فی صحته ولدیه من المبررات المعقولة التی تؤید صحة اعتقاده، فإذا خسر الدعوى، فان هذه الخسارة کافیة للحکم علیه بالمصاریف .
ونرى ان هذا الأساس یتفق مع المفهوم الحدیث لفکرة المخاطر التی تجاوزت معیار المنفعة، فلم یعد صحیحاً القول ان الخصم الخاسر یتحمل المصاریف مقابل المزایا التی سیحصل علیها إذا حکم لمصلحته، کما ان التعویض على أساس المخاطر أصبح ینهض على فلسفة تعتقد ان هدف المسؤولیة لیس مجازاة المخطئ، وإنما مساعدة المضرور عن طریق تقدیم العون له دون الالتفات الى کون محدث الضرر مخطئاً أم لا، فالاعتماد على فکرة توزیع الأضرار بین الفاعل والضـحیة یجعل التعویض جزئیاً بدلاً من ترکه على عاتق أحدهما .
وإذا کان الخطأ بوصفه أساساً للحکم بالمصاریف لا یتطابق مع المبادئ التی تنظم الحکم بمصاریف الدعوى ولاسیما إذا کان الخصم الخاسر حسن النیة، فان فکرة المخاطر تنسجم مع تلک المبادئ، ذلک ان الخصم الخاسر سواء أکان حسن النیة ام سیء النیة یجب ان یتحمل تبعة نشاطه مقابل المزایا التی کان من الممکن أن یحصل علیها لو حکم لمصلحته، وان التبعة تتمثل فی مصاریف الدعوى التی وجد القانون أن من العدل ان توضع على عاتق المحکوم علیه بدلاً من ان تترک على عاتق المحکوم له .
ان الطابع الجزافی للمصاریف یعد من الأدلة على الأخذ بفکرة المخاطر بوصفها أساساً للحکم بالمصاریف، ذلک ان الخصم الخاسر لا یتحمل کل نفقات الدعوى، وإنما یتحمل المصاریف الضروریة واللازمة قانوناً لرفع الدعوى والسیر فیها، مما یقتضی ان نفقات الدعوى لا تدخل جمیعها ضمن المصاریف، وهو ما یشبه الطابع الجزافی للتعویض الناشئ عن حوادث العمل الذی ینهض على فکرة المخاطر .
وبالرغم من صحة مبررات هذا الأساس، إلا انه لم یسلم من النقد، فقد انتقد هذا الأساس لأن فکرة المخاطر ما زالت محل جدل فی الفقه، وان الأخذ بها یمثل العودة الى الوراء لأن القانون بحاجة الى نظریات واضحة ولیس الى نظریات ذات طابع فلسفی غیر محدد فضلاً عن ان هذا الأساس یقضی على المفهوم الفردی للقانون .
ان من الصحیح القول ان هذه الانتقادات لا تمس صمیم هذا الأساس ولا تؤثر فی سلامته، ویمکن الرد علیها وتفنیدها ذلک ان تبنی فکرة المخاطر لا تمثل العودة الى الوراء، وإنما تمثل تطوراً بالغ الأهمیة، وإذا کانت قرائن الخطأ قد لطفت الکثیر من عیوب المسؤولیة المبنیة على الخطأ، فانها أبعد من أن تواجه کل الحالات التی تطبق فیها فکرة المخاطر، وان تتبنى الکثیر من التشریعات هذه الفکرة لدلیل على إمکانیة التسلیم بصحة الحلول التی تقدمها هذه الفکرة .
الفرع الثالث
الأساس الصحیح
ان من الصحیح القول ان واقعة خسارة الدعوى واقعة مشروعة لأنها تنشأ نتیجة استعمال الحقوق الإجرائیة التی لا تثیر مسؤولیة الخصم إلا فی حالة التعسف، وإنما تنهض مسؤولیة الخصم الخاسر عن المصاریف من جراء الضرر والنشاط الذی تسبب فیه وهو ما تقوم علیه فکرة المخاطر، فضلاً عن ان القاعدة التی تفرض على الخصم الخاسر تحمل المصاریف تتضمن التزاماً قانونیاً سببه واقعة خسارة الدعوى مما یعنی ان الأساس الصحیح لتحمل الخصم الخاسر مصاریف الدعوى هو أساس الدمج بین الالتزام القانونی وفکرة المخاطر .
ان اعتماد الدمج بین الالتزام القانونی وفکرة المخاطر بوصفهما معاً أساساً للحکم بالمصاریف على الخصم الخاسر، تغنی عن الاستناد الى فکرة الخطأ لتبریر الحکم بالمصاریف ولاسیما انها تتناقض مع الاستعمال الشرعی للحق الإجرائی، کما ان فکرة الالتزام القانونی لوحده کأساس للحکم بالمصاریف عجزت عن تفسیر السبب الذی من أجله وضع القانون هذا الالتزام على عاتق الخصم الخاسر بعد أن تبین ان فکرة العدالة لیست أساساً لقاعدة الحکم بالمصاریف حصرا وإنما هی أساس لکل قواعد القانون . فضلاً عن ان الأفکار التی تستند الى العقد والعقوبة لتبریر الحکم بالمصاریف لم تطرح تفسیراً مقبولاً لهذه القاعدة .
ویرى أحد الباحثین ونؤیده فی ذلک ان التفسیر الذی تقدمت به فکرة المخاطر سلیم ویتفق مع مبادئ الحکم بالمصاریف ذلک ان من یستعمل حقاً خوله إیاه القانون دون تعسف لا یسأل عن هذا الاستعمال إلا فی حالة خسارة الدعوى عن تعویض محدد قانوناً یتمثل فی مصاریف الدعوى، وان هذا الطابع المحدد للحکم بالمصاریف یتفق وطبیعة التعویض الجزئی الذی تدعو إلیه فکرة المخاطر، وفی الوقت نفسه فان الخصم الخاسر لا یستطیع دفع مسؤولیته عن مصاریف الدعوى إلا بإثبات عدم صلته بالنزاع أو وقوعه بصورة تعسفیة من غریمه وان محاولته لنفی خطئه لا تجدی نفعاً لأنه سیحکم علیه بالمصاریف سواءً أکان مخطئاً أم غیر مخطئ .
ان الأخذ بهذا الأساس المزدوج یصح لتفسیر مسؤولیة ناقص الأهلیة أو عدیمها عن المصاریف لأنها تقیم المسؤولیة استناداً الى الضرر والنشاط الذی تسبب فیه وخسارته للدعوى دون حاجة الى ثبوت خطئه بینما لو کانت المسؤولیة على أساس الخطأ لعجزت عن تفسیر هذه المسؤولیة لأن المسؤولیة على أساس الخطأ تتطلب توافر عنصر الادراک الذی یحتاج بدوره الى التمییز وهذا ما یفتقده ناقص الأهلیة وعدیمها.
الخاتمة :
وتتضمن النتائج والتوصیات الآتیة:
أولا: النتائج.
ثانیا: التوصیات.
The Author declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English) and References (French)
Arabic.
1. Ibrahim Mustafa, Ahmed Hassan Al-Zayat, Hamed Abdel-Qader and Muhammad Ali Al-Najjar, the Medieval Dictionary, supervised by Abdulsalam Haroun, C2, Egypt Press, Egypt, 1961.
2. Dr. Ahmed Zaki Badawi, Dictionary of Legal Terms, I 1, Egyptian Book House, Cairo, 1989.
3. Upholstered in Language and Science, I 38, Dar Al-Mashreq, Beirut, 2000.
Second: Legal.
1. Dr. Ibrahim Amin Al-Nafiaoui, The Responsibility of the Opponent for the Actions, i 1, without mentioning the name of the printing press and place of printing, 1991.
2. Dr. Ibrahim Naguib Saad, Special Judicial Law, C2, Knowledge Establishment, Alexandria, without mentioning the year of publication.
3. Agyad Thamer Al-Dulaimi, The symptoms of the civil lawsuit, the Arab Generation Library, Mosul, 2002.
4. Dr. Ahmed Abu Al Wafa, Civil and Commercial Pleadings, I 14, Al Ma'aref Establishment, Alexandria, 1987.
5. Dr. Ahmed Abu Al-Wafa, Theory of Judgments in the Law of Pleadings, No. 5, Knowledge Establishment, Alexandria, 1985.
6. Dr. Adham Wahib al-Nadawi d. Said Abdul Karim Mubarak, Civil Proceedings, without mentioning the name of the printing press, Baghdad, 1984.
7. Dr. Adham Wahib al-Nadawi, Civil Proceedings, without mentioning the name of the printing press, Baghdad, 1988.
8. Attorney Jalal Abbas, Explanation of the Jordanian Civil Procedure Law No. 24 of 1988, Dar Al Shaab Press, Amman, 1989.
9. Jamal Mouloud Dheban, The Rules of the Health and Justice of the Judicial Judiciary in the Civil Case, Dar Al-Sha'an Al-Khawan, Baghdad, 1992.
10. Dr. Saadoun Naji Al-Qashtini, Explanation of the provisions of the Law of Pleadings, C1, I 3, Al-Ma'aref Press, Baghdad, 1979.
11. Dr. Sulayman Al-Tahawi, Compensation and Ways of Challenging Rulings, Dar Al-Fikr Al-Arabi, Egypt, 1974.
12. Diaa Shit Khattab, Al-Wajiz in explaining the Civil Procedure Law, Al-Ani Press, Baghdad, 1973.
13. Dr. Abbas Aboudi, Explanation of the provisions of the Code of Civil Procedure, Dar al-Kitb for printing and publishing, Mosul, 2000.
14. Abdel Moneim El-Sharkawy, Explanation of Civil and Commercial Procedures Law, Cairo, 1950.
15. Dr. Fares Al-Khoury, Principles of Jurisdiction, II, Dar Al-Arabiya, Amman, 1987.
16. Dr. Fathi Wali, Mediator in the Civil Judiciary Law, Dar al-Nahda al-Arabiya, Egypt, 1987.
17. Dr. Mohamed El Ashmawy and Abdel Wahab El Ashmawy, Rules of Procedure in Egyptian and Comparative Legislation, C2, The Model Printing Press, Egypt.
18. Medhat al-Mahmoud, Explanation of Civil Procedure Law, No. 83 of 1969 and its practical applications, I, without mentioning the name of the printing press, Baghdad, 2005.
19. Dr. Wagdy Ragheb, Principles of Civil Debate, I 1, Dar Al-Fikr Al-Arabi, without mentioning the place of printing, 1978.
Third: University Letters and Magazines.
1. Ammar Saadoun Al Mashhadani, Urgent Judgment, Master Thesis submitted to the Council of the Faculty of Law, Mosul University, 2000.
2. Judicial Sentence Group, issued by the Iraqi Ministry of Justice, No. 2, seventh year, 1976.
3. Judicial Bulletin, issued by the Iraqi Ministry of Justice, the first issue, the fourth year.
Fourth: Laws.
1. Iraqi Civil Procedure Law No. 83 of 1969.
2. Iraqi Criminal Procedure Code No. 23 of 1971.
3. Iraqi Law No. 173 of 1965.
4. Iraqi Judicial Fees Law No. 114 of 1981.
5. Egyptian Civil and Commercial Procedures Law No. 13 of 1968.
6. Jordanian Civil Procedure Law No. 24 of 1988.
7. French Civil Procedure Code No. 1123 of 1975.
Fifth: unpublished decisions.
1. The decision of the Iraqi Court of Cassation No. (1247/1997) on 16/8/1997.
2. The decision of the Court of Cassation of Iraq No. (687/1999) on 17/3/1999.
Sixth: French sources.
1. Berriat-saintprix, coursdeproc, civ, t, 1, 1940.
2. christiane loyer - larher, l, ar ticie, 700 du, nouveaucde, D, 1977.
3. E-maupoint, Le contract Judiciaire, Paris, 1963.
4. Glasson, tissier, morel, tr, de proc, t. 3.
5. Gmandriol, Larapper senentza net processo civile torino, 1959.
6. H. Solus et R. Perrot, Droit Judiciaier prive, 1964.
7. Hugueney, Lanotion de peine privee, these dijon, 1980.
8. Jean Vincent et serge, guinchard civile, delloz, paris, 1999
9. L. Cremieun, Precis theorigue et protique deproc, civ, 1924.
10. P. Guithaumaud, L'abusdes voies de droit, Paris, 1987.