الملخص
إن مبتغى الانسان فی حیاته هو الحفاظ على کینونته وذلک بسلامة امنه بکل ما ینطوی علیه هذا الامن من معانٍ لا تقتصر على جسده وانما على امواله ایضاً ، واذا ما ارتکبت جریمة بحقه فهی لا تشکل اعتداءً علیه فحسب وانما تمتد آثارها لتشمل المجتمع کذلک، ولهذا اصبح من الضروری على الدول وهی تدیر القضاء ان تتولى من خلاله تشخیص من خرق قواعدها الجنائیة الملزمة بعد نفاذها وافتراض علم الجمیع بمضمونها وما یترتب من آثار علیها فی حالة خرقها ، غیر ان اعمال اثار خرق هذه القواعد المتمثل بالجزاء لا یمکن ان یصار الیه ما لم تکشف الحقیقة
الكلمات الرئيسة
الموضوعات
أصل المقالة
مبدأ الاقتناع القضائی-(*)-
The principle of a judicial persuasion
محمد حسین الحمدانی نوفل علی الصفو کلیة القانون/ جامعة الموصل کلیة القانون/ جامعة الموصل Mohammed Hussein Al-Hamdani Nofal Ali Al Safo College of law / University of Mosul College of law / University of Mosul Correspondence: Mohammed Hussein Al-Hamdani E-mail: |
(*) أستلم البحث فی //*** قبل للنشر فی //.
(*) Received on *** accepted for publishing on .
Doi: 10.33899/alaw.2005.160441
© Authors, 2005, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license
(http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
المقدمة :
إن مبتغى الانسان فی حیاته هو الحفاظ على کینونته وذلک بسلامة امنه بکل ما ینطوی علیه هذا الامن من معانٍ لا تقتصر على جسده وانما على امواله ایضاً ، واذا ما ارتکبت جریمة بحقه فهی لا تشکل اعتداءً علیه فحسب وانما تمتد آثارها لتشمل المجتمع کذلک، ولهذا اصبح من الضروری على الدول وهی تدیر القضاء ان تتولى من خلاله تشخیص من خرق قواعدها الجنائیة الملزمة بعد نفاذها وافتراض علم الجمیع بمضمونها وما یترتب من آثار علیها فی حالة خرقها ، غیر ان اعمال اثار خرق هذه القواعد المتمثل بالجزاء لا یمکن ان یصار الیه ما لم تکشف الحقیقة ، إلا ان هذه الحقیقة لا یقبل المنطق ان تنکشف بذاتها او ان تبقى تنتظر من یکشف الغطاء عنها وانما تنکشف بالبحث الجاد والشاق واعمال التفکیر العمیق فیما یتحصل من أدلة وقرائن یمثلان وسائل کشف الحقیقة ، ومما لا یمکن اغفاله فی هذا المجال التلازم بین هذه الوسائل والمحکمة الجزائیة فی نظریة الاثبات ، فقد تکون الادلة والقرائن واضحة وتقود لکشف الحقیقة وقد یکتنفها الغموض فتجعل الوصول الى الحقیقة صعباً وأحیاناً مستحیلاً الامر الذی یستلزم من القاضی وقتاً وجهداً لاستخلاصها ومن ثم تقدیر قیمتها ، وهذا التقدیر یستند ویرتکز على ما تکون لدى القاضی الجنائی من قناعة اعتماداً على الدور الایجابی الذی منحه المشرع الجنائی له خاصة فی ظل التشریعات التی تمنح القاضی الجنائی سلطة تقدیریة بالقیاس الى الدور السلبی الممنوح للقاضی المدنی .
بناءً على ما تقدم یظهر جلیاً اهمیة الموضوع ، إذ انه یشکل العمود الذی ترتکز علیه نظریة الاثبات الجنائی ، فلا یمکن لمحکمة جنائیة ان تصدر حکماً بإدانة المتهم ما لم یکن هذا الحکم قد تأسس على قناعة ثابتة لا یدانیها شک بأن المتهم قد أرتکب ما نسب الیه والحال کذلک فی الاحکام الصادرة بالبراءة ، ولا نبالغ بالقول بأن مبدأ حریة المحکمة الجنائیة فی تکوین قناعتها یمثل ضماناً للاطمئنان الى الاحکام الجنائیة ومن اجل الالمام بموضوع البحث یقتضی الامر تقسیمه الى مباحث اربعة وکما یأتی :
المبحث الاول : مفهوم ونشأة مبدأ الاقتناع القضائی وموقف التشریعات منه .
المبحث الثانی : ماهیة القناعة ووسائل تکوینها .
المبحث الثالث : اثار مبدأ الاقتناع القضائی .
المبحث الرابع : القیود والاستثناءات التی ترد على مبدأ الاقتناع القضائی .
المبحث الأول
مفهوم ونشأة مبدأ الاقتناع القضائی وموقف التشریعات منه
من اجل بیان مفهوم مبدأ الاقتناع القضائی وتوضیح کیفیة نشأته سنقسم هذا المبحث الى مطلبین یبحث اولها فی مفهوم مبدأ الاقتناع القضائی وموقف التشریعات الحدیثة منه ، ویبحث ثانیهما فی نشأة مبدأ الاقتناع القضائی .
المطلب الأول
مفهوم المبدأ وموقف التشریعات الحدیثة منه
قبل توضیح موقف التشریعات من مبدأ حریة المحکمة فی تکوین قناعتها لا بد من تحدید هذا المبدأ ، لذلک سوف نقسم هذا المبدأ الى فرعین مستقلین یتناول فی الاول مفهوم المبدأ ، والثانی موقف التشریعات من هذا المبدأ .
الفرع الأول
مبدأ الاقتناع القضائی
مقتضى هذا المبدأ الذی یحکم سلطة القاضی الجنائی فی تقدیر الأدلة ان للقاضی الحریة فی تقدیر قیمة کل دلیل طبقاً لقناعته القضائیة وله من خلال هذا التقدیر ان یستقی قناعته من أی دلیل یطمئن الیه حیث لا یوجد ما یلزمه بحجیته المسبقة کما له ان یطرح الادلة التی لا یطمئن الیها وله فی النهایة سلطة التنسیق بین الادلة المعروضة علیه لاستخلاص نتیجة منطقیة من خلال هذه الادلة مجتمعة من اجل التوصل للحکم.
وقد عبرت محکمة النقض المصریة عن هذا المبدأ فی قضاء لها بقولها (العبرة فی المحاکمات الجنائیة هو باقتناع القاضی بناءً على الادلة المطروحة علیه لا یصح مطالبة قاضی الموضوع بالاخذ بدلیل معین فقد جعل القانون سلطة ان یأخذ من ایة بینة او قرینة یرتاح الیها کدلیل لحکمه وله ان یطرح أی دلیل لا یرتاح الیه).
إن الاخذ بمبدأ حریة القاضی فی تکوین قناعته له ما یبرره إذ ان الاثبات فی المواد الجنائیة یتسم بأنه لا یتعلق بإثبات تصرفات قانونیة یحتاط أطرافها بالأدلة التی تم تهیئتها مسبقاً ، کما ان الاثبات الجنائی لا یقتصر على الوقائع المادیة وانما یشمل إثبات الوقائع المعنویة (النفسیة) أیضاً فالجریمة لیست کیاناً مادیاً خالصاً قوامه الفعل وأثاره وانما هی کذلک کیان نفسی یقوم على الارادة والادراک وهی امور کامنة فی ذات المتهم مما یستلزم ان تعطی للقاضی الجنائی سلطة او حریة واسعة فی تقدیر الادلة یتحرک فی نطاقها بحریة ، فعملیة تقدیر الادلة لا یمکن صیاغتها بقواعد قانونیة ثابتة وفرض قوتها او تسعیراتها التشریعیة على قناعة القاضی وإنما لا بد ان یترک له تقدیرها وفقاً لقناعته.
الفرع الثانی
موقف التشریعات من المبدأ
السائد فی التشریعات الحدیثة ان للقاضی الجنائی الحریة فی تکوین قناعته من أی دلیل یطمئن الیه وهو مبدأ مستقر فی الفقه والقضاء أیضاً ویعتبر قانون تحقیق الجنایات الفرنسی الصادر سنة (1791م) هو أول قانون یقوم على مبدأ تقدیر الادلة وفقاً للقناعة القضائیة حیث نصت المادة (24) من القسم السادس (على المحلفین ان یبنوا قناعتهم بصورة خاصة على الادلة والمناقشات التی تطرح او تدور امامهم فمن خلال قناعتهم الشخصیة یطالبهم القانون والمجتمع بإصدار حکمهم على المتهمین)، وکذلک اعید النص على هذا المبدأ فی قانون تحقیق الجنایات الفرنسی لعام (1808م) حیث نص على : (ان القانون لا یسأل المحلفین عن الاسباب التی أقاموا علیها قناعتهم ولا یضع لهم قواعد یقدرون بها کفایة الادلة وکل ما یطلب منهم هو ان یسألوا انفسهم فی صمت وخشوع وان یتحروا بهدوء عن الاثر الذی ترکته فی نفوسهم الادلة الواردة ضد المتهم).
کما ان قانون الاجراءات الجنائیة الفرنسی الحالی نص على المبدأ فی المادة (427) حیث نصت (یجوز اثبات الجرائم بأی طریقة من طرق الاثبات ویحکم القاضی بناءً على قناعته الشخصیة ما لم ینص القانون على خلاف ذلک).
کما اخذ بهذا المبدأ قانون الاجراءات الجنائیة المصری . حیث نص على : (یحکم القاضی فی الدعوى حسب العقیدة التی تکونت لدیه بکامل حریة).
کذلک بنفس هذا المعنى قانون الإجراءات الجنائیة الجزائری حیث نص على : (… ویقضی الحاکم حسب وجدانه الخالص …) ، وکذلک قانون الاجراءات الجنائیة الالمانی الاتحادی لسنة (1975م) حیث نص فی المادة (261) منه على : (تقدر المحکمة الادلة طبقاً لقناعتها الحرة المتحصلة من مجمل وقائع المحکمة).
اما بالنسبة لموقف المشرع العراقی فلقد أقر مبدأ حریة القاضی الجنائی فی تکوین قناعته من خلال قوله (تحکم المحکمة فی الدعوى بناءً على اقتناعها الذی تکون لدیها من الادلة المقدمة فی أی دور من أدوار التحقیق او المحاکمة وهی الاقرار وشهادة الشهود ومحاضر التحقیق والمحاضر والکشوف الرسمیة الأخرى وتقاریر الخبراء والفنیین والقرائن والأدلة الأخرى المقررة قانوناً).
ویرى رأی فی الفقه ان المشرع العراقی على الرغم من تبنیه لمبدأ حریة القاضی الجنائی فی تکوین قناعته إلا اننا نلمس اتجاهاً واضحاً فی قرارات محکمة التمییز العراقیة للحد من هذه الحریة وکأن القانون لم یمنح للقاضی هذه الحریة فقد قضت فی قرار لها (وجد بأن الادلة المستحصلة لا تکفی لحصول القناعة).
وقضت (أن الادلة المتحصلة غیر جالبة للقناعة).
وقضت أیضاً (بأن اقوال المجنی علیها وهی تحت خشیة الموت بقیت معزولة ولا تولد القناعة التامة على صحة الاتهام).
المطلب الثانی
نشأة مبدأ الاقتناع القضائی
بعد سقوط الامبراطوریة الرومانیة ونجاح البربر فی الاستیلاء على الحکم بدأ ینتعش نظام الادلة القانونیة الذی کان بموجبه یقوم المشرع نفسه بتنظیم القناعة والیقین القضائی طبقاً لقواعد ینص علیها بهذا الشأن وذلک بتحدیده الشروط التی یستلزم توافرها فی الدلیل القابل لاثبات الادانة.
ویترتب على هذا النظام ان القاضی لا یمکنه ان یصل الى قناعته بإثبات الواقعة إلا إذا توافرت الشروط اللازمة له ، فالمشرع فی نظام الادلة القانونیة یحدد حجیة الادلة مسبقاً ویضع ما یسمى (بتسعیرة الادلة) حیث یحدد القیمة المقنعة لها.
وقد تضاءلت سلطة القاضی فی تقدیر الادلة إزاء نمو نظام الادلة القانونیة الذی بلغ ذروته فی القرنین السادس والسابع عشر فی فرنسا ویمثل القانون الجنائی الفرنسی القدیم لعام (1670م) والذی أصدره الملک لویس الرابع عشر نموذج لنظام الادلة القانونیة حیث صنفت الأدلة فیه طبقاً لقوتها المقنعة الى أربعة أصناف هی الأدلة الکاملة والأدلة الناقصة (نصف الدلیل) والأدلة الخفیة وأخیراً الأدلة الضعیفة.
ومنذ منتصف القرن الثامن عشر تعرض نظام الادلة القانونیة والذی یحد من سلطة القاضی لانتقادات کثیرة من قبل الفلاسفة وفقهاء القانون وأخذ تیار هذه الانتقادات یتصاعد بحیث اوجد روحاً تتجه نحو إصلاح النظام الجنائی عموماً وکان العلامة (بیکاریا) أول داع للحرکة فی هذا المجال ونادى بان الیقین المطلوب فی الاثبات الجنائی هو (الیقین الذی یرشد أی انسان الى الاعمال الهامة فی الحیاة وهذا الیقین لا یمکن حصره فی القواعد الخاصة بالأدلة القانونیة).
ثم جاء فلانجیزی مطالباً بالقاعدة الشاملة والاساسیة للاثبات فی المواد الجنائیة والتی توجب (تأسیس کل إدانة وبصفة مطلقة على الیقین المعنوی وهذا الیقین لا یکمن إلا فی ضمیر القاضی)، هذه الروح الجدیدة أحدثت تقدماً سریعاً وخصوصاً فی فرنسا وهکذا قام فولتیر ومن بعده بعض الفلاسفة بمهاجمة نظام الادلة القانونیة والاشادة بمزایا نظام الادلة المعنویة الذی یقوم على القناعة القضائیة والذی بمقتضاه یباشر القاضی دوراً ایجابیاً فی کشف الحقیقة ویبدو هذا الدور من جانبین هما حریة القاضی فی ان یستخلص قناعته من أی دلیل یطمئن الیه وحریته فی تقدیر هذه الادلة المطروحة علیه ، ولهذا یطلق البعض على هذا النظام بنظام حریة الادلة او نظام الادلة الاقناعیة ، وبموجب هذا النظام تکون جمیع أدلة الاثبات امام القاضی على حد سواء ویتمتع بحریة فی تقدیر قیمة کل منها فلیس هناک دلیل له قوة ذاتیة قانونیة یلتزم بها ، ونتیجة لذلک فأنه یحضر على المشرع إضفاء قوة معینة لأی دلیل من شأنه ان یقید سلطة القاضی فی تکوین قناعته فالمشرع فی هذا النظام لا یتدخل لتحدید الاسباب الخاصة بقناعة القاضی ویضمن هذا النظام للقاضی الجنائی استقلالاً کاملاً لتکوین قناعته القضائیة بشأن قیمة الأدلة المعروضة علیه هذه القناعة التی لا یمکن ان تقوم بدورها فی هذا المجال ما لم تتمتع بالحریة الکاملة.
المبحث الثانی
ماهیة القناعة ووسائل تکوینها
للوصول الى المدلول السلیم والصحیح للقناعة سنقسم هذا المبحث الى مطلبین مستقلین نتناول فی الاول : ماهیة القناعة ، اما الثانی فسوف نتطرق فیه الى : وسائل تکوینها ، وکما یأتی :
المطلب الأول
ماهیة القناعة
للإحاطة بماهیة القناعة یتطلب الامر منا بیان مفهومها أولاً ثم تحدید أساسها ثانیاً وأخیراً نبین طبیعتها وذلک فی ثلاث فروع مستقلة .
الفرع الأول
مفهوم القناعة
القناعة لغةً من قنع – قنعاً – وقناعةً – أی رضی بما أعطی له فهو قانع ، یقال : أقنعه بالامر ، والمقنع : ما یرضى من الآراء.
والسائد فقهاً وقضاءً أنه یطلق على القناعة بالقناعة الشخصیة ، ونتفق مع من یرى انها تسمیة غیر دقیقة وذلک لما تتسم به هذه القناعة من طبیعة خاصة بمجال معین وهو العمل القضائی ، فالقاضی قد یقتنع شخصیاً بنسبة الجریمة الى المتهم ولکن تنقصه الادلة القضائیة التی یستطیع ان یؤسس علیها حکمه وبالتالی یصبح من العسیر علیه ان یصدر حکماً طبقاً لقناعته الشخصیة هذه ومن ثم فإن إضفاء وصف الشخصیة علیها لا یفی باعطاء المدلول الصحیح لها ، والصحیح انها قناعة قضائیة خالصة ، لذلک وتوخیاً لدقة المصطلحات أطلقنا علیه (القناعة القضائیة) کعنوان لموضوع بحثنا .
کما أننا لا نتفق مع من یسمیها بالقناعة الوجدانیة انطلاقاً من الأسس التی یقیمونها علیه وهو ضمیر القاضی على الرغم من أننا لا ننکر دور الضمیر فی بناء القناعة إلا انها لا تقوم على الضمیر وحده بل ان الضمیر یرکن الى ما توافر من أدلة وهی خارجة عنه.
أما مفهوم القناعة اصطلاحاً فیمکن تعریفها بأنها (عملیة عقلیة منطقیة مرتبطة بالضمیر العادل لتحلیل الدلیل والتعرف على فحواه ومعناه وما یترتب علیه من نتائج).
الفرع الثانی
أساس القناعة
لم یتفق الفقه على الاساس الذی یمکن ان تنبنی علیه القناعة القضائیة لذلک تعددت الآراء والاتجاهات بشأن ذلک وسنوجز هذه الاتجاهات کما یأتی :
الاتجاه الأول :
یرى هذا الاتجاه ان القناعة تقوم على اساس انطباعات سطحیة عابرة ، عبر عن ذلک الفقیه جارو بقوله : (ان شأن ترک اصدار الاحکام الجنائیة لقناعة القضاة ان یؤدی ذلک الى تسلیمها لمجرد انطباعاتهم فالقاضی یتأثر فی تکوینه بالانطباعات العاطفیة والسطحیة) ونتفق مع من یرى ان هذا الاتجاه ترفضه القواعد القانونیة الاجرائیة التی توجب بناء الاحکام الجنائیة على الیقین والجزم ومنطق القول بان الانطباعات العاطفیة والسطحیة لا یمکن من خلالها الوصول الى الیقین والجزم .
الاتجاه الثانی :
یذهب هذا الاتجاه الى ان اساس القناعة هو أمر نفسی یهدف الى التوصل الى امر معین وهذا الامر یتجسد فی تطبیق القواعد القانونیة . إلا ان هذا الرأی منتقد لان القناعة لیست امراً نفسیاً محضاً مع الاقرار بأثر تلک العوامل فی تکوینها .
الاتجاه الثالث :
یذهب هذا الاتجاه الى إقامة اساس القناعة على ضمیر القاضی ووجدانه ، ویعرف الضمیر بأنه ضوء داخلی ینعکس على وقائع الحیاة ، فهو یقف فی سلم اعلى ویقیم کل الافعال قبل الموافقة علیها او رفضها فهو مستودع للقانون والقواعد الاخلاقیة فاللجوء للضمیر لمعرفة الحقیقة والحصول على الاقتناع هو عبارة عن اللجوء الى القواعد الاخلاقیة الفطریة القابعة فی دواخلنا بالفطرة فهو المظهر الاسمى للطبیعة البشریة ومنبع العدالة البعیدة عن کل محاباة او مجاملة . والمشرع یضع ضمیر القاضی ککفة میزان لوزن الوقائع وتقدیر الادلة .
إلا ان هذا الرأی لم یستطع ان یعطینا الاساس الصحیح للقناعة فمما لا شک فیه ان القاضی فی تقدیره للادلة یراجع ضمیره ویستشیره لیتخذ الموقف بإعطاء القیمة للدلیل المعروض علیه ، غیر ان المعروف ان الضمیر هو تشکیل معنوی فی الذات الانسانیة له دوره الذی لا یمکن إغفاله فی بناء وتکوین هذه القناعة غیر انه لا یصلح وحده فی بناء الاحکام الجنائیة وذلک بسبب صعوبة وضع معیار عملی محدد ودقیق لضبطه ولان القناعة عملیة مبنیة على العقل والمنطق ومرتبطة بالضمیر العادل تستهدف تحلیل الدلیل والتعرف على مضمونه لیسهل على القاضی تقدیره بشکل سلیم .
وعلى الرغم مما تعرض له هذا الاتجاه من انتقادات فإننا نرى انه الاقرب من غیره الى بیان الاساس الحقیقی للقناعة .
الفرع الثالث
طبیعة القناعة
لتحدید طبیعة القناعة هناک عدة اتجاهات نوجزها فیما یأتی :
الاتجاه الاول :
یذهب هذا الاتجاه الى اعتبار القناعة مجرد رأی قضائی یبدیه القاضی عند عرض الدلیل علیه وهذا الاتجاه منتقد لان الرأی هو مجرد تعبیر عن وجهة نظر ربما تکون عابرة وغیر مبنیة على اسس علمیة والاحکام لا تبنى على الاراء العابرة وانما تبنى على أسس رصینة ومتینة من قواعد الاستنتاج والاستخلاص العقلی والمنطقی للأدلة المعروضة.
الاتجاه الثانی :
یرى هذا الاتجاه ان القناعة مجرد اعتقاد یقوم فی ذهن القاضی عند تقدیره لقیمة الادلة المعروضة علیه إلا ان هذا الاتجاه منتقد أیضاً لان الاعتقاد لا یبنى على أسس موضوعیة کافیة کما انه یتضمن معنى الاحتمالیة والاحکام التی یصدرها القاضی لا یمکن ان یکون فیها ادنى شک او احتمال.
الاتجاه الثالث :
هذا الاتجاه یرى فی القناعة عبارة عن نفاذ البصیرة لمعطیات الخصومة الجنائیة الواقعیة والقانونیة ویکون على مستوى من الوضوح یجعله یبدو متقارباً مع المعانی الاخلاقیة والجمالیة والفنیة التی تتصف بها الحقیقة ، غیر ان هذا الاتجاه منتقد أیضاً لان نفاذ البصیرة لیس سوى جهد استنباطی للوصول الى الحقیقة دون ان یحدد طبیعة هذه الحقیقة بالذات وفیما اذا کانت یقیناً او دونه.
الاتجاه الرابع :
یذهب هذا الاتجاه بأن القناعة نوع من انواع الیقین الخاص بالعمل القضائی الجنائی بصورة عامة وتقدیر الادلة بصورة خاصة لانها تقوم على اسس عقلیة منطقیة رصینة فی تقدیر قیمة الدلیل المعروض على القاضی ، وهو یعتبر ارجح الاتجاهات وهذا ما نؤیده.
المطلب الثانی
وسائل تکوین القناعة
لما کانت عملیة تقدیر الأدلة مبنیة على تقدیر القاضی وان هذه القناعة عبارة عن نشاط عقلی فهذا یعنی ان المشرع لم یبین وسیلة ممارسة هذه القناعة وانما وضع ضوابط وحدد نتائج بمجرد قیام مقدماتها ، ولهذا فان الجهد الاستنباطی الذی یبذله القاضی من خلال نشاطه العقلی المکون لقناعته ینصرف الى فرز الحقیقة عن الدلیل ، وبمعنى اخر ان یقوم باستجلاء الحقیقة من الدلیل محل التقدیر ، ولکی تکون قناعة القاضی مبنیة على اسس سلیمة فی تقدیرها للادلة یجب ان تکون النتیجة المستخلصة من خلال هذا التقدیر مطابقة للنموذج القانونی وهو ما یطلق علیه (الحقیقة القضائیة) التی تستلزم التماثل مع الحقیقة الواقعة المتمثلة بالنموذج التجریمی للفعل محل الاثبات ، ولما کان الحکم یمثل عنوان الحقیقة فان التساؤل الذی یثار هو هل ان هذا الحکم یطابق واقع الجریمة کما حدثت ام یختلف معها ! للإجابة على ذلک یمکن القول بان الحقیقة التی یعلنها الحکم الجنائی هی لیست بالضرورة الحقیقة ذاتها لان إدراک الحقیقة هو امر نسبی بسبب تواضع امکانیات البشر فی المعرفة فالقاضی بحکم ادمیته لا یمکنه إدراک الیقین المادی للحقیقة وإنما باستطاعته ان یصل الى الیقین القضائی وهذا الیقین لیس هو المطلق ، حیث لا وجود للیقین المطلق خارج نطاق علم الریاضیات والفیزیاء.
وعملیة تکوین القناعة قد ترافقها بعض المخاطر حیث ان الوقائع الخارجیة التی تحیط بالقاضی لا بد ان تؤثر فیه إذ لیس من شک ان هناک عدة عوامل کالتجارب والعادات والخبرة السابقة والامکانیات الذهنیة وما یعتنقه القاضی من قیم وأفکار اضافة الى الوسط الذی یعیش فیه کلها عوامل لا یمکن تجریده منها ونکران اثرها علیه عند تقدیره للأدلة المعروضة.
ولکی یتجنب القاضی قدر الامکان الوقوع تحت تأثیر هذه العوامل فإن عملیة تکوین القناعة یجب ان تتخذ صورة الاستدلال على الحقیقة واستنباطها المنطقی من خلال الادلة وتتم عملیة الاستدلال هذه من خلال الافتراضات الاحتمالیة وإعمال معاییر الحقیقة القضائیة المستخلصة من النص التجریمی والوقائع وأدلتها ، والنتیجة التی یتم التوصل الیها عن طریق الافتراضات العکسیة الى نتائج مخالفة ومعنى ذلک أن القناعة قد بنیت على یقین سلیم وعند ذاک یمکن القول بان الیقین قد اصبح جازماً وهذا کل ما یتطلبه الحکم الجنائی وبذلک أیضاً تتقلص فرص الاخطاء القضائیة فی عملیة تقدیر الادلة وتکتسب الاحکام الثقة المبتغاة کونها عنواناً للحقیقة وتقل فرص الطعن بالاحکام التی یلجأ الیها الخصوم.
المبحث الثالث
آثار مبدأ الاقتناع القضائی
یترتب على الاخذ بمبدأ حریة المحکمة الجنائیة فی تکوین قناعتها نتیجتان مهمتان هما حریة القاضی الجنائی فی الاخذ بالادلة والثانیة هی حریته فی طرح مالا یطمئن الیه من الادلة ، وهذا ما سنوضحه فی المطلب الاول من هذا المبحث ، اما المطلب الثانی فسوف نبحث فیه القواعد التی یؤسس علیها القاضی الجنائی قناعته.
المطلب الأول
حریة القاضی الجنائی فی الأخذ بالأدلة
انطلاقاً من مبدأ حریة المحکمة الجنائیة فی تکوین او بناء قناعتها ، فإن للمحکمة الحریة المطلقة فی تقدیر قیمة کل دلیل مطروح امامها طبقاً لقناعتها ولها ان تستقی هذه القناعة من أی دلیل تطمئن الیه ، إذ لا یوجد دلیل یلزمها المشرع بحجته مسبقاً ، فلها ان تعتمد سبباً للحکم القرائن دون الشهادات کما لها ان تأخذ باعتراف المتهم الذی یبدیه أمامها اذا ما اقترن بدلیل یؤیده کما ان لها فی حالة وجود اختلاف بین اقوال الشهود والتقریر الطبی ان تأخذ بشهادة الشهود ما دامت قد اطمأنت الى صحتها ، وتستطیع ان تأخذ بقول الشاهد فی ادوار التحقیق اذا أیدت بأدلة اخرى واطمأنت المحکمة الیها ولو رجع عنها فی أدوار المحاکمة.
ولها کذلک الاخذ بشهادة الاخرس المدلات بإشارته المعهودة او ان تأخذ بشهادات اقرباء المجنی علیه. أضف الى ذلک ان تقدیر الادلة بالنسبة لکل متهم هو من اختصاص محکمة الموضوع وحدها فهی حرة فی تکوین قناعتها فلها ان تأخذ بأدلة فی حق متهم ولا تأخذ بها فی حق متهم آخر وان کانت متماثلة. کما ان للمحکمة ان تأخذ بالدلیل کاملاً دون تجزئته او تجزأ الدلیل بناءً على ذلک فان مجرد الاختلاف فی تقدیر مسافة إطلاق النار بین اقوال الشهود وبین ما ورد فی التقریر الطبی الشرعی لیس من شأنه ان یهدد شهادة هؤلاء الشهود وانما یرجع تقدیر ذلک الى ما تراه المحکمة فلها ان تأخذ من شهادة الشاهد ما تطمئن الیه وتهدر منها ما لا تطمئن ، طالما ان الامر فی ذلک یرجع الى اطمئنانها الى صحة الدلیل الذی تبنی علیه قناعتها.
والجدیر بالقول ان الادلة فی المواد الجنائیة لا یشترط فیها ان تکون صریحة ودالة بنفسها على الواقعة المراد إثباتها عند الاخذ بها ، بل یکفی ان تستخلص المحکمة عند الاخذ بالادلة ثبوت تلک الواقعة بالاستنتاج وما تکشفه الظروف والقرائن ومن ثم ترتیب النتائج على المقدمات شرط ان یکون هذا الاستنتاج هو الرأی الوحید الذی یمکن استخلاصه من الادلة المطروحة امام المحکمة بعد تدقیقها والتأکد من صحتها.
المطلب الثانی
حریة القاضی فی استبعاد الأدلة
للمحکمة الجنائیة وهی تمارس سلطتها فی تقدیر الادلة ان تطرح او تستبعد أی دلیل لا تطمئن الیه او لا ترتاح الیه طبقاً لقناعتها وعدم اطمئنان المحکمة بقیمة الدلیل الذی تطرحه یأتی من ضعفه فی الدلالة على الحقیقة وعدم تعزیزه بأدلة اخرى او ان الادلة الاخرى تدحضه او انه منتج فی الاثبات ولکن لدى المحکمة من الادلة الکافیة فی تکوین قناعتها ، فالاعتراف مثلاً بوصفه دلیلاً من أدلة الاثبات فان المحکمة یمکن ان لا تأخذ به مع توافر شروطه عندما یکون غیر مطابق للحقیقة إذ قد یصدر من المتهم تحت تأثیر دوافع متعددة کالرغبة فی تخلیص المجرم الحقیقی الذی تربطه بالمتهم صلة قرابة او مصلحة او رغبة المتهم فی التخلص من جریمة أخرى اشد او مجرد رغبته فی دخول المؤسسة العقابیة هرباً من مشاکل الحیاة.
کذلک یمکن للمحکمة ان تهدر الشهادة التی لا تطمئن الیها ولها ان تجزأ هذه الشهادة فتهدر الجزء الذی لا تطمئن الیه مع ملاحظة ان تجزئة الشهادة الواحدة یجب ان لا تؤدی الى مسخ الشهادة وتشویه مدلولها.
کما ان للمحکمة ان تطرح محاضر التحقیق والمحاضر والکشوف الرسمیة الاخرى إذا لم تطمئن الیها باعتبارها جمیعاً من عناصر الاثبات وتخضع لتقدیر المحکمة وتحتمل الجدل والمناقشات کسائر الادلة الاخرى ، حیث ان للخصوم تفنیدها من دون ان یکونوا ملزمین لبلوغ ذلک سلوک سبیل الطعن بالتزویر.
وللمحکمة أیضاً کامل الحریة فی تقدیر القوة التدلیلیة لتقریر الخبیر شأنه فی ذلک شأن سائر الادلة الاخرى ، فهی غیر ملزمة فی الاخذ به بل لها ان تخالفه ویمکن لها ان تنتدب خبیراً اخر او خبراء اخرین ویکون لها مطلق الحریة فی الاخذ برأیه .
خلاصة القول ان للمحکمة الجنائیة مطلق الحریة فی استبعاد أی دلیل او قرینة لا تطمئن الیه فهی غیر مقیدة بأدلة معینة بل لها ان تبنی قناعتها فی جمیع ظروف الدعوى وبإمکانها ان تعتمد على أی دلیل تطمئن الیه وان تستبعد أی دلیل لا تطمئن الیه لا یقیدها فی ذلک إلا فیما ینص علیه المشرع على طریقة معینة فی الإثبات.
المبحث الرابع
القیود والاستثناءات التی ترد على مبدأ الاقتناع القضائی
ان القاضی الجنائی وإن نص المشرع على حریته فی تکوین قناعته من خلال سلطته الواسعة فی تقدیر الادلة التی تعتبر من إحدى اهم خصائص نظریة الاثبات الجنائی إلا ان هناک مجموعة من القیود والاستثناءات التی وضعها المشرع وذلک لتنظیم الوصول الى هذه القناعة والتی احلتها ضرورات الموازنة بین حق المتهم فی الدفاع من جهة وبین الحریة الممنوحة للقضاة فی تکوین قناعتهم من خلال الادلة المعروضة علیهم من جهة اخرى . علیه سوف نبحث هذه القیود فی المطلب الاول ونخصص الثانی لبحث هذه الاستثناءات .
المطلب الأول
قیود حریة المحکمة فی تکوین قناعتها
سبق القول ان للقاضی الجنائی حریة واسعة فی تکوین قناعته من مجموع الادلة المعروضة علیه دون إلزام من قبل المشرع له بقیمة مسبقة لدلیل معین . غیر ان هذه الحریة تنظمها ضوابط وضعها المشرع لضمان عدالة الاحکام القضائیة وهی کما یلی :
أولاً- مشروعیة الادلة :
ان حریة القاضی فی الاقتناع یجب ان یکون لها حد لا یمکن تخطیه وهو مشروعیة الادلة ذلک ان الخصومة الجنائیة تقوم على ضمان حریة المتهم لا على مجرد اثبات سلطة الدولة فی العقاب ، وبالتالی یتعین على القاضی ألا یثبت توافر هذه السلطة تجاه المتهم إلا من خلال اجراءات مشروعة تحترم فیها الحریات وتؤمن فیها الضمانات التی رسمها القانون.
فالمشکلة لیست فی قیمة الادلة فی الاثبات بقدر ما هی تتعلق باحترام الحریة الشخصیة وعدم التجنی علیها فی سبیل الحصول على ادلة اثبات ویتطلب التوفیق بین الامرین عدم تغلیب جانب على اخر ، ولذلک اجاز القانون المساس بالحریة الشخصیة فی حدود معینة من اجل الوصول الى کشف الحقیقة ، ولکنه احاط هذه المساس بضمانات معینة یجب احترامها حتى لا یتغلب جانب سلطة العقاب على جانب احترام الحریة.
ثانیاً- الاعتماد على الادلة القضائیة :
لا یجوز للمحکمة ان تستند فی حکمها الى دلیل لم یطرح للمناقشة او لم یشر إلیه فی الجلسة ولا الى ورقة قدمها أحد الخصوم من دون ان یمکن باقی الخصوم من الاطلاع علیها، أی یجب ان یکون للادلة مصدر فی اوراق الدعوى المطروحة امام القاضی سواء فی محاضر جمع الاستدلالات او التحقیق او المحاکمة . وفی ذلک ضمانة اکیدة للعدالة . ولذلک فان مبدأ شفویة المرافعة یرتبط بمبدأ الاقتناع القضائی الذی یفترض ان یستمد القاضی اقتناعه من حصیلة المناقشات التی تجری امامه فی الجلسة وهذا یعنی ان کل دلیل یعتمد علیه القاضی فی حکمه یجب ان یکون قد طرح شفویاً فی الجلسة ، وجرت مناقشته فی حضور الخصوم ، لان القاضی یستمد اقتناعه من حصیلة هذه المناقشات الشفویة ، فاذا کانت المحکمة قد استندت فی حکمها الى إفادة الشهود التی دونها المحقق فقط ولم تتمکن الشرطة من احضارهم امام حاکم الاحالة الکبرى لیتمکن المتهم من مناقشتهم حول ما اسندوه ضده فیکون التجریم والحکم غیر صحیحین ، کما عبرت محکمة النقض عن هذا المبدأ بقولها (ان اساس المحاکمة الجنائیة هو حریة القاضی فی تکوین قناعته من التحقیق الشفوی الذی یجریه بنفسه والذی یدیره ویوجهه الوجهة التی یراها موصلة للحقیقة وان التحقیقات الاولیة على المحاکمة لا تعتبر إلا تمهیداً لذلک التحقیق الشفهی وانها بهذا الاعتبار لا تخرج عن کونها من عناصر الدعوى المعروضة على القاضی یأخذ بها اذا اطمئن الیها ویطرحها اذا لم یصدقها).
کما قضت محکمة التمییز السوریة بهذا الشأن (ان الاکتفاء بأقوال الشهود امام قاضی التحقیق دون تلاوتها ودون وضعها موضع المناقشة یورث خللاً فی إجراءات المحاکمة).
وحتى تکون للقاضی الجنائی الهیمنة على الدعوى الجنائیة فلا بد ان یکون مدرباً تدریباً فنیاً على کیفیة التعامل مع الادلة العلمیة الحدیثة .
ثالثاً- ان تکون قناعة القاضی مبنیة على الجزم والیقین :
ان من أهم الضمانات لعدالة التحقیق والمحاکمة هی ان المتهم برئ حتى تثبت إدانته استناداً الى ان الاصل فی الانسان البراءة حتى یثبت العکس . فقرینة البراءة لیست مجرد قرینة موضوعیة تعین القاضی الجنائی فی إقامة العدالة بقدر کونها مبدأ اصیلاً وثابتاً من مبادئ التشریع والقضاء فی ذات الوقت. فالاحکام القضائیة لا تبنى على الشک وانما تؤسس على الیقین فاذا ثار شک لدى القاضی الجنائی فی صحة ادلة الاثبات وجب علیه ان یحکم بالبراءة ، أی ان الشک یجب ان یفسر لمصلحة المتهم وتطبیقاً لذلک قضت محکمة النقض المصریة بأن (الاحکام فی المواد الجنائیة یجب ان تبنى على الجزم والیقین لا على الظن والاحتمال ، فاذا کانت المحکمة لم تنته من الادلة التی ذکرتها الى الجزم بوقوع الجریمة من المتهم ، بل رجحت وقوعها منه ، فحکمها بادانته یکون خاطئاً).
کما قضت محکمة التمییز بأن (لدى التدقیق والمداولة وجد ان الادلة ضد المتهمین لا یطمئن الى صحتها فشهادة المشتکی التی هی الشهادة الوحیدة فی هذه القضیة لا یمکن ان تکون سبباً للحکم لأنها قائمة على الظن والشک).
رابعاً- على القاضی إلا یحکم بناءً على علمه الشخصی :
ان القاعدة فی العمل القضائی هی انه یمنع القاضی الجنائی من أن یقضی بعلمه الشخصی وهذه قاعدة استقرت علیها التشریعات الجنائیة فی الوقت الحاضر ومنها المشرع العراقی حیث نص على (لیس للقاضی ان یحکم فی الدعوى بناءً على علمه الشخصی) ، بمعنى لیس للقاضی ان یقضی فی الدعوى المطروحة امامه على مجرد معلوماته التی حصل علیها من خارج مجلس القضاء التی من الممکن ان تؤثر فی تکوین قناعته عند تقدیره لادلتها، ویعتبر القاضی انه قضى بعلمه الشخصی إذ أنصب هذا العلم على واقعة معینة، أما اذا انصب على دلیل یرجع الى رأی یقول فیه او یجری به العرف فلا بطلان لحکمه . والحکمة من عدم السماح للقاضی ان یحکم بناءً على علمه الشخصی هو عدم جواز ان یجمع القاضی بین صفة الشاهد وسلطة الحکم ، ولا سیما ان الشهادة لا تقبل إلا بعد اداء الیمین ، کما ان القاضی لا یناقش من قبل المتهم او الخصوم ان حکم بما علم به شخصیاً. غیر ان ذلک لا یمنع القاضی فی ان یستند فی حکمه على المعلومات التی وصلت الیه من مجلس القضاء نتیجة نظره لدعوى مطروحة امامه او تلک المعلومات العامة التی من شأن کل شخص ان یکون عالماً بها ومما لا تلزم القاضی بإقامة الدلیل علیه. کما ان المعلومات العامة المستقاة من خبرة القاضی بالشؤون العامة المفروض إلمام الجمیع بها لا تعد من قبیل المعلومات الشخصیة المحذور على القاضی ان یبنی حکمه علیها ویقصد بها الوقائع التی یفترض علم الکافة بها والتی یکتشفها القاضی من خبرته او ثقافته العامة کالوقائع العامة المشهورة التی یستند الیها القاضی فی حکمه.
المطلب الثانی
استثناءات مبدأ حریة المحکمة فی تکوین قناعتها
إذا کان الثابت ان القاضی الجنائی یتمتع بدور ایجابی فی البحث عن الحقیقة واذا کانت القاعدة العامة فی المواد الجنائیة هی حریة القاضی فی تکوین عقیدته واقتناعه وله کل الحریة فی تقدیر الادلة إلا ان المشرع أورد على هذه الحریة بعض الاستثناءات قید فیها القاضی الجنائی بأدلة معینة یلتزم بها فی بناء قناعته فی بعض الاحوال وهی :
1- اتباع القاضی الجنائی طرق الاثبات الخاصة بالمسائل غیر الجنائیة :
قد یستلزم الفصل فی الدعوى الجنائیة ان یفصل القاضی فی مسألة غیر جنائیة ضروریة للحکم فی الدعوى قد تکون مدنیة او تجاریة او إداریة او احوال شخصیة یتوقف علیها الفصل فی الدعوى الجنائیة ففی هذه الحالة تتبع المحکمة طرق الاثبات المقررة فی القانون الخاصة بتلک المسألة وهذا یحدث عندما یکون الفصل فی الدعوى الجنائیة یتوقف على الفصل فی وجود علاقة مدنیة او انتفائها على شرط ان تکون هذه العلاقة لیست فی ذاتها رکناً للجریمة وإنما هی مفترضة لها وتظل لها طبیعتها غیر الجنائیة على الرغم من افتراض الجریمة لها ، مثال ذلک إثبات الملکیة فی جریمة السرقة والعقود الخاصة بجریمة خیانة الامانة. والزوجیة فی جریمة الزنا والشیک فی جریمة اصدار شیک بدون رصید . ففی هذه الامثلة یثیر المتهم دفعاً یتعلق بتلک العناصر القانونیة التی تدخل فی نطاق الفروع الاخرى ویتعین على القاضی الجنائی ان یفصل فیها طالما یتوقف علیها الفصل فی الدعوى الجنائیة وذلک بالرجوع فی شأن اثباتها الى قانون الاثبات فی المواد المدنیة والتجاریة ، والحکمة من ذلک ان طریقة الاثبات یجب ان تتبع جوهر النزاع لا المحکمة التی تفصل فیه.
وأهم موضوع للاختلاف بین قواعد الاثبات الجنائی والمدنی هو اطلاقه قبول الادلة فی الاولى وتقییده فی الثانیة بحیث لا یجوز قبول الشهادة إذا زادت قیمة العقد عن خمسة الاف دینار . ولهذا اذا کانت قیمة عقد الامانة فی جریمة خیانة الامانة اکثر من خمسة الاف دینار ، فلا یجوز اثباته إلا بالکتابة ما لم یوجد مبدأ ثبوت بالکتابة او مانع مادی او أدبی یحول دون الحصول على الدلیل الکتابی او کان السند الکتابی قد فقد بسبب اجنبی لا دخل لارادة صاحبه فیه عندها یجوز الاثبات بکافة الطرق.
ویشترط کثیر من الفقهاء توافر شرطین لتقید القاضی الجنائی بطرق الاثبات المقررة فی القوانین غیر الجنائیة بالنسبة للمسائل المعروضة علیه والمتعلقة بتلک القوانین ، الاول ان لا تکون الواقعة محل الاثبات هی بذاتها الواقعة محل التجریم بمعنى انه یلزم ان تکون الواقعة غیر الجنائیة هی عنصر الجریمة وسابقة فی وجودها على ارتکاب الفعل الاجرامی وان لا تکون هی المکونة للسلوک الاجرامی ذاته ، والثانی ان تکون الواقعة المتعلقة بالقوانین غیر الجنائیة لازمة للفصل فی الدعوى الجنائیة فاذا کانت الواقعة المدنیة مثلاً تستدل بها المحکمة کقرینة على وقوع الجریمة فلا تثریب اذا هی لم تلجأ الى قواعد الاثبات المدنیة فلا یمنع القاضی الجنائی من اتباع کافة طرق الاثبات فی إثبات واقعة البیع الحاصلة من المتهم باختلاس اموال عامة کقرینة على انه اختلس الاشیاء المباعة.
ولا یوجد مقابل للمبدأ الذی جاءت به المادة (225) من قانون الاجراءات الجنائیة المصری الذی یقضی (…… ان تتبع المحاکم الجنائیة فی المسائل غیر الجنائیة التی تفصل فیها تبعاً للدعوى الجنائیة طرق الاثبات المقررة فی القانون الخاص بتلک المسائل) فی قانون اصول المحاکمات الجزائیة العراقی سوى ما نصت علیه المادة (20) من هذا القانون بأنه (یتبع فی الفصل فی الدعوى المدنیة التی ترفع امام المحکمة الجزائیة الاجراءات المقررة بهذا القانون) . ویعتبر ذلک نقصاً یتطلب من المشرع التدخل لمعالجته.
2- حجیة المحاضر والتقاریر الرسمیة فی إثبات ما ورد فیها من وقائع :
أعطى المشرع العراقی بموجب المادة (221) من قانون اصول المحاکمات الجزائیة للمحاضر والتقاریر والکتب الرسمیة التی یحررها الموظفون والمستخدمون المختصون فی المخالفات حجة بالنسبة للوقائع التی اشتملت علیها وللمحکمة ان تتخذها سبباً للحکم فی المخالفة دون ان تکون ملزمة بالتحقیق عن صحتها ومع ذلک فللخصوم ان یثبتوا عکس ما ورد فیها . لذا وان کانت القاعدة العامة ان القاضی الجزائی له مطلق التقدیر للوقائع التی ترد فی الاوراق والمحاضر المتعلقة فی الدعوى انطلاقاً من حریته فی الاقتناع الا ان المحاضر المذکورة فی المخالفات لها حجیة تجیز له اتخاذها سبباً للحکم دون ان یستوجب ذلک تحقیقها فی الجلسة الا ان هذه الحجیة لیست مطلقة بل قابلة لاثبات العکس . على ان هذا القید لا یلزم القاضی بالاخذ بما ورد بهذه المحاضر بل له عدم الاخذ بها وإجراء التحقیق القضائی للتثبت من صحة ما تضمنته من وقائع اذا لم یطمئن لها.
وکذلک فعل المشرع المصری فقد نص على انه (تعتبر المحاضر المحررة فی مواد المخالفات حجة بالنسبة للوقائع التی یثبتها المأمورون المختصون الى ان یثبت ما ینفیها)، اما بالنسبة لمحاضر جلسات المحکمة فتعتبر حجة بما ورد فیها وذلک متى استوفت الشکل القانونی بتوقیع رئیس المحکمة والکاتب غیر ان هذه الحجة قاصرة على ثبوت الوقائع والاجراءات التی وردت بالمحضر ولا تمتد هذه الحجیة لالزام القاضی بالاخذ بما ورد من أدلة . وذلک لان تقدیر الدلیل المستمد من محضر الجلسة من صلاحیات قاضی الموضوع. إلا ان حجیة المحضر بالنسبة لما ورد به من وقائع واجراءات لیست مطلقة بل یجوز اثبات عکسها عن طریق التزویر .
3- أدلة الإثبات فی جریمة الاشتراک فی الزنا :
المبدأ الذی یسود الإثبات الجنائی هو عدم حصر الأدلة بعدد او نوع معین فجمیع الأدلة مقبولة فی الاثبات ما دامت قد تحصلت بصورة مشروعة طبقاً للقواعد الإجرائیة الخاصة بتحصیلها . ولکن بعض التشریعات خرجت عن هذا المبدأ العام بأن حددت الأدلة التی تقبل فی اثبات بعض الجرائم حیث لا یجوز الاثبات بغیرها ومنها المشرع المصری فقد اخذ بنظام الادلة القانونیة فی اثبات جریمة الزنا فقید التجریم بتوافر ادلة محددة حصراً فاذا لم تتوفر هذه الادلة لا یجوز ادانة المتهم حتى ولو توافرت ادلة اخرى فی الدعوى. وهذه الادلة حددها القانون بحالة التلبس بالجریمة والاعتراف ووجود مکاتیب او اوراق مکتوبة ووجود الشخص فی منزل وفی المحل المخصص للحریم. ویکفی ان یکون القاضی اقتناعه بناء على دلیل واحد من تلک الأدلة.
على انه یلاحظ ان هذا القید القانونی لا یعنی شل حریة القاضی فی الاقتناع على اساس ان حصر القانون للأدلة التی یجوز اثبات الاشتراک فی الزنا من خلالها لا یمنح هذه الادلة حجیة محددة یجب على القاضی الأخذ بها وإنما یقتصر الامر على تضییق دائرة الأدلة التی یجوز للقاضی ان یستمد اقتناعه منها دون اخلال بحریته فی تقدیر هذه الأدلة.
وبالرجوع الى قانون العقوبات العراقی، نرى ان المشرع العراقی لم یوجب توافر ادلة معینة لقیام جریمة زنا شریک الزوجة بل أخضعها لمبدأ حریة الاقتناع الذاتی للقاضی . ونرى انه کان اکثر توفیقاً لعدم الإشارة الى أدلة محددة لان هذا التمییز یؤدی الى التناقض فی الاحکام وإهدار المساواة بین الافراد فقد یثبت زنا الزوجة من شهادة شاهد ویقتنع القاضی بها فی حین لا یثبت زنا الشریک لعدم توافر دلیل من الادلة القانونیة المحددة حصراً فتعاقب الزوجة وینجو شریکها ، الامر الذی یصیب العدالة بالخطر.
خلاصة القول ان القاضی الجنائی یتمتع بسلطة تقدیریة واسعة فی تقدیر الادلة وهی مجرد نشاط ذهنی یرمی الى التوصل الى ایجاد حدث معین ، هذا الحدث هو تطبیق القانون وان المبدأ العام الذی یحکم هذه السلطة هو حریة القاضی فی الاقتناع وقد استقرت علیه جمیع التشریعات الجنائیة الحدیثة واصبح القاضی بموجبه غیر مقید بأدلة معینة او محددة قانوناً ، بل ان المحکمة تبنی قناعتها من خلال أی دلیل مطروح امامها فی الدعوى وللقاضی الحریة فی ان یستخلص الحقیقة من الادلة المقدمة الیه فی مراحل الدعوى المختلفة . ولکن هذا لا یعنی ان الحکم اصبح تبعاً لهدى القاضی ورهناً لعواطفه بل المقصود ان المرجع الاخیر قد اصبح لعقل القاضی وتفکیره وضمیره المستند الى دلیل ما ، ثم ان المشرع ضماناً لحسن سیر العدالة أورد عدداً من القیود او الضوابط والشروط والاستثناءات التی سبق الاشارة الیها وذلک لتنظیم هذه السلطة وقد جعل منها بمثابة صمام الامان إزاء السلطة الواسعة الممنوحة للقاضی الجنائی .
الخاتمة :
فی ختام بحثنا هذا نخلص الى ما یأتی :
أولاً- ان مبدأ الاقتناع القضائی ینتمی الى نظام الادلة المعنویة التی بموجبها یکون للقاضی الجنائی سلطة لوزن الادلة وتقدیرها ویقوم بدور ایجابی فی کشف الحقیقة من خلال حریته فی ان یستمد قناعته من أی دلیل یطمئن الیه ولا یلزم فی ذلک ان یناقش القاضی کل دلیل على حدة بل ان تکون قناعته من الادلة فی مجموعها طالما انها منتجة فی إثبات اقتناعه وهذا یعنی انه لا یجوز تقیید القاضی فی الحکم بدلیل معین والمشرع فی هذا المجال لا یتدخل فی تحدید الاسباب الخاصة التی تساهم فی تکوین قناعة القاضی حیث یستبعد کل تدخل تشریعی فی تحدید الادلة التی یستقی منها القاضی قناعته وکذلک فی اظفاء قیمة معینة لدلیل ما ، غیر ان ما یجب ملاحظته فی هذا المقام ان هذه الحریة فی الاقتناع التی یتمتع بها القاضی الجنائی لا یمکن اعتبارها من قبیل التحکم بمعنى ان القاضی لا یقیده فی تقییم دلائل الاثبات غیر الاحساس بمسؤولیة الوظیفة ونقاء الضمیر، بعبارة اخرى لیس له ان یقضی بما شاء فهذا هو التحکم وکل ما له من حریة انما یکون فی تبنی ما یراه من الوسائل والادلة مؤدیاً الى التثبت من الواقع الواجب القیام به ، وعلى الرغم مما تعرض له هذا المبدأ من انتقادات فإن غالبیة التشریعات قد اخذت به لانه یمثل الضمانة الاکیدة للاحکام الجنائیة العادلة وان وضع ضوابط واستثناءات عند ممارسة القاضی لحریته فی تکوین قناعته تکون بمثابة ضمانات لممارستها على الوجه الصحیح .
ثانیاً- ان مبدأ الاقتناع القضائی فی الوقت الحاضر اصبح یواجه تحدیات جدیة بعد بزوغ نظام الادلة العلمیة إذ یعتمد هذا النظام على العلم الحدیث من اسالیب فنیة وتقنیة علمیة فی إثبات الجریمة ونسبتها الى المتهم او براءته منها ویعطی هذا النظام الدور الرئیسی فی الاثبات للخبیر ویجعل اهم الادلة هی القرائن التی تخضع للفحص العلمی الدقیق والتی اصبحت قاطعة الدلالة بفضل هذه الاسالیب العلمیة فتقضی بذلک على قناعة القاضی جزماً ویقیناً وتساعد على تقلیل الاخطاء القضائیة وهذا ما دفع الى القول ان الوسائل العلمیة الحدیثة فی الاثبات تخلق لدى القاضی نوعاً من الاقتناع المفروض علیه ، أی انها تؤثر فی حریة القاضی فی الاقتناع وتجعل منه اداة لاعلان ما تسفر عنه هذه الوسائل من نتائج من خلال رأی الخبیر دون أی تقدیر من جانب القاضی لهذه النتائج ومثال هذه الادلة العلمیة الحدیثة تلک المستمدة من الطب الشرعی ومخرجات الکمبیوتر والبصمة الوراثیة وغیرها ، الامر الذی یدعو الى القول بأن هذا النظام قد یکون نظام المستقبل ویحل محل نظام الاقتناع القضائی فیصبح الخبیر هو قاضی الدعوى وهو صاحب الفصل فیها مما یعنی حرمان المتهم من ضمانات الحریة الفردیة التی لا یحسن حمایتها غیر القاضی .
ثالثاً- على الرغم مما قیل من إمکانیة حلول نظام الادلة العلمیة محل نظام الاقتناع القضائی فإننا نرى انه لا تعارض بین التطور العلمی وما ینتج عنه من ادلة علمیة حدیثة وبین هذا النظام إذ ان الامر لا یعدو ان یکون اتساعاً فی مجال الاستفادة من القرائن وإعمال الخبرة فی إطار حریة القاضی فی تکوین اقتناعه من مجمل ادلة الدعوى وحسبما یرتاح ضمیره وبما فیها الادلة العلمیة الحدیثة على ان هذه الحریة لیست مطلقة وأن القاضی لا یستعملها تعسفاً وإنما یقوم ببناء قناعته على ما یبرره من مسوغات ومن قواعد الاستدلال المنطقی فهو یراقب تقریر الخبیر والادلة العلمیة المتحصلة منه ویوازن بین النتیجة التی جاء بها وبین أدلة الدعوى الاخرى ، فلا بد اذن من وجود قاضی یبت بالمسائل القانونیة التی یستطیع الخبیر حسمها لذلک لا یمکن بأی حال استبعاد نظام الاقتناع القاضی ویمکن للقاضی ان یستفید من التقدم العلمی والاسالیب الفنیة المستحدثة بقدر اتساع نطاق الاستفادة من القرائن والخبرة مع الآخذ بنظر الاعتبار الظروف والملابسات التی وجدت فیها هذه الادلة العلمیة والتی تخضع لقناعة القاضی کما له حق الرقابة القانونیة على الرأی العلمی او الفنی الذی یبدیه الخبیر وان یتحرى مدى اتساق رأی الخبیر المستخلص من الادلة العلمیة الحدیثة مع سائر الادلة الاخرى فی الدعوى الجنائیة .
The Authors declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English)
Search References:
I. Books and Letters:
1. Fadhel Zaidan Mohammed, The Criminal Judge's Authority in Estimating Evidence, PhD Thesis, Faculty of Law, University of Baghdad, 1987.
2. Dr. Mahmoud Mahmoud Mustafa, Evidence in Criminal Proceedings, C1, (General Theory), I, Cairo University Press, 1977.
3. Dr. Muhammad al-Fadhel, Al-Wajeez in the Foundations of Criminal Trials, 1c, 2, Syrian University Press, Damascus, 1962.
4. Dr. Abdel Wahab Homed, The Foundations of Criminal Trials, Syrian University Press, Damascus, 1957.
5. Dr. Ahmed Fathi Sorour, Mediator in the Code of Criminal Procedure, C1, Cairo University Press, Cairo, 1979.
6. Dr. Mahmoud Naguib Hosni, Explanation of Criminal Procedure Law, House of Arab Renaissance, Cairo, 1982.
7. Abdul Amir Al-Akeeli and Dr. Salim Ibrahim Harba, Explanation of the Code of Criminal Procedure, C3, Baghdad, 1986.
8. Samir Abu Shadi, set of principles decided by the Court of Cassation in ten years (1956-1966), pending the legislative texts, the Arab Book Publishing House, Cairo.
9. Dr. Raouf Obaid, Principles of Criminal Procedure, I 12, Ain Shams University Press, 1978.
10. Adly Abdel Baqi, Explanation of criminal proceedings, C2, I 1, University Publishing House, Cairo, 1953.
11. Ali Zaki Al-'Arabi, Basic Principles of Criminal Investigation and Procedure, C1, Cairo, 1987.
12. Dr. Mohamed Zaher Maarouf, Preliminary Principles in the Foundations of Criminal Proceedings, C1, Dar al-Sa`d and Al-Ahlia Publishers, Baghdad, 1972.
13. Mohammed bin Abi Bakr bin Abdul Qadir al-Razi, Mukhtar al-Sahah, Dar al-Risala, Kuwait, 1983.
14. Dr. Mohammed Zaki Abu Amer, Evidence in Criminal Materials, Printing Press, Alexandria, 1985.
15. Sami Al-Nasrawi, Evidence in Criminal Proceedings, I, Dar es Salaam Press, Baghdad, 1974.
16. Dr. Abdul Latif Mohammed Al-Abd, logical thinking, Dar al-Nahda al-Arabiya, Cairo, 1978.
17. Dr. Saeed God, Explanation of the Code of Criminal Procedure, House of the Court of Printing and Publishing, Mosul, 1998.
18. Dr. Omar Al-Saeed Ramadan, Principles of the Code of Criminal Procedure, II, Dar al-Nahda al-Arabiya, Cairo, 1984.
19. Fuad Ali Sulaiman, Arrest of the Accused in Iraqi Legislation, Master Thesis Presented to the Faculty of Law, University of Baghdad, 1981.
20. Kamel Samurai and Abdul Razzaq al-Hasani, Criminal Jurisprudence in the Decisions of the Court of Cassation, c.4.
21. Dr. Ibrahim Al-Fahaz, Testimony as Proof of Criminal Material, Ph.D. Thesis, Atlas Press, World of Books, Cairo, 1980.
22. Dr. Fakhri Abdul Razzaq Al-Hadithi, Principles of Procedures for Economic Crimes, Al-Hurr Technical Printing Company, Baghdad, 1987.
23. Hassan Yousef Mustafa, Interview with Jurisdiction in Criminal Proceedings, I 1, International Scientific Publishing House, Jordan, 2003.
Periodicals:
1. Judicial Bulletin, issued by the Ministry of Justice, Baghdad, No. 34, Q4, 1974.
2. Judicial Bulletin, issued by the Ministry of Justice, Baghdad, No. 1, Q 5, 1974.
3. Set of Judgments, number 1, x 25.
4. The sentence set, number 4, x 2.
5. Set of the judgments of the Egyptian Court of Cassation, S 25, 1974.
6. Set of the judgments of the Egyptian Court of Cassation, Q 17, 1966.
7. Journal of Syrian Lawyers, issued by the Syrian Bar Association, No. 2, 1983.
8. Set of Legal Rules, C 7, 1964.
Laws:
1. Iraqi Criminal Procedure Code No. 23 of 1971.
2. The Iraqi Penal Code No. 111 of 1969.
3. Iraqi Evidence Law No. 107 of 1979.
4. Egyptian Criminal Procedure Law No. (150) for the year 1950 amending.
5. The Egyptian Penal Code No. (58) for the year 1973.
6. Jordanian Criminal Procedure Law.
7. Jordanian Penal Code No. (16) for the year 1960.
8. The Code of Criminal Procedure of Syria No. 112 of 1950.
9. Algerian Code of Criminal Procedure No. (66) for the year 1966 amending.