الملخص
یعد عقد الزواج من أجل العقود وأعظمها شاناً وقد سماه الله لذلک میثاقاً غلیظاً، وجعله رابطاً مقدساً، ولذا فقد أحاطه بالرعایة التامة فی مراحله المختلفة، فمنذ أن یکون خاطراً فی الذهن ومروراً بمرحلة الخطبة إلى انعقاده وقیامه فی الواقع، وکذلک حالة انحلاله وانتهائه. کما میزه من غیره من العقود بأن جعل له مقدمتین ضرورتین، وهاتان المقدمتان هما: التخییر والخطبة . ففی مرحلة التخییر أباح الإسلام للخاطب أن ینظر إلى مخطوبته إذا کان إنما ینظر إلیها لخطبة.أما المقدمة الثانیة - مجال بحثنا - وهی الخطبة، التی تستمد أهمیتها من کونها مرحلة سابقة على عقد الزواج ومقدمه من مقدماته. ففی الخطبة یمکن تجنب عاقبة التسرع فی الإقدام على الارتباط بالزواج، وبذلک تکون حیاة الزوجین أکثر استقراراً، کما أنها تهیئ الظروف لإطلاع طرفی الخطبة عما قد یکون هناک من تنافر فی الطباع بین الطرفین من عدمه فضلاً عن إتاحة الفرصة للکشف عما قد یکون من موانع تمنع ارتباط طرفی الخطبة بالزواج مستقبلا
الكلمات الرئيسة
الموضوعات
أصل المقالة
الطبیعة القانونیة للخطبـة دراسة مقـارنـة-(*)-
The Legal Nature of the Engagement A Comparative Study
عز الدین مرزا ناصر المعهد التقنی / الموصل Iez AlDeen Merza Naser Technical Institute / Mosul Correspondence: Iez AlDeen Merza Naser E-mail: |
(*) أستلم البحث فی //*** قبل للنشر فی //.
(*) Received on *** accepted for publishing on .
Doi: 10.33899/alaw.2005.160460
© Authors, 2005, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
مقدمة :
الحمد لله رب العالمین والصلاة والسلام على أشرف المرسلین سیدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن دعى بدعوته وسار على نهجه إلى یوم الدین…وبعد…
یعد عقد الزواج من أجل العقود وأعظمها شاناً وقد سماه الله لذلک میثاقاً غلیظاً، وجعله رابطاً مقدساً، ولذا فقد أحاطه بالرعایة التامة فی مراحله المختلفة، فمنذ أن یکون خاطراً فی الذهن ومروراً بمرحلة الخطبة إلى انعقاده وقیامه فی الواقع، وکذلک حالة انحلاله وانتهائه. کما میزه من غیره من العقود بأن جعل له مقدمتین ضرورتین، وهاتان المقدمتان هما: التخییر والخطبة . ففی مرحلة التخییر أباح الإسلام للخاطب أن ینظر إلى مخطوبته إذا کان إنما ینظر إلیها لخطبة.أما المقدمة الثانیة - مجال بحثنا - وهی الخطبة، التی تستمد أهمیتها من کونها مرحلة سابقة على عقد الزواج ومقدمه من مقدماته. ففی الخطبة یمکن تجنب عاقبة التسرع فی الإقدام على الارتباط بالزواج، وبذلک تکون حیاة الزوجین أکثر استقراراً، کما أنها تهیئ الظروف لإطلاع طرفی الخطبة عما قد یکون هناک من تنافر فی الطباع بین الطرفین من عدمه فضلاً عن إتاحة الفرصة للکشف عما قد یکون من موانع تمنع ارتباط طرفی الخطبة بالزواج مستقبلاً. ونظراً لأهمیة هذا الموضوع ووجود أسباب أخر دعتنا لاختیاره منها، تقییم التشریع إذ أن قانون الأحوال الشخصیة العراقی لم یعالج الخطبة من حیث طبیعتها والآثار المترتبة علیها بما یتناسب مع أهمیتها، کمقدمة لأجل العقود شاناً. فضلاً عما ذهب إلیه معظم الفقهاء، إن لم نقل کلهم إلى عد الخطبة وعداً غیر ملزم للزواج. إن هذا التکییف یتطلب إعادة نظر وفق منظور جدید یتناسب مع طبیعتها الحقیقیة لأن الخطبة والوعد بالتعاقد مفهومان مختلفان شکلاً ومضموناً عن بعضهما. کما سیتضح لنا من خلال هذه الدراسة.
لقد اختلف فقهاء الشریعة الإسلامیة فی وجوب الخطبة، فقال الجمهور إنها لیست واجبة، وقال داؤد الظاهری - شیخ ابن حزم الظاهری الأندلسی- هی واجٍبة،- "ووافقهم من الشافعیة أبو عوانة وترجم فی صحیحه" باب وجوب الخطبة عند العقد" وسبب الخلاف هل یحمل فعل النبی صلى الله علیه وسلم على الوجوب أو على الندب. " فعن سهل بن سعد الساعدی رض الله عنه قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله علیه وسلم فقالت: یا رسول الله جئت أهب لک نفسی، فنظر إلیها رسول الله صلى الله علیه وسلم فصعد النظر فیها وصوبه ثم طأطأ رسول الله رأسه فلما رأت المرأة أنه لم یقض فیها جلست، فقام رجل من الصحابة فقال: یا رسول الله إن لم تکن لک بها حاجة فزوجنیها فقال: "فهل عندک من شیء؟" فقال: لا والله یا رسول الله …". وقد دل الحدیث على مسائل عدیدة … التاسعة: أنها لا تجب الخطبة للعقد لأنها لم تذکر فی شیء من طرق الحدیث وتقدم أن الظاهریة تقول بوجوبها وهذا یرد قولهم".
یعد معظم الفقه الإسلامی والفقه القانونی الخطبة وعداً غیر ملزم بالزواج. فقد ذکر أحد الفقهاء أن الخطبة لیست أکثر من وعد بالتزوج. وقال فقیه أخر أن"الخطبة لیس عقداً، وإنما هی مجرد وعد بالزواج، وهذا الوعد لیس ملزماً- من الناحیة القضائیة -لأی من الطرفین بإمضاء العقد. بل أن لکل طرف منهما العدول عنها متى شاء، سواء کان ذلک بسبب أو بدونه ". وذکر فقیه أخر أن " الخطبة: وعد بالزواج وفق الضوابط الشرعیة والعرفیة ولا تسری علیها أحکام العقد". حیث یقول الدکتور عبد الرزاق السنهوری "الخطبة، أو الوعد بالزواج لیست عقداً ملزماً لأنه لا یجوز أن یتقید شخص بعقد أن یتزوج من شخص معین ، فمثل هذا التقیید یکون مخالفاً للنظام العام".
یتضح مما تقدم أن الفقهاء عندما کیفوا الخطبة عدوها وعداً بالزواج ومساویة له ورتبوا الآثار القانونیة والشرعیة على هذا التکییف.
أما فیما یتعلق باسترداد الهدایا التی یقدمها أحد الخطیبین للأخر بسبب العدول عن الخطبة، فقد عالجتها الفقرة (3) من المادة (19) من قانون الأحوال الشخصیة العراقی النافذ التی تنص على أنه " تسری على الهدایا أحکام الهبة" وبالرجوع إلى أحکام الهبة فی القانون المدنی العراقی نجد أنه قد نظم کیفیة استرداد الهدایا التی تقدم فی الخطبة بعد العدول عنها والذی ینص على أن "الهبات والهدایا التی تقدم من أحد الخطیبین للأخر، أو من أجنبی عنهما لأحدهما أو لهما معاً ، یجب أن یردها الموهوب له للواهب إذا فسخت الخطبة وطلب الواهب الرد ما دام الموهوب قائماً وممکناً رده بالذات".وعلیه فانه یحق للمهدی استرداد الهدایا إذا کانت قائمة بعینها فان هلکت أو استهلکت فلیس له استرداد قیمتها ما لم یکن هناک مانع من الرجوع بالهبة وذلک لأن قانون الأحوال الشخصیة قد أحال المنازعات التی قد تحصل عن المطالبة برد الهدایا بعد العدول عن الخطبة إلى أحکام القانون المدنی. وبدورنا نؤید ما ذهب إلیه أحد الفقهاء إلى أنه"لا یصح قیاس هدایا الخطبة على الهبة لاختلافهما من حیث اللزوم والغایة وحالات الرجوع وموانعه".
أما فیما یتعلق بالقواعد العامة التی یمکن اعتمادها فی مسألة العدول عن الخطبة ، هی قاعدة "لا ضرر ولا ضرر" وقاعدة "الجواز الشرعی ینافی الضمان ، فمن استعمل حقه استعمالا جائزاً لم یضمن ما ینشأ عن ذلک من ضرر"، والقاعدتان مأخوذتان من الفقه الإسلامی.
فإذا أعملنا القاعدة الأولى کان القرار وجوب التعویض عن الضرر الذی یصیب أحد الطرفین أما إذا أعملنا القاعدة الثانیة فإنه لا مسؤولیة على أی من الخاطبین تجاه الأخر، لأن التعویض یعد شیئاً من الإکراه على إتمام عقد الزواج، وهو لا یتفق مع ما یجب أن یکون علیه عقد الزواج من إیجاب من أحد العاقدین وقبول الأخر، فضلاً عن أن معظم نصوص قوانین الأحوال الشخصیة العربیة ومنها القانون العراقی والقانون الأردنی لم تتعرض لأثار الخطبة ولما یترتب على العدول عنها من جزاء ، لهذا کان من الطبیعی أن یختلف الفقهاء فی هذه المسالة اختلافاً کبیراً، وهی من المسائل المهمة التی واجهت الفقه والقضاء.
أما عن موقف القضاء العراقی من مسالة العدول عن الخطبة فلم نجد قرارات قضائیة تعالج مسألة الضرر الذی یلحق بأحد الخطیبین من جراء العدول عن الخطبة، فی حین أن القضاء المصری قد استقر على مبادئ فی هذا الشأن سنتعرض لها عند بحثنا لهذه المسالة فی أثناء هذا البحث.
وبالعودة إلى قانون الأحوال الشخصیة العراقی الذی تنص فیه المادة (3/2) على أن "الوعد بالزواج وقراءة الفاتحة لا تعتبر عقداً"، یتضح من خلال النص أن الخطبة لا تکون زواجاً ولا تعد وعداً بالزواج کما ذهب إلیه معظم الفقه والقضاء - فی عدها وعداً بالزواج- لذلک یتبین لنا أن الربط التام بین الخطبة والوعد بالزواج تعوزه الدقة والوضوح وإعادة نظر، لأن الخطبة لها سمات ومقومات وآثار خاصة بها تختلف من الوعد بالتعاقد. فما هی طبیعتها إذن ؟
إن الإجابة عن هذه الأسئلة تستلزم منا بیان الطبیعة القانونیة الصحیحة للخطبة من خلال دراسة تحلیلیة لها وهذا ما سنعالجه فی ثلاثة مباحث نتناول فی الأول التعریف بالخطبة ثم فی المبحث الثانی تمییز الخطبة من الوعد بالزواج ثم فی المبحث الثالث الطبیعة القانونیة للخطبة والأثر المترتب على تلک الطبیعة.
المبحث الأول
التعریف بالخطبة وبیان حقیقتها
لمعرفة الطبیعة القانونیة للخطبة یقتضی الأمر التعرف قبل ذلک على ماهیة الخطبة وبیان حقیقتها شرعاً وعرفا وقانوناً فضلاً عن الحکمة من تشریعها، وعلیه سوف تقتصـــــر دراستنا فی هذا المبحث على الأمور الآتیة:
المطلب الأول: تعریف الخطبة لغة وشرعاً.
المطلب الثانی: حکم الخطبة فی القانون.
المطلب الأول
تعریف الخطبة لغة وشرعاً
أولا: الخطبة فی اللغة :
للخطبة عدة معانٍ: الخطب – بکسر الخاء- :الذی یخطب المرأة. وهی خطبه التی یخطبها، والجمع أخطاب. والعرب تقول فلان خطب فلانه إذا کان یخطبها.
ورجل خطاب: کثیر التصرف فی الخطبة. واختطب القوم فلاناً إذا دعوه إلى تزویج صاحبتهم. وقوله فی الحدیث : نهى أن یخطب الرجل على خطبة أخیه. قال: هو أن یخطب الرجل المرأة فترکن إلیه ویتفقا على صداق معلوم ویتراضیا، ولم یبقَ إلا العقد. وفی الحدیث : أنه لحری إن خطب أن یخطب أی یجاب إلى خطبته. ویقال: خطب فلان إلى فلان فخطبه وأخطبه أی أجابه.
ثانیاً: الخطبة لدى فقهاء الشریعة الإسلامیة وحکمة تشریعها:
1. الخطبة فی الشریعة الإسلامیة:
لم یرد تعریف للخطبة لا فی القرآن ولا فی السنة النبویة الشریفة إنما عرفها فقهاء الشریعة الإسلامیة تعاریف شتى اتفقت معانیها وتقاربت مبانیها ، وعلى هذا الأساس عرفها بعض فقهاء الشریعة على أنها "الذکر الذی یستدعی به إلى عقد النکاح". کما عرفت بأنها "إعلان رغبة الرجل فی الزواج من امرأة بعینها". وقد عرفها أحد الفقهاء بأنها: "المفاوضة لعقد نکاح شرعی صحیح بین رجل وامرأة خالیین من الموانع".
یتضح من التعاریف السابقة ، أن الخطبة مقدمات وتمهید لعقد الزواج ولیست عقد الزواج، لان الأخیر له شروطه واحکامه الخاصة المختلفة عن الخطبة.
استناداً الى ما تقدم یمکن تعریف الخطبة - بکسر الخاء - بأنها: عقد تمهیدی مؤقت، غایتها التحضیر والتهیئة بحسن نیة لإبرام عقد الزواج.
2. حکمة تشریع الخطبة:
إن الخطبة بوصفها من مقدمات الزواج وتمهیداً له لا تخلو عن حکمة بالغة، وهی تحقیق أهداف الزواج المرجوة من استمراره ، وتوافر المحبة والمودة فیه، وهذا ما أکده حدیث النبی صلى الله علیه وسلم من قوله للمغیرة بن شعبة - رضى الله عنه - عندما أخبره عن خطبته لامرأة من الأنصار. قال: أتیت النبی صلى الله علیه وسلم فذکرت له امرأة أخطبها، فقال:"اذهب فانظر إلیها فإنه أجدر أن یؤدم بینکما" أی تدوم المودة بینکما. ویجمع الله بینکما فی خیر. وهذا فی النظر عن بعد، فکیف به إذا حدث عن قرب المجالسة والمحادثة، عند ذلک تکون فترة الخطبة مجالاً مناسباً للتعارف والاستئناس، مما یوفر الاستقرار النفسی لدى کل من الخاطبین، فیقدم على إتمام العقد عن بصیرة من الطرفین وأهلهما. مما یؤدی إلى دوام العشرة الزوجیة بینهما والانسجام التام. کما قد تکون الحکمة من الخطبة الإشهار حتى یعلم أکبر عدد ممکن من الناس بما نواه الخاطبان فقد یکون هناک مانع قد یکشف عنه من یعلم بهذه الخطبة.
المطلب الثانی
حکم الخطبة فی القانون
إن معظم قوانین الأحوال الشخصیة العربیة ومنها قانون الأحوال الشخصیة العراقی لم یحددوا طبیعة الخطبة بشکل دقیق إذ تنص الفقرة (3) من المادة (3) منه على أن"الوعد بالزواج وقراءة الفاتحة والخطبة لا تعتبر عقداً" کما تنص المادة (3) من قانون الأحوال الشخصیة الأردنی على أنه "لا ینعقد الزواج بالخطبة ولا بالوعد ولا بقراءة الفاتحة ولا بقبض أی شیء على حساب المهر ولا بقبول الهدیة".
وبالعودة إلى الفقرة (2) من المادة الأولى من قانون الأحوال الشخصیة العراقی التی تنص على أنه " إذا لم یوجد نص تشریعی یمکن تطبیقه فیحکم بمقتضى مبادئ الشریعة الإسلامیة الأکثر ملائمة لنصوص هذا القانون". نلاحظ أن هذا القانون قد أحال القاضی إلى مبادئ الشریعة الإسلامیة، عند خلوه من نص ملائم.
یتضح من خلال استعراضنا للخطبة من النواحی القانونیة والقضائیة والفقهیة والأسس التی تقوم علیها أن هناک اختلافاً واضحاً بین الخطبة والوعد بالتعاقد، وان الفقه قد تجاهل ما تتمتع به الخطبة من خصوصیات، وأن الربط التام بین الخطبة والوعد بالتعاقد تعوزه الدقة والوضوح ویحتاج إلى تصویب وإعادة نظر. فضلاً عن ظهور أفکار جدیدة شاع انتشارها وتداولها لدى الفقهاء المعاصرین تعد الخطبة تمهیداً لعقد الزواج ومقدمة له، کما ذهب البعض إلى وصف الخطبة " بحکم طبیعتها وتکیفها الشرعی… مقدمة من مقدمات الزواج ومرحلة ممهدة له وسابقة على إبرامه… وأن خطورة عقد الزواج وعظم شأنه وجلیل آثره، وکل عقد من هذا القبیل یسبقه مقدمات ومفاوضات فی المطالب والرغبات"، وموقف الشریعة الإسلامیة من أن الخطبة لا تکون زواجاً، ولا تعد عقداً فما هی إذن طبیعتها؟ هل هی وعد بالتعاقد، کما کیفها غالبیة الفقهاء؟ أم أنها اتفاق له سمات ومقومات خاصة به. هذا ما سنعالجه فی المبحثین الآتیین.
المبحث الثانی
تمییز الخطبة من الوعد بالزواج
یعد التمییز بین الخطبة والوعد بالزواج لدى البعض أمرا فیه خروج عما اتفق علیه الفقه الإسلامی والقانونی الذی اعتبر الخطبة وعداً بالتعاقد. إلا أنه عند دراسة الخطبة والوعد بالتعاقد بمفهومهما الفقهی والقانونی سیتضح لنا أن هناک فرقاً واضحاً بین هذین المفهومین لذلک قسمنا هذا المبحث إلى مطلبین کما یأتی:
المطلب الأول : الوعد بالتعاقد
المطلب الثانی : تمییز الخطبة من الوعد بالتعاقد
المطلب الأول
الوعد بالتعاقد
لتوضیح الوعد بالتعاقد یقتضی الأمر، التعریف به وبیان أنواعه ، وشروطه، وأثاره. فی الشریعة الإسلامیة أولاً ثم سنعالج أحکامه فی القانون ثانیا.
أولاً: الوعد بالتعاقد فی الفقه الإسلامی:
الوعد بالتعاقد هو"الإخبار عن إنشاء الممیز شیئاً فی المستقبل، کما لو قال شخص لآخر: سأدفع لک المهر لو تزوجت"، کما عرفه الدکتور عبد الرزاق السنهوری بأنه" ما یفرضه الشخص على نفسه لغیره بالإضافة إلى المستقبل لا على سبیل الالتزام فی الحال". فالوعد یختلف فی معناه عن العقد، لأن العقد هو إنشاء التزام فی الحال نتیجة ارتباط الإیجاب بالقبول.
"الأصل فی الوعد أنه لا یلزم صاحبه قضاء وإن کان الوفاء به مطلوباً دیانة"، لأن الوفاء بالوعد من مکارم الأخلاق ومن الصدق والأیمان. واختلفوا فی وجوب الوفاء به قضاء فذهب جمهور الفقهاء على أن الوعد ملزم دیانة لا قضاء، فإذا وعد شخص ثم رجع فی وعده ولم یفِ به، لم یجبر قضاء، والواعد بالخیار بین الوفاء بوعده من عدمه.
وللمالکیة فی الوفاء بالوعد أربعة أقوال: أولها أنه ملزم فی جمیع الأحوال ما لم یفلس الواعد أو یمت. والثانی أن الوعد غیر ملزم ولا یقضى به فی أیة حال. والثالث أنه إن کان على سبب، دخل الموعود فی السبب أو لم یدخل. أما القول الرابع فالوعد یعد ملزماً إن کان على سبب ودخل الموعود من أجل السبب أو لم یدخل. ونورد مثالاً یوضح القولین الأخیرین: یعد شخص آخر بمبلغ من المال لیعینه على الزواج، فهذا الوعد ملزم للواعد، تزوج الموعود أو لم یتزوج على القول الثالث، وهو ملزم للواعد بشرط أن یکون الموعود قد تزوج على القول الأخیر.
ثانیاً: الوعد بالتعاقد فی القانون:
الوعد بالتعاقد "عقد یلتزم فیه أحد الطرفین (أو کلاهما) بإبرام عقد فی المستقبل إذ أظهر الموعود له رغبته فی ذلک خلال المدة التی قد یتفق علیها".
یتضح من خلال التعریف أن الوعد بالتعاقد وسط بین الإیجاب والتعاقد النهائی. فالوعد بالتعاقد – بالبیع مثلاً- یلتزم بان یبیع الشیء الموعود ببیعه إذا أبدى الطرف الأخر رغبته فی الشراء . یعد هذا أکثر من إیجاب ، لانه إیجاب قد اقترن به القبول فهو عقد کامل . ولکن کلا من الإیجاب والقبول لم ینصب إلا على مجرد الوعد بالبیع لذلک یعد الوعد بالتعاقد خطوة نحو التعاقد النهائی.
1- أنواع الوعد بالتعاقد:
یکون الوعد بالتعاقد على نوعین: إما أن یکون ملزماً لجانب واحد. کالوعد ببیع منزل یرغب شخص یسکنه فی شرائه ولا یملک ثمنه فیتفق مع مالکه على أن یبیعه له بثمن معین إذا أبدى رغبته فی شرائه خلال مدة معینه یتفق علیها. إن هذه الحالة تعد وعداً بالبیع یلتزم بمقتضاه المالک قبل الطرف الأخر فإذا أبدى الأخیر رغبته فی الشراء، تم بینهما العقد النهائی. ویعد هذا وعداً بالبیع. وقد یکون وعداً بالشراء یلتزم بمقتضاه المشتری بالشراء إذا أبدى البائع رغبته فی إتمام العقد النهائی. وأما أن یکون الوعد ملزماً لجانبین، وذلک عندما یتواعد طرفا العقد على إنشاء التزامات متقابلة فی المستقبل کأن یلتزم البائع بأن یبیع ویلتزم المشتری بالشراء منه. وقد قیل أن هذا یعد عقداً. إذ الوعد المتبادل بإبرام العقد إنما هو العقد ذاته. لکن هناک فرقاً بین الوعد الملزم للجانبین والعقد ذاته، إذ أنه فی حالة التزام الطرفین کل منهما قبل الأخر فإن هذا لا یعنی أن العقد الموعود به قد صار نهائیاً لأنه إذا لم یبد کل من الطرفین رغبته فی إبرام العقد النهائی خلال المدة المعینة، سقط الوعد. ولابد من أن یبدی کل منهما رغبته، خلافاً لحالة الوعد الملزم لجانب واحد، إذ یکفی أن یبدی الموعد له فقط رغبته فیتم العقد. ویتضح أن اتفاق الطرفین على إمکان إظهار رغبتهما أنهما لم یرغبا بأن یجعلا من العقد عقداً نهائیاً.
2- شروط الوعد بالتعاقد:
لقد حدد القانون شرائط الوعد بالتعاقد إذ تنص المادة (91/1) من القانون المدنی العراقی النافذ على أن "الاتفاق الابتدائی الذی یتعهد بموجبه کلا المتعاقدین أو أحدهما بإبرام عقد معین فی المستقبل لا یکون صحیحاً إلا إذا حددت المسائل الجوهریة للعقد المراد إبرامه والمدة التی یجب أن یبرم فیها"، کما تنص الفقرة الثانیة من المادة نفسها على أنه "…إذا اشترط القانون للعقد استیفاء شکل معین فهذا الشکل تجب مراعاته أیضا فی الاتفاق الابتدائی الذی یتضمن وعداً بإبرام هذا العقد".
الملاحظ أن الوعد بالتعاقد هو عقد من العقود غیر المسماة ینبغی أن تتوافر فیه شروط عامة وشروط خاصة لازمة لانعقاده ، فالشروط العامة اللازمة لانعقاده وصحته ، تتمثل فی التراضی والمحل والسبب. ولما کان الواعد فی حالة الوعد الملزم لجانب واحد هو الوضع الغالب ، فإنه یلتزم منذ البدایة، إی منذ الوعد، فإنه ینبغی أن ینظر إلى هذا الوقت فیما یتعلق بتحدید عیوب الرضا ونقص الأهلیة، أما فیما یتعلق بالموعود له فانه ینظر إلى وقت إبداء رغبته وهو الوقت الذی یصیر فیه العقد نهائیاً سواء فیما یتعلق بعیوب إرادته أم ما یتعلق بأهلیته فی إبرام العقد الموعود به.
أما ما یتعلق بالشروط القانونیة الخاصة بصحة انعقاد الوعد فتتمثل فی الشروط الثلاثة الآتیة:
3- الآثار التی تترتب على الوعد بالتعاقد:
إذا انعقد الوعد صحیحاً ، فإنه یتعین علینا أن نمیز فیه بین مرحلتین:
المرحلة الأولى: قبل ظهور الرغبة أو حلول المیعاد:
فی هذه المرحلة لا یکتسب الوعد إلا حقوقاً شخصیة ولا یرتب إلا التزامات، حتى لو کان التعاقد النهائی ینقل حقاً عینیاً کما فی البیع.
یتضح ذلک فی الوعد الملزم للجانبین، فإن کلاً من الطرفین یکون ملزماً، فی المرحلة التی تسبق حلول المیعاد المحدد لإبرام العقد النهائی، بإبرام هذا العقد عند حلول المیعاد، وهذا التزام بعمل. ویتضح ذلک أیضاً فی الوعد الملزم لجانب واحد، فإن الواعد وحده یترتب فی ذمته التزام شخصی أن یقوم بوعده عند ظهور رغبة الموعود له، وهو التزام بعمل، فی حین أن الموعود له لا یلتزم بشیء.
مثال ذلک : إذا کان العقد النهائی المراد إبرامه هو عقد البیع ، وتم وعد ملزم لجانب واحد على عقده أو تم اتفاق ابتدائی ملزم للجانبین، فإن الموعود له بالبیع فی الحالتین لا یکسب فی هذه المرحلة إلا حقاً شخصیاً فی ذمة الواعد، ولا تنتقل إلیه ملکیة الشیء الموعود ببیعه. ویترتب على ذلک أمران أولهما: یبقى الواعد مالکاً للشیء. فله أن یتصرف فیه إلى وقت التعاقد النهائی. وثانیهما أنه إذا هلک الشیء قضاء وقدراً تحمل الواعد تبعیة هلاکه، لأنه لم یسلمه إلى المتعاقد الأخر، فضلاً عن أنه لا یزال المالک.
المرحلة الثانیة : بعد ظهور الرغبة أو حلول المیعاد:
فی هذه المرحلة یحل فی الوعد الملزم للجانبین، بحلول المدة المعینة لإبرام العقد، وعند حلول المیعاد یلتزم الطرفان بإجراء العقد النهائی، وجاز إجباره على التنفیذ عیناً. أما إذا تعلق الأمر بالوعد الملزم لجانب واحد، فإنه یترتب للموعود له حقوق فی مقدمتها حق إعلان رغبته فی إبرام العقد النهائی. إذ أن مجرد الإعلان عن الرغبة ینعقد العقد النهائی دون حاجة إلى تعبیر جدید عن إرادة الواعد أو قبوله، إنما ینعقد العقد النهائی هذا اعتباراً من وقت إعلان الموعود له فی رغبته فی إبرامه وتترتب أثاره فیما یتعلق بالطرفین منذ اللحظة المذکورة، وذلک لأن إبداء الرغبة فی التعاقد یکون بمثابة قبول الإیجاب یتمثل فی الوعد الذی یلتزم به الواعد والذی یشتمل على جمیع المسائل الجوهریة للعقد النهائی. فوقت إبداء الرغبة هو الوقت الذی یتم فیه العقد النهائی، وهو الوقت الذی تترتب فیه أثار هذا العقد.
أما إذا اقتضى إبرام العقد النهائی تدخلاً شخصیاً من الواعد، فی حالتی العقد الملزم لجانب واحد والوعد الملزم للجانبین، کما هو الحال فی بیع العقار الذی یستوجب التسجیل، وامتنع البائع عن الإمضاء تمهیداً للتسجیل، جاز استصدار حکم ضده، وقام الحکم متى حاز قوة الشیء المقضی به مقام عقد البیع، فإذا سجل انتقلت ملکیة العقار إلى المشتری. هذا الحکم ینطبق على القانون العراقی.
المطلب الثانی
تمییز الوعد بالتعاقد من الخطبة
بعد أن أوضحنا الأسس التی یقوم علیها الوعد بالتعاقد حری بنا أن نوضح ما إذا کانت هذه الأحکام هی نفسها التی تحکم الخطبة. أم أن هناک اختلافاً فیما بینها ؟ هذا ما سنعالجه الان.
أولاً: تمییز الخطبة من الوعد بالتعاقد فی الشریعة الإسلامیة:
تتمیز الخطبة من الوعد بالتعاقد فی الشریعة الإسلامیة من حیث التنظیم والالتزامات المترتبة على کل منهما.
یعد الزواج من أجل العقود وأعظمها وأخطرها شأناً وقد سماه الله لذلک میثاقا غلیظاً، لذلک اهتم الفقه الإسلامی اهتماما کبیراً فی مقدمات هذا العقد التی تکشف عن رغبة کل من العاقدین فی إبرام هذا العقد الذی یسمى بالخطبة. فأولى الفقهاء هذا الآمر ما یستحقه من بحث ودراسة بشکل مفصل ودقیق، من قبل ولادته وقیامه التی تبدأ به رحلة الاختیار ومرحلة اتخاذ القرار. ولم تترک نصوص الشریعة الاسلامیة الإنسان یتخبط فی وضع الاختیار، بل أعانته وبصرته على ذلک.
قال الله تعالى: " ولا جناح علیکم فیما عرضتم من خطبة النساء أو أکننتم فی أنفسکم".وقوله تعالى: " ولکن لا تواعدوهن سراً إلا أن تقولوا قولا معروفا". وقوله: " ولا تعزموا عقدة النکاح حتى یبلغ الکتاب اجله". إن هذه الآیات توضح باب التعریض بالخطبة فی العدة.
فعن أبی هریرة- رضى الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله علیه وسلم :" تنکح المرأة لأربع؛ لمالها ، ولحسبها، ولجمالها، ولدینها، فاظفر بذات الدین تربت یداک". کما تدخلت الشریعة الإسلامیة فی المرحلة السابقة لإتمام الخطبة بإحکام تعد فی مضمونها استثناءاً على أحکامها العامة- أو ما یعرف بالتخصیص فی علم أصول الفقه-، إذ الأصل فی حکم الشرع هو تحریم النظر إلى غیر المحارم، لقوله تعالى" قل للمؤمنین یغضوا من أبصارهم ویحفظوا فروجهم ذلک أزکى لهم إن الله خبیر بما یصنعون، وقل للمؤمنات یغضضن من أبصارهن ویحفظن فروجهن…"، أما نظر الخاطب إلى المخطوبة وبالعکس فهو جائز، بل مندوب، لکن بشرط أن یکون بنیة الخطبة، إذ وضع الشرع إجراءات تکفل لطرفی الخطبة تحقیق رغبات الطبع ومتطلبات المزاج من خلال الحث على أن ینظر الخاطب إلى مخطوبته وتکرار النظر، استثناءاً من الأصل العام الذی یحرم النظر إلى المرأة إذا لم یکن یقصد الخطبة، لیتأکد کل منهما من توافر ما یتوخاه کل منهما فی شریک الحیاة ، وفی حدیث جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله علیه وسلم "إذا خطب أحدکم المرأة، فإن استطاع أن ینظر إلى ما یدعوه إلى نکاحها فلیفعل". قال: فخطبت جاریة، فکنت أتخبأ لها، حتى رأیت منها ما دعانی إلى نکاحها وتزوجها، فتزوجتها".
کما اشترط الشرع الإسلامی لجواز الخطبة وصحة انعقادها أمرین:
أولا: أن تکون المرأة خالیة من موانع الزواج الشرعیة، وصالحة للعقد علیها فی الحال، فإذا کانت، متزوجه لم تجز خطبتها، أو کانت المرأة فی العدة أی معتدة سواء أکانت العدة لطلاق أو لوفاة، فکما یحرم الزواج ببعض النساء حرمة مؤبدة، تحرم الخطبة أیضاً لأنها مقدمة الزواج.
ثانیا: ألا تکون المرأة قد تمت خطبتها لغیره بالقبول، قال رسول الله صلى الله علیه وسلم: "لا یخطب الرجل على خطبة أخیه". وزاد فی روایة: " حتى یترک الخاطب قبله، أو یأذن له الخاطب". والسبب فی ذلک هو أنه قد تؤدی خطبة المخطوبة إلى العداوة والبغضاء بین الخاطبین.
کما تناول الفقه الإسلامی مسألة العدول عن الخطبة وآثاره وأوضح حکم الهدایا والمهور. أما الوعد بالتعاقد فلیس له تنظیم فقهی خاص به وقد لاحظنا أن الخطبة ذات خصوصیة متمیزة فی طبیعتها وتکییفها الفقهی عنه. إذ اهتم الفقه بتنظیمها من قبل لحظة بدایتها واکتمالها حتى مرحلة ما قبل إبرام العقد.
إن الوعد بالتعاقد هو ما یفرضه الشخص على نفسه لغیره فی المستقبل لا على سبیل الالتزام فی الحال فحسب. فهو یختلف عن الخطبة من حیث الصیاغة شکلاً ومضموناً. وان الوعد بالتعاقد لا ینعقد إلا إذا تم الوعد بصیغة جازمة باتة لا تردد فیها. لقد اشترط الفقه من أجل صحة الوعد لزوم انعقاده بصیغة التأکید والجزم. کقولنا اشتریت هذا الشیء بمبلغ کذا، أو کقولنا بعتک هذا الدار بمبلغ کذا. هذا وقد نصت المادة(171) من مجلة الأحکام العدلیة على عدم انعقاد الوعد عند اقترانه بصیغة التأخیر والإرجاء حتى لو قبل الطرف الآخر قبولاً باتاً. وعلیه فالوعد بالتعاقد تصرف شکلی یتعین وجود صیغة محددة یؤدی الالتزام بها إلى انعقاده. فی حین أن الخطبة لا تعد اتفاقا شکلیاً. فلم یشترط الفقه فی صیاغتها طریقة محددة، ولم یشترط فی صیاغتها شکلاً معیناً فقد أجاز انعقادها تصریحاُ وتعریضاً، کقوله لها: أنا راغب فیک أو أنا معجب بک أو أنت جمیلة. وقد أجیزت خطبة المعتدة من وفاة تعریضاً، وذلک لقوله تعالى " ولا جناح علیکم فیما عرضتم به من خطبة النساء، أو أکننتم فی أنفسکم، علم الله أنکم ستذکرونهن، ولکن لا تواعدوهن سراً إلا أن تقولوا قولاً معروفاً".
کما یجوز أن تنعقد الخطبة بصورة غیر جازمة على عقد الزواج کقراءة الفاتحة، کأن یأتی رجل فیطلب ید امرأة فیوافق أهلها فیقرأون الفاتحة ویعد هذا الاتفاق خالیاً من شرائط عقد النکاح، ویجوز أن یرسل الخاطب وکیلاً عنه فتوافق المرأة أو یوافق وکیلها أو أهلها على النکاح. هذا کله لا یعد عقداً لأنه لم یستجمع شرائط عقد الزواج.
الخطبة لیست عقداً ملزماً، لأنه لا یجوز أن یتقید شخص بعقد أن یتزوج فمثل هذا التقیید یکون مخالفاً للنظام العام.من هنا نلاحظ أن الخطبة والوعد بالتعاقد لا یتمتعان بالقوة الإلزامیة فالواعد والخاطب غیر ملزمین قضاء بإبرام العقد النهائی. وإن لکلیهما حقاً شرعیا فی العدول. وعلى الرغم من صحة هذا المبدأ إلا أنه "للمالکیة فی الوفاء بالوعد أربعة أقوال أشهرها أن الواعد یجبر على الوفاء بوعده قضاء…والحق أن هذا المشهور هو الذی یتفق مع ما تأمر به الشریعة من الوفاء بالالتزام عملاً کان أو عقداً أو وعداً، ومع ما تنهى عنه من الکذب والإخلاف فی الوعد"، یقول تعالى:" وأوفوا بالعهد إن العهد کان مسؤولاً"، ویقول جل شأنه: ( یا أیها الذین أمنوا أوفوا بالعقود)، ویقول علیه الصلاة والسلام "اضمنوا لی ستاً أضمن لکم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجکم، وغضوا أبصارکم، وکفوا أیدیکم"، وقال صلى الله علیه وسلم:" أیة المنافق ثلاث: إذا حدث کذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أوتمن خان".
وتجدر الإشارة إلى أن الوعد بالتعاقد من العقود المهمة من الناحیة التجاریة لأنه یلبی متطلبات التطور الاقتصادی، إذ یعد من الطبیعی إذا کان الوعد صادراً بالتقابل ومتضمناً العناصر الجوهریة للعقد الموعود ( کالمبیع والثمن فی عقد البیع ) فإنه یخرج عن کونه مجرد (وعد بالتعاقد)، ولکونه صادراً من الجانبین وملزماً لهما فإنه یعد العقد النهائی الموعود، بکل ما یترتب على ذلک من نتائج. فی حین أن هذا الآمر غیر متصور فی الخطبة.
أما فیما یتعلق بالالتزامات الناشئة عن الخطبة فی الشریعة الإسلامیة فإنها تتمثل:
وسلم "لا یخطب أحدکم على خطبة أخیه".
یتضح مما تقدم، أنه یتعین على الطرفین الالتزام بمواصلة الخطبة بحسن نیة، ویعد هذا الالتزام صورة من صور الالتزامات الناشئة عن الخطبة. ولا یسمح لأی من الطرفین العدول عنها دون وجود مسوغ یدعو إلى ذلک.
کما تبین لنا أن للخطبة نظاماً شرعیاً مستقلاً ومتمیزا من الوعد بالتعاقد، فضلاً عن أنها ذات آثار دینیة وطبیعیة مختلفة عنه. فهی اتفاق من نوع خاص وذات طبیعة خاصة.
ثانیاً: تمییز الخطبة من الوعد بالتعاقد قانوناً:
لا تعد الخطبة وعداً بالتعاقد. فالخطبة لیست وعداً بالزواج فیمکن تمییز الخطبة من الوعد بالزواج من حیث تکوین العقد والإلزام.
یتفق کل من الخطبة والوعد بالتعاقد بأنهما سابقین على مرحلة التعاقد إلا أن هناک اختلافا واضحاً بینهما.
إذ أن الهدف من الوعد بالتعاقد هو العمل على تثبیت إیجاب أحد الطرفین حتى لا یتمکن الواعد أو المتواعدان من النکول أو العدول عن التعاقد. إذ أن المسؤولیة العقدیة ستنهض فی حالة ما إذا أخل أحد الطرفین بوعد قطعه على نفسه للطرف الآخر حتى لو کان هذا الوعد ملزماً للواعد وحده دون الطرف الآخر، إذ أن الوعد بالتعاقد لم یعد فیه المتعاقدان فی مرحلة التمهید والإعداد لإبرام العقد النهائی ولکنهما دخلا فی مرحلة جدیة من التعاقد، فمثلاً: إذا تعهد المؤجر وقت إبرام عقد الإجارة، ببیع العین المؤجرة للمستأجر بثمن معین إذا أعلن المستأجر عن رغبته فی شرائها خلال مدة محددة، فیعد هذا الوعد وعداً ملزماً لجانب واحد هو المؤجر، ونکون أمام عقدین بین المؤجر والمستأجر، عقد إجارة وعقد وعد بالبیع، ویترتب على هذا إذا أخل الواعد بوعده فإن مسؤولیته هنا مسؤولیة عقدیة نشأت عن الإخلال بالعقد الأخیرالذی یعد عقداً تم الاتفاق علیه بشکل نهائی لم یبقِ شیء للتحضیر والتمهید، ولا یمکن للواعد الرجوع عن وعده خلال المدة المحددة لإبداء الرغبة فی التعاقد النهائی وإذا عدل الواعد عن وعده کان مسؤولاً عن رجوعه، وللموعود له حق اللجوء إلى القضاء والطلب من الواعد تنفیذ العقد المتفق علیه بین الطرفین، إذا کانت الشروط اللازمة للعقد وبخاصة ما یتعلق منها بالشکل متوافرة فان قرار المحکمة البات یقوم مقام العقد.
أما فیما یتعلق بالخطبة فإن هذا الأمر غیر متصور فی طبیعتها. فعلى الرغم من ضرورة التزام طرفی الخطبة بحسن النیة المبنیة على الصدق والثقة والأمانة والأخلاق والتعاون فی التهیئة والأعداد لإبرام عقد الزواج وما یقتضیه من الاستمرار فی الخطبة وعدم العدول عنها بشکل غیر مشروع، فإنه یجوز لکل من طرفی العقد أن یعدل عن الخطبة ، ولو کانت قد تأکدت بقراءة الفاتحة أو قبول الهدیة أو قبض المهر. فالخطبة تعد اتفاقا غیر ملزم بعقد الزواج.
یعد الوعد بالتعاقد عقداً، وهو یتم بإیجاب وقبول، ویتم فیه اتفاق المتعاقدین أو أحدهما على جمیع المسائل الجوهریة للعقد المراد إبرامه والمدة التی یجب إبرامه فیها. وأن یتم مراعاة الشکل الذی اشترطه القانون لتمام العقد، فإذا افصح الموعود له عن رغبته فی إبرام العقد خلال المدة المحددة لإبرامه بذلک یصبح العقد صحیحاً ویتحول هذا الاتفاق من وعد إلى عقد نهائی ملزم للطرفین.
فی حین أن الخطبة مشروع فی الزواج ومقدمة له، وهی اتفاق رضائی غیر کامل بین الخطیبین، إلا أنه اتفاق تمهیدی هدفه التقدیم والتمهید لعقد الزواج الذی قد یبرم مستقبلاً أو لا یبرم. ولکل من الطرفین أن یعدل عن هذا الاتفاق فی أی وقت شاء.
وعلیه فإذا کان القانون قد أوجب فی الوعد بالتعاقد بأن لا ینعقد إلا إذا عینت جمیع المسائل الجوهریة للعقد المراد إبرامه والمدة التی یجب أن یبرم فیها، فإن الاتفاق على هذه المسائل ( کالمهر المعجل والمؤخر، الملابس ، السکن، مدة الخطبة ) لا تعد شرطاً من شروط صحة إتمام الخطبة. فالخطبة قد تتم من دون الاتفاق على هذه المسائل.
وعلیه یتضح مما تقدم أن الوعد بالتعاقد یعد خطوة نحو العقد النهائی، لا یحول دون الوصول إلیه إلا ظهور رغبة الموعود له إذا کان الوعد ملزماً لجانب واحد، أو حلول المیعاد لإبرام العقد النهائی إذا کان الوعد ملزماً للجانبین. فی حین أن الخطبة تعد شروعاً وتمهیداً لعقد الزواج وهی مقدمة له. هذا من ناحیة ومن ناحیة أخرى فإن الوعد بالتعاقد ملزم بإبرام العقد النهائی، فی حین أن هذا الإلزام غیر متصور فی الخطبة.
المبحث الثالث
التکییف القانونی للخطبة والآثار المترتبة علیه
بعد أن میزنا فی المبحث السابق الخطبة من الوعد بالتعاقد حان الوقت لبحث الطبیعة القانونیة للخطبة أی إعطاء الوصف القانونی المناسب للخطبة وما یترتب على هذا الوصف من أثار، وبناء على ذلک یضم هذا المبحث مطلبین نخصص أولهما للتکییف القانونی للخطبة وثانیهما للآثار المترتبة على هذا التکییف.
المطلب الأول
التکییف القانونی للخطبة
احتدم الخلاف بشأن التکییف القانونی للخطبة. ولکن من الممکن أن نجمع الآراء فی هذا الشأن فی اتجاهین رئیسین: الاتجاه الأول الذی یعطی للخطبة أکثر من وصف قانونی ویمکن أن نسمیه الاتجاه التقلیدی، أما الاتجاه الثانی الذی نعد فیه الخطبة عقداً تمهیدیاً فنسمیه الاتجاه الحدیث. وفیما یأتی نعرض لمضمون کل اتجاه مبتدئین بالتکییف التقلیدی فی الفرع الأول، ثم نتبعه بالتکییف الحدیث فی فرع ثانٍ.
الفرع الأول
التکییف التقلیدی للخطبة
یذهب جانب من الفقه الفرنسی إلى عد الخطبة عقداً ملزماً للجانبین، وأن لکل من الطرفین الحق فی إنهائه بإرادته المنفردة کما هو الآمر فی عقد الوکالة مثلاً.
یرى الفقیه الفرنسی ( جو سران ) أنه إذا کان لکل من الطرفین حق العدول عن الخطبة ضماناً لحریة الزواج فإن هذا لا یعنی أن العدول حق مطلق فإذا أدى العدول إلى إساءة وکان عدولاً تعسفیاً لا مبرر له فإنه یکون صورة واضحة من صور إساءة استعمال الحق، وهنا تکون المسؤولیة على الذی عدل عن الخطبة دون مبرر، وتکون مسؤولیته هذه مسؤولیة عقدیة کما هو الآمر فی المسؤولیة الناجمة عن عقد العمل غیر محدد المدة الذی ینهیه رب العمل فی وقت غیر مناسب، وعقد الوکالة المأجورة الذی ینهیه أحد أطرافه دون عذر مقبول وفی وقت غیر مناسب. کما أید الفقیه الفرنسی ( سافاتییه) جو سران فیما ذهب إلیه إذ أنه أوضح "أن الخطبة لا تلزم من الناحیة القانونیة أیاً من طرفیها بإتمام عقد الزواج… ولکن ینبغی أن لا یفهم من هذا أن فسخ الخطبة لا تترتب علیه أیة مسؤولیة وأنه حق مطلق، فقد أجمع الفقه والقضاء على قیام هذه المسؤولیة فی جمیع الحالات التی یکون فیها فسخ الخطبة نتیجة طیش أو تهور أو نزوة عابرة دون أن تکون له دوافع جدیة مقبولة،… مثل ذلک أن یقع الفسخ قبل فترة قصیرة من الوقت الذی حدد لإتمام عقد الزواج، أو أن یقع بعد أن تکون الخطبة قد استمرت فترة طویلة من الزمن دون أن یعکر صفوها نزاع أو أن لا یقدم الخطیب أی مبرر مقبول لفسخ الخطبة وعلى هذا جرى القضاء الفرنسی، ثم یتولى الأستاذ ( سأفتیه) نقد ما تذهب إلیه المحاکم الفرنسیة من تأسیس المسؤولیة فی هذه الحالة وامثالها على قواعد المسؤولیة التقصیریة ویرى أن هذا الاتجاه غیر سلیم وأن المسؤولیة هنا مسؤولیة عقدیة ذلک أن الصفة غیر الملزمة للخطبة لا تنفی أن تقوم مسؤولیة إنهائها إنهاء متعسفاً على أساس العقد ولیس على أساس الفعل الضار، شأنها فی هذا شأن الوکالة أو شأن عقد العمل غیر محدد المدة، إذ لا یشک أحد فی أن إنهاء هذا العقد أو ذاک فی وقت غیر ملائم تنشأ عنه مسؤولیة عقدیة".
فی حین أوضح اتجاه آخر فی الفقه أن الخطبة لیست عقداً ملزماً، وذلک لأنه لا یجوز أن یتقید شخص بعقد أن یتزوج، فمثل هذا التقیید یکون مخالفاً للنظام العام، وأن فسخ الخطبة یعد خطأًً تقصیریاً یوجب التعویض، ومعیار الخطأ فیه هو انحراف الخطیب وهو یفسخ الخطبة عن السلوک المألوف للشخص العادی فی مثل الظروف الخارجیة التی أحاطت بالخطیب، کان فسخ الخطبة خطأ یوجب المسؤولیة التقصیریة ولیس المسؤولیة العقدیة.
وهذا ما ذهب إلیه القضاء المصری فی أحد قراراته فقد قضى بأنه " یتعین للحکم بالتعویض بسبب العدول عن الخطبة أن تتوافر شرائط المسوؤلیة التقصیریة بأن یکون هذا العدول قد لازمته أفعال خاطئة فی ذاتها ومستقلة عنه استقلالاً تاما ومنسوبة لأحد الطرفین وأن ینتج عنه ضرر مادی وأدبی للطرف الآخر".
فی حین عد قرار أخر الخطبة عقداً بین طرفین وأن العدول عنها یولد مسؤولیة عقدیة وهذا ما قضت به محکمة الإسکندریة المصریة فی قرار لها أن "الخطبة تنشیْ علاقات بین الطرفین لا یمکن تجاهلها کما لا یمکن إغفال اعتبارها ولا تجریدها من أی تقدیر قانونی، ففیها یصدر إیجاب یقترن بقبول على الوعد بالزواج فهو ارتباط قانونی وعقد قائم، وفی هذا العقد یلتزم کل من الطرفین بإجراء التعاقد النهائی فی الوقت الملائم".
یتضح مما تقدم أن القضاء المصری قد استقر على مبادئ فی هذا الشأن یمکن تلخیصها بما یأتی:
الفرع الثانی
التکییف الحدیث للخطبة
بین جانب من الفقه الحدیث - ونحن نؤیده - أن "الخطبة فی ثوبها الجدید لیست وعداً بالتعاقد، وإنما عقد تمهیدی. فالخطبة والوعد بالتعاقد لا یشکلان وجهین لعملة واحدة، بل إنهما مفهومان مختلفان فی الشکل والمضمون".
فالخطبة بحکم طبیعتها لیست إلا تمهیداً لعقد الزواج، فهی اتفاق مبدئی على الرضا بالتزویج، فهی بذلک تعد عقداً تمهیدیاً، الغرض منه التحضیر والإعداد لعقد الزواج الذی یحق لکل من طرفیه أن یعدل عنه فی أی وقت شاء، خصوصاً أنه یجب أن یتوافر للمتعاقدین کامل الحریة فی مباشرته لما للزواج من الخطر فی شؤون المجتمع. لذا سنوضح فی هذا الفرع العقد التمهیدی من خلال تعریفه وبیان أهمیته وطبیعته القانونیة من خلال تمییزه مما یشتبه به من الاتفاقات السابقة واللاحقه له، وذلک عن طریق تمییزه من الإیجاب والمفاوضات والوعد بالتعاقد والعقد النهائی، ومن ثم نعالج العلاقة بینه وبین الخطبة.
أولاً: تعریف العقد التمهیدی وبیان أهمیته:
أ- تعریف العقد التمهیدی:
لقد عالج القانون المدنی العراقی والقانون المدنی الأردنی المراحل السابقة على إبرام العقد إلا أنهما لم یتطرقا إلى ذکر العقد التمهیدی فقد عالج القانون العراقی الإیجاب فی المواد (77-87) کما عالج القانون الأردنی الإیجاب فی المواد (90-100) کما نظمت المادة (91) مدنی عراقی والمادة (105) مدنی أردنی الوعد بالتعاقد، ولکن یثار تساءل فی هذا المجال عن مدى إمکانیة عد المادة(86/2) مدنی عراقی والمادة (100/2) مدنی أردنی أساساً قانونیاً لمعالجة العقد التمهیدی ؟
تنص المادة (86/2) مدنی عراقی على أنه "إذا اتفق الطرفان على جمیع المسائل الجوهریة فی العقد واحتفظا بمسائل تفصیلیة یتفقان علیها فیما بعد ولم یشترطا أن العقد یکون غیر منعقد عند عدم الاتفاق على هذه المسائل فیعتبر العقد قد تم وإذا قام خلاف على المسائل التی لم یتم الاتفاق علیها فإن المحکمة تقضی فیها طبقاً لطبیعة الموضوع ولأحکام القانون والعرف والعدالة".
یتضح من نص المادة أعلاه أن العقد قد تم مادام الطرفان قد اتفقا على المسائل الجوهریة فی العقد وفی حالة قیام خلاف بین الطرفین على المسائل التفصیلیة التی لم یتم الاتفاق علیها، فإن المحکمة تقضی بها طبقاً لطبیعة المعاملة ولأحکام القانون والعرف والعدالة؛ إن هذه الأحکام لا تعدو أن تکون مجرد تفسیر لإرادة المتعاقدین. وعلیه فإن هذا الاتفاق الناقص یعد عقداً کاملاً وملزماً لأطرافه. وهذا الأمر لا یتناسب مع مفهوم العقد التمهیدی، لان الهدف من العقد التمهیدی هو التهیئة والأعداد للعقد النهائی ولیس تعیین وتحدید مضمون العقد النهائی. وبذلک فإن المادة (86/2) من القانون المدنی العراقی لا یمکن عدها أساساً قانونیاً للعقد التمهیدی.
أما فیما یتعلق برأی الفقه فی بیان مفهوم العقد التمهیدی ، فإن البعض منهم لم یفرق بین هذا المفهوم والوعد بالتعاقد، إذ ذکر بهذا الصدد: "أن الوعد بالتعاقد عقد، وهو یتم بإیجاب وقبول، ولکنه عقد تمهیدی، یراد من ورائه إبرام العقد الأصلی الموعود به فی المستقبل". کما ذکر الدکتور عبد الرزاق السنهوری أن "الوعد بالتعاقد ، وکذلک الاتفاق الابتدائی، عقد کامل لا مجرد إیجاب. ولکنه عقد تمهیدی لا عقد نهائی".یتضح مما تقدم أن هناک خلطاً لدى بعض الفقه بین مفهوم العقد التمهیدی والوعد بالتعاقد على الرغم من الاختلاف الواضح بین المفهومین، فالأول ینعقد بهدف الإعداد والتمهید للاتفاق على مضمون العقد النهائی فی حین أن الثانی یعد عقداً کاملاً ، مهیأً لإبرامه بصورة نهائیة بمجرد ظهور رغبة الموعود له عن رغبته فی التعاقد خلال المدة المتفق علیها فی العقد.
أما فیما یتعلق بمفهوم العقد التمهیدی لدى الفقهاء المسلمین فقد کان مجهولاً إلى أن بدأ الفقه المعاصر، وخاصة عند دراسته لمسألة الخطبة، بالحدیث بشکل سریع عما أطلق علیه من وصف الخطبة مقدمة من مقدمات الزواج وتمهیداً له.
فی حین نرى أن الفقهاء الفرنسیین لم یخلطوا بین مفهوم العقد التمهیدی والوعد بالتعاقد.
فقد عرف أحد الفقهاء الفرنسیین العقد التمهیدی بأنه"عقد مؤقت وسابق غایته التهیئة لإبرام عقد نهائی". کما عرف بأنه ذلک العقد الذی یسعى إلى تهیئة أو تحضیر عقد مستقبلی (Futur Contract) وهو اتفاق ملزم على الرغم من کونه ذا صفة وقتیة ویسمى أیضاً بالعقد التحضیری ( (Contrat Preparatoireأو التمهیدی ( Contrat Preliminaire) أو العقد الأولی ( Contrat Prealable) وهذه العقود لها عنصر مشترک یمیزها وهی کونها عقود تحضیریة للعقد النهائی المزمع إبرامه، وهی تعالج وتحکم وتنظم بنصوصها الصعوبات المتعلقة بإبرام العقد النهائی.
کما عرف العقد التمهیدی بأنه " ذلک الاتفاق الذی یتضمن المسائل والموضوعات والعناصر التی اتفق الأطراف على أنها تشکل موضوعه ومضمونه، والذی لا یمکنه فی أی حال من الأحوال أن یتضمن بنود العقد النهائی الذی وضع العقد التمهیدی للتهیئة والإعداد لإبرامه. وإذا تضمن العقد التمهیدی تلک العناصر الجوهریة فإنه یفقد طبیعته الخاصة، وتنتفی عنه هذه الصفة، ویتحول إلى عقد نهائی".
وعلیه فالعقد التمهیدی یعد اتفاقاً مرحلیاً یلتزم بمقتضاه الأطراف بالتهیئة والإعداد لإبرام عقد مستقبلی غیر ملزم، یحدد فیه المسائل التی تم الاتفاق علیها. فهو مجرد مشروع للعقد النهائی.
ب- أهمیة العقد التمهیدی:
إن کل العقود یمکن أن تسبقها عقود تمهیدیة ، لذا احتلت مکانة متمیزة فی الوقت الحاضر لما لها من آثار قانونیة خاصة بها. واکتسب العقد التمهیدی أهمیته بوضوح فی العقود المالیة والاقتصادیة والتجاریة والصناعیة، إذ تقترن هذه العقود ببعض المخاطر حیث إن العقود الکبرى کعقود التنقیب عن النفط والمرافق العامة وإنشاء السدود والموانئ یسبقها غالباً المفاوضات التی لا تقل أهمیة عن فترة ما بعد التعاقد إذ أنها فترة إعداد للعقد فکلما کان الإعداد جیداً کان العقد محققاً لمصلحة المتعاقدین ومتضمناً الشروط التی تمنع إثارة المنازعات بینها مستقبلاً من أجل التمهید والإعداد للعلاقة التعاقدیة المستقبلیة، مع احتفاظ کل طرف بحریته فی عدم التعاقد أو التعاقد بشروطه حتى لحظة إبرام العقد النهائی.
والسؤال الذی یتبادر إلى الذهن فی هذا المجال هل یمکن اعتبار عقد الزواج من العقود المهمة التی یؤدی فیها العقد التمهیدی دوراً من اجل الإعداد والتهیئة له؟
یعد عقد الزواج من أعظم العقود واجلها وأخطرها لذلک سماه الله میثاقاً غلیظاً، وأن هذا العقد یراد منه أن یستمر مدى الحیاة لینتج آثاره التی وضع من اجلها، ولهذا جعل الإسلام له مقدمات تکشف عن رغبة کل من العاقدین فی إبرام هذا العقد، لذلک لابد من الاعتراف بالأهمیة العظیمة للمرحلة التی تسبق هذا العقد من مفاوضات وإعداد وتهیئة له. لأنه عماد الأسرة التی یتکون منها المجتمع وضرورة تقتضیها دواعی الشریعة، والعقل ، والطبع.
ج- طبیعة العقد التمهیدی:
العقد التمهیدی عقد مرحلی یلتزم بمقتضاه الأطراف بالتهیئة لإبرام العقد النهائی، وهو عقد مؤقت. ولمعرفة طبیعته القانونیة یتعین علینا تمییزه من الإیجاب والمفاوضات والوعد بالتعاقد والعقد النهائی وکما یأتی:
1- تمییز العقد التمهیدی من الإیجاب:
الإیجاب "هو أول بیان یصدر من أحد المتعاقدین ، معبراً عن جزم إرادته فی إنشاء العقد، أیاً کان البادئ منهما". فالبادئ بعبارته فی تکوین العقد دائماً الموجب؛ والآخر هو القابل. وأن تکوین العقد یبدأ بمجرد اقتراح یصدر من أحد العاقدین یرید به أن یستطلع رأی الآخر ویقف على مدى استعداده، فإذا تبین أن لدیه رغبة فی التعاقد دخل معه فی مفاوضات قد تطول أو تقصر. وکل ما یدخل فی نطاق المفاوضات یکون دعوة إلى التفاوض أو التعاقد. وإذا حددت فی الإیجاب جمیع المسائل الجوهریة اللازمة للتعاقد، بذلک یصبح له قیمة قانونیة، فلو صدر قبول مطابق لهذا الإیجاب انقلب الإیجاب إلى عقد نهائی ملزم وفی هذه الحالة یکون الأطراف قد تجاوزا العقد التمهیدی لان العقد التمهیدی یتطلب وجود إرادتین الأولى تعرض العقد والثانیة تقبل ، فی حین أنه لا یشترط لصدور الإیجاب وجود اتفاق ارادتین. وقد یعرض شخص إیجاب على الجمهور وهذا الأمر غیر متصور فی العقد التمهیدی.
کما تنص المادة (84) مدنی عراقی على أنه "إذا حدد الموجب میعاداً للقبول التزم بإیجاب إلى أن ینقضی هذا المیعاد". وبذلک یکون الإیجاب المقترن بمدة زمنیة معینة ملزماً بالإرادة المنفردة بنص القانون. وأن العدول عن هذا الإیجاب خلال المدة یستوجب التعویض وهذا الآمر غیر متصور فی العقود التمهیدیة.
فالإیجاب هو إرادة من طرف واحد، یتمیز من العقد التمهیدی بوجود إرادتین، یتفاوض طرف مع الأخر للتحضیر والإعداد للعقد النهائی، کما فی عقد المفاضلة.
2- تمییز العقد التمهیدی من المفاوضات:
یمکن تعریف المفاوضات بأنها قیام طرفی العلاقة العقدیة المستقبلیة بتبادل الاقتراحات والمساومات والدراسات والتقاریر ومناقشتها أو أن ینفرد بوضعها أحدهما لیکون کل منهما على بینه مما یقدمان علیه من أجل الوصول إلى أفضل النتائج التی تحقق مصالحهما، وللتعرف على ما یسفر عنه الاتفاق بینهما من حقوق لهما والتزامات علیهما. إن أهم ما یمیز المفاوضات أنها تقوم على عنصر الاحتمال وبعبارة أخرى أن أیاً من المتفاوضین غیر متأکد من أن المفاوضات ستسفر عن عقد،فقد تسفر المفاوضات عن إبرام عقد، وبذلک تنتهی مرحلة ما قبل التعاقد، وقد لا تثمر المفاوضات عن شیء، وتصل إلى طریق مسدود، فیعدل الطرفان عنها دون التوصل إلى اتفاق فیما یتعلق بالعقد محل التفاوض.
کما أن العدول عن المفاوضات قد یرتب مسؤولیة على من قطعها إذا اقترن العدول بخطأ منه. ولکن هنا المسؤولیة لیست تعاقدیة مبنیة على العدول بل هی مسؤولیة تقصیریة مبنیة على الخطأ. والمکلف بإثبات الخطأ هو الطرف الأخر الذی أصابه ضرر من العدول فإذا أثبت أن من قطع المفاوضات لم یکن جاداً عند الدخول فیها، أو کان جاداً ولکن لم یخطره بالعدول فی الوقت المناسب، وأدى ذلک إلى فوات صفقة رابحة، یحق له حین ذلک المطالبة بتعویض.
فی حین أن المتعاقدین فی العقد التمهیدی قد توصلا إلى اتفاق مبدئی وقد تجاوزا مرحلة التفاوض وتوصلا إلى مرحلة التهیئة والإعداد لإبرام العقد النهائی دون الالتزام بإبرامه. والمفاوض الذی یساهم فی خلق ظروف توحی أن العقد النهائی سیبرم حتماً کتحدید میعاد للتوقیع على مشروع الاتفاق الذی تم التوصل إلیه خلال المفاوضات ، ثم تبین أنه کان سیئ النیة لأن دخوله المفاوضات کان بقصد الإضرار بالمفاوض الأخر.أو القیام بإطالة المفاوضات دون وجود نیة حقیقیة فی التعاقد، فإن هذا الخطأ یوجب المسؤولیة.
3- تمییز العقد التمهیدی من الوعد بالتعاقد:
یعد کل من العقد التمهیدی والوعد بالتعاقد مرحلة سابقة على إبرام العقد النهائی فهما وسط ما بین الإیجاب والتعاقد النهائی. إلا أن العقد التمهیدی یختلف عن الوعد بالتعاقد، لأنه لیس من شروط إبرام العقد التمهیدی الاتفاق على جمیع العناصر الجوهریة إذ قد یرد الاتفاق على بعض عناصر العقد النهائی المراد إبرامه، إلا أن اتفاقهم هذا لیس نهائیاً، لأنه یحتفظ کل منهما بإمکانیة المساومة إلى أن یتم إبرام العقد النهائی. فی حین أن الوعد بالتعاقد ، یعد عقداً کاملاً وملزماً یتم بإیجاب وقبول، فإذا أظهر الموعود له رغبته فی التعاقد قبل فوات المدة المعینة لذلک فإن العقد النهائی یتم . وذلک لأن إبداء الرغبة فی التعاقد یکون بمثابة قبول الإیجاب. المتمثل فی الوعد الذی یلتزم به الواعد والذی یشتمل على جمیع المسائل الجوهریة للعقد النهائی.
یتضح مما تقدم أن العقد التمهیدی عقد غیر کامل وغیر ملزم بإبرام العقد النهائی، فی حین أن الوعد بالتعاقد، عقد کامل وملزم، فإذا حل المیعاد التزم کل من الطرفین بإجراء العقد النهائی، وجاز إجباره على التنفیذ عیناً.
4- تمییز العقد التمهیدی من العقد النهائی:
یعد العقد التمهیدی مرحلة تمهیدیة تسبق إتمام العقد النهائی، فهو مرحلة سابقة علیه، إذ أن هذه المرحلة تعد مرحلة تحضیر وإعداد للعقد، وکلما کان الإعداد جیداً کان العقد النهائی محققاً لمصلحة العاقدین، ومتضمناً الشروط التی تمنع إثارة المنازعات بینهما. إن الهدف من العقد التمهیدی هو التقریب بین وجهات نظر أطراف العلاقة التعاقدیة المستقبلیة التی قد تکون متباینة، إذ یحرص کل طرف على حریته فی عدم التعاقد أو التعاقد بشروطه حتى لحظة إبرام العقد النهائی.
وقد یکون العقد التمهیدی عقداً وقتیاً إذا ما ارتبط بمسألة وقتیة. وقد یستغرق الالتزام الناشئ عن العقد الوقتی زمناً یقل عن مدة المفاوضات وعندئذ ینقضی بحلول الآجل الذی یحدده الأطراف، وقد یطول عن مدة المفاوضات وفی هذه الحالة تکون مدته هی مدة المفاوضات. وهذا الآمر غیر متصور فی العقد النهائی.
ومما تجدر الإشارة إلیه أنه قد یرد العقد التمهیدی على بعض عناصر العقد النهائی المراد إبرامه، وإن هذه العناصر تعد جزءاً مکملاً لمضمون العقد النهائی إذا ما أدى العقد التمهیدی الى إبرامه.
یتضح مما تقدم أن العقود، ولاسیما فی المعاملات المهمة ، لا تتم بسهولة بل یسبق الإیجاب البات مراحل تمهیدیة تتفاوت درجاتها ولا تصل جمیعاً إلى مستوى الإیجاب، فقد تبدأ المسالة بمجرد اقتراح یصدر من أحد الطرفین یرغب فی أن یستطلع رأی الطرف الآخر، فإذا تبین أن لدیه رغبة فی التعاقد دخل معه فی مفاوضات قد تطول أو تقصر. وکل ما یدخل فی نطاق المفاوضات یکون دعوة إلى التعاقد، وإذا خرج الطرفان من دور المفاوضة، بدون تحفظ، أصبحنا بصدد إیجاب بات. فی حین أن العقد التمهیدی یعد اتفاقاً مبدئیاً سابقاً لهذا الإیجاب البات ولاحقاً للدعوى للتفاوض، فهو المرحلة التی تسبق العقد النهائی التی یتعین خلالها التزام بالتفاوض بحسن نیة، التی لا یقتصر دورها على مرحلة حیاة العقد وتنفیذ الالتزامات الناشئة عنه، بل إنه یهیمن على الفترة السابقة على التعاقد ومنه مرحلة إبرام العقد التمهیدی.
وعلیه فإن العقد التمهیدی لیس عقداً نهائیاً ولا ینشئ التزاماً بإبرام العقد النهائی، إلا أنه یرتب التزاماً بالسیر فی المفاوضات بحسن نیة تمهیداً للوصول إلى إبرام العقد النهائی.
ثانیاً: علاقة الخطبة بالعقد التمهیدی:
" إن الخطبة لیست إلا تمهیداً لعقد الزواج ومقدمة من مقدماته…" وهی تتفق مع العقد التمهیدی من حیث الطبیعة القانونیة والآثار المترتبة علیهما وکما یأتی:
1- من حیث الطبیعة القانونیة:
تعد الخطبة اتفاقاً رضائیاً غیر کامل ومستقل عن العقد النهائی وهی بذلک تتسم بخصائص العقد التمهیدی نفسها. لأن کلاً من الخطبة والعقد التمهیدی لا یتمان إلا باتفاق الطرفین. ولا ینعقدان بمجرد الإیجاب، فلابد من تلاقی الإیجاب الصادر من أحد الطرفین بقبول الآخر. فالتماس الزواج من طرف واحد تعد خطبة ناقصة ، فلا تتم إلا باتفاق الطرفین فإذا وجد الإیجاب قبولاً فهی خطبة تامة تنتج آثرها، وتترتب علیها أحکامها، فالخطبة لا تتم إلا بإیجاب وقبول یعبر عن الرضا الکامل باتجاه طرفی الخطبة لعقد الزواج فی المستقبل، وکل عیب فی الرضا یترک آثره على سلامة الخطبة.
والخطبة فی الإسلام أساسها الرضا ولا یتطلب التشریع لقیامها شکلاً معیناً کما هو الآمر عند الیهود والمسیحیین.
وتجدر الإشارة إلى أنه لا یلزم لإتمام الخطبة والعقد التمهیدی تحدید جمیع المسائل الجوهریة، لان الاتفاق على هذه المسائل من قبل الطرفین تنقلب الخطبة أو العقد التمهیدی إلى عقد نهائی. ولذلک تعد الخطبة والعقد التمهیدی اتفاقاً غیر کامل ومستقلاً عن العقد النهائی. فالخطبة لیست شرطاً لصحة الزواج، فلو تم عقد الزواج بدونها کان صحیحاً، لأن حکمها الإباحة عند جمهور الفقهاء، والرأی المعتمد عند الشافعیة أن الخطبة حکمها الندب لا الإباحة لفعله صلى الله علیه وسلم إذ خطب عائشة بنت أبی بکر، وخطب حفصه بنت عمر رضی الله عنهم.
2- من حیث الآثار القانونیة:
إن مهمة الخطبة والعقد التمهیدی هی الالتزام بحسن النیة فی التحضیر والتهیئة للعقد النهائی، فضلاً عن أنهما لا یعدان اتفاقاً ملزماً بإبرام العقد النهائی. إذ أن " حق أحد الطرفین فی العدول عن الخطبة أمر یتفق ونیتهما إذ تتجه تلک النیة إلى أن الآمر متعلق بمرحلة تمهیدیة سابقة على عقد الزواج وإلى أن إتمام العقد من الأمور التی قد لا تتحقق فاحتمال العدول أمر یجب أن یتوقعه کل منهما فی أی وقت قبل إتمام الزواج…"، فضلاً عن أن إلزام الخاطب بالاستمرار فی الخطبة قید على حریته لا یتفق والنظام العام، والقول بغیر ذلک یلغی رضائیة عقد الزواج، ولا یتفق مع مقاصد الخطبة باعتبارها فترة اختبار.
فالخطبة غیر ملزمة باتفاق فقهاء الشریعة الإسلامیة والقانون. ویبقى الالتزام الأخلاقی والدینی یطالب کلا طرفی الخطبة بالالتزام بالتحضیر والإعداد والتهیئة لإبرام عقد الزواج بحسن نیة. وتعد الإجراءات اللازمة لتسجیل عقد الزواج وإثباته أحد طرق التحضیر والإعداد لعقد الزواج، وهذا ما اشترطه قانون الأحوال الشخصیة العراقی إذ تنص المادة (10) منه على أن یتم "1- تقدیم بیان… یتضمن هویة العاقدین وعمرهما ومقدار المهر وعدم وجود مانع شرعی من الزواج، على أن یوقع هذا البیان من العاقدین ویوثق من مختار المحلة أو القریة أو شخصین معتبرین من سکانها. 2- یرفق البیان بتقریر طبی یؤید سلامة الزوجین من الأمراض الساریة والموانع الصحیة وبالوثائق الأخرى التی یشترطها القانون…".
تعد هذه الشروط التزاماً یفرضه القانون على کلا طرفی الخطبة للقیام بها أثناء الخطبة وقبل إبرام عقد الزواج.
وبذلک " تلتقی طبیعة الخطبة مع طبیعة العقد التمهیدی، فالخطبة فی ثوبها الجدید تشکل عقداً تمهیدیاً".
یتضح مما تقدم أن هناک اتفاقاً وانسجاماً بین کل من طبیعة الخطبة وطبیعة العقد التمهیدی، فهی بذلک تعد عقداً تمهیدیاً. الأمر الذی سیرتب علیها آثاراً قانونیة خاصة سنعالجها فی المطلب الأتی:
المطلب الثانی
الآثار القانونیة المترتبة على عد الخطبة عقداً تمهیدیاً
إذا تم العدول عن الخطبة من قبل الخاطب أو المخطوبة أو من کلیهما تفسخ الخطبة، ویترتب على هذا الفسخ آثار عدیدة.
وٍسنعالج فی هذا المطلب الآثار القانونیة المترتبة على عد الخطبة عقداً تمهیدیاً وذلک فی الفرعین الآتیین:
الفرع الأول: الآثار الموضوعیة.
الفرع الثانی: الآثار الإجرائیة.
الفرع الأول
الآثار الموضوعیة
لقد توصلنا إلى أن الخطبة عقد تمهیدی، وهو لا یعد عقداً عادیاً، إذ أن هدفه الرئیس التحضیر والإعداد والتهیئة لإبرام عقد الزواج. وعلى الرغم من الصفة التعاقدیة للخطبة إلا أن آثارها تتحدد بمجرد انعقادها، وهی لا تترتب على رضاء المتعاقدین فقط، وإنما هی محددة بأحکام إلهیة، لا تستبعدها رغبة کلا الطرفین. وهی بذلک تخرج عن القواعد العامة للمسؤولیة العقدیة، لأنها ذات طبیعة استثنائیة خاصة. وعلیه سنوضح طبیعة هذه المسؤولیة وأرکانها فی النقطتین الآتیتین:
أولا: طبیعة مسؤولیة الخطبة:
"الخطبة تنشئ علاقات بین الطرفین لا یجوز تجاهلها، کما لا یمکن إغفال اعتبارها ولا تجریدها من أی تقدیر قانونی… فهو ارتباط قانونی وعقد قائم…"، وفی هذا العقد یلتزم کل من الطرفین بالعمل بحسن نیة، والسعی بنزاهة وشرف وصدق وأمانة من أجل التحضیر والإعداد والتهیئة لإبرام العقد النهائی فی الوقت الملائم. وأن العدول عن الوفاء بهذا الالتزام یوجب التعویض. ولیس فی هذا ما یمس حریة الزواج إطلاقاً، إذ إن لکل من الطرفین أصلاً أن یعدل عن الخطبة. ولکن إذا تم ذلک فی تهور أو عنف أو خالیاً مما یبرره أو بغیر مسوغ مشروع أو لمجرد الهوى، فإن ذلک یوجب التعویض عما لحق الطرف الآخر من ضرر وفقاً لأحکام المسؤولیة العقدیة الناشئة عن الإخلال بعقد قائم بین الطرفین .
وتجدر الإشارة إلى أن الفقه الإسلامی لا یعرف المسؤولیة العقدیة على غرار ما هو مقرر فی الفقه الوضعی فضمان العقد فی الفقه الإسلامی لا یعدو أن یکون بحثاً لتحدید( تبعیة الهلاک ) ولا علاقة له بالمسؤولیة العقدیة.
ثانیاً: أرکان المسؤولیة العقدیة للخطبة:
المسؤولیة العقدیة هی المسؤولیة التی" تنشأ عن إخلال بالتزام ناشئ عن عقد صحیح". وأرکان المسؤولیة العقدیة للخطبة- کأرکان المسؤولیة العقدیة بصورة عامة- ثلاثة وهی: الخطأ العقدی، الضرر، علاقة السببیة ما بین الخطأ والضرر. وهذا ما سنعالجه تباعاً.
1- الخطأ العقدی:
یقصد بالخطأ العقدی: عدم قیام المدین بالتزامه الناشئ عن العقد، أیاً کان السبب فی ذلک. والالتزام المطلوب تنفیذه من کلا طرفی الخطبة، هو التزام ببذل الجهد للوصول إلى عقد الزواج، سواء تحقق عقد الزواج أم لم یتحقق. فهو التزام بعمل ولکنه عمل لا تضمن نتیجته. - فهو التزام بوسیلة – والمهم فیه أن یبذل طرفاً عقد الخطبة لتنفیذه مقداراً معیناً من العنایة، وهی التحضیر والإعداد والتهیئة لعقد الزواج بحسن نیة. والأصل أن یکون هذا المقدار هو العنایة التی یبذلها الشخص العادی. لأن "فسخ الخطبة…، رخصة لا یجوز الانحراف فی استعمالها عن السلوک المألوف للشخص العادی…". ویجوز التعویض عن فسخ الخطبة ، إذا سبق الفسخ استهواء أو سببت الخطبة مصروفات. لأن الحکمة فی جواز العدول عن الخطبة هی تمکین طرفیها من تفادی الارتباط بزواج لا یحقق الغایة المرجوة منه، وأن الشرائع لا تحمی عدولاً طائشاً لا یبرره مسوغ یقتضیه، ولا یستطیع القضاء أن یتخلى عن سلطته فی تقدیر الأفعال التی یترتب علیها إضرار أحد الخطیبین بالآخر، سواء کان ذلک بسلوکه أثناء الخطبة أو بعدوله عنها بصورة ضارة، لأنه لیس هناک شیء أحق برعایة وإشراف القضاء اکثر من الحرمات والأعراض لمساسها بالإنسان ذاته.
2- الضرر:
یعد الضرر الرکن الثانی فی المسؤولیة العقدیة، فلابد من وجود ضرر یصیب أحد طرفی الخطبة نتیجة ارتکاب الطرف الآخر خطأً عقدیاً، لکی تترتب هذه المسؤولیة.
ویعرف الضرر بأنه "عبارة عن الأذى الذی یلحق الغیر وهو إما أن یکون مادیاً أو أدبیاً ویراد بالضرر المادی ذلک الأذى الذی یلحق خسارة مالیة بالمضرور… ویراد بالضرر الأدبی الأذى الذی یلحق شرف الإنسان وسمعته واعتباره ومرکزه الاجتماعی".
وتجدر الإشارة إلى أن القانون المدنی العراقی یشترط لقیام المسؤولیة العقدیة توافر رکن الضرر إذ تنص المادة(169/2) منه على أن " ویکون التعویض عن کل التزام ینشا عن العقد…".
أما عن موقف المشرع العراقی من التعویض عن الضرر الأدبی فی نطاق المسؤولیة العقدیة فإنه یقصر التعویض عن هذا الضرر على المسؤولیة التقصیریة دون العقدیة، وذلک لأن نصوص القانون المدنی فی موضوع المسؤولیة العقدیة (ضمان العقد) المواد (168-176) لا تتضمن أیة إشارة إلى الضرر الأدبی. على العکس من ذلک نلاحظ وجوب التعویض عن هذا الضرر فی المسؤولیة التقصیریة إذ تنص المادة (205/1) على أن" یتناول حق التعویض الضرر الأدبی کذلک…". وهذا هو اتجاه المشرع الأردنی کذلک إذ تنص المادة (267) مدنی أردنی على أن " یتناول حق الضمان الضرر الأدبی کذلک…".
أما عن موقف الفقه الإسلامی فإنه لا یعرف المسؤولیة العقدیة، وهو یقضی بالتعویض عن الضرر المادی الواقع فعلاً، أما فی نطاق الفعل الضار فإنه لا یقر التعویض عن الضرر الأدبی کقاعدة عامة.
قد یترتب على العدول عن الخطبة ضرر للطرف الذی لم یعدل، فقد ینال المخطوبة ضرر بسبب عدول الرجل لأنها أعدت الجهاز أو قصد من خطبته تشویه سمعة المخطوبة، أو منعها من الزواج فی فترة من الفترات، أو إلحاق ضرر مادی أو معنوی بها. فهل یغرم العادل من ماله عوضاً للأضرار المالیة وغیر المالیة ؟
إذا رجعنا إلى کل من قانون الأحوال الشخصیة العراقی والأردنی نلاحظ أنهما لم یتعرضا للتعویض بالضرر؛ ولم یأخذ به بسبب فسخ الخطبة؛ ولذلک فإن المطالبة بالتعویض فی هذه الحالة طبقاً لقانون الأحوال الشخصیة لا تقبل.
وبما أن الخطبة عقد غیر ملزم فإن العدول لا یرتب حقاً فی التعویض إلا إذا ترتب علیه ضرر مالی أو أدبی لأحد الطرفین، فإن الطرف العادل یعد مسؤولاً عن تعویض الضرر. ومثال ذلک: إذا نجم عن قطع الخطبة شیء من المتاعب والمعاناة، وأدى إلى تفویت فرص کثیرة، کتفویت فرصة العمل أو تفویت فرصة الزواج من شاب أو فتاة أخرى، أو "إذا جرى ذلک فی تهور، أو عنف، أو خالیاً مما یبرره أو بغیر مسوغ مشروع، أو لمجرد الهوى، فإن ذلک یوجب التعویض. والتعویض الأدبی لا یقصد به الإثراء ولکن لرد الکرامة ومحو الأثر السیء الذی تخلف عن فعل المخطئ. وتستحق الخطیبة تعویضاً مادیاً عما لحقها من ضرر فیما تکلفته من معدات الزواج فی مجموعها مادامت لا تضمن الانتفاع بها على الوجه الصحیح".
أما عن موقف الشریعة الإسلامیة، فإن أغلب الفقه الشرعی المعاصر یرى أنه وإن کان لاضمان على من استعمل حقه الشرعی فی فسخ الخطبة فی أی وقت یشاء ،حسب القاعدة الشرعیة " الجواز الشرعی ینافی الضمان، فمن استعمل حقه استعمالاً جائزاً لم یضمن ما ینشأ عن ذلک من الضرر". وبالرجوع إلى القاعدة الشرعیة "لا ضرر ولا ضرار. والضرر لا یزال بمثله…" إذ تحرم قصد الإضرار بالغیر، لذلک یتعین التفریق بین حالتین:
الحالة الأولى: أن یکون لأحد الطرفین دخل فی الضرر الذی لحق الطرف الآخر بسبب عدوله عن الخطبة وذلک کأن یحمل المخطوبة على ترک وظیفتها فتترکها بناءً على رغبته ثم یعدل عن الخطبة. وفی هذه الحالة یجوز الحکم بالتعویض عن الضرر الذی یصیب الطرف الأخر نتیجة العدول عن الخطبة، للتسبب فی ضرر یوجب التعویض.
الحالة الثانیة: ألا یکون لأحد طرفی الخطبة دخل فی الضرر الذی أصاب الأخر بسبب العدول، وفی هذه الحالة لا مبرر للحکم بالتعویض، لعدم وجود الضرر. وأن التعویض متى تحقق فإنه یتعین أن یشمل الضرر المادی والأدبی.
3- علاقة السببیة بین الخطأ والضرر:
لا یعد کافیاً أن یکون هناک خطأ وضرر، بل لابد أن یکون الخطأ هو السبب فی الضرر فالعلاقة السببیة تعنی أن یکون الضرر نتیجة طبیعیة لعدم قیام المدین – أحد طرفی عقد الخطبة – بتنفیذ التزامه، بالتحضیر والإعداد والتهیئة لإبرام عقد الزواج بحسن نیة. فعلاقة السببیة تعد رکناً مستقلاً عن رکنی الخطأ والضرر. ویعدم رکن السببیة إذا لم یکن الضرر على صلة مباشرة وحالة مع الخطأ الذی ارتکبه الخاطب الناکل.
والعلاقة السببیة قائمة ما بین الخطأ والضرر، وعبء إثبات علاقة السببیة یقع على مدعی التعویض لأن علیه إثبات أرکان المسؤولیة، والناکل عن الخطبة لا یستطیع نفی علاقة السببیة إلا بإثبات السبب الأجنبی، وذلک بأن یثبت أن الضرر یرجع إلى قوة قاهرة، أو حادث فجائی، أو یرجع إلى خطأ الطرف الآخر. وقد نصت المادة(211) من القانون المدنی العراقی إلى أثر السبب الأجنبی وعددت صوره إذ تنص على أنه: "إذا أثبت الشخص أن الضرر قد نشأ عن سبب أجنبی لا ید له فیه، کآفة سماویة أو حادث فجائی أو قوة قاهرة أو فعل الغیر أو خطأ المتضرر کان غیر ملزم بالضمان، ما لم یوجد نص أو اتفاق على غیر ذلک".
ومما تجدر الإشارة إلیه أن القرار الذی تصدره المحکمة بالتعویض یجب أن یتضمن تقدیر علاقة السببیة بین الخطأ والضرر والتثبت من تحققها، وإلا کان قرارها معرضاً للنقض من قبل محکمة التمییز.
الفرع الثانی
الآثار الإجرائیة
إن عد الخطبة عقدا تمهیدیاً یترتب علیه أثار قانونیة إجرائیة مهمة فیما یتعلق بقواعد الإثبات، وقواعد الاختصاص القضائی للمحاکم.
أولا: الآثار المترتبة على قواعد الإثبات الإجرائیة:
یقصد بقواعد الإثبات الإجرائیة: "هی القواعد التی تتبع فی سلوک طریق الإثبات وتوضح هذه القواعد طریقة تقدیم الدلیل أمام القضاء، للاستدلال به بوصفه دلیلاً فی الإثبات، وهذه القواعد وثیقة الصلة بنظام التقاضی وتتعلق بالنظام العام ، لذلک فهی إجراءات شکلیة واجبة الاتباع".
ویثار التساؤل هنا حول الجهة المختصة بتوثیق الخطبة، فلقد ترک المشرع العراقی مسألة توثیق الخطبة دون تنظیم على الرغم من أنه قد أعطى الاختصاص لمحکمة الأحوال الشخصیة لتسجیل الزواج وما یتعلق به، وسائر الأمور الزوجیة وهذا ما أکده قانون المرافعات المدنیة العراقی. و کان على المشرع العراقی أن یهتم بالخطبة لأنها عقد ممهد لإبرام عقد الزواج، وذلک عن طریق توثیقها لأنها مسألة فی غایة الأهمیة، إلا أن المشرع العراقی لم ینظر إلى هذه العملیة على أنها مثل الزواج، فی حاجة إلى تنظیم، ولذلک لم ینص علیها. وتقضی المحاکم بعدم اختصاصها بالنظر فی العدول عن الخطبة على أساس أن إثبات العدول عمل یتم بالإرادة المنفردة للناکل ولا شأن للقضاء به. فإذا لم یتمکن المضرور من إثبات عقد الخطبة، أو إذا استطاع المدعى علیه نفی وجود اتفاق الخطبة، فإن المدعی لا یستطیع الحصول على تعویض عن فسخ الخطبة. والسؤال الذی یمکن إثارته فی هذا المجال هو کیف یمکن إثبات عقد الخطبة إذن فی حالة عدم توثیقه ؟
إن سبب عدم توثیق عقد الخطبة یعود إلى الظروف النفسیة الخاصة بالعلاقة بین الطرفین وقت إبرام عقد الخطبة، وأن المطالبة بتوثیق الخطبة یثیر معنى عدم الثقة، ویتنافى مع العرف السائد فی الوقت الحاضر. إذ جرى العرف فی بعض صور التعامل على عدم أخذ دلیل کتابی فیها، کما هو الأمر فیما یتعلق بتوثیق الخطبة لوجود مانع أدبی. وقد أورد المشرع العراقی نصا عاماً یشمل هذه الحالات ولاسیما إذا کانت القرابة قریبة جداً إذ تنص المادة (18/ثانیاً) من قانون المرافعات العراقی على أنه" یجوز أن یثبت بجمیع طرق الإثبات ما کان یجب إثباته بالکتابة فی حالتین: ثانیاً- إذا وجد مانع مادی أو أدبی حال دون الحصول على دلیل کتابی". وفی هذه الحالة یمکن اعتماد هذا النص من أجل إثبات عقد الخطبة فی حالة عدم التوثیق، لوجود المانع الأدبی، وبذلک یمکن إثبات عقد الخطبة بجمیع طرق الإثبات ، لأنه قد جرى العرف على عدم إبرام اتفاق مکتوب للخطبة، وهذا یتفق مع القاعدة الفقهیة الإسلامیة التی نص علیها القانون المدنی العراقی"المعروف عرفاً کالمشروط شرطاً. والتعیین بالعرف کالتعیین بالنص".
ثانیاً: الآثار المترتبة على قواعد الاختصاص :
ویقصد بقواعد الاختصاص "هی تلک القواعد الإجرائیة القانونیة التی تحدد المنازعات التی تدخل فی ولایة کل محکمة، وفکرة الاختصاص تفترض أساساً تعدد المحاکم داخل الدولة الواحدة".
یثار التساؤل هنا عن الجهة المختصة فی النظر بالآثار المترتبة على العدول عن الخطبة من حیث التعویض ؟
إن المشرع العراقی قد ترک هذا الموضوع دون تنظیم على الرغم من أن القانون العراقی قد أعطى الاختصاص لمحکمة الأحوال الشخصیة بالنظر فی الأمور التی تتعلق بالزواج والمهر، وسائر أمور الزوجیة. کما أعطى الاختصاص لمحکمة البداءة إذا تعلق الأمر بمواد الأحوال الشخصیة لغیر المسلمین وللأجانب الذین یطبق علیهم فی أحوالهم الشخصیة قانون مدنی.
لذا فإن عد الخطبة وعداً – بمفهومها الحالی – تثیر مشکلة من حیث قواعد الاختصاص القضائی، إذ أن الاختصاص بشأنها یتوزع بین محکمتی الأحوال الشخصیة والبداءة، وذلک حسب نوع النزاع الناجم عن الخطبة، فإذا کان متعلقاً بالهدایا، تسری علیها أحکام الهبة. وبالرجوع إلى أحکام الهبة فی القانون المدنی العراقی نجد أنه قد نظم کیفیة استرداد الهدایا التی تقدم من أحد الخطیبین للآخر، على الرغم من عدم صحة قیاس هدایا الخطبة على الهبة لاختلافهما من حیث اللزوم والغایة وحالات الرجوع وموانعه. فالاختصاص فی هذه الحالة یکون لمحکمة البداءة. إذ جاء فی قرار لإحدى المحاکم المصریة بأن : " هدایا الخطبة لیست من مسائل الأحوال الشخصیة. هی من قبیل الهبات ویسری ما یسری على الهبات من أحکام. تطبق فی حق الخاطب فی استرداد تلک الهدایا أحکام الرجوع فی المادة (500) من القانون المدنی وما بعدها". أما إذا تعلق الأمر بالمهر والجهاز فإن محکمة الأحوال الشخصیة هی المختصة فی نظر الدعوى.
إن اجتهادات محاکم الأحوال الشخصیة أو البداءة العراقیة تکاد تکون معدومة فیما یتعلق بالتعویض عن العدول عن الخطبة، وقرارات محاکم الدول الأخرى –کما بینا سابقاً- مضطربة ومتناقضة لتفاوت الاجتهادات الفردیة فی هذا المجال، فأکثر المحاکم تعد الخطبة وعدا غیر ملزم ولکل طرفی الخطبة حق العدول عنه. فی حین أن محاکم أخرى تعد الخطبة عقداً قائماً وملزماً، والعدول عنه یوجب التعویض. وهذا الأمر یعد تناقضاً واضحاً فی القرارات القضائیة. وأن مثل هذه القضایا لا تعرض على محاکم الأحوال الشخصیة بحجة أنها لا تدخل ضمن اختصاصها بل تحول إلى المحاکم المدنیة ، لأنها صاحبة الاختصاص، لأن المسؤولیة هنا مسؤولیة تقصیریة ولیست مسؤولیة عقدیة فی نظرهم.
ویرى البعض الأخر أن المسؤولیة هنا مسؤولیة تعسفیة، وأن نظریة التعسف فی استعمال الحق هی إسلامیة ، ولذلک لا یجوز الدفع بعدم الاختصاص بحجة أن التعویض أمر مالی، والنظر فی هذه الموضوعات هو من اختصاص المحاکم المدنیة.
ونعتقد أن المسؤولیة فی هذه المسألة هی مسؤولیة عقدیة کما توصلنا إلى أن الخطبة عقد تمهیدی مؤقت. لذا فانه من الضروری عرض مثل هذه القضایا أمام محاکم الأحوال الشخصیة، ذات الاختصاص فی قضایا الزواج والطلاق وسائر أمور الزوجیة، لوجود صلة مباشرة لمثل هذه القضیة بالزواج. کما أن هناک فائدة من نظر هذه القضایا أمام محاکم الأحوال الشخصیة إذ أن قاضی هذه المحکمة الذی نظر فی قضیة الخطبة وفسخها قد ألم بجمیع جوانب الموضوع. ولهذا فهو أقدر على إصدار القرار المناسب من القاضی المدنی الذی لم یتضح له إلا الجانب المالی فقط، ومن هنا فقد تغیب عنه کثیر من التفصیلات المهمة التی لها علاقة فی موضوع الدعوى، فهو بذلک لا یکون ملماً بجوانب هذه القضیة کافة.
الخاتمة :
أولاً: النتائج :
حاولنا فی هذا البحث أن نوضح الطبیعة القانونیة للخطبة وتفسیرها وبیان الآثار المترتبة على ذلک الوصف وتمییزها مما یشتبه بها من أوضاع.
إن عد الخطبة وعداً بالتعاقد یبدو أمراً مألوفا لدى غالبیة الفقهاء وکأنه أمر ثابت ومستقر، بید أن المتأمل لهذا الموضوع یجد أنه یثیر مشاکل قانونیة مهمة سواء ما یتعلق بالمواءمة بینهما من حیث الشکل أو المضمون أو ما یتعلق بطبیعتهما القانونیة.
فلو طبقنا القواعد العامة فان التنافر بینهما یظهر بوضوح لأن الخطبة تعد اتفاقاً یمهد لعقد الزواج فی حین أن الوعد بالتعاقد هو التزام لا بد من تنفیذه فی نهایة المطاف سواء أکان ملزماً لجانب واحد أم ملزماً للجانبین، على النحو الذی فصلناه فی البحث.
لقد أقر البحث بأن الخطبة هی عقد تمهیدی مؤقت، خاضعة لأحکامه، إذ أنها اتفاق رضائی ینعقد بتلاقی إرادتین الهدف منه التحضیر والتمهید لعقد الزواج الذی قد یبرم مستقبلاً أو لا یبرم. وعلى کلا طرفی عقد الخطبة مواصلة التفاوض بحسن نیة من أجل الوصول إلى عقد الزواج، وأن الإخلال بهذا الالتزام من قبل أحد الطرفین یستوجب التعویض. والتعویض هنا یستند إلى أحکام المسؤولیة العقدیة لا المسؤولیة التقصیریة، کما هو سائد فی معظم القرارات القضائیة.
کما أوضح البحث إمکانیة إثبات عقد الخطبة طرق الإثبات کافة استناداً إلى نص المادة (18/ ثانیاً) من قانون الإثبات العراقی. أما فیما یتعلق بالاختصاص القضائی فقد توصلنا إلى أنه یتعین نظر القضایا الخاصة بالتعویض عن فسخ الخطبة من قبل قاضی محکمة الأحوال الشخصیة کونه قد ألم بجمیع جوانب الموضوع.
ثانیاً: التوصیات :
لم ینظم المشرع العراقی فی قانون الأحوال الشخصیة الخطبة من حیث طبیعتها والآثار المترتبة علیها وإنما اقتصر على ما تنص علیه المادة(3/3) من هذا القانون على أن "الوعد بالزواج وقراءة الفاتحة والخطبة لا تعتبر عقداً"، فضلاً عن الفقرتین 2و3 من المادة/19 واللتان تنصان على إنه"2- إذا سلم الخاطب إلى مخطوبته قبل العقد مالاً محسوباً على المهر ثم عدل أحد الطرفین عن إجراء العقد أو مات أحدهما فیمکن استرداد ما سلم عیناً وإن استهلک فبدلاً.3- تسری على الهدایا أحکام الهبة".
ویعد هذا نقصاً تشریعیاً یتعین سده من خلال النص علیه، لذلک نوصی بإلغاء هذه الفقرات من المادتین (3و19) من قانون الأحوال الشخصیة واستحداث مواد مستقلة وکما یأتی:
أولاً: إلغاء الفقرة الثالثة من المادة الثالثة على أن یحل محلها:
المادة/ 1
أ ) الخطبة: عقد تمهیدی مؤقت، غایته التحضیر والتهیئة بحسن نیة لإبرام عقد الزواج.
ب) لکل من طرفی عقد الخطوبة العدول عن الخطبة.
ج) إذا ترتب عن العدول عن الخطبة ضرر مادی أو أدبی یتحمل المتسبب منهما التعویض للأخر على أساس المسؤولیة العقدیة الخاصة بالخطبة.
ثانیاً: تلغى الفقرة (2) من المادة(19) ویحل محلها ما یأتی:
المادة/ 2
أ- إذا عدل أحد الطرفین عن الخطبة أو مات أحدهما فللخاطب أن یسترد المهر إن کان قد أداه أو قیمته یوم استحقاق الرد أن تعذر رد عینه.
" ب- إذا اشترت المخطوبة بمقدار مهرها أو ببعضه جهازاً ثم عدل الخاطب فلها الخیار بین إعادة المهر أو تسلیم ما یساویه من الجهاز وقت الشراء".
ثالثاً: إلغاء الفقرة (3) من المادة (19) ویحل محلها ما یأتی:
المادة/ 3
" أ- إذا عدل الخاطب عن خطبته لا یسترد شیئاً مما أهداه لمخطوبته.
ب- وإذا عدلت المخطوبة جاز للخاطب أن یسترد ما أهداه إن کان قائماً، أو قیمته وقت الشراء إن کان هالکاً أو مستهلکاً.
The Author declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English)
Search References:
Arab sources after the Koran:
First: Sources of Arabic language and its glossaries:
1. Abu al-Fadl Gamal al-Din Muhammad ibn Makram Ibn Masur Afriq al-Masri, San Al-Arab, vol. I, Dar Sader, Beirut, without a year printed.
Second: Islamic jurisprudence books:
1. Ahmed Faraj Hussein, The Royal and Theory of Contract in Islamic Law, University House, Beirut, 1986.
2. Ahmad bin Ali bin Hajar al-Askalani, Fath al-Bari in Saheeh al-Bukhari, Dar al-Kuttab al-Alami, Beirut, 1989, (3/373).
3. Ahmed Nasr El-Gendy, Principles of Sharia Jurisprudence in 50 Years, Vol. I, II, Dar Al-Fikr Al-Arabi, Dar Ghareeb for Printing, Cairo, 1978.
4. Imam Abu Bakr al-Razi al-Jassas, the rulings of the Qur'an, 1, 1, the Arabic Book House, Beirut, 1335 AH.
5. Imam Abu Dawud Sulaiman al-Sejasistani, Sunan Abi Dawad al-Sunan, i 1, Dar al-Arqam bin al-Arqam, Beirut, 1999.
6. Dr. Abdul Razzaq al-Sanhouri, Sources of the Right to Islamic Jurisprudence, Dar al-Ma'aref, Egypt, 1967.
7. Abbas al-Jumaili, Guide to the Ja'fari Judgments in Personal Perspectives, 1, 1, Dar al-Ihiyya for Islamic Books, Al-Nu'man Press, Najaf, 1958.
8. Fathi al-Derini, Comparative Islamic Jurisprudence with the Schools of Thought, vol. 5, Damascus University, Damascus, 1996-1997.
9. Imam Muhammad ibn Rushd al-Qurtubi, beginning of al-Mujtahid and the end of al-Muqtasid, c2, i6, Dar al-Ma'arefah, Beirut, 1982.
10. Mustafa Ahmed Zarqa, Islamic Jurisprudence in the New Thobe, C1, Introduction General Jurisprudence, I 9 revised and augmented, A. Press B, Damascus, 1967-1978.
11. Mustafa Ahmed Zarqa, Islamic Jurisprudence in the New Thobe, C2, General Jurisprudence Introduction, I 10, Tarabin Press, Damascus, 1968.
12. Imam Muhammad ibn Ismail al-Sanani, Ways of Peace Explain the blog of al-Maram from the collection of evidence of judgments, c. 3, Safa Library, Cairo, 2005.
13. Muhammad Kamal Al-Din Imam, Marriage and Divorce in Islamic Jurisprudence, 1, University Institution for Studies, Publishing and Distribution, Beirut, 1996.
14. Mahmoud Shaltout, Fatwa, I 8, Dar al-Shorouk, Cairo, 1975.
Third: Legal Books:
15. Dr. Ahmad Al-Kubaisi, Personal Status in Jurisprudence, Jurisprudence and Law, C1, Al-Irshad Press, Baghdad, 1979.
16. Ahmed Ali Al-Khatib, Hamad Al-Kubaisi, d. Muhammad Abbas al-Samarrai, Explanation of the Personal Status Law, I 1, University of Baghdad, 1980.
17. Ahmed Nasr Al-Jundi, Principles of Sharia Jurisprudence in 50 Years, Vol. I, II, Dar Al-Fikr Al-Arabi, Dar Ghareeb for Printing, Cairo, 1978.
18. Dr. Akram Yamalki, d. Al-Shamma, Commercial Law, Mosul University Press, Mosul, 1980.
19. Dr. Tawfiq Hassan Faraj, Rulings on the Personal Status of Non-Muslims, University Press and Publishing House, Beirut, 1982.
20. Dr. Hassan Ali Al-Nun, Al-Mabsout in Civil Liability, Al-Taamis Printing and Publishing Company, Baghdad, 1991.
21. Dr. Saad Hussein Abdul Melhem, Negotiation in Contracts through the Internet between General Rules in the Theory of Commitment and Scientific Imperatives, I, Encyclopedia of Iraqi Laws, Sabah Sadiq Jafar, Baghdad, 2004.
22. Salih Hanafi, Personal Status Judge Nafala and Mala, Arabic Writer and Publishing House, Cairo, no year printed.
23. Dr. Abbas Aboudi, Explanation of the Iraqi Law of Evidence, I 2 revised and Mzida, Dar al-Ketub, Mosul, 1997.
24. Dr. Abbas Al-Aboudi, Explanation of Civil Procedure Law, Comparative and Enhanced Judicial Applications, Dar Al-Ketub for Printing and Publishing, Mosul / 2000.
25. Abd al-Rahman al-Sabouni, Personal Status Marriage and Divorce and their Effects, C1, Aleppo University Press, Aleppo, 1965.
26. Alaeddin Kharoufa, The Iraqi Personal Status Law, No. 188 of 1959, C1, Al-Ani Press, Baghdad, 1962.
27. Dr. Abdul Razzaq Al-Sanhoury, Waseet in Explaining Civil Law, C1, Publishing House of Egyptian Universities, Cairo, 1952.
28. Dr. Abdul Majid al-Hakim, Abdul Baqi al-Bakri, Muhammad Taha al-Bashir, Al-Wakiz in the theory of commitment in Iraqi civil law, sources of commitment, C1, Baghdad University Press, Baghdad, 1986.
29. Amr Abdel-Moneim Selim, Etiquette of Engagement and Wedding in the Book and Sunnah of the Sunnah, I, Al-Iman Bookstore in Mansoura, Cairo, 2000.
30. Mohamed Ahmed Abdeen, Personal Status Law for Non-Muslims with the Judgments of the Cassation and Opinions of Jurisprudence, University Publications House, Alexandria, 1984.
31. Mohamed Kamal Abdel Aziz, Civil Regulation in the Light of Judgment and Fiqh, Cairo Modern Library, Cairo, no year printed.
32. Mustafa Hosny Al-Sibai, Explanation of the Syrian Personal Status Law, Marriage and its Effects, C1, I5, Damascus University Press, Damascus, 1962.
33. Dr. Mahmoud Al-Sari Tawi, Explanation of the Jordanian Personal Status Law, First Section, Marriage Contract and its Effects, 1, Dar Al-Adawi for Printing, Publishing and Distribution, 1981.
34. Dr. Yassin Mohammed al-Jubouri, Maboutot in explaining the Civil Law, C1, Sources of Personal Rights, Volume I, Theory of Contract, Section I, Contract, 1, Dar Wael, Amman, 2002.
Fourth: Undergraduate Studies and Research:
35. Sulaiman Barak Al-Jumaili, The Struggle Negotiations, Master's Thesis Presented to the Faculty of Law, Saddam University, Baghdad, 1998.
36. Dr. Abdul Razzaq Sheikh Najeeb, The Engagement in a New Juristic Perspective, Research published in the Journal of Law, Kuwait University, First Issue, 25th Year 2001, Kuwait, 2001.
37. Dr. Mustafa Ibrahim Al-Zalmi, Proposals to Amend the Iraqi Personal Status Law No. 188 of 1958, published in Saddam College Journal of Law, Volume 5, No. 7, March 2001, Saddam University, Baghdad, 2001.
38. Dr. Muhammad Abd-al-'Aziz 'Umar, The Discourse and its Implications for Old and Modern Jurists, Research published in Dirasat, Sharia and Law, Vol. 16, No. 10, October 1989.
Fifth: Laws:
39. Iraqi Civil Code No. 40 of 1951 as amended.
40. The Iraqi Personal Status Law No. 188 of 1959, the effective rate.
41. Jordanian Civil Code No. 43 of 1976 in force.
42. Jordanian Personal Status Law No. 61 of 1976, amended by the amended law No. 82 of 2001.
43. Draft Law on the Unified Personal Status of the Egyptian and Syrian Regions in the Period of Unity between Them, 1, Dar Al-Qalam Damascus, Dar Al-Shamiya, Beirut, 1996.
Sixth: Sources in French:
44.Philippe Malaurie, Laurent Aynes, Cours de droit Civil, Tome v1, Les Oblications, Editions Cuja.Paris, 1994.
45. Philippe Malaurie - Laureent Aynes- Pierre-yves autier, les. Contrats Speciaux, Defrenois, Paris, 2003.
46. Alain Benabemt, Droit civil, Montchestien, Paris, 1991.