الملخص
توصف جریمة القتل بکونها من الانتهاکات البالغة الجسامة الواقعة على الانسان، فالانسان باعتباره مجموعة من القیم الهامة التی یضطلع قانون العقوبات بتأمین الحمایة لأبرزها، یعتبر موضوعاً یقع علیه الاعتداء فی جریمة القتل، وخاصة ان هذه الجریمة تستهدف حرمانه من أبرز قیمة یمتلکها، الا وهی حیاته.
إن جریمة القتل هی من أبرز الجرائم الواقعة على الانسان، وقد حرمت ارتکابها الادیان السماویة کافة، والتشریعات الوضعیة بلا استثناء، وبضمنها قانون العقوبات العراقی رقم (111) لعام 1969، وذلک بالنظر لخطورتها بالنسبة للمجتمع والمصالح التی یقوم التشریع العقابی بحمایتها، وقد کانت موضوعاً لکثیر من الدراسات المعمقة فی القانون الجنائی، سواءً على صعید الدراسات النظریة الاکادیمیة، أو على صعید الدراسات التطبیقیة المتعلقة بشرح التشریعات العقابیة النافذة وتطبیقها
الكلمات الرئيسة
الموضوعات
أصل المقالة
جریمة قتل شخصین فأکثر فی قانون العقوبات العراقی -(*)-
The homicide of two persons and more on the Iraqi Penal Law
حسین عبد علی عیسى کلیة القانون / جامعة السلیمانیة Hussein Abd Ali Issa College of Law / University of Sulaymaniyah Correspondence: Hussein Abd Ali Issa E-mail: |
(*) أستلم البحث فی //*** قبل للنشر فی //.
(*) Received on *** accepted for publishing on .
Doi: 10.33899/alaw.2005.160458
© Authors, 2005, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
مقدمة :
توصف جریمة القتل بکونها من الانتهاکات البالغة الجسامة الواقعة على الانسان، فالانسان باعتباره مجموعة من القیم الهامة التی یضطلع قانون العقوبات بتأمین الحمایة لأبرزها، یعتبر موضوعاً یقع علیه الاعتداء فی جریمة القتل، وخاصة ان هذه الجریمة تستهدف حرمانه من أبرز قیمة یمتلکها، الا وهی حیاته.
إن جریمة القتل هی من أبرز الجرائم الواقعة على الانسان، وقد حرمت ارتکابها الادیان السماویة کافة، والتشریعات الوضعیة بلا استثناء، وبضمنها قانون العقوبات العراقی رقم (111) لعام 1969، وذلک بالنظر لخطورتها بالنسبة للمجتمع والمصالح التی یقوم التشریع العقابی بحمایتها، وقد کانت موضوعاً لکثیر من الدراسات المعمقة فی القانون الجنائی، سواءً على صعید الدراسات النظریة الاکادیمیة، أو على صعید الدراسات التطبیقیة المتعلقة بشرح التشریعات العقابیة النافذة وتطبیقها.
ان جریمة القتل العمد لشخصین فأکثر هی واحدة من أهم صور جریمة القتل ومن أخطرها، وقد عاقبت على ارتکابها التشریعات العقابیة فی الدول على اختلافها بصورة مشددة، وقد تم اعتماد هذه الصورة فی هذا البحث کمنطلق لدراسة أنواع جریمة قتل شخصین فأکثر، سواء أکانت عمدیة (مرتکبة مع توافر القصد الجنائی)، او غیر عمدیة (بخطأ).
لقد نص المشرع العراقی على جریمة قتل شخصین فأکثر فی عدد من مواد قانون العقوبات لعام 1969، الا ان المواد العقابیة المکرسة لأشکال هذه الجریمة قد وردت وفق صیاغات تشریعیة یمکن أن تؤدی الى التباس الباحثین القانونیین بصدد مضامینها، وکذا الى وقوع أجهزة الدولة المطبقة لقانون العقوبات فی اغلاط تطبیقیة، کان من الممکن تلافیها فیما لو جاءت هذه الصیاغات أکثر دقة وتفصیلاً.
إن الصیاغة، بل الصیاغات التشریعیة المتعددة والمتنوعة لمفهوم قتل شخصین فأکثر، التی یتضمنها قانون العقوبات لعام 1969 یمکن أن تؤدی بطبیعة الحال الى اعطاء تفسیرات متعددة لذات النص (أو النصوص) التشریعیة، مما یؤدی هذا بطبیعة الحال الى عدم وحدة التطبیق العملی من قبل العاملین فی أجهزة العدالة الجنائیة.
إن تحدید مفهوم جریمة قتل شخصین فأکثر، و التوصل الى المعاییر المناسبة لعزل هذه الجریمة عن غیرها من الاعتداءات الاجرامیة المتضمنة ازهاق حیاة شخصین أو أکثر، لا یتضمنا اهمیة نظریة فحسب، بل وتطبیقیة أیضا.
إن التطبیق الصائب للتشریع العقابی النافذ یعتبر مقدمة اساسیة لارساء رکائز العدالة الاجتماعیة، ولتجسید مبدأ مشروعیة الجرائم و العقوبات، الا أن تطبیق هذا التشریع على الوجه الأمثل یتطلب دون شک وجود التفسیر الواضح والدقیق لنصوصه، وهذا لا یمکن أن یتحقق فی ظل عدم دقة هذه النصوص، وتوافر التشابه فی صیاغتها، بل وحصول التنازع بین القواعد القانونیة الجنائیة المنطویة على تجریم الاعتداء الاجرامی والعقاب علیه.
إن وجود العدید من المعضلات القانونیة بالنسبة لتفسیر مفهوم جریمة قتل شخصین فأکثر، والتباین فی الرأی بصددها بین الباحثین القانونیین، والعاملین فی التطبیقات التحقیقیة والقضائیة فی بلدان العالم على اختلافها، کان من ضمن الأسس لاختیار هذه الصورة من صور القتل موضوعاً لهذا البحث.
إن هذا البحث یتضمن مبحثین، کرس المبحث الأول منهما لتحدید مفهوم جریمة القتل على وجه العموم، وابراز سماتها، وکذا اعطاء تصنیف نظری لصورها المختلفة، وهو تصنیف لا یعمل الکثیر من فقهاء القانون الجنائی على ادراجه فی بحوثهم المکرسة لدراسة جریمة القتل، أما المبحث الثانی، فتضمن جملة من المعضلات القانونیة المتعلقة بجریمة قتل شخصین فأکثر فی قانون العقوبات العراقی لعام 1969، من حیث تحدید مفهومها، وأبراز أوجه التشابه والاختلاف بین صورها المختلفة.
وقد احتوت خاتمة البحث ابرز الاستنتاجات والتوصیات بالنسبة لموضوع البحث.
لقد أعتمد الباحث فی دراسته لجریمة قتل شخصین فأکثر فی قانون العقوبات العراقی لعام 1969 على مناهج أبرزها: التحلیل والمقارنة والاستنتاج.
المبحث الأول
مفهوم القتل، سماته وأنواعه
کقاعدة، لا تحتوی التشریعات العقابیة على تحدید لمفهوم جریمة القتل، الا ما ندر، ومنها قانون العقوبات الفرنسی، الذی حدد جریمة القتل العمد على سبیل المثال بکونها ازهاقاً لروح انسان تعمداً (المادة/ 295). ولعل الاسباب الکامنة وراء ذلک انما تنحصر من حیث الأساس فی أن جریمة القتل هی من الجرائم المعروفة منذ أقدم العصور، اذ عاقبت على ارتکابها أقدم التشریعات، کما انها ظاهرة عاشتها، وتعیشها کل المجتمعات بدون استثناء، ولهذا لم یرَ المشرع موجباً لتعریف ظاهرة معروفة.
وفی الوقت ذاته، هناک جملة من التعقیدات المرتبطة بوضع تعریف لجریمة القتل، منها ما یتعلق بمفهوم هذه الجریمة، حیث تعددت الآراء الخاصة بتعریفها فقهیاً، ومنها ما یرتبط بتعدد أنواعها، مما دفع بالمشرع الى أن یستبعد ضرورة وضع تعریف موحد وجامع لأنواع القتل کافة، وهو ما یمکن أن یخفق فیه المشرع إن أوجز فی التعریف، وهو ما یتطلب الأخذ به بالنسبة للتشریعات العقابیة.
ولعل لهذه الأسباب وغیرها اکتفى المشرع العراقی بدوره بتحمیل المسؤولیة الجنائیة لقاء جریمة القتل فی المواد/ 405-407، 409-411 عقوبات عراقی دون تحدید لمفهومها، فالمادة/ 405 عقوبات عراقی، المحتویة على الارکان الأساسیة (العامة) لجریمة القتل نصت على الآتی لا غیر:" من قتل نفساً عمداً یعاقب بالسجن المؤبد أو المؤقت"، ومن هنا یکون من اللازم الاستناد الى نظریة القانون الجنائی فی تحدید هذا المفهوم ومن ثم العمل على تحدید تلک السمات الواصفة لأرکان هذه الجریمة التی فی ضوئها یمکن عزلها عن بقیة الجرائم المماثلة.
أن القتل فی الفقه الجنائی عبارة عن اعتداء على الغیر تترتب علیه وفاته، أو هو سلب انسان حق الحیاة، أو هو ازهاق حیاة انسان بفعل انسان آخر، عمداً أو عن خطأ، وبدون وجه حق، أو هو عدوان على حیاة انسان باماتته، ..الى غیر ذلک.
وعلى وجه العموم هناک اتفاق على ان جریمة القتل عبارة عن ازهاق حیاة انسان آخر خلافاً للقانون، بقصد جنائی أو بخطأ، أو هی حرمان انسان آخر من حیاته خلافاً للقانون عمداً أو بأهمال. ومثل هذا التعریف یعتبر تعریفاً جامعاً للسمات کافة، التی بموجبها یمکن عزل جریمة القتل عن غیرها من الجرائم المماثلة التی تعتدی على حیاة الانسان، بأعتباره مجموعة من القیم التی یحمیها قانون العقوبات.
وتأسیساً على التعریف المذکورة آنفاً یمکن استخلاص السمات التالیة لجریمة القتل:
أولاً: أن القتل هو الحرمان من الحیاة تحدیداً.
ثانیاً: أن القتل یتعلق بحرمان انسان من الحیاة.
ثالثاً: أن القتل یمس حیاة انسان آخر.
رابعاً: أن القتل مخالف للقانون.
خامساً: یمکن أن یرتکب القتل بقصد جنائی أو بخطأ.
وعلیه، أن تعریف جریمة القتل وفقاً للسمات المذکورة آنفاً یستند الى عناصر أرکان الجریمة على وجه التحدید، أی ان التعریف المذکور یجسد عدداً من السمات الواصفة لأرکان جریمة القتل، سواءً المادیة (الموضوع المعتدى علیه، والرکن المادی للجریمة)، أو المعنویة (الرکن المعنوی للجریمة، فاعل الجریمة)، ولذا فأن تحدید واقعة معینة کجریمة قتل یتطلب بالضرورة معرفة تلک السمات الواصفة لأرکان جریمة القتل، ولیست السمات الواصفة لأرکان ایة جریمة أخرى، وخاصة ان عناصر أرکان الجریمة یجب ان تحدد کذلک بهدف عزل جریمة القتل عن الوقائع الاجرامیة أو غیر الاجرامیة على حد سواء.
أن حیاة الانسان هی الموضوع، الذی یتعرض مباشرة للأعتداء فی جریمة القتل، فالانسان، بل على وجه التحدید والدقة شخصیة الانسان،
تتکون من مجموعة کبیرة من القیم، تعتبر الحیاة (أو الحق فی الحیاة) على رأسها، وهی التی یتعرض الانسان للحرمان منها عند ارتکاب جریمة القتل ضده.
وعلیه، عند دراسة جریمة القتل، من الضروری تحدید ماهیة حیاة الانسان، أی تحدید سمات الحیاة بالنسبة للمجنی علیه، فالمجنی علیه فی جریمة القتل یجب ان یکون حیاً، فلیس من المنطقی الحدیث عن جریمة تتمثل فی الحرمان من الحیاة بالنسبة لمن لا یمتلکها، ذلک لأن للحیاة بدایة ، وکذا نهایة.
الا أن تحدید بدایة الحیاة ونهایتها بالنسبة للانسان ینطوی على جانب من التعقید، فمتى یعتبر الانسان حیاً اذاً؟ ومتى یکون فی عداد الأموات؟ بعبارة اخرى، متى ینظر الى حیاة الانسان کموضوع معتدى علیه بالنسبة لجریمة القتل وفقاً للقانون الجنائی.
أن بدایة الحیاة بالنسبة للانسان لایمکن أن تربط لحظتها بوجوده جنیناً فی رحم أمه، أو حال ولادته (فقد یکون میتاً حینذاک)، ولهذا یمکن القول، أن الانسان یعتبر حیاً بالنسبة للقانون الجنائی متى ما کان مستقلاً فی نشاطه الجسمانی (الحیاتی)، فحینها بالمستطاع القول، أنه یمتلک حیاة مستقلة.
وعلیه، ان بدء الحیاة یجب ان یربط تحدیداً بولادة الانسان، أی انفصال الجنین عن أمه، واستقلاله بنشاطه الجسمانی عنها، وخیر دلیل على اعتباره حیاً، هو بدءه بالتنفس بصورة مستقلة عن أمه، فعند البت فی مسألة ولادة الانسان حیاً او میتاً یعتمد الطبیب الشرعی (العدلی) بصورة أساسیة على وجود أو انتفاء الهواء فی رئتیه، اذ أن وجود الأوکسجین فی رئتی الجنین، انما هو دلیل على أن الحیاة قد دبت فیه، فی حین ان عدم وجوده انما هو دلیل لا یقبل الشک على أن الجنین قد ولد میتاً.
أن بدایة الحیاة بالنسبة للانسان یجب أن تربط بالمیلاد، ولیس بأی وجود آخر له فی هذا العالم، سواء فی رحم الأم أو ماشابه، مما یسمى على سبیل المثال، بالحمل الأصطناعی (أطفال الزجاجة). وفی ظل ذلک لایشترط ان یکون الجنین - کی یعتبر حیاً- قد فصل بصورة کاملة عن أمه.
ومن جانب ثانٍ، یرتبط تحدید نهایة الحیاة (سمات الموت) بعدد آخر من التعقیدات، الا أن المعیار الذی یجب ان یستند الیه ینبغی أن یکون موحداً، سواء بالنسبة لتحدید بدء الحیاة (المیلاد) او نهایتها (الموت)، ومن هنا، ان کان وجود الأوکسجین فی الرئتین هو الدلیل على بدء الحیاة، فأن توقف الرئتین عن العمل یجب أن یکون کذلک دلیلاً على انتهاء الحیاة بالنسبة للانسان.
وموت الانسان ینقسم الى نوعین:
النوع الأول تطلق علیه من الناحیة الطبیة تسمیة الموت الأکلیینی، وهو الذی یمکن وصفه بکونه الموت الوقتی (لفترة زمنیة قصیرة) للأنسان. وعند توافر سمات هذا النوع من الموت یمکن اللجوء الى وسائل الانعاش الطبیة لاعادة الحیاة للانسان، وخاصة ان حالات هذا النوع من الموت ترتبط بتوقف القلب عن العمل بصورة مؤقتة، وتنتهی هذه الحالات عادة باعادة القلب الى سابق نشاطه.
أما النوع الثانی من الموت، فهو الموت الفسیولوجی، الذی یرتبط من حیث الجوهر بالنوع الأول من الموت (الموت الأکلیینی)، فهو ینحصر فی توقف عملیة تزود أجهزة الجسم بالأوکسجین نظراً لانهیار الجهاز العصبی المرکزی (توقف خلایا الدماغ عن العمل).
أن لحظة الموت الفسیولوجی هی لحظة انتهاء الحیاة، وهی الحالة التی فی ظلها یکون الانسان میتاً من الناحیة القانونیة، والتی فی حدودها لا یعتبر الانسان موضوعاً لجریمة القتل، ومن هنا فأن ارتکاب "جریمة القتل" ازاء انسان میت (جثة انسان تحدیداً) باطلاق النار مثلاً علیه، لا یمکن أن یعتبر قتلاً، بل شروعاً فی القتل، وذلک بالنظر لاستحالة تجسید نیة القتل فی الواقع العملی، مهما بذل الجانی من جهد فی سبیل تحقیق ذلک.
أن الحیاة، التی تعتبر موضوعاً لجریمة القتل، هی حیاة الانسان، ولیست حیاة الکائنات الحیة الأخرى، کالحیوانات مثلاً، ولهذا فأن ازهاق حیاة حیوان على سبیل المثال لا یمکن أن یعد جریمة قتل بمقتضى قانون العقوبات العراقی لعام 1969، بل ان مثل هذه الواقعة یجب ان تکیّف باعتبارها اتلافاً للممتلکات أو تخریباً لها استناداً الى أحکام المواد/ 482، 483، 485، 486 عقوبات عراقی، فالقتل یجب أن ینصب على حیاة کائن حی، هو الانسان على وجه التحدید.
کما أن القتل یجب ان یکون موجهاً نحو حیاة أنسان آخر، ولیس نحو حیاة الانسان نفسه، فعلى ضوء هذه السمة یمکن أن تعزل جریمة القتل عن الانتحار مثلاً، فالشخص الذی "یقتل" نفسه، لایعد فی نظر قانون العقوبات قاتلاً، ولا یعاقب مثلاً لقاء مثل هذا "القتل" ان أمکن انقاذ حیاته من خلال تقدیم العنایة الطبیة العاجلة له، فالقتل یجب أن یکون موجهاً نحو حیاة أنسان آخر.
وفی جمیع الأحوال، یکون مرتکب جریمة القتل عرضة للعقاب، وإن کانت جریمة القتل قد ارتکبت من جانبه بناء على رضا المجنی علیه او طلبه أو رأفة به لمرض وبیل أصابه یعرضه لآلام لا طاقة له باحتمالها، کما أن الجانی یعاقب أیضاً لقاء القتل، سواء أکان المجنی علیه طفلاً او عجوزاً، مریضاً أو سلیماً، غنیاً أو فقیراً، ..الخ.
أما من ناحیة الرکن المادی للجریمة، فأن القتل عبارة عن فعل أو أمتناع عن فعل (ترک) یؤدی الى موت إنسان آخر، فالجانی یمکن أن یلجأ الى الفعل أو الامتناع عن الفعل، الذی ینطوی على امکانیة احداث الموت تحدیدأً، ولهذا لا یجب النظر الى أی فعل باعتباره جزءاً من الرکن المادی لجریمة القتل، وارتباطاً بذلک، لا یمکن تجسید الرکن المادی لهذه الجریمة عن طریق فعل أو امتناع لا یفضی الى الموت، بل الى الایذاء الجسمانی مثلاً، او لا یمکن أن یلحق الضرر بالمجنی علیه، کاللجوء الى التعاویذ السحریة على سبیل المثال، او ما شابه من أشکال السلوک، التی لا تؤدی الى الموت کنتیجة.
إن جریمة القتل یمکن ان ترتکب عن طریق الفعل أو الامتناع عن الفعل على حد سواء، فالرکن المادی لجریمة القتل یمکن أن یجسد عن طریق الفعل - السلوک الایجابی- من خلال اطلاق النار مثلاً على المجنی علیه، أو عن طریق الامتناع عن الفعل - السلوک السلبی- بعدم تقدیم العون مثلاً للمجنی علیه، الذی یکاد یغرق فی نهر بالقرب من الجانی، مع وجود الامکانیة لانقاذه، والتزام الجانی بالقیام بمثل هذا الواجب (تقدیم العون للغرقى) بحکم وظیفته.
کما إن الفعل (أو الامتناع عن الفعل) یمکن أن یتخذ صوراً عدة، منها ما له تأثیر جسمانی على المجنی علیه، کما فی المثال المتعلق باطلاق النار على المجنی علیه أو تسمیمه أو خنقه..الخ، وکذا ما له تأثیر نفسی (معنوی) علیه، کأفزاعه فزعاً شدیدأً یؤدی الى مماته، أو ابلاغ المجنی علیه، المریض بالقلب، بأخبار تقضی علیه.
إن الفعل او الامتناع عن الفعل المفضی الى موت المجنی علیه یجب أن یکون مخالفاً للقانون، وهذه الصفة هی التی تجعل جریمة القتل سلوکاً مخالفاً للقانون. وتتجلى أهمیة الاشارة الى هذه الصفة بالنسبة لجریمة القتل ارتباطاً بأنها تعتبر أساساً لعزل جریمة القتل عن عملیة تنفیذ عقوبة الاعدام مثلاً، التی تنحصر هی الأخرى فی حرمان انسان آخر من الحیاة - ولکن وفقاً للقانون- وکذا عن الحالات الأخرى لازهاق حیاة انسان آخر فی ظل توافر الاسباب المبیحة لذلک، کالدفاع الشرعی، أو بعض حالات الضرورة القصوى واداء الواجب، وتنفیذ الأوامر العسکریة أثناء المعارک والاشتباکات المسلحة، ..الى غیر ذلک.
وفی هذا الاطار، لا تعتبر موافقة المجنی علیه على ازهاق حیاته ظرفاً مستبعداً لصفة مخالفة واقعة الحرمان من الحیاة للقانون.
ان جریمة القتل عبارة عن جریمة ذات أرکان مادیة، فالرکن المادی للجریمة یتکون من فعل أو أمتناع عن فعل ینبغی أن یؤدی الى نتیجة اجرامیة محددة، هی موت المجنی علیه، فبدون توافر واقعة موت شخص آخر، لا یمکن الحدیث عن جریمة القتل، فالقتل - کما سبق تعریفه- هو ازهاق حیاة انسان آخر، وبالتالی من الضروری أن یترتب الموت کحصیلة حتمیة والزامیة لفعل القاتل أو امتناعه عن الفعل، فأن لم یحصل ذلک یجب تغییر وصف الجریمة، وبالتالی القیام بتکییفها بصورة أخرى، کأیذاء جسمانی أو جریمة ازاء الصحة، أو کشروع فی القتل، ولکن فی جمیع الأحوال لا یمکن أن توصف هذه الواقعة کجریمة قتل مکتملة.
فأذا لم تتحقق الوفاة بأن أوقف نشاط الجانی أو خاب أثره لسبب لا دخل لارادته فیه، فأن جریمته تکون شروعاً فی قتل عمد، متى توافر القصد الجنائی.
اضافة الى الطبیعة الخاصة بالنسبة للفعل أو الامتناع عن الفعل، أی طبیعة احداث الموت، فأن الفعل (أو الامتناع عن الفعل) یجب أن یکون على رابطة سببیة بالموت، فالفعل أو الامتناع عن الفعل یجب أن یؤدی الى نتیجة محددة هی موت المجنی علیه، کما وأن الموت فی الوقت ذاته یجب أن یکون حصیلة لفعل الجانی أو أمتناعه عن الفعل تحدیداً.
ولهذا، أن قام شخص باطلاق النار على شخص آخر، فأصابه اصابة غیر ممیتة، لکن المجنی علیه تعرض أثناء علاجه لتسمم فی الدم وتوفی ارتباطاً بهذا التسمم، فأن الجانی لا یمکن أن یساءل جنائیاً عن جریمة قتل تامة، ذلک لأن النتیجة (الموت) لا تتواجد فی رابطة سببیة مع فعله. وفی الوقت نفسه، ان توفی المجنی علیه بعد انقضاء مدة زمنیة، وأن طالت، وذلک بسبب اطلاق النار (الفعل) الذی سبق للجانی الاقدام علیه، فأن الجانی یجب أن یساءل عن جریمة القتل، لأن فعله هو السبب فی حدوث النتیجة (الموت).
إن جریمة القتل من حیث فاعلها، جریمة یمکن أن ترتکب من قبل شخص طبیعی (انسان) سلیم العقل وبالغ لسن المسؤولیة الجنائیة، ولهذا لا حدیث عن جریمة القتل ان ارتکبت من قبل حیوان مفترس مثلاً، فالحیوان، فی کل الاحوال، لا یمکن أن یعاقب، کما ان صاحبه لا یجب أن یتعرض للعقاب، الا فی ظل ظروف معینة، کقیامه على سبیل المثال بتحریض الحیوان على افتراس المجنی علیه، ففی مثل هذه الحالة مثلاً یمکن ان یعاقب لقاء القتل، کفاعل للجریمة بالواسطة، أی أن یساءل جنائیاً لقاء جریمة القتل التی نفذها الحیوان، وکأنما هو الذی ارتکب هذه الجریمة بنفسه.
ووفقاً لنفس هذا المعیار لا یمکن اعتبار الاحیاء الأخرى، کالأشجار مثلاً، أوالاشیاء الجامدة، کالصخور، اوالکوارث الطبیعیة، کالزلازل والسیول وغیرها، التی تتسبب فی موت انسان فواعل لجریمة القتل.
ان فاعل جریمة القتل، علاوة على کونه کائناً حیاً- انساناً- یجب أن یتمتع بشرطی فاعل الجریمة العام، وهما سلامة العقل وبلوغ سن المسؤولیة الجنائیة (المواد/ 60، 61، 64 عقوبات عراقی)، حیث تفترض صفة سلامة العقل توافر عنصری الادراک (ادراک الجانی لطبیعة فعله ونتائجه)، وکذا الارادة (وجود الرغبة لدى الجانی فی ارتکاب الفعل أو الامتناع عن الفعل، وکذا الرغبة فی احداث الموت، أو تقبل حدوثه فی جرائم القتل العمدیة، أو عدم الرغبة فی احداث الموت فی جرائم القتل غیر العمدیة). أما بلوغ سن المسؤولیة الجنائیة، فیعنی ان الجانی لا یمکن أن یساءل عن جریمة القتل، الا اذا کان بالغاً للسن المحددة فی قانون العقوبات، وببلوغها یمکن أن یکون طرفاً للمساءلة الجنائیة، وقد حددت هذه السن بموجب المادة/ 64 عقوبات عراقی بسبع سنوات.
ویعتبر فاعل جریمة القتل، کقاعدة، فاعلاً عاماً، أی الجانی الذی یتمتع بسمات فاعل الجریمة الاساسیة، وهی:
1- ان یکون شخصاً طبیعیاً (أنساناً).
2- سلامةالعقل.
3- بلوغ سن المسؤولیةالجنائیة.
الا أن قانون العقوبات العراقی یتضمن کذلک تحدید سمات أخرى (أضافیة) تجعل من فاعل جریمة القتل فاعلاً خاصاً، أی یتمتع بصفات خاصة، کما فی المادة/ 406 فقرة (1) ط عقوبات، التی نصت على تشدید المسؤولیة الجنائیة لفاعل جریمة القتل، ان کان شخصاً سبق له أن ارتکب جریمة قتل عمدی، وکذا المادة/ 407 عقوبات التی حددت الجانی بکونه الأم التی تقتل طفلها (ولیدها) حدیث الولادة. ففی هاتین الحالتین، ینظر الى الفاعل على اعتباره فاعلاً خاصاً، فاضافة الى سمات الفاعل العام المذکورة آنفاً، یجب أن یکون من ذوی السوابق (المادة/ 406 فقرة (1) ط)، أو أماً للطفل حدیث الولادة المجنی علیه (المادة/ 408).
وارتباطاً بالرکن المعنوی للجریمة، ترتکب جریمة القتل بقصد جنائی أو بخطأ، أی فی ظل توافر سمات صور القصد الجنائی (القصد المباشر والقصد الاحتمالی)، والخطأ (الاهمال الواعی والاهمال غیر الواعی)، المشار الیها فی المواد/ 34-36 عقوبات عراقی.
وهذا یعنی، أن ارتکاب جریمة القتل فی ظل توافر القصد الاحتمالی مثلاً یفترض وعی الجانی لطبیعة أفعاله ونتائجها، حیث ینبغی أن یعی الجانی خطورة الافعال التی یقدم علیها، وعلى انطوائها على امکانیة (احتمال) احداث النتیجة الاجرامیة (موت المجنی علیه)، مع تقبل هذه النتیجة فی حالة تسبب فعله فی ترتبها.
ومن هنا، فأن افتقار القصد الاحتمالی فی جریمة القتل الى السمات الواجب توافرها فیه، انما یعنی انتفاء الرکن المعنوی للجریمة، کأحد عناصر ارکان الجریمة، مما یستبعد تکییف الجریمة کجریمة قتل مع توافر القصد الاحتمالی، وهذا ما یمهد لطرح تساءل عن امکانیة توافر صورة أخرى من صور الرکن المعنوی فی جریمة القتل المرتکبة.
أن عدم توافر سمات أیة صورة من صور الرکن المعنوی للجریمة (القصد المباشر، القصد الاحتمالی، الاهمال الواعی، الاهمال غیر الواعی) انما یعنی أن الواقعة قد حدثت قضاءً وقدراً (صدفة)، وهو ما لا یعاقب علیه فی قانون العقوبات.
إن قانون العقوبات العراقی لعام 1969 یعاقب لقاء عدد من أنواع جرائم القتل، هی التالیة:
1- القتل العمد (المادة/ 405).
2- القتل العمد مع توافر الظروف المشددة (المادة/ 406).
3- قتل الأم لطفلها الحدیث العهد بالولادة (المادة/ 407).
4- القتل المرتبط بالتلبس بالزنا (المادة/ 409).
5- القتل الخطأ (المادة/ 411).
أن جرائم القتل فی التشریعات العقابیة النافذة فی البلدان العربیة تقسم عادة الى نوعین:
أولاً: جرائم القتل العمدیة (القتل بقصد جنائی).
ثانیاً: جرائم القتل غیر العمدیة (القتل الخطأ).
أی أن جرائم القتل فی التشریعات المذکورة تصنف بصورة رئیسیة الى مجموعتین، وذلک مع مراعاة المعیار المرتبط بارتکابها، بقصد جنائی أو بخطأ، وقد أخذ قانون العقوبات العراقی لعام 1969 بمثل هذا التصنیف، حیث تقسم جرائم القتل على أساس ذات المعیار الى:
1- جرائم القتل العمدیة (المواد/ 405 -407، 409).
2- جرائم القتل الخطأ (المادة/ 411).
الى جانب ذلک، هناک معاییر أخرى یمکن الاستعانة بها کذلک لتصنیف جرائم القتل، فارتباطاً بمعیار توافر أو انتفاء الظروف التکییفیة (الظروف المشددة أو المخففة للمسؤولیة الجنائیة) یمکن تقسیم جرائم القتل العمدیة الى نوعین:
1- جرائم القتل العمدیة العادیة أو البسیطة (المادة/ 405).
2- جرائم القتل العمدیة مع توافر الظروف التکییفیة (المواد/ 406، 407، 409).
ووفقاً لنوع الظروف التکییفیة یمکن تقسیم جرائم القتل العمدیة الى مجموعتین:
1- جرائم القتل العمدیة مع توافر الظروف المشددة (المادة/ 406).
2- جرائم القتل العمدیة مع توافر الظروف المخففة (المادتان/ 407، 409).
کما یمکن أن تقسم جرائم القتل العمدیة مع توافر الظروف المشددة بدورها الى أربع مجموعات فرعیة، وذلک وفقاً لأربعة معاییر، هی عناصر أرکان الجریمة (موضوع الاعتداء الاجرامی، الرکن المادی للجریمة، الرکن المعنوی، فاعل الجریمة).
فعلى أساس معیار موضوع الاعتداء الاجرامی تقسم جرائم القتل العمدیة مع توافر الظروف المشددة الى:
1- قتل شخصین فأکثر.
2- قتل الأصول.
وارتباطاً بمعیار الرکن المادی للجریمة، یمکن فرز جریمة القتل العمدی المرتکبة بأسلوب وحشی، وجریمة القتل العمدی المرتکبة باستعمال مادة سامة، أو مفرقعة، أو متفجرة، وجریمة القتل العمدی لموظف او مکلف بخدمة عامة أثناء تأدیة وظیفته أو خدمته، عن بقیة جرائم القتل العمدی مع توافر الظروف المشددة.
وبمراعاة الرکن المعنوی للجریمة یمکن تقسیم جرائم القتل العمدیة مع توافر الظروف المشددة الى الانواع التالیة:
1- القتل مع سبق الاصرار والترصد.
2- القتل بدافع دنیء.
3- القتل بدافع الجشع.
4- القتل تهیئة لارتکاب جریمة أخرى أو لاخفائها.
5- قتل موظف أو مکلف بخدمة عامة بسبب وظیفته أو خدمته.
وبناء على معیار فاعل الجریمة تقسم جرائم القتل العمدی مع توافر الظروف المشددة الى نوعین:
1- القتل العمدی المرتکب من الجانی الذی یتمتع بمواصفات الفاعل العام.
2- القتل العمدی المرتکب من الجانی الذی یتمتع بصفات خاصة، أی الفاعل الخاص:
(أ) احد الأصول.
(ب) المجرم العائد.
أما جرائم القتل العمدیة مع توافر الظروف المخففة فیمکن تصنیفها الى نوعین:
1- قتل الأم لطفلها حدیث العهد بالولادة.
2- القتل المرتبط بالتلبس بالزنا.
ولیس من الصعب بطبیعة الحال القیام بایجاد معاییر اخرى یجری اعتمادها لتصنیف جرائم القتل، حیث من الممکن على سبیل المثال تصنیف جرائم القتل وفقاً للعقوبة المحددة فی النصوص العقابیة، وذلک على الوجه التالی:
1- القتل المعاقب علیه بالاعدام (المادة/ 406 فقرة 1).
2- القتل المعاقب علیه بالاعدام أو بالسجن المؤبد (المادة/ 406 فقرة 2).
3- القتل المعاقب علیه بالسجن المؤبد او المؤقت (المادة/ 405).
4- القتل المعاقب علیه بالسجن أو الحبس (المادة/ 409).
5- القتل المعاقب علیه بالحبس (المادة/ 409).
6- القتل المعاقب علیه بالحبس أو الغرامة أو بهاتین العقوبتین معاً (المادة/ 411).
کما یمکن تقسیم جرائم القتل ارتباطاً بالتدابیر العقابیة المحددة لقاء ارتکابها الى:
1- جرائم القتل الجسیمة، التی یؤدی ارتکابها الى ترتب عقوبات صارمة (مشددة).
2- جرائم القتل غیر الجسیمة، التی یؤدی ارتکابها الى تحدید عقوبات غیر صارمة (مخففة).
وبالمستطاع کذلک تصنیف جرائم القتل العمدیة وغیر العمدیة، على حد سواء، وفقاً لنوع فاعل الجریمة الى:
1- جرائم القتل المرتکبة من فاعل عام.
2- جرائم القتل المرتکبة من فاعل خاص.
کما یمکن اعتماد شخصیة المجنی علیه معیاراً آخر لتصنیف جرائم القتل الى مجموعتین:
1- جرائم القتل، التی لا یتصف فیها المجنی علیه بخصائص معینة.
2- جرائم القتل، التی یتصف فیها المجنی علیه بخصائص معینة (الاصول، الموظف، أو المکلف بخدمة عامة، الطفل حدیث العهد بالولادة).
بل أن ذنب المجنی علیه فی جریمة القتل یعتبر معیاراً آخر لتصنیف جرائم القتل الى نوعین:
1- جرائم القتل المرتکبة وفقاً لذنب المجنی علیه (المادة/ 409).
2- جرائم القتل المرتکبة مع انتفاء الذنب من جانب المجنی علیه (المواد/ 405-407، 411).
ولعل تتابع النصوص الجنائیة المتعلقة بجرائم القتل فی قانون العقوبات العراقی یمکن أن یشیر الى معیار آخر لتصنیف هذه الجرائم، الا وهو صیاغتها التشریعیة، حیث تصنف جرائم القتل وفقاً لقانون العقوبات العراقی لعام 1969 الى الانواع التالیة:
1- القتل العمد (المادة/ 405).
2- القتل مع توافر الظروف المشددة (المادة/ 406).
3- قتل الام لطفلها حدیث العهد بالولادة (المادة/ 407).
4- القتل المرتبط بالتلبس بالزنا (المادة/ 409).
5- القتل الخطأ (المادة/ 411).
والى جانب هذه المعاییر المتنوعة المعتمدة فی تصنیف جرائم القتل المعاقب علیها فی قانون العقوبات العراقی، هناک معاییر أخرى یمکن أعتمادها بالنسبة لتصنیف جرائم القتل التی تصادف فی التطبیق العملی، ولاسیما ان التطبیق العملی یکشف النقاب یوماً بعد الآخر عن أنواع لجرائم القتل لم تکن معروفة من قبل، ومن هنا یمکن القول، ان المعاییر التی یمکن أن تعتمد فی تقسیم جرائم القتل الى أنواع عدیدة ومتنوعة الى حد کبیر.
المبحث الثانی
تکییف جریمة قتل شخصین فأکثر
تعتبر واقعة قتل شخصین فأکثر صورة من تعدد الجرائم، الذی یعرف بکونه ارتکاب الشخص لجریمتین أو أکثر، وانطلاقاً من کون جریمة قتل شخصین فأکثر قد تم النص علیها فی عدة قواعد قانونیة جنائیة، فأن من المجدی ایراد هذه القواعد، ثم التوقف عند کل منها.
لقد عاقب قانون العقوبات العراقی لقاء جریمة قتل شخصین فأکثر فی المادة/ 406 فقرة (1) - و- التی نصت:"اذا قصد الجانی قتل شخصین فأکثر فتم ذلک بفعل واحد"، کما ونصت علیها الفقرة (1) - ز- من نفس المادة بقولها:"اذا اقترن القتل عمداً بجریمة أو أکثر من جرائم القتل عمداً أو الشروع فیه"، وأوردتها الفقرة (1) - ط - من المادة ذاتها بنصها:"اذا کان الجانی محکوماً علیه بالسجن المؤبد عن جریمة قتل عمدی وارتکب جریمة قتل عمدی أو شرع فیه خلال مدة تنفیذ العقوبة"، وتضمنتها الفقرة (2) - أ - من المادة ذاتها کما یلی:"اذا قصد الجانی قتل شخص واحد فأدى فعله الى قتل شخصین فأکثر"، والیها أشار البند -ج- من نفس الفقرة بالنص:"اذا کان الجانی محکوماً علیه بالسجن المؤبد فی غیر الحالة المذکورة فی الفقرة (1)- ط- من هذه المادة وأرتکب جریمة قتل عمدی خلال مدة تنفیذ العقوبة".
کما نص قانون العقوبات فی المادة/ 409 على هذه الجریمة، التی عاقبت "من فاجأ زوجته أو احدى محارمه فی حالة تلبسها بالزنا أو وجودها فی فراش واحد مع شریکها فقتلهما فی الحال.."، کما نصت علیها الفقرة (3) من المادة/ 411 عقوبات عراقی ، التی شددت العقاب لقاء جریمة القتل الخطأ المنطوی على "موت ثلاثة أشخاص أو أکثر".
إن جریمة القتل العمدی لشخصین فأکثر تعتبر أشد صور قتل شخصین أو أکثر خطورة ، وبهذا الصدد، أن تحدید توافر سمات القتل ضد شخصین فأکثر یمکن أن یصادف جملة من المعوقات، وذلک بالنظر لصعوبة تحدید تلک الأسس التی وفقها یمکن تکییف جریمة القتل العمدی فی ظل هذا الظرف المشدد، ففی بعض الأحیان، یقوم الجانی باطلاق النار على شخصین ویردیهما قتیلین، وذلک خلال فترة زمنیة قصیرة، مع ارتکابه لنشاطه الاجرامی فی نفس المکان، ففی هذا المثال، قلما یمکن أن تثار المشاکل المعقدة حول تکییف مثل هذه الواقعة کقتل عمدی لشخصین فأکثر.
الا أن الأخذ بهذا التکییف قد یحاط بالشکوک، حتى فی حالة القیام به من قبل أفضل العاملین فی أجهزة مکافحة الاجرام تأهیلاً، وذلک عند اقدام الجانی على ازهاق حیاة المجنی علیه الأول فی مکان، وقیامه بقتل المجنی علیه الثانی فی مکان آخر، أو أن یقتل المجنی علیه الثانی فی نفس مکان قتل المجنی علیه الأول، ولکن بعد مرور فترة زمنیة، قد تطول أو تقصر على ارتکاب جریمة القتل الأولى.
فعلى سبیل المثال، علم (س) ان کلاً من (أ) و(ب) قد خربا مزرعته وهدما منزله وهربا بسیارتهما، فأخذ على الفور بندقیة من جاره ورکب سیارة وقام بمطاردتهما، وبعد أن لحق بهما تبادل معهما اطلاق النار، فاستطاع قتل (أ)، وأصاب (ب) اصابة بالغة، ولکنه تمکن من الفرار.
بعد بضعة أعوام صادف (س) غریمه (ب) فی مدینة أخرى، فأنهال على رأسه بهراوة ثقیلة فأرداه قتیلاً.
ترى، هل یمکن تکییف هاتین الواقعتین کجریمة قتل عمدی مع توافر الظرف المشدد "قتل شخصین فأکثر"؟ أم أن الظروف (مکان وزمان ارتکاب الجریمة وتقادم مسببات القتل) یمکن أن تفترض تکییفهما کواقعتین مستقلتین احداهما عن الأخرى؟
إن المعیار الذی یجب أن یعتمد فی تکییف جریمتی قتل شخصین فأکثر کجریمة واحدة، أی کقتل عمدی لشخصین فأکثر، ینبغی أن یرتبط بوحدة النیة الاجرامیة لدى الجانی. بعبارة أخرى، أن الفترة الزمنیة الفاصلة بین جریمتی القتل (الأولى والثانیة) لا یجب أن تؤثر فی تکییف الواقعة الاجرامیة، فالنیة الاجرامیة هی الأساس فی تحدید وجود الترابط بین جریمتی القتل المرتکبتین.
وعلیه أن ارتکبت جریمة القتل الثانیة وفقاً لنیة اجرامیة مغایرة للنیة الاجرامیة المتعلقة بجریمة القتل الأولى، عندها من المستبعد الربط بین هاتین الجریمتین على أساس أرتکابهما فی نفس المکان أو فی ذات الزمان تقریباً، فالجانی بعد اقترافه لجریمة القتل الأولى، یجب ان یسعى لتجسید نیته الاجرامیة بقتل شخصین فأکثر، من خلال مطاردة المجنی علیه الثانی أو البحث عنه، أو السعی للحصول على ادوات ووسائل لتنفیذ الجریمة أو تسهیل ارتکابها.
ومن الممکن أن تصادف فی الواقع العملی قضایا تنطوی على ازهاق حیاة أحد المجنی علیهما، مع عدم اکتمال عملیة ازهاق حیاة المجنی علیه الثانی، وذلک انطلاقاً من النیة الاجرامیة الواحدة بقتلهما، بمعنى أن النیة الاجرامیة قد جسدت بصورة جزئیة، حیث تحققت بالنسبة للمجنی علیه الأول، فی حین لم یتمکن الجانی من تجسیدها ازاء المجنی علیه الثانی.
من البین، ان هذا النوع من جرائم القتل لا یمکن أن یوصف بکونه جریمة قتل عمدی تامة، تنطوی على الظرف المشدد المتعلق بازهاق حیاة شخصین فاکثر. وفی ذات الوقت، من المستبعد النظر الى مثل هذه الواقعة باعتبارها شروعاً لا غیر فی قتل شخصین فأکثر، ذلک لأن مثل هذا التکییف یتضارب مع احتواء الشروع المذکور على ارکان جریمة تامة، وهی قتل أحد المجنی علیهما. هذا علاوة على ان تکییف واقعة قتل احد المجنی علیهما کجریمة قتل عمدی تامة، وتکییف الاعتداء غیر التام، الموجه نحو ازهاق حیاة المجنی علیه الثانی، کشروع فی القتل، کان یمکن أن یکونا صائبین فی حالة عدم وجود القاعدة القانونیة الجنائیة المتضمنة تجریم واقعة قتل شخصین فأکثر، بمعنى أن مثل هذا التکییف سیکون بعیداً عن الصواب لوجود القاعدة القانونیة الجنائیة المذکورة فی قانون العقوبات.
ومن هنا، یفترض بدایة اعتماد القاعدة القانونیة الجنائیة المتضمنة وصف جریمة قتل شخصین فأکثر، واعتبار سلوک الجانی شروعاً فی قتل شخصین فأکثر. وطالما أن الشروع فی ازهاق حیاة المجنی علیهما قد جسد النیة الاجرامیة بصورة جزئیة، بل أحدث نتیجة اجرامیة یعاقب علیها قانون العقوبات کجریمة قائمة بذاتها، بصورة القتل العمدی، علیه، أن الشروع فی قتل شخصین فأکثر یتطلب استکمال تکییف الواقعة الاجرامیة، فی ضوء النتیجة الاجرامیة المترتبة، کقتل عمدی بدون توافر الظروف المشددة، وذلک استناداً، على سبیل المثال، الى أحکام المادة/ 405 عقوبات عراقی، مع امکانیة تطبیق أحکام المادة/ 406 من نفس القانون، وتکییف الواقعة کقتل عمدی على أساسها فی حالة توافر أحد الظروف المشددة المدرجة فیها، أی باستثناء الظرف المشدد "قتل شخصین فأکثر".
ان تکییف واقعة الشروع فی قتل شخصین فأکثر تتطلب بداهة الاشارة، من جهة، الى أحکام المادة/ 406 فقرة (1) -و- عقوبات عراقی، مع اعتماد المادة/ 30 من نفس القانون المتعلقة بتحدید مفهوم الشروع فی الجریمة، من جهة ثانیة.
وفی ضوء ما تقدم، فأن اطلاق النار على شخصین بهدف قتلهما معاً، دون تحقق مثل هذا الهدف، اما لعدم اصابتهما أو لتعرضهما لجروح طفیفة او بلیغة لم تؤدِ الى وفاتهما، فان هذا النوع من الوقائع یتطلب تکییفاً کشروع لا غیر فی جریمة القتل العمدی لشخصین فأکثر، ولا ضرورة فی حالة تسبیب الجروح، على اختلاف درجات جسامتها، لتکییف تکمیلی استناداً الى أحکام المواد/ 412-415 عقوبات عراقی، ذلک لأن تکییف هذه الواقعة کشروع فی القتل (مع توافر الظروف المشددة) یتضمن مراعاة حدوث مثل هذا الضرر الجسمانی.
أن تحدید اتجاه النیة الاجرامیة للجانی ینطوی على أهمیة نظریة وتطبیقیة کبیرة فی تکییف الجرائم المنطویة على قتل شخصین فأکثر، فاذا أطلق شخص النار على آخر مثلاً بهدف قتله، الا أنه لم یصبه، وانما أصاب شخصاً کان جالساً أو ماراً بالقرب منه فأزهق حیاته بدلاً عن المجنی علیه الاصلی، فأن هذا النوع من جرائم القتل یمکن أن یطرح على بساط البحث الکثیر من التساؤلات عن کیفیة تکییف واقعة قتل المجنی علیه الثانی؟
فهل یمکن أن تکیّف هذه الواقعة عموماً کجریمة قتل؟ أم أن القضاء یجب أن ینظر الیها کواقعة حصلت قضاءً وقدراً (صدفة)؟ أی لا تکون من اختصاص قانون العقوبات. وفی حالة اعتبارها جریمة قتل، هل یجب النظر الیها کجریمة قتل عمدیة أم غیر عمدیة؟ هذا علماً ان اعتبارها مثلاً جریمة قتل عمدیة یؤدی بطبیعة الحال الى تحدید ارتباطها بالشروع فی جریمة قتل المجنی علیه الأول (الأصلی)، وفی الحالتین، أی سواء أتم تکییف الواقعة الاجرامیة الثانیة، کقتل عمدی أو غیر عمدی، فأن الجهة المطبقة للقانون تکون ملزمة بالتوصل الى الشروط القانونیة الواجب توافرها فی القصد الجنائی او الخطأ.
ان اتجاه النیة الاجرامیة للجانی الى ازهاق حیاة شخصین فأکثر یشیر دون شک الى أن جریمة قتل شخصین فأکثر هی جریمة عمدیة، وفی ضوء ذلک اعتبرها المشرع العراقی احدى صور جریمة القتل العمدی المعاقب علیها وفقاً لأحکام المادة/ 406 عقوبات عراقی، وهذا ما أخذ به المشرع السوری (المادة/ 534 بند 6 عقوبات سوری)، والاردنی (المادة/ 321 بند 2 عقوبات أردنی)، واللبنانی (المادة/ 458 بند 5 عقوبات لبنانی)، أی أن عدم اتجاه النیة الاجرامیة للجانی نحو ازهاق حیاة المجنی علیهما انما یعنی انتفاء القصد الجنائی فی جریمته، هذا على الرغم من حدوث ذات النتیجة المتطلبة فی قتل شخصین فأکثر، وفی هذه الحالة تعتبر واقعة قتل شخصین فأکثر جریمة قتل غیر عمدیة.
ومن الجدیر بالذکر، ان المشرع العراقی لم یراعِ امکانیة الازهاق غیر العمدی (الخطأ) لحیاة شخصین فقط، حیث أن المادة/ 411 عقوبات عراقی المکرسة للقتل غیر العمدی تعاقب فی فقرتها الأولى "من قتل شخصاً خطأ او تسبب فی قتله من غیر عمد بأن کان ذلک ناشئاً عن اهمال أو رعونة أو عدم انتباه أو عدم احتیاط أو عدم مراعاة القوانین والأنظمة والأوامر.."، فی حین شددت فقرتها الثانیة، کما سبقت الاشارة، المسؤولیة الجنائیة "..اذا نشأ عن الجریمة موت ثلاثة أشخاص أو أکثر..".
إن هذا یمکن أن یخلق جملة من الصعوبات غیر المنتظرة فی التطبیقات التحقیقیة والقضائیة، فأستناداً الى أحکام الفقرة (1) من المادة/ 411 عقوبات عراقی یفترض تحدیداً تکییف واقعة القتل غیرالعمدی لشخصین، حیث من غیر الصائب تطبیق احکام الفقرة (3) من نفس المادة العقابیة، التی اشترطت أن یترتب على سلوک الجانی موت "ثلاثة أشخاص أو أکثر".
ان المشاکل لا ترتبط بکیفیة تکییف واقعة القتل غیرالعمدی لشخصین فحسب، بل تمتد الى کیفیة تقدیر المحکمة للعقوبة لقاء هذا النوع من تعدد الجرائم، فاستناداً الى أحکام المادة/ 141 عقوبات عراقی :"اذا کون الفعل الواحد جرائم متعددة وجب أعتبار الجریمة التی عقوبتها أشد والحکم بالعقوبة المقررة لها، واذا کانت العقوبات متماثلة حکم بأحداها".
فلو أفترضنا أن شخصاً خرج لیصطاد، ولدى اطلاقه النار باتجاه أجمة قتل شخصین من غیر عمدٍ، ففی هذا الافتراض، تتطلب أفعال الجانی تکییفاً متتابعاً وفقاً لأحکام الفقرة (1) من المادة/ 411 عقوبات عراقی، وعلى أساسها تحدد العقوبة المتطلبة ، ولیس من المستبعد أن تحدد المحکمة ذات العقوبة لقاء کل من هاتین الجریمتین، حیث أن کلتیهما قد وقعتا فی ظل نفس الظروف، بل أن فعلاً واحداً للجانی کان السبب فی وقوعهما. ومن هنا، فأن العقوبة التی یفترض أن تطبق على الجانی انطلاقاً من أحکام المادة/ 141 عقوبات عراقی انما ستکون احدى العقوبتین المتماثلتین، مما یعنی أن الجانی فی واقع الحال سوف یعاقب من الناحیة التطبیقیة لقاء ارتکاب جریمة قتل غیر عمدی واحدة، ومثل هذا الأمر ینسف الأساس الذی اعتمده المشرع بالنسبة لتشدید المسؤولیة لقاء جریمة قتل شخصین أو أکثر، سواءً أتعلق الأمر بتوافر سمات القصد الجنائی فیها أو الخطأ.
ومن هنا، یفترض تعدیل احکام المادة/ 411 عقوبات عراقی ، بإضافة ظرف "موت شخصین" الى الظروف المشددة فی فقرتها الثانیة، أو اجراء التعدیل اللازم على احکام فقرتها الثالثة من خلال تشدید المسؤولیة فی حالة "موت شخصین أو أکثر"، وذلک بدلاً عن صیغة "موت ثلاثة أشخاص أو أکثر" الحالیة.
لقد سبقت الاشارة الى أن اتجاه النیة الاجرامیة للجانی نحو ازهاق حیاة شخصین فأکثر انما یدلل على توافر القصد الجنائی على وجه التحدید بالنسبة لسلوکه الاجرامی، وهذا ما حدده المشرع العراقی مثلاً فی البند -و- من المادة/ 406 فقرة (1) عقوبات عراقی، من خلال استخدام الکلمات "اذا قصد الجانی قتل شخصین فأکثر..".
إن هذه الکلمات یمکن أن تدلل من جهة على الاتجاه المحدد للنیة الاجرامیة للجانی بالنسبة لازهاق حیاة شخصین فأکثر، کما یشیر من جهة ثانیة الى أن هدف الجانی لا ینحصر فی قتل شخص واحد، بل شخصین فأکثر، وذلک حصیلة لسلوکه الاجرامی، بمعنى أن هذا یشیر الى وحدة النیة الاجرامیة للجانی ازاء قتل شخصین أو أکثر.
أن اتجاه النیة الاجرامیة للجانی ووحدتها ازاء ازهاق حیاة شخصین أو أکثر إنما تدلان على توافر صورة محددة للقصد الجنائی، تلک هی القصد المباشر.
ان عدداً من فقهاء القانون الجنائی یطرح أمکانیة القتل العمدی لشخصین فأکثر بصورة القصد الاحتمالی، وذلک بالاستناد الى مثال الشخص "الذی ینسف مبنى یقیم فیه احد خصومه، وفی سبیل الاجهاز علیه، یقدم على فعله متوقعاً حدوث عملیة الوفاة لأشخاص آخرین".
أن جریمة القتل العمدی، ارتباطاً برکنها المادی، تتکون من سلوک الجانی، الذی یمکن أن یکون ایجابیاً (فعلاً)، أو سلبیاً (امتناعاً عن فعل)، ونتیجة اجرامیة، تنحصر فی موت المجنی علیه، ورابطة (أو علاقة) السببیة.
أن الرکن المادی لجریمة القتل العمدی لشخصین فأکثر، مقارنة بالرکن المادی للقتل العمدی لشخص واحد، انما یتمیز بجسامة النتیجة الاجرامیة، التی تنحصر فی موت شخصین فأکثر.
اما الرکن المعنوی لجریمة القتل العمدی، سواء اتعلق الأمر بالقتل العمدی لشخص واحد، أو بالقتل العمدی لشخصین فاکثر، فیرتبط ارتباطاً عضویاً بمکونات الرکن المادی لهذه الجریمة، ویکون الارتباط متماثلاً بالنسبة لصورتی القصد المباشر أوالقصد الاحتمالی.
ففی ظل القصد المباشر أو القصد الاحتمالی ینبغی أن یتوافر الترابط بینهما من جهة، ومکونات الرکن المادی لجریمة القتل من جهة ثانیة. وهذا یعنی بدوره أن عناصر کل من القصد المباشر أو القصد الاجتمالی تکون على صلة بالفعل (أو الامتناع عن الفعل) المرتکب، ونتیجته المترتبة، ورابطة السببیة بینهما.
أن القصد الجنائی، بصورتیه، القصد المباشر والقصد الاحتمالی، یتطلب توافر الارادة الواعیة، حیث أنه "لا یکتمل الا اذا تمثل الجانی فی ذهنه الواقعة الاجرامیة بکل عناصرها المعتبرة قانوناً"، أی أن القصد الجنائی یتطلب من جانب عنصر الوعی أو الادراک، ومن جانب ثانٍ عنصر الارادة. أن هذین العنصرین یجب أن یحدد ترابطهما بالعناصر المکونة للرکن المادی لجریمة القتل العمدی لشخص واحد، أو لشخصین فأکثر.
أن الوعی والارادة یعتبران عنصرین للقصد الجنائی، الذی یسمى فی قانون العقوبات العراقی بالقصد الجرمی، فبموجب الفقرة (1) من المادة/ 33 من هذا القانون :"القصد الجرمی هو توجیه الفاعل ارادته الى ارتکاب الفعل المکون للجریمة هادفاً الى نتیجة الجریمة التی وقعت أو أیة نتیجة جرمیة أخرى".
فعلى أساس النص القانونی المذکور آنفاً، یقوم الفاعل بتوجیه ارادته، مما یعنی أنه یعی (أو یدرک) ما یقوم به، فالتوجیه لا یتصف بطبیعته السلبیة، بل على العکس، الایجابیة، وفی ذات الوقت، یکون التوجیه الواعی مرتبطاً بارتکاب الفعل، مما یؤکد أن السلوک الذی یقدم علیه الجانی فی ظل القصد الجنائی (الجرمی)، انما هو سلوک واعٍ، کما أن الجانی یهدف من الفعل المرتکب الى تحقیق نتیجة الجریمة، وهذا یدل على وعی الفاعل لنتیجة الفعل الذی یرتکبه.
أن الارادة لا تکون بمعزل عن الوعی، فالجانی یوجه ارادته، التی تصبح واعیة نتیجة لقیامه بتوجیهها، الى ارتکاب الفعل، وطالما أن الجانی یوجه ارادته الى ارتکاب الفعل المکون للجریمة "هادفاً" الى نتیجة اجرامیة، فأن ارادته تکون متعلقة کذلک بتحقیق تلک النتیجة الاجرامیة التی تکون حصیلة لفعله "الاجرامی".
أن رابطة السببیة لا تکون منفصلة عن الترابط المذکور آنفاً، فالجانی یعی أنه یرتکب فعلاً "مکوناً لجریمة"، وهو یرید القیام به، حیث یهدف الى تحقیق نتیجة الجریمة، وارتباطأً بأنه وضع نصب عینیه، تحقیق مثل هذا الهدف (ترتب نتیجة الجریمة)، فهذا یؤکد وعیه لنتائج فعله، وکذا رغبته (ارادته) فی ترتبها، ولما کانت النتیجة الاجرامیة المترتبة هی حصیلة للفعل الواعی المرتکب فأن هذا یدل على وعی الجانی لهذا الترابط بین سلوکه الشخصی والنتائج المترتبة علیه، أی وعیه لرابطة السببیة فی الرکن المادی للجریمة المرتکبة، ورغبته (ارادته) فی تحققها بالصورة التی تفترضها الجریمة.
أن القصد الجنائی (الجرمی) یمکن أن یکون بصورة القصد المباشر، وبصورة القصد الاحتمالی، وأستناداً الى العناصر المکونة لکل منهما، وترابطها مع عناصر الرکن المادی للجریمة یجری عزل الجریمة العمدیة التی یتوافر فیها القصد المباشر، عن مثیلتها المرتکبة فی ظل القصد الاحتمالی.
أن الجانی، فی کل من القصد المباشر والقصد الاحتمالی یعی الطبیعة الاجرامیة لفعله المرتکب، وبالتالی فهو فی الحالتین یرید ان تحصل النتائج المترتبة على هذا الفعل الاجرامی الذی یقدم علیه واعیاً، الا أن النتیجة (أوالنتائج) التی یهدف الى تحقیقها، قد تکون قابلة للتحقیق وقد تکون غیر ممکنة الحدوث، ذلک لأسباب خارجة عن ارادة الجانی، فالنتائج یمکن أن تترتب بصورة حتمیة حال ارتکاب الفعل الاجرامی، بمعنى، لیس هناک ما یجعل الجانی یمیل الى الاعتقاد بأنها سوف لن تحدث، بل أن کل الدلائل تشیر الى وقوعها لا محالة، کما یتمثل هذا عند اطلاق الجانی النار على المجنی علیه هادفاً الى ازهاق حیاته، ففی هذه الحالة یجری الحدیث عن القصد المباشر المتوافر فی القتل العمدی.
أما فی حالة وجود ما یشیر فی الواقعة الى أن النتیجة أوالنتائج الاجرامیة المستهدفة، قد تقع أو لا تقع ، او ان الفعل الاجرامی یمکن أن یؤدی الى نتیجة اجرامیة معینة أو عدة نتائج اجرامیة، تکون محددة أو غیر محددة، فأن وجود هذه الفرضیات انما یشیر الى توافر سمات القصد الاحتمالی للجریمة، کما إن اقدام الجانی على ارتکاب الفعل الاجرامی واعیاً امکانیة حصول "نتیجة الجریمة التی وقعت أو أیة نتیجة اجرامیة أخرى" انما یدل على تقبل الجانی للنتیجة أو النتائج الاجرامیة المترتبة.
وعلیه، فأن القصد الاحتمالی، مثله کالقصد المباشر یتصف بوعی الجانی للفعل "المکون للجریمة" وکذا وعیه للنتیجة الاجرامیة، التی تکون فی القصد المباشر واقعة لا محالة‘ فی حین تتصف فی القصد الاحتمالی بکونها محتملة الحدوث، أما عنصر الارادة فی القصد الاحتمالی، فهو یماثل عنصر الارادة فی القصد المباشر فیما یتعلق بالفعل "المکون للجریمة" حیث یرید الجانی ارتکابه، بل یقوم به فعلاً، الا أن الاختلاف یکون محصوراً فی النتیجة الاجرامیة المستهدفة، فالجانی یرید ان تقع هذه النتیجة فی القصد المباشر، فی حین أن هذه النتیجة تکون محتملة الوقوع فی القصد الاحتمالی، ومن هنا، فأن الجانی یقدم على ارتکاب الفعل "المکون للجریمة" متوقعاً حصول نتیجة أو نتائج اجرامیة، مع تقبله لها أو تقبل أی منها فی حالة وقوعها، مثل الجانی الذی یطعن شخصاً آخر بسکین، متقبلاً أیة نتیجة اجرامیة لفعله هذا، فأذا أحدث الموت للمجنی علیه، عوقب لقاء القتل العمدی، وأن سبب له الایذاء، أعتبر الایذاء المترتب، بصرف النظر عن جسامته، ایذاءً عمدیاً.
أن جریمة القتل العمدی لشخصین فأکثر، بالاستناد الى الصیاغة التشریعیة لأحکامها فی قانون العقوبات العراقی على سبیل المثال، لا یمکن أن ترتکب الا فی حالة توافر سمات القصد المباشر.
فأستناداً الى عنصر الوعی، یعی الجانی الطبیعة الاجرامیة لفعله حیث تنحصر نیته الاجرامیة المبیتة فی ازهاق حیاة شخصین فأکثر، کما أنه یعی فی ضوء مثل هذه النیة ، ماهیة النتیجة "الواجب" ترتبها، وعلیه، ان الجانی یقوم بارتکاب فعله "هادفاً" الى تحقیق نتیجة اجرامیة محددة هی ازهاق حیاة شخصین فأکثر، ومن هنا، فهو یرید القیام بالفعل الاجرامی الذی یحقق له هدفه هذا، وارتباطاً بأن هدف الجانی هو قتل شخصین فأکثر، فأنه لدى ارتکابه لفعله الجرامی انما یرید أن یقتل شخصین فأکثر.
وبالرجوع الى تحلیل المثال المستند الیه من قبل عدد من فقهاء القانون الجنائی فی التدلیل على توافر سمات القصد الاحتمالی فی جریمة القتل العمدی لشخصین فأکثر، یتبین أن الجانی أقدم على نسف مبنى بمن فیه لازهاق حیاة "أحد" خصومه "متوقعاً" حدوث عملیة الوفاة لأشخاص آخرین.
من دون شک تتوافر فی هذه الواقعة العناصر المشیرة الى سمات القصد الاحتمالی، لکن لا یجب غض النظر عن وجود العناصر المدللة على سمات القصد المباشر أیضاً، حیث أن النتیجة الاجرامیة "المتوقعة الحدوث" هی موت "أحد" خصوم الجانی وکذا موت أشخاص آخرین فی المبنى. ان الاشارة الى ان الفعل الاجرامی المرتکب یتعلق بازهاق حیاة"أحد" خصوم الجانی یستبعد بما لا یقبل مجالاً للنقاش تکییف الواقعة الاجرامیة المرتکبة کجریمة قتل عمدی لشخصین فأکثر، فالنیة الاجرامیة للجانی انما تنحصر فی ازهاق حیاة "أحد" الخصوم. الا أن الجانی، ورغم وجود مثل هذه النیة الاجرامیة المحددة لدیه، یقدم فی سبیل الاجهاز علیه على نسف المبنى "متوقعاً حدوث عملیة الوفاة لأشخاص آخرین".
أن التوقع المشار الیه فی المثال بالنسبة لوقوع وفیات فی أوساط سکان المبنى یفترض طرح عدد من التساؤلات التی تمکن مطبقی قانون العقوبات من استیضاح ملابسات الواقعة الاجرامیة المرتکبة، وهی تساؤلات تتعلق من جانب بمضمون هذا التوقع ومعاییره، ومن جانب ثانٍ، ترتبط هذه التساؤلات بمدى تقبل الجانی لعملیة وفاة الأشخاص الاخرین.
أن الجانی قد أقدم على "نسف" المبنى لیقتل "أحد" خصومه، وکذلک "على سبیل الاحتمال" أی اشخاص آخرین فیه، فلو افترضنا أن الجانی على النقیض، مما طرح فی المثال، کان یرید أن یقتل کل من کان فی المبنى، فأقدم على نسفه، فما هو وجه الاختلاف بین هذین المثالین. أن الاختلاف انما یرتبط بتحدید ماهیة النتیجة الاجرامیة وامکانیات تجسیدها کلیاً أو جزئیاً.
أن الجانی عندما أقدم على نسف المبنى کان یعی أن خصمه لا یقیم فیه لوحده، ومن هنا، فأن ازهاق حیاة الآخرین کان أمراً وارداً، بل حتمیاً بالنظر للأسلوب الذی أقدم علیه الجانی "للأجهاز على شخص واحد"، حیث لجأ الى نسف المبنى!!
أن توقع عملیة وفاة الآخرین وفی نفس الوقت استخدام النسف بهدف الاجهاز على شخص واحد لاغیر انما یدلان على "تقبل" الجانی للنتیجة المتوقعة من قبله (وفاة الأشخاص الآخرین)، کما أن "تقبل" الجانی لموت الآخرین جنباً الى جنب وجود "الارادة" فی موت "أحد" خصومه، یفترض توافر وحدة النیة الاجرامیة بقتل شخصین فأکثر، حیث أن الجانی استهدف من خلال "نسف" المبنى ازهاق حیاة "أحد" خصومه، وکذلک من یتواجد معه فیه. أن الأسلوب المستخدم فی ارتکاب الجریمة یدلل بدوره على اتجاه النیة الاجرامیة للجانی الى تحقیق جریمة قتل شخصین فأکثر فی ظل القصد المباشر.
الى جانب ما تقدم، یمکن أن یلاحظ ان العلم المسبق بخطورة الفعل وبکونه مخالفاً للقانون، بل بکون الفعل "المکون" للجریمة، انما یشیر بداهة الى العلم المسبق بالنتائج الاجرامیة المترتبة علیه، وهو ما یعنی أیضاً العلم المسبق باتجاه تطور رابطة السببیة، وهذا ما یجری التأکید علیه فی مثال نسف المبنى، اذ کان الجانی على علم مسبق بأن فعله المرتکب "النسف" یشکل جریمة، فهو یتصف بالخطورة التی لا یمکن انکارها، وهو فعل مخالف للقانون، کما وأن الجانی کان على علم مسبق کذلک، بأن الفعل المذکور سیؤدی الى ازهاق حیوات أشخاص، هم "أحد" خصومه، وکذا من یتواجد أو یقیم فی المبنى، وقد أرتکب الفعل الاجرامی "متقبلاً" أو على وجه الدقة "مریداً" وبصورة مسبقة تحقق النتائج الاجرامیة التی ترتبت.
أن ارتکاب الجریمة باللجوء الى الاسلوب الاجرامی المذکور "النسف" مع وجود العلم المسبق بنتائجه الاجرامیة المتعددة، من تدمیر المبنى، الى اتلاف ممتلکات الغیر، وازهاق حیوات سکان المبنى، انما یشیر کذلک الى الاصرار السابق على ارتکاب الجریمة بنتائجها الاجرامیة المذکورة، وهو دلیل آخر على توافر القصد المباشر فی سلوک الجانی، حیث أن الاصرار السابق هذا انما یؤکد انعقاد النیة الاجرامیة لدیه على قتل شخصین فأکثر، ولهذا یمکن أن یستنتج وجود مثل هذه النیة الاجرامیة المسبقة بالنسبة لاحداث النتائج الاجرامیة المترتبة، بالنظر لانعقاد عزم الجانی على تحقیقها.
وانطلاقاً مما تقدم، فإن قتل شخصین فأکثر کاحدى صور القتل العمدی المشدد یتطلب، اضافة الى توافر سمات الرکن المادی للجریمة (الفعل أو الامتناع عن الفعل، والنتیجة الاجرامیة المنحصرة فی ترتب واقعة الموت لشخصین أو اکثر، ورابطة السببیة)، ضرورة توافر سمات الرکن المعنوی للجریمة، وأن یتضمن على عنصر القصد المباشر على وجه التحدید.
ومن هنا فأن اطلاق النار مثلاً باتجاه شخص، فأدى ذلک الى قتل شخصین فأکثر لا یتضمن أرکان جریمة القتل العمدی لشخصین فأکثر، وهذا ما جعل المشرع العراقی یعاقب فی المادة/ 406 فقرة (2) -أ- عقوبات عراقی لقاء هذا النوع الخاص من القتل العمدی مع توافر الظروف المشددة، حیث جرى النص على أن تکون العقوبة هی الاعدام أوالسجن المؤبد "اذا قصد الجانی قتل شخص واحد، فأدى فعله الى قتل شخصین فأکثر".
أن القتل العمدی لشخصین فأکثر فی المادة/ 406 فقرة (1) - و - عقوبات عراقی یتشابه مع القتل العمدی لشخصین فأکثر فی المادة/ 406 فقرة (ا) - و- من نفس القانون، وذلک ارتباطاً باحداث الموت لشخصین فأکثر، وهو یختلف عنه فیما یتعلق بالرکن المعنوی للجریمة، حیث ان نیة الجانی تکون موجهة نحو ازهاق حیاة شخص واحد، الا أن فعله أدى الى موت شخصین فأکثر. وهذا یعنی أن النیةالاجرامیة للجانی لم تتضمن هدف ازهاق حیاة المجنی علیهم الآخرین، فأما أن یکونوا قد تواجدوا بصحبة المجنی علیه الأصلی لأی سبب کان، فوقع الفعل الاجرامی علیهم، کما وقع على الشخص المقصود بالقتل، فتسبب فی موتهم، دون أن یکونوا هم المقصودین أصلاً بالسلوک الاجرامی للجانی.
أن هذا الافتراض یعنی ان الجانی تسبب فی موت المجنی علیه المقصود بقصد جنائی، فی حین أن احداث الموت للمجنی علیهم الآخرین یتطلب تکییفاً کقتل مع توافر الخطأ.
فعلى سبیل المثال، وصل الى علم (س) ان زمیله فی العمل (ص) سیرقى الى منصب وظیفی، یکون فیه رئیساً علیه، ولکونه لا یرتاح له منذ زمن طویل، فقد خطر فی باله ان یتخلص منه، فذهب صباح الیوم التالی الى مکتب (ص) مبکراً ووضع على مکتبه کمیة من الحلویات، التی عمل على تسمیمها، وتغلیفها بغلاف أنیق، وضع علیه ملاحظة بانها هدیة خاصة لـ (ص) وعائلته من صدیق قدیم، ثم غادر المکان سریعاً، لعلمه أن (ص) سیکون أول الواصلین الى مقر عمله. بعد دقائق وصل (ص) مع عدد من زملاء العمل الذین التقاهم فی المقهى، ومن دون طول تفکیر قاموا بالتهام الحلویات، مما أدى الى وفاة (ص) وأثنین من زملائه.
ان النیة الاجرامیة للجانی کانت موجهة دون شک نحو أزهاق حیاة المجنی علیه (ص)، وقد سعى الجانی الى تحقیق هذه النیة من خلال الفعل الذی أقدم علیه، ولهذا فأنه من المنطقی أن یساءل لقاء القتل العمدی للمجنی علیه (ص).
ولکن، هل کانت النیة الاجرامیة للجانی تتضمن کذلک ازهاق حیاة زملاء العمل الآخرین؟ وهل الجانی على وعی بامکانیة حدوث ذلک؟
بطبیعة الحال، أن الفعل الاجرامی کان موجهاً لدى تنفیذه الى ازهاق حیاة (ص)، الا أن الجانی کان یعی ان فعله قد یؤدی الى ازهاق حیاة أشخاص آخرین، وهذا ما لا یرید تحقیقه، لذا فقد قام بتغلیف الحلویات، ووضع علیها ملاحظة بأنها هدیة خاصة للمجنی علیه (ص) وعائلته، واضعاً فی حسبانه انه بهذه الصورة یستطیع تجنب احداث الوفاة للأشخاص الآخرین، الا أن حساباته کانت خاطئة، ومن هنا فأنه یفترض ان یساءل لقاء القتل غیر العمدی (بخطأ) فیما یتعلق بازهاق حیاة المجنی علیهم الآخرین.
أن هذه الواقعة تنطوی تماماً على أرکان جریمة القتل العمدی المنصوص علیها فی المادة/ 406 فقرة (2)-أ- عقوبات عراقی، فالجانی قد قصد "قتل شخص واحد، فأدى فعله الى قتل شخصین فأکثر". أن مثل هذا التکییف للواقعة المذکورة، یتوافق مع رأی عدد من شراح قانون العقوبات العراقی بالنسبة للنص العقابی المذکور آنفاً، حیث هناک اتفاق على اعتبار مضمونها صورة من تعدد الجرائم.
وفی نفس الوقت، ان النص العقابی ذاته یمکن أن یطبق فی حالات أخرى، یمکن ان یؤدی فعل الجانی المنفرد الى احداث الوفاة لشخصین فأکثر، بالرغم من أن قصده کان ینحصر فی قتل شخص واحد. فعلى سبیل المثال، اقتحم (س) مجلساً کان فیه (ص)، وأطلق النار علیه فقتله مع من کان بجانبه بسلاح استخدمه فی تنفیذ الجریمة.
ففی هذا المثال، یمکن تطبیق احکام المادة/ 406 فقرة (2) -أ- عقوبات عراقی أن تم التثبت من أن قصد الجانی کان منحصراً فی قتل شخص واحد، الا أن الفعل الذی أرتکبه قد أفضى الى موت شخصین فاکثر بخطا. أما إن ثبت العکس، أی ان الجانی قد أزهق بفعله حیاة شخصین أو أکثر مع توافر النیة الاجرامیة (القصد)، حینها یکون تکییف الواقعة استناداً الى المادة/ 406 فقرة (2) -أ- عقوبات عراقی غیر صحیح، إذ ان هذه الواقعة تتطلب تکییفاً وفقاً لأحکام المادة/ 406 فقرة (1) - و- عقوبات عراقی، التی تنص على :"إذا قصد الجانی قتل شخصین فأکثر فتم ذلک بفعل واحد".
أن النیة الاجرامیة للجانی هی المعیار المعتمد فی تطبیق ای من النصین العقابیین فی المادة/ 406 فقرة (1) - و- من جانب، وفی المادة/ 406 فقرة (2) -أ- من جانب ثانٍ.
أن المادة/ 406 عقوبات عراقی تنص على صورتین أخریین للقتل العمدی لشخصین فأکثر، ففی البند - ز- من فقرتها الأولى یعاقب "إذا أقترن القتل عمداً بجریمة أو أکثر من جرائم القتل عمداً أو الشروع فیه"، فی حین عاقبت ذات الفقرة فی البند - ط - لقاء صورة ثانیة إذ نصت:"إذا کان الجانی محکوماً علیه بالسجن المؤبد عن جریمة قتل وارتکب جریمة قتل عمدی أو شرع فیه خلال مدة تنفیذ العقوبة".
ففی ظل الصورة الأولى، تتوافر عناصرالرکن المادی لجریمة قتل شخصین فأکثر، فالجانی یقوم بأرتکاب جریمة قتل عمدی مقترنة بجریمة قتل عمدی أخرى أو الشروع فیها، الا أن عناصر الرکن المعنوی للجریمة لا تکون متوافرة، حیث تنعدم النیة الاجرامیة الموحدة، بین جریمتی القتل المرتکبتین، فعلى اساس نیة اجرامیة معینة یرتکب الجانی جریمة القتل العمدی الأولى، ویلحقها بجریمة قتل عمدی أخرى ، الا أنها وفقاً لنیة أجرامیة مغایرة للنیة الاجرامیة الأولى، فالجانی (غ)، على سبیل المثال، یقتل (أ) أثناء التشاجر معه، ثم یقتل (ب) الذی هب لنجدته.
أما بالنسبة للصورة الثانیة، فأنها الى حد ما بعیدة من حیث خصائصها عن جریمة القتل العمدی لشخصین، فالجانی بعد ان أرتکب جریمة القتل العمدی الاولى وفقاً لنیة اجرامیة معینة أدین لقاء ذلک بالسجن المؤبد استناداً الى أحکام المادة/ 405 عقوبات عراقی، واثناء تمضیته لعقوبته أقدم مجدداً على اقتراف جریمة قتل عمدی إزاء شخص آخر. أن أحکام المادة/ 406 فقرة (1) - ط - عقوبات عراقی یمکن أن تطبق بالنسبة لسلوک الجانی ان تبین أن الجانی قد ارتکب جریمة القتل العمدی الثانیة وفقاً لنیة اجرامیة أخرى، فعلى سبیل المثال، تشاجر (س) مع (أ) و(ب) على بقعة ارض، فقتل (أ)، فی حین هرب (ب)، فلو أفترضنا أن (س) أدین لقاء الشروع فی قتل شخصین فأکثر، ولقاء قتله للمجنی علیه (أ) وعوقب بالسجن المؤبد، وأثناء تمضیته لهذه العقوبة صادف (ب)، الذی کان یمضی ذات العقوبة لقاء جریمة ما، فقام بقتله على أساس ذات النیة الاجرامیة السابقة.
ان الاعدام هو العقوبة المحددة لقاء کل من واقعة القتل العمدی لشخصین او اکثر، وکذا واقعة ارتکاب جریمة قتل عمدی من قبل محکوم علیه بالسجن المؤبد أثناء تمضیتها. الا أن تکییف الجریمة فی المثال السابق یفترض أن یستند الى احکام المادة/ 406 فقرة (1) - و- عقوبات عراقی، التی تعاقب لقاء القتل العمدی لشخصین فأکثر، وذلک بالنظر للترابط بین جریمة القتل العمدی المرتکبة قبل الادانة، وجریمة القتل العمدی المقترفة بعدها، فالنیة الاجرامیة هی واحدة بالنسبة للجریمتین.
أن واقعة ازهاق حیاة المجنی علیه (ب) تفترض تکییفاً أیضاً وفق المادة/ 406 فقرة (1) - و- عقوبات عراقی، حتى فی حالة وجود حکم على الجانی بالسجن المؤقت، وارتکاب جریمة القتل العمدی الثانیة اثناء تمضیتها، کما یراعى نفس التکییف فی حالة اقتراف جریمة القتل العمدی الثانیة بعد تمضیة عقوبة السجن، سواء أکان مؤبداً أو مؤقتاً.
أن قانون العقوبات العراقی یتضمن فی المادة/ 409 صورة أخرى من القتل العمدی لشخصین ، فبموجبها:"یعاقب بالحبس مدة لا تزید على ثلاث سنوات من فاجأ زوجته أو احدى محارمه فی حالة تلبسها بالزنا أو وجودها فی فراش واحد مع شریکها فقتلهما فی الحال أو قتل أحدهما أو اعتدى علیهما أو على أحدهما اعتداء أفضى الى الموت أو الى عاهة مستدیمة..".
أن صورة القتل العمدی لشخصین فی المادة العقابیة هذه تختلف عن صورة القتل العمدی لشخصین فأکثر، فهی تختلف عنها بعدة أوجه، أبرزها:
أولاً: أن صورة القتل العمدی لشخصین فی ظل التلبس بالزنا. هی صورة مخففة لجریمة القتل العمدی لشخصین، فاذا کانت العقوبة المحددة لقاء القتل العمدی مع توافر الظروف المشددة هی الاعدام فی المادة/ 406 فقرة (1) عقوبات عراقی، فهی تنحصر فی الحبس مدة لا تزید على ثلاث سنوات فی المادة/ 409 من نفس القانون.
ثانیاً: ان جریمة القتل العمدی لشخصین فأکثر لا تشترط ارکانها فترة زمنیة فاصلة أو محددة بالنسبة لازهاق حیاة المجنی علیهما، فالفترة الزمنیة قد تطول أو تقصر، أو أن قتل المجنی علیهما فی جریمة القتل العمدی لشخصین فی المادة/ 409 عقوبات عراقی ینبغی أن یجری "فی الحال"،. فزمان ارتکاب القتل العمدی الفوری یتصف بأهمیته التکییفیة. ومن هنا، فأن قتل المجنی علیهما، المتلبسین بالزنا، بعد فترة زمنیة، وإن کانت قصیرة، یتطلب تکییف الواقعة کجریمة قتل عمدی لشخصین فأکثر استناداً الى أحکام المادة/ 406 فقرة (1) - و- عقوبات عراقی.
ثالثاً: ان صد المجنی علیهما لسلوک الجانی من خلال اللجوء الى الدفاع الشرعی یعتبر مباحاً بالنسبة لواقعة ازهاق حیاة شخصین فأکثر فی المادة/ 406 فقرة (1) - و- عقوبات عراقی، فی حین "لایجوز استعمال حق الدفاع الشرعی" ضد الزوج أو القریب المحرم، من جانب المجنی علیهما فی المادة/ 409 عقوبات عراقی (بل ولا یجوز تطبیق أحکام الظروف المشددة بالنسبة له، حتى فی حالة استعمال الوحشیة البالغة فی قتل المجنی علیهما مثلاً).
أن دراسة احکام قانون العقوبات العراقی رقم (111) لعام 1969، المتعلقة بجرائم القتل العمدی لشخصین فأکثر، تمکن من وضع الاستخلاصات والتوصیات التالیة:
أولاً: تعرف جریمة القتل بکونها عبارة عن ازهاق حیاة انسان آخر خلافاً للقانون، بقصد جنائی أو بخطأ، أو هی حرمان انسان آخر من حیاته خلافاً للقانون عمداً أو باهمال.
ثانیاً: أن السمات الأساسیة لجریمة القتل تنحصر فی الأتی:
- أن القتل هو الحرمان من الحیاة تحدیداً.
- أن القتل یتعلق بحرمان انسان من الحیاة.
- أن القتل یمس حیاة انسان آخر.
- أن القتل مخالف للقانون.
- أن القتل یرتکب بقصد جنائی أو بخطأ.
ثالثاً: أن ازهاق حیاة شخصین فأکثر ینطوی على خطورة بالغة، وهو یعتبر أحد الظروف المشددة للمسؤولیة لقاء جریمة القتل العمد المعاقب علیها وفقاً للمادة/ 406 فقرة (1) عقوبات عراقی، ومن هنا فقد عاقب قانون العقوبات العراقی لقاء هذا النوع من جرائم القتل العمد بالاعدام، فی حین أن انتفاء هذا الظرف المشدد أو غیره مما ورد فی المادة العقابیة هذه یؤدی الى اتخاذ عقوبة السجن المؤبد او المؤقت.
رابعاً: أن الرکن المعنوی للجریمة یتصف بأهمیته النظریة والتطبیقیة الکبیرة بالنسبة للتوصیف القانونی لواقعة ازهاق حیاة شخصین فأکثر، وذلک مقارنة بالعناصر الاخرى لارکان هذه الجریمة، اذ یؤدی دوراً أساسیاً فی مجال عزل جریمة القتل العمد لشخصین فأکثر عن غیرها من الجرائم المماثلة.
خامساً: أن قانون العقوبات العراقی یحتوی على جملة من القواعد القانونیة الجنائیة المتضمنة ارکان الجرائم فیها على ازهاق حیاة شخصین فأکثر، وهذا ما یخلق صعوبات عدیدة بالنسبة لتکییف الوقائع الاجرامیة المتضمنة نتائج اجرامیة تتعلق بموت شخصین فأکثر. أن هذه القواعد القانونیة الجنائیة مصاغة، على سبیل المثال، فی المواد/ 406 فقرة (1) - و- ، 406 فقرة (1) - ز-، 406 فقرة (19 - ط - ، 406 فقرة (2) -أ-، 409، 411 فقرة (3) عقوبات عراقی.
سادساً: أن تکییف جرائم القتل العمدی المتضمنة ازهاق حیاة شخصین فاکثر ینطوی على صعوبات لا تعد، منها ما یرتبط بعدم الدقة التشریعیة فی صیاغة النصوص الجنائیة، ومنها ما یتعلق بالثغرات فی قانون العقوبات، ومنها ما ینبع من التفسیر الخاطئ لها.
سابعاً: من الضروری ایلاء العنایة على وجه الخصوص للصیاغة التشریعیة للقواعد القانونیة الجنائیة المتضمنة واقعة ازهاق حیاة شخصین فأکثر فی أحکام قانون العقوبات العراقی، مع ابراز سمات الرکن المعنوی لارکان هذه الجریمة تحدیداً.
ثامناً: من المهم تعدیل احکام المادة/ 411 عقوبات عراقی، باضافة فقرة تتضمن تحمیل المسؤولیة الجنائیة لقاء قتل شخصین بخطأ، أو تعدیل احکام الفقرة (3) من نفس المادة بایقاع المسؤولیة الجنائیة بالنسبة للجانی أن أدى سلوکه الى موت "شخصین" أو أکثر.
The Author declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English)
Search References:
(1) Salim Ibrahim Harba, Murder and its various descriptions, I 1, Babel Press, Baghdad, 1988, p. 29.
(2) Ali Mohamed Jaafar, Penal Code, Bribery, Embezzlement and Violation of Public Trust and Assault on Persons and Funds, University Institution for Studies, Publishing and Distribution, Beirut, 1995, pp. 9-10, as well as Salim Ibrahim Harbah, Murder and Descriptions, op. 11.18.
(3) Adaptation of Crimes in Yemeni and Comparative Criminal Law, University of Aden, Aden, 1993, p. 42.
(4) Mahmoud Naguib Hosni, Explanation of the Penal Code, Special section, Crimes against people, Dar al-Nahda al-Arabiya, Cairo, 1978, p. 7.
(5) Hassanein Ibrahim Saleh Obeid, Crimes against people, Dar al-Nahda al-Arabiya, Cairo, 1983, p.
6 Awad Mohammed, Crimes of Persons and Funds, University Press House, Alexandria, 1985, p. 5.
(7) Ali Hassan al-Sharafi, Lessons in the crimes of assault on persons, without specifying the place and time of publication, p.
[8] Penal Code, Special Section, Crimes against Persons, University of Aden, Aden, 1994, p.
(9) Kuznetsov, Criminal and Personal Law, Legal Publications, Moscow, 1977, pp. 6-19, as well as g. Kirilenko and L. Korchnova, what's the character? Progress House, Moscow, 1990.
[11] Ramses Behnam, Special section of the Penal Code, Dar al-Ma'arif, 1958, p. 137, as well as Abdel Fattah al-Saifi, Penal Code, Special section, Alexandria University, Alexandria, p.
[13] Mohamed Zaki Abu Amer, Ali Abdulqader Al-Kahwaji, Criminal Law, Special Section, University House, Beirut, 1988, pp. 29-40, 45.
[15] Dhari Khalil Mahmoud, Impact of Reza victim in Criminal Responsibility, Dar al-Qadisiyah, Baghdad, 1982.
[16] Mahmoud Mahmoud Mustafa, Explanation of the Penal Code, Special section, Cairo University, Cairo, 1984, p. 204.
(17) In more detail on the importance of error see our author: Adaptation of Crimes in Yemeni and Comparative Criminal Law, op. Cit., Pp. 78-101.
18 B. Melkov, A.A. Tarakhanov, Multiple Crimes and Criminal Responsibility in Yemen's Democratic Penal Code, Dar Hamdani, Aden, 1985.
19 Ali Muhammad Jaafar, The Philosophy of Punishment in Law and Islamic Law, University Institution for Studies, Publishing and Distribution, Beirut, 1997, p. 91.
20. Dawood Al-Saadi, The Penal Code, Department of Public Affairs, University of Baghdad, Baghdad, 1988-1989, p. 92.
21. Awad Mohammed, Penal Code, General Department, University Press House, Alexandria, 1985, p. 225.
Abbas al-Hassani, Explanation of the New Iraqi Penal Code, General Section, Al-Azhar Press, Baghdad, 1969-1970, pp. 333-341, Mohsen Naji, General Provisions of the Penal Code. 527.
Hamid Al-Saadi and Muhammad Ramadan Barah, Legal Adaptation in Criminal Subjects, Comparative Study on the Subject of Multiple Crimes and Conflict of Descriptions, Publications of Al Fateh University Complex, Libya, 1989, p.
Ali Hussein Al-Khalaf and Sultan Al-Shawi, General Principles in the Penal Code, University of Baghdad, Baghdad, 1982, pp. 449-454.
Al-Saadi, Penal Code, Special Section, University of Baghdad, Baghdad, 1988-1989, pp. 125-127.